رغم التحديات والضغوط اليومية التي يواجهها الكثير من الرجال، فإنهم غالبًا ما يختارون الصمت ويحمِلون أعباءهم بمفردهم، وكأن المشاعر والأحاسيس حكرًا على فئة معينة دون غيرها في مجتمع يفرض معايير صارمة للرجولة، حيث يُتوقع من الرجل أن يكون صامدًا كالصخرة، لا يلين ولا يضعف، تظل العديد من الأرواح مثقلة بالآلام خلف هذا الصمت.

من خلال هذا الاستطلاع، نسلط الضوء على أهمية كسر حاجز الصمت المفرط لدى الرجال، وضرورة تعزيز الوعي حول الصحة النفسية لديهم. فذلك لا يساهم فقط في تحسين حياتهم الشخصية، بل يساهم في خلق بيئة اجتماعية متوازنة وبناء أسر مستقرة، تسودها الطمأنينة والتفاهم النفسي.

أكد الدكتور محمد بن خميس البلوشي، الطبيب النفسي بمستشفى المسرة، أن رغم الجهود المبذولة لتعزيز الوعي بالصحة النفسية وأهميتها في حياة الأفراد، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الهدف، خاصة فيما يتعلق بتقبل وفهم هذا المفهوم في المجتمعات العربية، وأوضح أن هناك تفاوتًا في النظرة تجاه الصحة النفسية بين الثقافات العربية والغربية، ففي حين تشهد المجتمعات الغربية تقدمًا ملحوظًا في فهم الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة، لا يزال هذا المفهوم يعاني من قصور في الوعي في بلداننا العربية، ويرتبط هذا القصور -بحسب البلوشي- بالفهم الخاطئ الذي يربط الصحة النفسية بالاضطرابات العقلية، مما يثير مخاوف لدى الأفراد ويجعلهم يتجنبون طلب المساعدة.

وأشار البلوشي إلى أن طلب المساعدة النفسية لا يعني بالضرورة الإصابة باضطراب عقلي، لكن الثقافة السائدة، التي تُحمّل الرجل مسؤولية التماسك وقوة الشخصية تُعرقل الحوار حول المشاعر والاحتياجات النفسية، هذه الوصمة الاجتماعية تجعل العديد من الأشخاص يتجنبون التحدث عن مشاعرهم خوفًا من الحكم عليهم أو تصنيفهم بشكل سلبي.

وأوضح البلوشي أن المجتمعات العربية غالبًا ما تركز على الصحة الجسدية، مثل اتباع الأنظمة الغذائية والرياضة، بينما تُهمَل الصحة النفسية التي لا تقل أهمية عنها. كما أشار إلى أن هناك ضعفًا في الوعي بفرق حاسم بين مشاعر الحزن العابرة والاكتئاب الذي يتطلب تدخلًا علاجيًا، وهو ما قد يجعل البعض يعيشون في معاناة نفسية طويلة دون إدراك أنهم بحاجة إلى دعم نفسي، وهذه المعاناة تتفاقم بسبب النظرة السلبية للمجتمع تجاه من يعبرون عن مشاعرهم، مما يؤدي إلى تعزيز الكبت العاطفي ويزيد من المشكلات النفسية والجسدية.

وأوضح الدكتور محمد البلوشي أن الدراسات تشير إلى توفر خدمات الصحة النفسية في معظم المناطق، سواء عبر المؤسسات الحكومية أو الخاصة، حيث يمكن الحصول على موعد في مدة لا تزيد عن أسبوعين. ومع ذلك، يبقى الوعي بهذه الخدمات وأهميتها منخفضًا مما يحد من إقبال الكثير من الأفراد، وخاصة الرجال، على الاستفادة منها.

وأضاف أن المشكلة ترجع جزئيًا إلى الثقافة الاجتماعية السائدة التي تبرز الرجل كرمز للقوة والصلابة فتُحرمه من فرصة التعبير عن مشاعره. منذ الطفولة، يُعلم الصبيان أن "الرجال لا يبكون"، أو أن مشاعرهم تُعتبر علامة على الضعف، وهي عبارات قد تبدو بسيطة، لكن في واقع الأمر، تزرع بذور الكبت التي تشكل حواجز أمام التعبير عن المشاعر.

ودعا البلوشي إلى ضرورة تغيير هذه الثقافة من خلال تشجيع أفراد المجتمع على استخدام عبارات تعاطفية تدعم الرجل بدلاً من انتقاده أو ربط الصحة النفسية بالضعف، مثل هذه العبارات "أنا مقدّر ما مررت به" أو "كيف يمكنني مساعدتك؟"، يمكن أن تفتح أبواب التواصل وتعزز من دعم الشخص نفسيًا.

