الدكتور محمد مهنا: تعدد الطرق الصوفية يعكس قدرات الناس في إدراك الحقيقة الإلهية
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
أكد الدكتور محمد مهنا، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن تعدد الطرق الصوفية ليس ظاهرة غريبة أو متناقضة، بل هو أمر طبيعي ويعكس التنوع في الاجتهادات البشرية في فهم وإدراك الحقيقة الإلهية، مثلما يحدث في مذاهب الفقه المختلفة.
وأوضح الدكتور مهنا أن التصوف يعد علمًا يرتبط بمعرفة الله تعالى، وأن السعي من خلاله هو محاولة للوصل إلى الله عبر التربية الروحية والصدق في التوجه إليه، مشيرًا إلى أن كل مريد يختار الطريق الذي يناسبه للوصول إلى الله وفقًا لتجربته الروحية وإدراكه للحق.
وفي حديثه خلال حلقة برنامج «الطريق إلى الله» على قناة "الناس"، أكد الدكتور محمد مهنا أن التصوف يعتمد على مفهوم "الصدق"، الذي يعتبر ثاني أعلى درجات الإيمان بعد النبوة.
وأشار إلى أن الصدق يتطلب من المسلم حالة من الارتباط القوي بالله سبحانه وتعالى، وهي ليست مجرد عبادة شكلية، بل عبادة تكون عن يقين وثقة في أن الله سبحانه وتعالى يراقب عبده في كل لحظة. وتابع قائلاً: "إن التصوف لا يتعلق فقط بالقوالب الظاهرة للعبادة، بل يكمن في الصدق الداخلي الذي يشعر به المسلم، ويعيش به طوال حياته".
تعدد الطرق الصوفيةوأشار أستاذ الشريعة إلى أن تنوع الطرق الصوفية هو انعكاس للاختلافات الطبيعية في قدرات الناس على إدراك الحقيقة الإلهية. فكل طريقة صوفية تعكس فهمًا معينًا للحقيقة، بناءً على التجربة الروحية ودرجة التزكية التي مر بها المريد.
كما أكد أن التصوف لا يسعى لخلق طرق متناقضة، بل يختلف بحسب استعدادات الناس وفهمهم الشخصي، ففي كل طريق يمر الإنسان بتجربة مختلفة تعكس درجة فهمه وتقديره للحقيقة.
مفهوم "مقام الإحسان" في التصوفوتطرق الدكتور مهنا إلى مبدأ "مقام الإحسان"، الذي يعتبر الأساس في التصوف، والذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، حيث قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فاعلم أنه يراك".
وأوضح أن هذا المفهوم يشير إلى مرحلة عالية من الإيمان، وهي عبادة لله تكون عن يقين كامل، يشعر فيها المسلم بوجود الله في كل لحظة من حياته. وأكد أن بعض الطرق الصوفية ترتكز على "المشاهدة"، حيث يرى المريد الحقيقة بعيون الإيمان، بينما تتسم طرق أخرى بمبدأ "المراقبة"، حيث يراقب المريد الله ويتقرب إليه بالعبادة والتقوى.
تنوع الطرق الصوفية واختلاف استعدادات النفوسكما أضاف الدكتور محمد مهنا أن الطرق الصوفية تتنوع حسب استعدادات النفوس وميول الأشخاص. فهناك من يميل إلى الزهد ويبحث عن البعد عن متاع الدنيا، بينما يجد آخرون راحتهم في العبادة والعمل الصالح. وأكد أن كل طريقة صوفية تستقطب تلاميذها الذين يتناسبون مع استعداداتهم الروحية. وأوضح أن التنوع في هذه الطرق لا يعني التناقض، بل هو تنوع طبيعي يعكس قدرة الإنسان على فهم الطريق الروحي الذي يناسبه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الطرق الصوفية الطريق إلى الله أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر المزيد الدکتور محمد مهنا الطرق الصوفیة
إقرأ أيضاً:
كيف كان النبي يستقبل شهر شعبان؟ أعمال مأثورة ومستحبة
يُعَدُّ شهر شعبان من الأشهر المباركة التي كان للنبي ﷺ فيها هديٌ خاص، حيث كان يُكثر من الصيام فيه، وهذا ما أكدته العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة.
فقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان" (رواه البخاري ومسلم).
وهذا يدل على أن النبي ﷺ كان يُكثر من الصيام في هذا الشهر، لكنه لم يكن يصومه كاملًا كما يصوم رمضان، بل كان يغلب عليه الصيام فيه.
أقوال العلماء في صيام النبي ﷺ لشهر شعباناختلف العلماء حول مدى إكثار النبي ﷺ من الصيام في شهر شعبان، فذهب بعضهم، مثل أبي داود والنسائي، إلى أنه صامه كاملًا، بينما رأى آخرون، مثل الحافظ ابن حجر وابن باز، أنه صامه كله إلا قليلًا.
ويشهد لهذا ما ورد في صحيح مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما علمته – تعني النبي ﷺ – صام شهرًا كله إلا رمضان"، كما قالت أيضًا: "ما رأيته صام شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان"، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما صام رسول الله ﷺ شهرًا كاملًا غير رمضان" (رواه البخاري ومسلم).
وقد رجَّح كثير من العلماء، مثل ابن المبارك وغيره، أن النبي ﷺ لم يكن يصوم شعبان كاملًا، لكنه كان يصوم أكثره، وهذا هو الأصح.
