تقول مصادر دبلوماسية إن التكتل يواجه دعوات لتعليق اتفاقية المعادن واسعة النطاق مع رواندا، وسط مخاوف من أنها تؤجج الصراع المتصاعد في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

اعلان

أدى الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى مطالبة بروكسل بمراجعة اتفاق مع الحكومة الرواندية، يهدف إلى تأمين إمدادات المواد الحيوية المستخدمة في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.

وأشادت بروكسل بالاتفاق، الذي تم توقيعه في شباط/ فبراير من العام الماضي، كخطوة رئيسية في تأمين إمدادات المواد المطلوبة بشدة، والتي تستخدم لتشغيل ما يسمى بالتحول الأخضر والرقمي، ولكنها تعرضت للانتقاد بسبب غض الطرف عن التجارة غير المشروعة للمعادن التي ينهبها المتمردون المدعومون من رواندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما وثقت الأمم المتحدة.

وعزز متمردو حركة 23 مارس، المدعومون من رواندا، سيطرتهم على أجزاء من مدينة غوما مؤخرا، في مقاطعة كيفو الشمالية الغنية بالمعادن في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتفيد التقارير أنهم يتقدمون إلى مقاطعة كيفو الجنوبية، الأمر الذي يعتبر تصعيدا كبيرا ينتهك القانون الدولي.

متمردو حركة إم 23 يرافقون جنودًا حكوميين استسلموا وأفرادا من الشرطة إلى مكان غير معلوم في غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية 30 كانون الثاني يناير 2025Moses Sawasawa/AP

وقد تركز التوغل على المناطق المكتظة بمناجم استخراج الذهب والكولتان والقصدير والتنتالوم وغيرها من المواد الهامة والمواد الأرضية النادرة. ولطالما اتهم المسؤولون الكونغوليون ومسؤولو الأمم المتحدة رواندا باستخدام متمردي إم 23 للاستيلاء على المناجم وتهريب المعادن من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى سلاسل الإمداد الخاصة بهم.

ويقول المنتقدون إن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ورواندا يمكّن "معادن الصراع" من دخول سلاسل التوريد العالمية والأوروبية. ويشتبه في أن الأموال المتأتية من المعادن المهربة تساعد في تمويل الجماعات المسلحة المسؤولة عن الصراع المتصاعد، مع ما يترتب على ذلك من عواقب إنسانية مدمرة على المدنيين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

متمردو حركة إم 23 يرافقون جنودًا حكوميين استسلموا وأفرادا من الشرطة إلى مكان غير معلوم في غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية 30 كانون الثاني يناير 2025Moses Sawasawa/AP

وقال وزير الخارجية البلجيكي برنارد كوينتين، يوم الأربعاء عند حديثه للصحفيين في زيارته إلى المغرب، إنه حث نظراءه الأوروبيين على اتخاذ إجراءات معينة.

وقالت مصادر دبلوماسية لـيورونيوز إن بلجيكا طرحت تعليق اتفاقية الاتحاد الأوروبي للمعادن.

كما قالت رئيسة وفد البرلمان الأوروبي في أفريقيا، هيلدا فوتمانز، يوم الخميس، إن على السلطة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي أن تبعث رسالة واضحة إلى الرئيس الرواندي بول كاغامي تفيد بتعليق الاتفاقية، حتى تثبت رواندا أنها ستتوقف عن تدخلها حسب تعبيرها.

تقدم يورونيوز فيما يلي، تفاصيل الصراع، والضغط على الاتحاد الأوروبي للرد.

ماذا يحدث في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؟

يمكن إرجاع جذور الصراع طويل الأمد في الأراضي الحدودية لجمهورية الكونغو الديمقراطية مع رواندا إلى الإبادة الجماعية فيها عام 1994، عندما قُتل حوالي 800 ألف شخص، معظمهم من عرقية التوتسي، على يد متطرفين من مجموعة عريقية تدعى الهوتو.

وأدى التمرد الذي قاده التوتسي بقيادة الرئيس الرواندي الحالي بول كاغامي إلى إنهاء الإبادة الجماعية، ما دفع حوالي مليون شخص من الهوتو، إلى الفرار من رواندا تجاه أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.

طفل يدفع حقيبة سفر تجاه مسؤولي الأمن الروانديين الذين يقومون بفحص الأشخاص القادمين من الكونغو في رواندا 29 كانون الثاني يناير 2025Brian Inganga/AP

وعانت المنطقة من الصراع، وعاشت حربين متتاليتين، على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ولا تزال التوترات العرقية منتشرة.