وأكد البلوشي أن الكبت النفسي يمكن أن يتجلى في أعراض جسدية، حيث يعبر الجسم عن المشاعر المكبوتة بطرق غير صحية مثل الصداع، وآلام البطن، والإرهاق العام، وفي كثير من الأحيان يلجأ الأشخاص إلى العيادات الطبية دون أن يدركوا أن السبب الأساسي لمشاكلهم الصحية هو القلق أو التوتر النفسي.

وأوصى البلوشي بأن يكون لدى الرجل شبكة دعم قوية، سواء من الأسرة أو الأصدقاء، وأن يسعى للحصول على المساعدة إذا شعر بصعوبة في مواجهة تحدياته النفسية، وأوضح أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل هي أساس النجاح في جميع أدوار الحياة، وإذا لم تُعالج المشكلات النفسية في وقت مبكر فإنها قد تتفاقم لتؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية مثل اندلاع النزاعات الزوجية أو الشجارات المتكررة، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة.

كما أشار إلى أن "التنفيس" يعد جزءًا أساسيًا من الحفاظ على الصحة النفسية، وقد يختلف من شخص لآخر، فالبعض يجد راحته في الأنشطة البدنية مثل الجري أو رفع الأثقال، بينما يفضل آخرون قضاء الوقت في الطبيعة أو على الشاطئ. ويشمل التنفيس أيضًا ممارسات روحية مثل التأمل أو الصلاة التي تساعد على تهدئة العقل وتعزيز الطمأنينة النفسية.

واختتم البلوشي حديثه بالتأكيد على أهمية التحفيز في حياة الرجل للحفاظ على استمراريته في تحقيق أهدافه، ويمكن أن يكون التحفيز بسيطًا مثل شرب كوب من القهوة في لحظة هدوء أو قضاء وقت على الشاطئ بعد أسبوع عمل مرهق. أما التحفيز الأكبر، مثل تحقيق أهداف أو مكافآت أكبر، يتطلب تخطيطًا ومثابرة لتحقيق طموحات أكبر.

أهمية الجانب النفسي

وأكد المدرب الرياضي سلطان بن سيف الحراصي أن ممارسة الرياضة تتجاوز كونها نشاطًا بدنيًا، إذ تمثل وسيلة أساسية لتحفيز المهارات الحياتية وتعزيز التوازن النفسي، مشيرًا إلى أن الوعي النفسي يعد ركيزة أساسية للرياضيين في التعامل مع التحديات التي يواجهونها في التدريب والمنافسات الرياضية على مستوى العالم.

وأوضح الحراصي أن الجانب النفسي يعد من أكبر التحديات التي يواجهها اللاعبون، حيث إن التعامل مع الضغوط النفسية مثل حالات التنمر والمشاكل الشخصية يتطلب فهمًا عميقًا ودعمًا متواصلًا، ورغم أن تدريب المهارات البدنية قد يكون سهلاً نسبيًا، فإن المعاناة النفسية التي يمر بها اللاعب قد تؤثر بشكل مباشر على أدائه داخل الملعب؛ إذ يعكس سلوك اللاعب في بعض الأحيان مشكلاته الشخصية أو الضغوطات النفسية التي يواجهها، مما قد يدفعه إلى التصرف بشكل عدواني أو انفعالي، ويؤثر ذلك في قراراته داخل المباراة، مثل الحصول على بطاقة حمراء، وهذا يبرز أهمية وجود أخصائي نفسي لمساعدة اللاعبين في التعبير عن مشاعرهم وتقديم الدعم النفسي اللازم.

وفيما يخص أهمية التحضير النفسي للرياضيين، أشار سلطان الحراصي إلى أن الاستعداد الذهني هو الأساس لتحقيق النجاح الرياضي في أي مجال، وأوضح أن الرياضي قد يكون في أفضل حالاته البدنية، إلا أنه إذا لم يكن مستعدًا عقليًا لمواجهة التحديات والضغوطات النفسية فقد يعاني من مشاكل مثل القلق أو التوتر، خاصة في الأجواء الحماسية أو أمام الجمهور، وأكد أن التحضير النفسي لا يقل أهمية عن التحضير البدني، وأن على المؤسسات الرياضية والمجتمعية أن تكون أكثر وعيًا بأهمية الدعم النفسي لضمان تحقيق الأداء الأمثل للرياضيين.

