صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-27@01:29:52 GMT

حرب البذاءات والانتكاسات القيمية

تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT

حرب البذاءات والانتكاسات القيمية

وجدي كامل

طوال حياتنا، وعلى مر الأيام، ولأجيال متعاقبة، كانت الكلمة النابية والألفاظ الجارحة والخادشة مرفوضة، وكان المجتمع، بمختلف طبقاته ومستوياته، يقف موقفًا واضحًا منها، نابذًا إياها، رافضًا تسللها إلى الحديث العلني. كانت كلمة * “عيب” * بمثابة السيف القاطع الذي يردع كل من تسوّل له نفسه الانحدار إلى هذا المستوى من الإسفاف، يطلقها الكبار بصرامة، فتُخرس المتجاوزين وتعيدهم إلى جادة الاحترام والانضباط.

لم يكن الأمر مجرد تقليد تربوي عابر، بل كان قيمة متجذرة، معيارًا أخلاقيًا تقيس به المجتمعات رُقي أفرادها. حتى أولئك الذين وُصموا بـ”قلة الأدب”، كانوا يدركون، ولو ضمنيًا، أن هناك حدودًا لا يجوز تجاوزها، فكانوا يتحفظون أمام النساء والأطفال، يراقبون ألفاظهم، وإن مارسوا إساءاتهم، مارسوها في الخفاء، بعيدًا عن أعين المجتمع ورقابته الصارمة.

لكن، يا للأسف، جاءت هذه الحرب، ولم تكتفِ فقط بإخراج أسوأ ما فينا، بل جعلتنا نشهد، بلا حول ولا قوة، مدى هشاشتنا الأخلاقية، ومدى قابلية القيم التي كنا نظنها راسخة لأن تنهار تحت وطأة الفوضى. لم تخرج هذه الحرب مسامعنا فقط، لم تشه لغتنا وحدها، بل شوّهت وعينا وإدراكنا، حين رأينا ليس فقط الجنود والمقاتلين من الطرفين يتلفظون بأسوأ الألفاظ، بل حتى المدنيين، كبار السن، العجائز الذين كانوا يومًا يُعدّون مرجعًا للقيم، باتوا اليوم يستخدمون ذات الألفاظ التي لطالما شجبوها. أين هم الآن في إعراب تلك التربية التي ظلوا يتحدثون عنها؟ وأين ذهبت القيم التي طالما نادوا بتطبيقها؟

لم تكن هذه الحرب مجرد معركة على الأرض، بل كانت حربًا على المعاني، على الحدود التي تفصل بين الوحشية والإنسانية. لم تقتصر على الكلمات، بل أظهرت لنا أبشع الصور التي لم يكن يمكن لعقل بشري أن يتخيلها؛ رأينا البطون تُبقر بوحشية، والأكباد تُؤكل كأنها غنائم، والأبرياء يُقتلون بلا ذنب، والحوامل يُسحلن في الطرقات كأنهن لم يحملن في أرحامهن الحياة، رأينا الوطن يُسرق، والخائن يصعد فوق الجثث ليصبح بطلًا في أعين قومه.

لكن أكثر ما يملأ القلب حزنًا ورعبًا هو أثر كل هذا على الأجيال القادمة، أولئك الذين وجدوا أنفسهم شهودًا رغماً عنهم على هذا الزمن الذي تحكمه *التفاهة، ويسوده *التافهون*. كيف سيكون نسقهم القيمي بعد أن أصبحوا يرون الباطل حقًا، والجريمة بطولة، والخيانة دهاءً، والانحطاط حرية؟ كيف سيتشكل وعيهم في عالمٍ لم يعد للأخلاق فيه أي وزن، ولم يعد للحق أي صوت؟

قلبي على هذه الأجيال، على مستقبلها الذي بات مجهولًا أكثر من أي وقت مضى، على القيم التي ستنهار تحت وقع الدماء والخراب، على اللغة التي لم تعد تُستخدم للتعبير عن الجمال، بل تحولت إلى أداة شتم وسب، على وطنٍ لم يعد يعرف من هم أبناؤه الحقيقيون ومن هم أعداؤه.

إنه زمنٌ غابت فيه القيم كلهم، وصار فيه الصراخ أعلى من الحكمة، والرعاع هم سادة المشهد، والتفاهة هي القانون الحاكم، والحق أضعف من أن يجد له مكانًا.

الوسوموجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

محاكمة مبديع تفضح "لجان الأظرفة" غير المؤهلة... ومتهم: كانت هناك أطر مؤهلة لم يتم توظيفها

واصلت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، يوم الخميس، لساعات طويلة، الاستماع إلى المتهمين في قضية محاكمة محمد مبديع، القيادي في حزب الحركة الشعبية، ورئيس سابق لجماعة لفقيه بنصالح.