وتقود حركة 23 مارس التوتسي ذات الأقلية العرقية، وتدعي أنها تحمي حقوقها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

كما لا تزال جماعة مسلحة من الهوتو نشطة في المنطقة، حيث أنشأها قادة سابقون في الإبادة الجماعية في رواندا، وهي القوات الديمقراطية لتحرير رواندا. وتقول كيغالي إن تلك القوات تشكل تهديدًا لأمن البلاد، وإن هناك تهديدًا مستمرًا بالإبادة الجماعية ضد التوتسي.

خريطة تظهر جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندايورونيوز

هذا الأسبوع، سيطرت جماعة إم 23 على معظم أجزاء مدينة غوما، وهي مركز رئيسي للنقل والتجارة في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تقع على الحدود مع رواندا. وأفادت التقارير بوقوع اشتباكات عنيفة ومميتة بين القوات الحكومية والمتمردين.

اعلان

كما أفادت التقارير أن الجماعة استولت على مدن رئيسية أخرى، تعتبر أساسية في المنطقة لتجارة المعادن ونقلها.

ويقول خبراء الأمم المتحدة إن هناك أدلة على أن القوات المسلحة الرواندية تسيطر بحكم الأمر الواقع على عمليات حركة 23 مارس، حيث تزودها بالأسلحة والتدريب حسب وصفها.

وبينما دأب الرئيس الرواندي على إنكار دعم الدولة لإم 23، إلا أن الأدلة تراكمت، حيث صرح قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جان بيير لاكروا هذا الأسبوع بأن وجود قوات رواندية في غوما تدعم الحركة، أمر لا شك فيه.

ويوم الخميس، قال متحدث باسم السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أن الكتلة تحث رواندا على وقف الدعم والتعاون مع الجماعة المسلحة.

اعلانما هو اتفاق الاتحاد الأوروبي مع رواندا؟

وقّعت بروكسل وكيغالي "مذكرة تفاهم" في شباط/فبراير 2024 لضمان "إمدادات مستدامة من المواد الخام" للاتحاد الأوروبي، مقابل تمويل تطوير سلاسل توريد المعادن والبنية التحتية في رواندا.

ويعتبر ذلك جزءا من خطة شراكة الاتحاد الأوروبي للبنية التحتية التي تبلغ قيمتها 300 مليار يورو، وهي من بين مجموعة من الصفقات المماثلة مع الدول الغنية بالمعادن، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين، المنافس الجغرافي الاستراتيجي.

ووصفت رئيسة الشراكات الدولية في الاتحاد الأوروبي آنذاك، غوتا أوربيلينن، الصفقة بأنها تضمن سلسلة قيمة مستدامة وشفافة ومرنة للمواد الخام الحيوية، حسب وصفها.

وتعتبر الصفقة رواندا لاعبا رئيسيا في استخراج التنتالوم العالمي، ومنتجا للقصدير والتنغستن والذهب والنيوبيوم. كما تشير أيضاً إلى إمكانات البلاد في استخراج الليثيوم، المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، والعناصر الأرضية النادرة، حسب التعبير.

اعلانعامل منجم كونغولي يغربل الصخور الأرضية لفصل حجر الكاسيتريت وهو الخام الرئيسي الذي تتم معالجته وتحويله إلى قصدير في بلدة نيابيبوي شرق الكونغو 16آب أغسطس 2012 Marc Hofer/AP2012

قال غيوم دي برييه من خدمة معلومات السلام الدولية (IPIS) ومقرها أنتويرب والتي تجري أبحاثًا على الأرض، ليورونيوز، إنه معاينة إلى التركيب الجيولوجي لرواندا، تعكس أ،ه من غير الممكن أن استخراج ما يتم تصديره. وهو ما ذكرته أيضًا وزارة الخارجية الأمريكية العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، يُعتبر أن الرئيس الرواندي كاغامي أقام علاقات ودية مع القادة الأوروبيين، كما قام بتسويق بلاده كشريك في الجهود الأوروبية لإدارة تدفقات الهجرة.

في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، ورد أن مسؤولاً ألمانياً في حكومة المستشار أولاف شولتز المنتهية ولايته، اقترح في أن يتم إعادة استخدام أماكن الإقامة التي تم تطويرها لخطة اللجوء بين المملكة المتحدة ورواندا لطالبي اللجوء الذين يصلون إلى ألمانيا.