وأشار الحراصي إلى أمثلة لأبرز الرياضيين مثل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، اللذين يحققان نجاحاتها ليس فقط بفضل قدرتها البدنية، ولكن بفضل توازنها بين الجوانب البدنية والعقلية، حيث يعتمدان على تقنيات مثل التنفس الصحيح والتأمل لتحسين أدائهم. كما استشهد الحراصي بتجربة السباح الأمريكي مايكل فيلبس، الذي تعرض لاضطرابات نفسية بعد خسارته في بطولة 2012، ومع ذلك، بعد برنامج تأهيلي مكثف لتقوية عقله، تمكن من العودة بقوة أكبر، مما يعكس أهمية الدعم النفسي في تمكين الرياضيين من التغلب على التحديات.

وشدد الحراصي على أهمية الاعتراف بمشاعر اللاعبين وتقديم الدعم النفسي لهم، سواء في الأوقات الصعبة أو عند تحقيق الإنجازات، وقال الحراصي: إن إظهار التفهم للضغوط النفسية التي يمر بها اللاعب لا يعزز فقط من أدائه، بل يسهم أيضًا في تعزيز صحته النفسية العامة.

كما تناول المدرب الرياضي في حديثه مفهوم "الرجولة" في الثقافة المجتمعية، مؤكدًا أن الرجولة لا تقتصر على القوة البدنية أو الصمود أمام التحديات، بل تشمل أيضًا القدرة على التعبير عن المشاعر والضعف عندما يستدعي الأمر، وأشار إلى تجربته الشخصية في التعامل مع الحزن بعد فقدان قريب له، حيث كان يشعر بالخجل من إظهار مشاعره خوفًا من أن يُنظر إليه بشكل سلبي كـ"رجل". ومع مرور الوقت، أدرك الحراصي أن التعبير عن الحزن ليس ضعفًا بل هو جزء من الإنسانية، وأضاف أن الشجاعة تكمن في الاعتراف بالمشاعر والعمل على معالجتها، مؤكدًا أن الرجولة الحقيقية تتمثل في قدرة الرجل على مواجهة التحديات النفسية بأسلوب ناضج وواعٍ.

وشدد الحراصي على أهمية تبنّي المجتمع والرياضيين الوعي النفسي كأساس لتحقيق التوازن في الحياة الشخصية والمهنية، مع تعزيز بيئة رياضية داعمة تتيح للرياضيين أن يعبروا عن أنفسهم بشكل صحي وواقعي.

كما أكد عبد العزيز بن ناصر الغيثي ناشط في مجال الصحة النفسية وعضو حملة "نحن معك للصحة النفسية" أهمية فهم الرجال لتحدياتهم النفسية في ظل الضغوط الاجتماعية، وكيفية تجاوز هذا التحدي من خلال طلب الدعم النفسي دون الشعور بالضعف أو النقص، وأوضح الغيثي أن هذا الشعور ينبع من المفاهيم التقليدية التي يتم ترسيخها منذ الطفولة، حيث يُربى الرجل على أن يكون قويًا، وأن يُظهر فقط القوة والصلابة دون إظهار أي مشاعر ضعف أو عجز.

وأشار الغيثي إلى أن المجتمع ما يزال يتعامل بحساسية كبيرة مع موضوع الصحة النفسية، حيث يفضل الكثير من الرجال التزام الصمت عند مواجهة ضغوط نفسية، وقد يعتقدون أن هذا الصمت يعكس قوتهم وقدرتهم على السيطرة، لكن في الواقع، فإن تراكم المشاعر المكبوتة على مدى طويل قد يؤدي إلى انفجار عاطفي في وقت ومكان غير مناسبين.

وأضاف الغيثي أن أحد الأسباب التي تدفع الرجل إلى الصمت هو عدم العثور على الشخص المناسب للاستماع إليه، أو شعوره بأن الآخرين سيحاولون توجيهه أو تقديم نصائح قد لا تكون مفيدة في اللحظة التي يحتاج فيها فقط إلى شخص يتيح له التعبير عن مشاعره، وأكد على أن إحدى الطرق التي يمكن أن تساعد الرجل هي التوجه إلى شخص موثوق به، سواء كان شريك الحياة أو صديقاً مقرباً، للحصول على الدعم النفسي اللازم.

وأشار عبدالعزيز إلى أن العزلة لفترة معينة قد تكون مفيدة في بعض الحالات، ولكن بشرط أن تكون بهدف تجديد الطاقة والتفكير العميق في الأمور التي قد يكون الشخص غافلاً عنها. ورغم ذلك، شدد على أن العزلة المفرطة قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة والضياع، مما قد يفاقم المشكلة.

