عربي21:
2025-04-23@07:29:54 GMT

الهاربون أمام ترامب

تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT

دخل دونالد ترامب كالإعصار على مشهد عالمي مضطرب فزاده اضطرابا. نصره المؤزر على خصومه في الداخل أعطاه روحا عدوانية إضافية، فانطلق يهدد العالم كأن ليس هناك قوة في العالم يمكن أن تقف في طريقه، شملت تهديداته العرب منطلقا من فلسطين. لست معنيا كعربي بما يوجهه من تهديدات إلى أوروبا وكندا لكني انتبهت رغما عني إلى حالة الخوف التي استشرت في المنطقة العربية من الإعصار الترامبي، فالقوم عندنا وأعني الأنظمة وأجهزتها الإعلامية بالتحديد؛ سقطت قبل الضربة وانتقل الحديث إلى كيفية تخفيف أضرار الإعصار لا تحديه فهو قدر مقدور.

هذا الخوف كاشف لأمور مهمة سنحاول مقاربتها.

عرب لم يقرؤوا الطوفان

قول ترامب بالتهجير لم يتجاوز حتى الآن التصريح العابث لشخص غير مسؤول (في باب طائرته)، فإدارته لم تصدر قراراتها التنفيذية بالتهجير. وهي ولو أصدرتها لا تعتبر ملزمة لأحد فهي ليست أقدارا إلهية، لكن الخوف غلب نفوسا مرعوبة جبلّة؛ سأقول أنفس مستعدة للخيانة.

قول ترامب بالتهجير لم يتجاوز حتى الآن التصريح العابث لشخص غير مسؤول (في باب طائرته)، فإدارته لم تصدر قراراتها التنفيذية بالتهجير. وهي ولو أصدرتها لا تعتبر ملزمة لأحد فهي ليست أقدارا إلهية، لكن الخوف غلب نفوسا مرعوبة
نضع صورة الخوف الرسمي العربي من قول ترامب العابث في مقابل طوفان عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة وإلى حماسهم العجيب في إعادة ترميم حياتهم المدمرة. الاستنتاج الأول من الصورتين أن الأنظمة العربية لم تقرأ انتصار حرب الطوفان، بل هي تستهين بنتائجه وفي العمق تبني على الرواية الصهيونية عن انتصار مطلق، وأن ما يجري في غزة الآن هو شأن صغير لا يكشف تغييرا على الأرض.

إن عودة ترامب إلى مشروع التهجير هو استجابة للطلب الصهيوني الذي دخلت به الحرب بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ولم تفلح في تحقيق أي خطوة منه. يفترض أن هذا النصر الفلسطيني يتحول إلى ورقة بيد الأنظمة (لن نحاسبها هنا عن خذلان المعركة في حينها)، لكن النصر حاصل فعلا ويمكنه أن يتحول إلى ورقة تفاوض بيد الأنظمة المرعوبة، وهناك أوراق قوية يمكن تجميعها لرفض التهجير:

- الرفض الفلسطيني للتهجير الظاهر في طوفان العودة إلى الشمال والشروع بالأيدي العزلاء في الترميم والتعمير.

- الرفض الشعبي العربي للتهجير خاصة في الأردن ومصر.

- العجز الصهيوني غير الخفي عن مواصلة الحرب بنفس الطريقة التي خاضتها لمدة 15 شهرا.

- العجز الأمريكي عن تمويل الحرب بعد ما أنفقته في حرب الطوفان ولم يحقق نصرا ولا تهجيرا.

ماذا بقي بيد الأنظمة إذن؟ بقي لها أن تواصل تجارتها ببيع الفلسطيني كما دأبت دوما، ولا نراها تتوجس فعلا من نقل صعوبات إضافية لشعوبها بنقل سكان جدد مفقرين وعاطلين عن العمل ويحتاجون تعليما وسكنا وحياة كاملة، ويحملون فوق ذلك جروح الخذلان في أعماق نفوسهم.