لماذا هناك دعوات لتعليق اتفاق المعادن؟

هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن المتمردين المدعومين من كيغالي في جمهورية الكونغو الديمقراطية يقومون بتصدير المعادن إلى رواندا عن طريق الاحتيال.

اعلان

وخلص تقرير للأمم المتحدة صدر في حزيران/ يونيو 2024 إلى أن حركة إم 23 أنشأت ما وصف بالإدارة الموازية التي تتحكم في أنشطة التعدين والتجارة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتصدر ما لا يقل عن 150 طنًا من الكولتان إلى رواندا.

وتقدر الأمم المتحدة أيضًا أن الحركة تدرّ حوالي 300.000 دولار أمريكي (288.000 يورو) شهريًا من الإيرادات من خلال سيطرتها على منطقة تعدين شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

أعضاء الصليب الأحمر يجمعون جثث أعضاء مزعومين في القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية الذين قتلوا في القتال ضد متمردي إم 23 في الكونغو 30 كانون الثاني يناير 2025Brian Inganga/AP

وفي الوقت نفسه، زادت رواندا صادراتها من المعادن من 772 مليون دولار (741 مليون يورو) في عام 2022 إلى 1.1 مليار دولار (1.06 مليار يورو) في عام 2023، وعمقت علاقاتها التجارية مع الشركاء العالميين.

زعم وزير المالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية العام الماضي، أن البلاد تخسر ما يقرب من مليار دولار من الذهب والقصدير والتنتالوم والتنجستن المهرب بطريقة غير مشروعة من رواندا.

اعلان

وتقدمت الحكومة في كينشاسا مؤخرًا بشكاوى جنائية في فرنسا وبلجيكا ضد شركات تابعة لشركة آبل (Apple)، متهمة عملاقة التكنولوجيا باستخدام معادن الصراع. وزعمت شركة المحاماة التي تمثل جمهورية الكونغو الديمقراطية أن تسع شركات تكرير على الأقل تزود شركة آبل بالتنتالوم مصدرها رواندا، في حين أن إنتاج البلاد من هذه المادة "يقترب من الصفر".

كيف يمكن أن يرد الاتحاد الأوروبي؟

قادت بلجيكا، القوة الاستعمارية السابقة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الدعوات إلى رد حازم من الاتحاد الأوروبي.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال متحدث باسم الذراع الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي إن الاتحاد مستعد للنظر في اتخاذ تدابير تقييدية جديدة، ضد المسؤولين عن استمرار النزاع المسلح وعدم الاستقرار وانعدام الأمن في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

لكن الدعوات لإعادة فتح صفقة المعادن تم رفضها حتى الآن. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية يوم الثلاثاء إن الشراكة التي وقعتها الكتلة مع رواندا تهدف بشكل رئيسي إلى دعم التوريد المستدام والمسؤول وإنتاج ومعالجة المواد الخام.

اعلانالناس يهرعون للتسوق في وسط مدينة غوما في الكونغو بعد تقدم المتمردين من حركة إم23 إلى غوما عاصمة شرق الكونغو 30 يناير 2025Brian Inganga/AP

وأضاف المتحدث أن الهدف من مذكرة التفاهم مع رواندا بالتحديد، هو زيادة إمكانية التتبع والشفافية وتعزيز مكافحة الاتجار غير المشروع بالمعادن.

ويدعم الاتحاد الأوروبي القوات الرواندية المنتشرة للتصدي لما وصفه بالتمرد الإسلامي المتصاعد في مقاطعة كابو ديلغادو الغنية بالنفط في شمال موزمبيق، حيث خصص 20 مليون يورو إضافية في إطار ما يسمى بمرفق السلام الأوروبي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وردًا على سؤال يوم الخميس حول ما إذا كان دعم القوات الرواندية المشتبه به لحركة 23 مارس قد يؤدي إلى إلغاء تمويلات صندوق السلام الأوروبي، رفض متحدث باسمه التعليق، لكنه أشار إلى أن مثل هذا القرار يتطلب دعمًا بالإجماع من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