وقد استمعت المحكمة إلى عبد الرزاق، رئيس لجنة الأظرفة ومستشار جماعي بلفقيه بنصالح منذ عام 1983، الذي صرح بأنه كان يقوم بفتح الملفات فقط، وأن رئيس مصلحة الصفقات الذي يدعى رشيد، ورئيس المصلحة التقنية الذي يسمى حميد، هما من يقومان بدراسة هذه الملفات « بحكم أنهما على دراية بالقانون ».

وعند استفساره من قبل القاضي عما إذا كان رأي رشيد وحميد هام، أجاب المتهم: « نحن لا نعرف، هما العارفان بهذه الأمور ».

وقد علق القاضي على هذا الأمر قائلاً: « شخصان يقرران مصير المال العام… نتحدث عن أكثر من 24 مليون درهم »، مضيفاً أن « العبرة ليست بالأقدمية بل بالعلم ».

فرد المتهم قائلا: « نحن لا نعرف، ليس لدينا علم ولا تكوين ولا شيء ». وأضاف أن « رشيد دائما ما تكون لديه الملفات حتى وإن لم يكن هو من يترأسها ».

كما استمعت المحكمة إلى متهم آخر يدعى عبده، وهو عضو سابق باللجنة. صرح هذا المتهم، على غرار باقي المتهمين، أنه غير مؤهل لدراسة وفهم هذه الصفقات التي تعرض على اللجنة التي ينتمي إليها، مبرزا، أنه لم يحصل على شهادة البكالوريا.

بل وأوضح، في ذلك الوقت كانت الإدارة تضم أطراً يمكن اختيارهم، لكن ذلك لم يحدث، وأنه لم يكن مؤهلا. وتساءل القاضي عن سبب عدم إخبار رئيس المجلس أي محمد مبديع بكونه يجهل هذه الأمور، رد المتهم بالنفي.

وواجهت المحكمة، المتهمين، بتصريحات لمهندسين تفاجأوا بوجود أسمائهم ضمن مكتب للدراسات. وأفاد أحد المهندسين، الشرطة، بوجود « وثيقة مزورة »، مؤكدا أنه لم يجمعه أي عقد عمل مع مكتب الدراسات التابع لشركة « إكترا »، وأنه لم يناقش بصفة استشارية أي طلب أو يتم تكليفه بمهام لدراسة هذه الصفقة. وأكد مهندس آخر أن سيرته الذاتية تضمنت « معطيات خاطئة »، وأنه كان يعمل في مدن أخرى، وأن التوقيع الموجود في الملف « لا يخصه »، معربا عن جهله بظروف وملابسات إقحام اسمه.

وقد وصف المتهم عبده، رشيد وحميد بأنهما « أكفاء في حقلهما »، مشيراً إلى خبرة رشيد الطويلة في مصلحة الصفقات، وحميد كرئيس للمصلحة التقنية. واختتم حديثه قائلا: « 40 عاماً وأنا أعمل بالجماعة، والآن استأجرت منزلاً في تطوان، لا أملك منزلا، أنا ضحية، ولا أعلم إن كان هذا غباء مني ».

وقد تقدم دفاع أحد المتهمين بطلب عارض لاستدعاء المهندسين المذكورين للاستماع إليهم، بصفتهم مصرحي المحضر. إلا أن المحكمة قررت رفض هذا الملتمس، وتأجيل الجلسة إلى 15 ماي المقبل.

كلمات دلالية الدار البيضاء محكمة الاستئناف محمد مبديع

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: رأينا شماتة كبيرة بعد خسارة الأ هلي في دوري أبطال أفريقيا
  • مختصون: وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين.. وتنظيمها ضرورة لحفظ القيم
  • الفنان محمد خميس: مصر كانت تسمى كيميت أيام الفراعنة
  • فضحية تهز اسبانيا .. قرارات منع تزويد إسرائيل بالسلاح كانت دعاية
  • أمين البحوث الإسلامية: حماية الأوطان مرتبطة بصناعة أجيال تحفظ القيم وتتمسك بالعلم
  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • محيطات الأرض بالكامل كانت خضراء يوما ما
  • أسامة كمال: سيناء كانت وما زالت قلبًا ينبض في جسد بلد عظيم اسمه مصر
  • نهيان بن مبارك: القيم الإنسانية عناصر محورية في توجيه الذكاء الاصطناعي
  • محاكمة مبديع تفضح "لجان الأظرفة" غير المؤهلة... ومتهم: كانت هناك أطر مؤهلة لم يتم توظيفها