الأنظمة العربية (دول الطوق بالتحديد) ما تنفك رغم حرب الطوفان تستجدي بقاءها في الحكم بترضية الكيان وحماته الغربيين. لقد كان التطبيع وسيلتها، لكن حرب الطوفان أفسدت كل خطط التطبيع رغم أن ملف التطبيع لم يغلق نهائيا، إلا أن هذه الأنظمة تغير تكتيكاتها الآن لمواصلة نفس المهمة. هنا نقول بيقين: لم تفهم الأنظمة حرب الطوفان ولم تستوعب نتائجها على الأرض، ولا نراها تستوعب الثبات الفلسطيني.

لقد تغيرت الوقائع على الأرض

الفلسطيني لم يمت، إنه هنا والآن ويصر على البقاء وقد زاد في أرصدته بمائة ألف شهيد، لا بل أثبت للعالم أن العدو انهزم ووصل إلى مرحلة العجز عن مواصلة الحرب مهما تسلح (لقد بقي له فقط أن يستعمل سلاحا نوويا في غزة).

هذه حقيقة تفقأ عين العالم فكيف لا تراها الأنظمة العربية؟ إنها لا تريد أن تراها لأنها مرابطة في موقعها قبل الطوفان، أي تقديم خدمة للكيان وحماته الغربيين بكسر إرادة الفلسطيني ومنعه من التحرر وصولا إلى منعه من الحياة ليبقى الكيان الحامي للأنظمة.

الوضع بعد حرب الطوفان ليس كما كان قبله، هذا قول نسمعه في التحليلات الغربية المتألمة لهزيمة الكيان والتي نظن يقينا أنها تناقش الآن في مراكزها الاستراتيجية السؤال المصيري: ما فائدة الكيان بعد حرب الطوفان فوظيفيته استنفدت، وصارت كلفته عالية ومن المستحيل إعادته إلى دوره قبل الطوفان؟

لقد استشرف عبد الوهاب المسيري رحمه الله هذا الاحتمال منذ زمن فقال إن رفع كلفة الكيان على مموليه تنهي دوره، وقد ارتفعت الأكلاف إلى حد العجز عن التمويل بالذخيرة، فضلا على أن أداته العسكرية (التي لا تهزم) انهزمت وأثبتت عجزها إلا بتعويضها بجندي غربي غير معني بحرب ليست له.

فإذا أضفنا إلى ذلك عناصر أخرى منها اتساع الرفض الشعبي العربي لكل محاولات التطبيع أكثر مما كان عليه الأمر قبل الطوفان، ومنها ارتفاع معنويات الفلسطيني نفسه وقد قبِل البقاء في خرابته على الهجرة و"تسليك أموره الفردية" دون أن نغفل التغيير العميق الذي حدث في سوريا وفقدان العدو لنظام "سفيه كان يحميه حماية مطلقة"، وإليها نضيف تحولا عميقا في أوساط الرأي العام الغربي الذي بدأ يتحرر من السردية الصهيونية ويرى الحقيقة.

لماذا تخاف الأنظمة من ترامب؟ لا نراها خائفة من ترامب فعلا بل إنها تخاف أولا من شعوبها، وهي إذ تراود ترامب وتتمسكن أمامه تقوم بآخر محاولة للبقاء على عروشها. إنها تقول كما قال عباس "احمونا، احسبونا كلابكم واحمونا" من الفلسطيني المنتصر ومن شعوبنا المتوثبة. فعدوى النصر تسري في عروق هذه الشعوب التي رفضت التطبيع منذ أول اتفاقية.

نعم لم تفلح الشعوب العربية في العبور إلى غزة زمن الحرب (لأن جيوش الأنظمة حمت المعابر من تدفق الشعوب)، لكن النصر عبر إليها ورفع معنوياتها فزادت يقينا بأن التحرير الشامل ممكن. هنا تتسع الفجوة بين الشعوب وأنظمتها، والفجوة التي وسعها الربيع العربي مزقها الطوفان.