المصادر الإضافية • أ ب

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الجزائر تتهم الاتحاد الأوروبي بممارسة التضليل السياسي في قضية الكاتب بوعلام صنصال هجوم على السفارات الأجنبية في كينشاسا.. تصعيد الصراع في الكونغو وأزمة إنسانية تلوح في الأفق شاهد: فن النقش على المعادن في المغرب المدرج ضمن قائمة التراث غير المادي لليونسكو مواد أوليةالصينالاتحاد الأوروبيجمهورية الكونغو الديموقراطيةمنجمرواندااعلاناخترنا لكيعرض الآنNextمباشر. إسرائيل تجري مشاورات أمنية لاستئناف الحرب على غزة وترامب واثق من استقبال مصر والأردن للفلسطينيين يعرض الآنNext قولوا وداعًا لأمريكا.. ترامب يُعيد تهديد مجموعة "بريكس" إذا فكرت في استبدال الدولار يعرض الآنNext هجوم أوكراني بـ49 مسيرة على روسيا يشعل النار في مصفاة نفط فولغوغراد إحدى أكبر المصافي في البلاد يعرض الآنNext إليكم أبرز الرؤساء العرب الذين هنأوا الشرع على توليه رئاسة سوريا يعرض الآنNext "نفعل الكثير من أجلهم وسيفعلون ذلك".. ترامب أكيد من قبول عمان والقاهرة لخطة تهجير الفلسطينيين اعلانالاكثر قراءة ترامب يؤكد مقتل جميع ركاب الطائرة المدنية وطاقم المروحية العسكرية بالعاصمة واشنطن السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق القران عدة مرات الرئيس السوري أحمد الشرع يخاطب السوريين الليلة ودمشق تستقبل أمير قطر حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا الزبيدي الممنوع من العودة إلى جنين؟ يتهم إسرائيل بالعنصرية ويجمع المساعدات لغزة.. روبوت مخصص لدعم تل أبيب يخرج عن السيطرة اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلحركة حماسغزةدونالد ترامبقطاع غزةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذكاء الاصطناعيأسرىمحادثات - مفاوضاتسوريااليابانروسياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل حركة حماس غزة قطاع غزة دونالد ترامب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل حركة حماس غزة قطاع غزة دونالد ترامب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مواد أولية الصين الاتحاد الأوروبي جمهورية الكونغو الديموقراطية منجم رواندا إسرائيل حركة حماس غزة دونالد ترامب قطاع غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذكاء الاصطناعي أسرى محادثات مفاوضات سوريا اليابان روسيا فی شرق جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة فی جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة کانون الثانی ینایر الاتحاد الأوروبی الرئیس الرواندی الأمم المتحدة العام الماضی یعرض الآنNext حرکة 23 مارس فی الکونغو من رواندا مع رواندا حرکة إم

إقرأ أيضاً:

حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بينما كان العالم ينتظر حفل توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف، تحول لقاء الرئيسين ألأمريكى دونالد ترامب والأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، يوم الجمعة، فى البيت الأبيض إلى مشادة نارية شاهدها الملايين على الهواء مباشرةً، وغادر بعدها زيلينسكى البيت الأبيض، فيما ترددت أنباء بأن ترامب طرده بحسب "فوكس نيوز" نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض.. وبذلك، لم يتم التوقيع على اتفاق المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
ويرى ترامب أن اتفاق المعادن النادرة أمر ضرورى كخطوة نحو التوسط في اتفاق لوقف الحرب مع روسيا والسير فى طريق السلام والاستقرار، وأيضاً ليسترد ما تحملته واشنطن من مليارات الدولارات دعماً لكييف.. ورغم توتر الأجواء وإنهاء الزيارة، فإن زيلينسكى قال عن الصفقة: "يمكننا أن نمضي قدماً بها، لكن هذا ليس كافياً"، وكتب على "منصة أكس": "شكراً أمريكا.. شكراً لدعمكم، شكراً لكم على هذه الزيارة". وأضاف: "إن أوكرانيا تحتاج إلى السلام العادل والدائم، وهو ما نحن نعمل على تحقيقه". ويرى محللون أن هذه الرسالة بمثابة محاولة من الرئيس الأوكراني لتصحيح مسار المفاوضات بعد تعثرها، كما يؤكدون على أن الرئيس الأمريكى لن يتنازل عن مطلبه بتوقيع اتفاق المعادن باعتبار ذلك حرباً لا بد أن تُحسم لصالحه.. 
فى محاولة لفك طلاسم هذه الصفقة وفهم أبعادها وأهميتها فى ظل حاجة الولايات المتحدة لتلك المعادن النادرة، نطرح سؤالاً محورياً: ما هو السر وراء إصرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إبرام صفقة الحصول على المعادن النادرة من أوكرانيا؟.. المعلن أنه يريد أن يسترد المليارات التى أنفقتها واشنطن على دعم أوكرانيا فى حربها مع روسيا.. لكن الواقع يقول إن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالأساس بحاجة الولايات المتحدة لهذه المعادن لاستخدامها فى الكثير من منتجاتها.
يوضح جيوم بيترون، الباحث المشارك في معهد إيريس، أن اعتماد الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، على المعادن الهامة التي تنتجها الصين هو جوهر اتفاقية التعدين المحتملة مع أوكرانيا.
ما هي بالضبط مصالح الولايات المتحدة وأوكرانيا في هذا العقد؟ لماذا أصبحت هذه الموارد المعدنية ثمينة واستراتيجية إلى هذا الحد؟ تحليل يقدمه جيوم بيترون، الباحث المشارك في إيريس، ومؤلف كتاب "حرب المعادن النادرة. الوجه الخفي للتحول في مجال الطاقة والرقمنة".