وفي سياق آخر، لفت الغيثي إلى أن بعض الشباب يلجؤون إلى حلول خاطئة للتعامل مع الضغط النفسي، مثل التدخين أو تعاطي المخدرات، مما يؤدي إلى تدمير أنفسهم بدلاً من مواجهة المشاكل بشكل مباشر، وأكد أن الهروب من المشكلة لا يعالجها، بل الحل يكمن في مواجهة التحديات بشجاعة للتغلب عليها والانطلاق نحو حياة أفضل.

كما أكد الغيثي على ضرورة توفير جلسات منتظمة للتنفيس عن المشاعر ومناقشة التحديات في بيئة آمنة خالية من الأحكام، وأضاف أن مثل هذه الجلسات تتيح للأفراد فرصة التحدث بحرية، مما يسهم بشكل كبير في تحسين الصحة النفسية وتعزيز الشعور بالدعم والتقدير.

من جانبها أوضحت سعاد بنت عبدالله الغيلانية أخصائية العلاج النفسي في عيادة "يونيا"، أن المجتمعات غالباً ما تحدد مفاهيم القوة والرجولة بطرق قد تؤثر سلباً على قدرة الرجال على التعامل مع تحدياتهم النفسية، وأكدت أن الصحة النفسية تشكل أساساً لحياة متوازنة ومستقرة وليست دليلاً على الضعف، بل هي جزء لا يتجزأ من صحة الإنسان بشكل عام، وأشارت إلى أهمية كسر حاجز الصمت لفهم أعمق لما يمر به الرجال من تحديات نفسية، مؤكدة أن القوة الحقيقية تكمن في مواجهة هذه التحديات والبحث عن الدعم عند الحاجة.

وأضافت الغيلانية أن توسيع الفهم المجتمعي للصحة النفسية أمر بالغ الأهمية، بما في ذلك إعادة تعريف القوة الحقيقية ودور الأسرة في دعم أفرادها، خاصةً الرجال عند مواجهتهم لأزمات نفسية، وأكدت أن تأثير الصحة النفسية يمتد إلى العلاقات الاجتماعية، وبالتالي يجب على المجتمع أن يكون أكثر وعيًا ودعماً للحوار حول هذه القضايا.

وأشارت الغيلانية إلى ضرورة كسر حاجز الصمت بشأن الصحة النفسية في المجتمعات التي ترى القوة والصلابة كسمات أساسية للرجولة، وأوضحت أن القوة الحقيقية تتمثل في القدرة على الاعتراف بالتحديات النفسية والبحث عن الدعم المناسب للتوصل إلى حلول عملية لمشاكل الصحة النفسية التي يواجهها الرجال.

وتحدثت الغيلانية عن وجهين لتأثير الصمت على الصحة النفسية، حيث يمكن أن يكون الصمت إيجابياً إذا استُخدم للتفكير والتأمل، ولكن إخفاء المشاعر والضغوط لفترات طويلة قد يؤدي إلى تأثيرات جسدية ونفسية سلبية، مثل الانفعالات العصبية المفرطة وتدهور الأداء الشخصي والمهني.

وأكدت الغيلانية على ضرورة كسر حاجز الصمت في المجتمع لتحسين الصحة النفسية، مشيرة إلى أن هذا يتطلب التعاون بين الأفراد والمؤسسات من أجل توفير بيئة داعمة تشجع على الحوار المفتوح حول قضايا الصحة النفسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصحة النفسیة التی یواجهها النفسیة التی الدعم النفسی النفسیة فی التعبیر عن عن المشاعر التعامل مع على أهمیة ی المجتمع یؤدی إلى أن یکون یمکن أن التی ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

لا تجعل مشاعرك قيدًا يُعطِّلك عن الحياة

 

 

عائشة بنت محمد الكندية

كُلٌ منا يمرّ بمواقف وتجارب تحمل في طياتها مشاعر متناقضة، ما بين الألم والفرح، الحزن والانتصار، ومن المؤكد أن هذه المواقف قد تكون جزءًا من حياتنا الاجتماعية أو المهنية؛ مما قد يؤدي أحيانًا إلى سحق أحلامنا وتبخر أمانينا، خاصة عندما نستسلم لآلامنا أو نحصر أنفسنا في دائرة الإحباط. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تصبح المشاعر، مهما كانت صعبة، دافعًا نحو التقدم بدلًا من أن تكون قيدًا يُعيق حركتنا؟

