د. الشفيع خضر سعيد

الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب، منظمة مدنية سودانية تضم مجموعة من المفكرين والأكاديميين والفاعلين، سياسيين وغير سياسيين، ظلوا ينحتون في صخر واقع البلاد المتأزم قبل وبعد إنقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وذلك من خلال عدة منصات وبمسميات مختلفة. وفور إندلاع الحرب في الخرطوم، تقدمت الآلية بمقترح إلى قيادة القوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع بعنوان «المرتكزات الأساسية والترتيبات النهائية لوقف إطلاق النار الدائم واستعادة الحياة المدنية» وبالطبع تجاهلت القيادتان هذا المقترح ولم تردا عليه.

تنادي الآلية بفكرة التداول الوطني الشامل وصولا إلى مشروع وطني مجمع عليه، وتتمسك بأن لأبناء وبنات السودان القرار الأول والأخير في رسم مستقبل دولتهم ووضع أسس ولبنات مشروعهم الوطني المغيب، مؤكدة إيمانها اليقين بقدرة الشعب السوداني الصلبة والأكيدة في تجاوز المحنة الراهنة وفرض إرادته الحرة الغالبة. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية في البلاد مع سيطرة أجواء الاقتتال في الخرطوم والجنينة، شرعت الآلية في التحضير لمؤتمر يعقد داخل السودان، في مدينة أركويت شرق البلاد. لكن، وبسبب التعقيدات السياسية في موقع المؤتمر المقترح والناتجة من ممارسة رفض الآخر، غض النظر عن من هو هذا الآخر وما هو طرحه، إضافة إلى ضعف الموارد، عُقد المؤتمر إسفيريا يومي 18 و19 يونيو/حزيران 2023، وصدر عنه «نداء أركويت لما بعد الحرب… المشروع الوطني وسودان المستقبل».
الفكرة المحورية والسائدة في خطاب الآلية، هي تشكيل حكومة مؤقتة، قبل الحرب كانت الآلية تدعو إلى تكوين حكومة تصريف أعمال، وبعد الحرب صارت تدعو لحكومة طوارئ، مسؤولة عن إدارة الأزمة في البلاد وتتصدى لمعالجة النتائج التدميرية للحرب، وتوفير الاحتياجات الإنسانية والمعيشية والحفاظ علي تماسك الدولة السودانية في وجه التحدي المصيري الذي يواجهها ويهدد جودها. والآلية ترى أن تشكيل حكومة الطوارئ هو أهم ما يمكن أن يتفق عليه الجانب المدني في إطار مجهودات وقف الحرب وتقصير أمدها. وشكت الآلية لجنة وطنية واسعة من كل قطاعات الشعب السوداني للقيام بوظيفة محددة، ومن موقع مستقل، هي الإتصال بكل المكونات في البلد، بما في ذلك التجمعات المهنية والقوى السياسية ولجان المقاومة والمجتمع المدني والأهلي وقطاع الأعمال، وكذلك دعوة السودانيين كافة، وذلك لتلقي الترشيحات للحكومة من كفاءات وأفراد من ذوي الخبرة في مجال الإدارة وأصحاب الذاكرة المؤسسية وممن يميلون لتغليب التوجة الوطني على المصالح الفئوية مع ضرورة الأخذ في الاعتبار التمثيل المتساوي للأقاليم. ومؤخرا، أصدرت الآلية خارطة طريق للوصول إلى تشكيل حكومة الطوارئ، تتضمن تنظيم حملة إعلامية تشرح أهداف لجنة الترشيحات الوطنية المستقلة وضرورتها ودورها في وقف الحرب، مع التأكيد على التقيد بمبدأ الشفافية في كل أعمال اللجنة.