تحفظات مهمة 


يقول جيوم بيترون إن أوكرانيا تمثل ٠.٤٪ من كتلة اليابسة على الكوكب، ولكنها تحتوي على ٥٪ من ما يسمى بالمعادن الحرجة.. وتعتبر هذه الموارد مهمة للغاية لأن الإنتاج فيها يقتصر على عدد قليل من البلدان. ومن ثم هناك خطر حدوث نقص في العرض. ومع ذلك، فإن هذه المواد الخام ضرورية للتكنولوجيات الجديدة، والطاقات الخضراء، وكذلك لتكنولوجيات الدفاع.

 يختلف عدد المعادن حسب الدولة.. وقد أدرج الاتحاد الأوروبي ٣٤ عنصرًا، بينما أدرجت الولايات المتحدة ٥٠ عنصرًا. وقد يشمل ذلك المعادن الشائعة، مثل الحديد والألومنيوم والنحاس والزنك، وما إلى ذلك.. بالإضافة إلى المعادن التي تعتبر نادرة لأنها أقل وفرة في قشرة الأرض، مثل الكوبالت أو التنجستن.
ومن ثم فإن هذا التفاوت بين حجم الأراضي الأوكرانية وإمكاناتها مثير للاهتمام للغاية. كما نجد في باطن الأرض، سواء قيد الاستغلال أو للاستغلال، كل أنواع المعادن التي ذكرناها: اليورانيوم، والجرافيت، والحديد، والنيوبيوم، والليثيوم، وربما المعادن النادرة، وهي عائلة أخرى من خمسة عشر معدنًا، حيث نجد من بين أمور أخرى السكانديوم أو الإيتريوم.


عنصر حاسم


ويضيف جيوم بيترون أن هناك منطقا انتهازيا من جانب دونالد ترامب. يعتقد الرئيس الأمريكي، وهو رجل أعمال سابق، أنه قادر على إعادة التوازن المالي، بالنظر إلى ما تمكن الأمريكيون من إنفاقه في عهد سلفه من أجل أمن أوكرانيا. لكن شبح الصين، منافستها، هو الذي يلقي بظله على هذا الاتفاق. ولكي نفهم هذا، علينا أن نعود إلى الوراء قليلًا. الولايات المتحدة دولة منتجة للتعدين، ولكنها تستخرج اليوم عدداً قليلاً نسبياً من المعادن الحيوية لأن مناجمها أُغلقت، ولم يتم فتح مناجم جديدة لأسباب بيئية. وفي الوقت نفسه، سمح الأمريكيون لدول الجنوب العالمي بإنتاج هذه المعادن لصالحهم منذ ثمانينيات القرن العشرين.. وهذه الملاحظة تنطبق أيضاً على الفرنسيين والأوروبيين بشكل عام. وهذا أمر غير مريح لأنه يخلق اعتماداً على الصين.
وقد اكتسب العملاق الآسيوي الزعامة والنفوذ الكبير فيما يتصل باستخراج وتكرير هذه الموارد. ولقد هددت الصين لسنوات بالتوقف عن تصديرها، وهو ما تفعله، على سبيل المثال، مع الغاليوم والجرمانيوم، بينما تشدد الولايات المتحدة سيطرتها على تكنولوجيات تصنيع الرقائق. وعلى مدى السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، شهدنا صحوة أمريكية، في سياق التوترات الجيوسياسية والتجارية المتنامية مع الصين. وقد تم اتخاذ إجراءات على أعلى مستوى في الدولة لتحديث قائمة المعادن الحرجة، وتحديد الاختناقات في سلسلة القيمة الخاصة بها، وإعادة إطلاق الإنتاج على أراضيها، وتوقيع شراكات دبلوماسية مع دول أخرى من أجل تنويع إمداداتها.. وعلاوة على ذلك، قد يجد ترامب هذه المعادن في أماكن أخرى غير أوكرانيا، على سبيل المثال على أراضيه، أو بين جيرانه في كندا، أو في أمريكا اللاتينية. وببساطة، هناك فرصة فورية هنا والآن في أوكرانيا لتبادل الأمن بهذه الموارد تحت مبدأ "السلام مقابل المعادن".