هنا لا يمكننا أن نتوقع تراجعات شجاعة من الأنظمة نحو شعوبها لتقر بأن شرعية البقاء لا يمكن أن تكون بغير الديمقراطية في الداخل العربي، ولكن استحقاق النصر الذي تحتاجه غزة من العرب هو أن تتحول المشاعر الإيجابية للنصر إلى فعل شعبي تقوده قوى حية مؤمنة بالتحرير، وهي الإمكانية الوحيدة لتصل رسالة واضحة لترامب في عليائه. انسَ التهجير وفّكر أن تتحدث حديث الديمقراطية مع الشعوب، فالطوفان انتصر في غزة والثمن دُفع في غزة والصدى وصل إلى آخر الأرض. هل تلتقط إدارة ترامب الرسالة؟ إن ترامب تجسيد مطلق للقوة الغبية، وستنتظر حتى تبدأ إدارته حسابات خساراتها في الأقطار؟ العام 2025 هو عام التحولات الكبرى في الشرق العربي. هذا يقين لا نفلح في وضع خريطة له.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب العرب الطوفان غزة التهجير غزة تهجير عرب طوفان ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب الطوفان فی غزة

إقرأ أيضاً:

طوق نجاة أم طوق خنق وحصار.. كيف تحولت الأنظمة العربية إلى درعٍ يحمي الاحتلال؟

يمانيون../
في خضمّ نيران التصعيد الصهيوني المستمر على قطاع غزة، لا يكاد الفلسطيني يجد فسحة أمل، أو سندًا حقيقيًا من “الأشقاء العرب”، الذين باتت بعض أنظمتهم -بشكلٍ علني أو مستتر- تمارس سياسة الطوق حول المقاومة، ليس لحمايتها، بل لخنقها.

فعلى وقع المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة، تسود حالة من الصمت العربي الرسمي، تتجاوز الحياد إلى ما هو أخطر؛ محاولات فرض الاستسلام على المقاومة، وشرعنة التنسيق مع كيان الاحتلال في دول “طوق فلسطين” كالأردن ومصر ولبنان وسوريا وتركيا.

هذا التحول المشهود لم يعد مجرد اجتهاداتٍ فردية أو انعكاس لبيانات فصائل الجهاد والمقاومة، بل ملامح نهج سياسي قيد التشكيل بإشرافٍ أمريكي مباشر، هدفه خنق المقاومة الفلسطينية وإعادة رسم الميدان السياسي والعسكري بما يخدم مصالح الاحتلال وحلفائه.

السكين من الخلف: اعتقالات وتضييق واتهامات

لم تكتفِ بعض الدول العربية بالتخلي عن واجبها الديني والقومي تجاه غزة، بل مضت إلى ما هو أبعد، حين باتت تتعامل مع فصائل المقاومة وكأنها الخطر الحقيقي لا الاحتلال الصهيوني.

في سوريا، تم اعتقال اثنين من قادة “سرايا القدس” دون توضيحٍ أو مبرر، في وقتٍ يؤكد فيه جناح الجهاد الإسلامي أنهم من خيرة كوادرها، ممن نذروا حياتهم لدعم المقاومة على الأرض السورية وفلسطين.

وفي لبنان، أوقفت مخابرات الجيش اللبناني عناصر من حركة حماس، وفتح القضاء اللبناني تحقيقًا عاجلًا، رغم أن الروايات تشير إلى أنهم شاركوا في إطلاق صواريخ على الاحتلال الصهيوني الذي يستبيح الأرض والسيادة اللبنانية.

أما في الأردن، فقد اختارت الحكومة الطريق الأمني لمواجهة من تعتبرهم “مخربين”، رغم أن المعلن في خلفيات القضايا يرتبط بمحاولة دعم المقاومة الفلسطينية.

وعلى الفور، تم وصم المعتقلين بالإرهاب، فيما تبرأت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية من الأفراد المتهمين رغم وضوح الخلفية السياسية المناصرة لغزة.

التحرك الأردني، الذي حظي بدعمٍ لبناني رسمي ومن رئيس الوزراء، يعكس تناغمًا مقلقًا في تضييق الخناق على كل من يخرج عن “الصف الرسمي” ويعبّر عن دعمٍ حقيقي لمقاومة غزة.

اليوم الثلاثاء، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، بيانًا أوضحت فيه اطلاعها على مجريات وتفاصيل القضية المتعلقة باعتقال مجموعة من الشباب الأردنيين.