بدايةً، المشاعر جزءٌ لا يتجزأ من كيان الإنسان، فهي التي تمنح لحياته المعنى والعمق. ومع ذلك، فإنه لا يمكننا أن نتجاهل كيف تتحول أحيانًا إلى حاجز يعترض طريقنا، بدلًا من أن تكون قوة دافعة. على سبيل المثال، كثيرًا ما نجد أنفسنا متوقفين عند مشاعر الحزن أو الخوف أو الإحباط، خاصة بعد فقدان شخص عزيز أو التعرض لخيبة أمل كبيرة. ومن المهم أن ندرك أن تلك المحطات تجعلنا ندور في دائرة مغلقة من الأفكار السلبية، فنعتقد أن البقاء في تلك الحالة هو الخيار الوحيد. لكن في الواقع، التوقف عند المشاعر السلبية لفترة طويلة يسرق منا فرصًا ثمينة، ويحولنا إلى متفرجين في حياتنا بدلًا من أن نكون صانعيها.

ولذلك، يُمكن للمشاعر- إذا أحسنّا التعامل معها- أن تصبح وقودًا للحياة؛ فالحزن، على سبيل المثال، يمكن أن يكون دافعًا لبداية جديدة، والخوف يمكن أن يتحول إلى شجاعة نواجه بها المجهول. وعليه، لا ينبغي لنا أن ندع مشاعرنا تسيطر علينا بالكامل، بل يمكننا أن نحولها إلى أدوات تعلّم ونمو. وهنا يبرز التساؤل: كيف يمكننا أن ننتقل من مرحلة التوقف إلى مرحلة التحرك؟

أولًا وقبل كل شيء، تبدأ الخطوة الأولى بتقبّل المشاعر. ومن المهم أن نعترف بما نشعر به بدلًا من محاولة إنكاره أو الهروب منه. وبالفعل، مواجهة الألم بوعي يجعلنا ننظر إليه كفرصة للتعلم والنمو، مهما كان قاسيًا. على سبيل المثال، يمكننا أن نسأل أنفسنا دائمًا: ما الدرس الذي يمكن أن أتعلمه من هذه التجربة؟ كيف يمكنني أن أطور نفسي أو أساعد الآخرين؟ ولا بأس، إذا لزم الأمر، من الاستعانة بأصدقاء مقرّبين أو أفراد العائلة، وحتى مختصين نفسيين، للحصول على الدعم اللازم لتجاوز الصعوبات.

ومن المقولات التي أثرت في تفكيري بشدة في هذا الإطار، ما قاله الكاتب الأمريكي توني روبينز: "المشاعر ليست سوى طاقة، والطريقة التي نوجهها بها هي ما تصنع الفارق". كذلك، عبر الشاعر اللبناني جُبران خليل جبران عن فكرة عميقة بقوله: "الحزن قد يُثمر أزهار الأمل إذا أحسنَّا العناية ببذوره". هذه العبارات تُلخِّص بوضوح جوهر تحويل المشاعر إلى قوة تدفعنا نحو التقدم بدلًا من أن تكون عائقًا في طريقنا.

وفي الختام.. لا شك أن الحياة تمضي بسرعة، ولا تنتظر أولئك الذين يتوقفون طويلًا عند مشاعرهم. وبالنظر إلى ذلك، فإن الفرص تمرّ والعالم لا يتوقف، فلماذا نتوقف نحن؟ لذا، اجعل مشاعرك دافعًا يدفعك لتحقيق أحلامك وأهدافك، وليس قيدًا يُعيق تقدمك. وتذكّر دائمًا أن المحطات التي نمُرُّ بها ليست سوى نقاط عبور، وليست أماكن للإقامة.

مقالات مشابهة

  • القهاوي المصرية صمام أمان اجتماعي
  • زوجه تصرخ أمام المحكمة مطالبه بالطلاق..جوزى ممل وكئيب
  • تعاون بين المستشفى العسكري للطب النفسي والأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان
  • «الصحة النفسية» توقع بروتوكول تعاون لتعزيز الرعاية وعلاج الإدمان
  • ورشة في وزارة الصحة لتنسيق الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في ‏سوريا
  • متلازمة الطفل المتعجل خطر يهدد الصحة النفسية والعقلية.. كيف تتعامل معه؟
  • انفراد.. ننشر تقرير الصحة النفسية لسفاح عزبة رستم المتهم بإنهاء حياة أمه وشقيقه وشقيقته
  • أهمية ممارسة الرياضة لمحاربة السرطان
  • لا تجعل مشاعرك قيدًا يُعطِّلك عن الحياة