مصالح أوكرانيا 


ولا تزال تفاصيل كثيرة حول هذه الصفقة (التى لم يتم التوقيع عليها) غير معروفة، لكنها قد تكون مفيدة لفولوديمير زيلينسكي. لأن المشاركة في المناجم تعني الاستثمار في الطرق، وفي الموانئ التي تسمح بتصدير الخام، وفي البنية التحتية للطاقة التي تسمح بإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل المناجم.. وهو أيضًا استثمار في الموارد البشرية التي تسمح بخلق فرص عمل في أوكرانيا. السؤال هو من سيتحمل هذا الجهد ومن سيحصد الثمار وبأي نسبة؟ وهنا يتعين على فولوديمير زيلينسكي أن يقف بحزم لضمان أن تكون الصفقة عادلة ومنصفة.
المعيار الثاني المثير للاهتمام بالنسبة لأوكرانيا هو أنه لا ينبغي لأي معادن أن تخرج من البلاد للذهاب إلى الولايات المتحدة بموجب تفويض ترامب.. وقت التعدين طويل جدًا. لقد مرت بالفعل ما بين ١٠ إلى ١٥ سنة بين وصول الأمريكيين وإنشاء نموذج اقتصادي قابل للتطبيق واستخراج المعادن. ومن ثم يجب إضافة نفس المدة لاستغلال المنجم. وهذا يبشر بوجود تواجد أمريكي في هذه المنطقة الاستراتيجية على مدى العقود الثلاثة المقبلة على الأقل. وأخيراً، فإن تركيب أداة التعدين الروبوتية المتطورة والمعقدة من الجيل الأحدث، مع كل البنية التحتية اللازمة، يكلف عشرات أو مئات المليارات من الدولارات. ولن تستثمر الولايات المتحدة هذا المبلغ في سياق سياسي غير مستقر، حيث تقاتل القوات الروسية في كل زاوية فى شارع.. كل هذا يعني ضرورة الاستقرار الجيوسياسي. ولا يمكن أن يأتي الاستقرار بدون السلام. وسيتعين على الأمريكيين ضمان ذلك على المدى الطويل. إن زيلينسكي يربط مصيره بمصير الأمريكيين.