دعاء أول يوم من شعبان وأفضل الأعمال المستحبة.. اغتنم الفرصةاحذر الأحاديث الضعيفة عن شهر شعبان.. 10 روايات غير صحيحة شاعت بين الناسوكان ابن عباس رضي الله عنهما يكره أن يُصام شهر كامل غير رمضان.
كما قال الإمام ابن حجر رحمه الله: "كان صيامه في شعبان تطوعًا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان".
حكمة إكثار النبي ﷺ من الصيام في شعباناختلف العلماء في تفسير سبب إكثار النبي ﷺ من الصيام في شهر شعبان، ووردت عدة تفسيرات لهذا الأمر، منها:
تعويض ما فاته من الصيام التطوعي ذهب بعض العلماء، مثل ابن بطال، إلى أن النبي ﷺ كان ينشغل أحيانًا عن صيام الأيام الثلاثة من كل شهر بسبب السفر أو الانشغال بأمور أخرى، فكان يعوِّض ذلك بصيامه لشعبان.
فقد كان ﷺ إذا عمل عملًا أثبته، وإذا فاته قضاءه، فكان يقضي ما فاته من الأيام التطوعية في هذا الشهر.
تعظيمًا لشهر رمضان: هناك قول آخر يرى أن النبي ﷺ كان يُكثر من الصيام في شعبان تمهيدًا لشهر رمضان وتعظيمًا له، مثلما تُقدَّم السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة، وهذا ما أشار إليه الإمام ابن رجب الحنبلي، حيث قال: "صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام كمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، فهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده".
مواكبة وقت رفع الأعمال إلى الله: من الأسباب المهمة التي وردت عن النبي ﷺ في كثرة صيامه في شهر شعبان أن الأعمال تُرفع إلى الله تعالى في هذا الشهر، وكان يحب أن يُرفع عمله وهو صائم. فقد ورد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: "قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم" (رواه النسائي، وصححه الألباني).
فضل الصيام في شهر شعبان .. نفحات إيمانية وتمهيد لـ رمضاندعاء استقبال شهر شعبان .. 18 كلمة تحقق الأمنيات وهذه أفضل 110 أدعية جامعة للخيراتمواكبة زوجاته في قضاء ما عليهن من صيام رمضان: ورد في بعض الأقوال أن النبي ﷺ كان يُكثر من الصيام في شعبان لأن نساءه كن يقضين ما عليهن من أيام رمضان الفائتة في هذا الشهر، فكان يصوم معهن.
فضل إحياء الأوقات التي يغفل عنها الناس بالطاعةيُعتبر شهر شعبان من الشهور التي يغفل عنها الكثير من الناس، لأنه يقع بين شهرين عظيمين: شهر رجب، وهو من الأشهر الحرم، وشهر رمضان، وهو شهر الصيام والقيام.
ولهذا كان النبي ﷺ يُكثر من الصيام فيه، كما أشار إلى ذلك في حديثه: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان"، وهذا يدل على استحباب استغلال الأوقات التي يغفل فيها الناس بالطاعات.
وقد كان بعض السلف الصالح يحرصون على العبادة في أوقات الغفلة، مثلما كانوا يُحيون ما بين المغرب والعشاء بالصلاة والذكر، وقالوا إن هذه الأوقات تُعتبر من مواطن الغفلة التي يُضاعف فيها الأجر.
كما كانوا يُفضلون ذكر الله في الأسواق، لأنها مواضع يغفل فيها الناس عن الطاعة.
كما أن العمل الصالح في وقت الغفلة يكون أكثر مشقة على النفس، ولهذا يكون أكثر أجرًا، فقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ" (رواه مسلم).
وهذا يعني أن العبادة في أوقات الفتن والغفلة يكون لها فضل عظيم، لأن الناس حينها يكونون منشغلين بأمور الدنيا، فيكون العابد كمن هاجر إلى النبي ﷺ.
إخفاء الصيام وإسرارهمن الهدي النبوي والسلفي في الصيام أن يكون مخفيًا عن الناس قدر الإمكان، حتى يكون أصدق وأبعد عن الرياء. فقد كان بعض السلف يصومون سرًا، بحيث لا يعلم أحد أنهم صائمون، وكان أحدهم يخرج من بيته إلى السوق ومعه طعام، فيتصدق به ويصوم، فيظن أهله أنه أكله، ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته.
الإفتاء تفض اشتباك امرأتين توفى الزوج وترك لهما شقة كميراث.. فيديورد أمين الإفتاء على سيدة تريد الذهاب إلى الحج بتأشيرة زيارةوقد ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إذا أصبحتم صيامًا فأصبحوا مدهنين"، أي أن يُظهروا أنهم غير صائمين حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم.
كان النبي ﷺ يُكثر من الصيام في شهر شعبان، لكنه لم يكن يصومه كاملًا، بل كان يصوم أغلبه، وقد وردت عدة أسباب لذلك، منها تعويض الأيام الفائتة، وتعظيم شهر رمضان، ومواكبة وقت رفع الأعمال إلى الله، ومساعدة زوجاته في قضاء ما عليهن من صيام.
وكان النبي ﷺ يُرشد الناس إلى اغتنام هذا الشهر، لأنه شهرٌ يغفل عنه الكثيرون، كما أن العبادة فيه تكون أكثر مشقة وأجرًا، وكان من هدي السلف إخفاء الصيام ليكون خالصًا لله تعالى.