وأكدت أنها على ثقة بأن “أعمالهم جاءت بدافع النصرة لفلسطين، ورفض العدوان الصهيوني المتواصل على غزّة، والدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، مشيرةً إلى أنهم لا يشكلون “بأي حالٍ من الأحوال تهديدًا لأمن الأردن أو استقراره، خاصة في ظل بشاعة الجريمة الصهيونية والإبادة الجماعية المتواصلة في غزة.

الضغوط تتكامل: تطويق داخلي وإقليمي

التحركات المتوازية في عدة عواصم عربية وإسلامية ليست محض صدفة، بل تأتي ضمن مخططٍ أوسع تقوده واشنطن بالشراكة مع حكومة الاحتلال لإعادة تشكيل المنطقة بما يضمن تحييد محور المقاومة.

هذا ما يفسر الضغوط الإعلامية والسياسية على حماس والجهاد الإسلامي، وتكثيف مراقبة كوادرهم في الخارج، بل واعتقالهم حين يلزم.

الضغوط لم تعد تقتصر على حدود الجغرافيا، بل تمتد لتشمل حرية التقييد في الحركة والتواصل وحتى مع منظمات العمل الإنساني، في محاولاتٍ خبيثة لنزع المشروعية الأخلاقية عن فصائل الجهاد والمقاومة، وتأليب الشارع الفلسطيني عليها.

وفي مشهدٍ بائس، تحاول بعض الأنظمة أن تُظهر المقاومة وكأنها سبب المأساة، متناسية أن من ينتهك التفاهمات والاتفاقيات ويقصف بلا توقف ولا رحمة هو الاحتلال الصهيوني، لا من يدافع عن شعبه المظلوم والأعزل.

الإعلام العربي والخليجي تحديدًا، يقوم بالترويج لفكرة “الواقعية السياسية” وكأنها تبرر الانبطاح الكامل، بينما يتم التشكيك في نوايا المقاومة الفلسطينية وتضخيم أي تحرك عسكري في غير غزة وكأنه فعل إجرامي، فيما تغض الطرف عن الإبادة المستمرة في القطاع.

واللافت اليوم أن بعض الأنظمة العربية تحولت من شركاء مفترضين في مشروع الجهاد وتحرير فلسطين، إلى أدوات في مشروع تصفية قضيتها.

ومع ذلك، تثبت غزة كل يوم أن المقاومة ليست مجرد بندقية، هي روح وفكرة لا تموت، ومن طوق العار المفروض عليها، ستصنع نصرًا، ومن بين الركام ستكتب فجرًا جديدًا، لأن غزة هاشم لا تُخنق، فمن يضيّق عليها اليوم باسم “أمنه” أو “واقعيته السياسية”، فليقرأ التاريخ: لم ينتصر محتل، ولم يُخلّد خائن.

عبدالقوي السباعي

مقالات مشابهة

  • ‏⁧‫مناقشة مع قادة الطبقة السياسية‬⁩ في ⁧‫العراق‬⁩ :-
  • بن رحمة يسجّل أمام العربي ويقود نيوم لتحقيق صعود تاريخيّ إلى”دوري روشن”
  • طوق نجاة أم طوق خنق وحصار.. كيف تحولت الأنظمة العربية إلى درعٍ يحمي الاحتلال؟
  • جدل التطبيع الرياضي يعود للواجهة.. بطلة مبارزة تونسية ترفض مواجهة إسرائيلية
  • تقرير إسرائيلي يرصد تراجع مواقف السعودية من التطبيع ويحذر من تخصيب اليورانيوم
  • طارق نصير من بغداد: نؤكد الدعم العربي والشعبي المتواصل لنصرة الشعب الفلسطيني
  • لقد تأخر الطوفان كثيرا
  • جبران أمام مؤتمر العمل العربي بالقاهرة: مصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار في غزة
  • جبران أمام مؤتمر العمل العربي: حريصون على الاستثمار في البشر وتوفير حياة كريمة للجميع
  • جبران أمام العمل العربي: نستثمر في البشر ونوفر حياة كريمة للمواطنين