استراتيجية أوروبية


وحول الموقف الأوروبى، يقول جيوم بيترون: لقد كان الأوروبيون يدركون دائمًا أن هناك احتياطيات محتملة متاحة في أوكرانيا. علاوة على ذلك، جرت مناقشات بشأن اتفاقيات التعاون في مجال الليثيوم. لكن زيلينسكي يدرك أن الأوروبيين مترددون في التنقيب عن المعادن في القارة بسبب قضايا اجتماعية وبيئية، حيث يتطلب التنقيب حفر حفرة كبيرة في الأرض، مما يؤثر دائمًا على التنوع البيولوجي، وعلى التربة. ومن ثم، تتطلب عملية التكرير استخدام المواد الكيميائية والمذيبات.. ومع ذلك، يرى زيلينسكي أنها بمثابة رافعة لإعادة إعمار بلاده. 
أما بالنسبة لأوروبا، فإن لديها استراتيجية. في عام ٢٠٢٤، قدم الاتحاد الأوروبي قانون المواد الخام الحرجة، والذي ينص على قائمة تضم ٣٤ معدنًا حرجًا، وأهدافًا كمية غير ملزمة لعام ٢٠٣٠. ووفقًا لها، يجب أن يأتي ١٠٪ من احتياجاتها من الموارد المستخرجة من باطن الأرض، في ٢٧ دولة في الاتحاد. وسيتم إنتاج نحو ٤٠٪ من هذه المادة من مواد خام يتم تكريرها في نفس المنطقة. الهدف الثالث هو أن ٢٥٪ من احتياجات المعادن الأساسية تأتي من إعادة التدوير.
باختصار، يتعلق الأمر بإعادة فتح المناجم في أوروبا، ثم الذهاب للحصول على المعادن من الآخرين لتنقيتها فى أوروبا، وذلك بفضل الدبلوماسية المعدنية النشطة. ويتضمن ذلك إبرام اتفاقيات مع أستراليا وكندا وتشيلي ومنغوليا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها من الدول، من أجل تأمين الإمدادات الحالية والمستقبلية من المعادن. وهكذا، وكما فعلت الولايات المتحدة، ينبغي تنويع الإمدادات بدلاً من الاعتماد على الصين.
وأصبحت أوروبا على علم بهذه القضية. ولكن، كما ذكرنا سابقًا، فإن وقت التعدين طويل. إن التحرر من هذا الأمر أمر صعب، وخاصة عندما يتوجب عليك التفكير في فتح مناجم على أراضيك الخاصة. ولنذكر على سبيل المثال لا الحصر، مشروع إيميلي (إيمريس) في ألييه الذي يثير قدراً كبيراً من التوتر في فرنسا. هل يقبل السكان المحليون رؤية منجم مفتوح في أسفل حدائقهم حتى نتمكن من تصنيع سيارات كهربائية تسير في مناطق منخفضة الانبعاثات في باريس؟.
ومن المفهوم أن إنتاج المعادن النادرة سوف يصبح أكثر تكلفةً.. لا نريد أن نكون مثل الديوك الرومية في مهزلة التحول في مجال الطاقة، ضحايا الاستعمار الأخضر الجديد. التحدي الآن هو معرفة في أي مرحلة من معالجة الخام سيتم تصديره. وهذه هي المناقشات التي تدور حاليا.


ازدياد التوتر


ونبه جيوم بيترون إلى أن هناك معادن معينة قد يخلق الطلب عليها توتراً كبيراً، قائلاً: سوف تكون هناك حاجة كبيرة إلى الليثيوم ولجميع المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات. الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز هي العناصر الأساسية. والجرافيت أيضًا، وهو معدن مهم جدًا لهذه الأدوات نفسها. ويمكننا أيضًا أن نذكر المعادن الموجودة في محركات السيارات الكهربائية والتي تحتوي على معادن نادرة. والشيء نفسه ينطبق على توربينات الرياح ذات الطاقة العالية. وأخيرا، أصبح النحاس عنصراً بالغ الأهمية، فهو معدن موصل للكهرباء يستخدم في بناء أميال من خطوط الجهد العالي وخطوط الطاقة. ونستطيع أن نرى بالفعل سيناريو نقص محتمل، لأن الإنتاج غير قادر على مواكبة الزيادة في الطلب. لكن السؤال يظل معقدا. لأنه حتى لو عرفنا احتياجاتنا للغد، فكيف ستتطور المواد الكيميائية، خاصةً أن بدائل المعادن النادرة، وهي عائلة من المعادن المحددة للغاية، لا تزال غير متوفرة؟.
 

مقالات مشابهة

  • مخاوف من تصاعد صراع الكونغو الديمقراطية إلى حرب إقليمية
  • تصاعد التوتر في الكونغو الديمقراطية وسط تحركات إقليمية لمواجهة متمردي أم 23
  • عادل عمروش مدربا لمنتخب رواندا
  • علّقوا صلاة التراويح.. القتال بشرق الكونغو الديمقراطية يعمّق معاناة المسلمين
  • العنف يهدد بحرب إقليمية في الكونغو الديمقراطية
  • حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟
  • مهاجم كريستال بالاس يتعرض لإصابة خطيرة بالرأس
  • برلماني أوروبي بارز: على الاتحاد الأوروبي أن يكون "أقوى وأجرأ" بشأن المعادن الأوكرانية
  • وكالات الإغاثة تطلب 2.54 مليار دولار لدعم وحماية 11 مليون شخص في الكونغو الديمقراطية
  • الكونغو الديمقراطية: مصرع أكثر من 8500 شخص في جوما منذ نهاية يناير