تنادي الآلية بفكرة التداول الوطني الشامل وصولا إلى مشروع وطني مجمع عليه، وتتمسك بأن لأبناء وبنات السودان القرار الأول والأخير في رسم مستقبل دولتهم ووضع أسس ولبنات مشروعهم الوطني المغيب

وأيضا تنص خارطة الطريق على استكمال مسودات المراسيم الدستورية التي تعكف على إعدادها اللجنة القانونية المنبثقة عن مؤتمر نداء أركويت المشار إليه أعلاه، والتي ستصدر متزامنة مع الإعلان عن وقف الحرب وسحب القوات من المدن وتسليم السلطة لحكومة الطوارئ، ولتحكم فترة الستة أشهر الى العام بعد وقف الحرب وقبل البدء في عملية التداول الوطني. أيضا، تتضمن خارطة الطريق الإعلان عن مجلس الأمن والدفاع وتكوينه وصلاحياته للإشراف على الترتيبات الأمنية، والاتفاق على الشخصيات التي سترأس وزارة الداخلية والشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية ذات الطبيعة المدنية، وبدء الترتيبات لتجميع القوات ونزع السلاح وتحريك القوات خارج المدن ضمن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج مع تأكيد وحدة القيادة والسيطرة للقوات المسلحة، والإعلان عن برنامج حكومة الطوارئ، ثم الإعلان عن قيام التداول الوطني الشامل بمشاركة كل الأطراف السودانية باستثناء مكونات النظام السابق، ومتزامنا مع الإعلان عن وقف دائم لإطلاق النار من جانب الحركات المسلحة غير الموقعة.
بالنسبة لحكومة الطوارئ المقترحة، فإن الآلية ترى أن تتكون من رئيس للوزراء ونواب إثنين من الكفاءات الوطنية المستقلة المتفق حولهم يتولون إدارة الملفات ذات الأهمية الاستثنائية وترتيب أولويات الدولة، إضافة إلى 14 أو 15 وزيرا يتم ترشيحهم بالتشاور مع التجمعات المهنية المختلفة. وتشدد الآلية على أولوية تكوين مجلس أعلى للقضاء من خلاله يتم اختيار رئيس القضاء ووزير العدل، وإنشاء مجلس خبراء من 40 إلى 60 شخصية مستقلة لدعم الحكومة تقوم بترشيحهم التجمعات المهنية والقوى السياسية والمجتمع المدني، ويتمتع بوضع خاص في هيكل الدولة والحكومة كضابط للأداء والاستشارات ومراقبة تنفيذ خطة الطوارئ، أي بمثابة جسم شبه برلماني رقابي غير سياسي. وكذلك إنشاء مجلس أعلى للسكان والاحصاء، والتنسيق مع لجان الطوارئ ولجان الخدمات والتغيير في المحليات لتكون نواة للحكم المحلي. أيضا، تشدد خارطة الطريق على دمج كل الجيوش في القوات المسلحة السودانية، ووضع وميثاق مصحوبا بخطة عملية لعدم العودة الى الحرب وتشكيل لجنة لمراقبة ذلك.
كل المادة المذكورة أعلاه مستخلصة من أدبيات الآلية الوطنية، وليس لي شرف المساهمة فيها رغم تطابق بعض النقاط مع ما ظللت أطرحه منذ فترة. أما رأيي الشخصي حولها، فألخصه في أن إقتراح تشكيل حكومة الطوارئ يستحق الإهتمام والدراسة الجادة، ولكن أيضا يتطلب مناقشة واسعة لكل جوانبه خاصة من حيث التفريق بينه وبين إقتراح حكومة المنفى الذي تطرحه بعض الجهات، وكذلك كيفية إشتراك بقية أطراف القوى المدنية في بحثه إذا لا يكفي أن تضطلع بذلك الآلية وحدها حتى وإن كانت لجنة الترشيحات التي شكلتها مستقلة حقا وتم تكوينها بكل شفافية، وهي فعلا كذلك، وتكفي هنا الإشارة إلى ما واجهته الآلية من رفض وتهديد عند محاولتها عقد المؤتمر في أركويت، كذلك المناقشة ضرورية لتناول موضوع المساءلة للمتسببين في الحرب والوضوح حول موقع القيادات العسسكرية الحالية من كل هذه العملية، وسنكمل بقية الحديث في مقالنا القادم.

الوسومالشفيع خضر سعيد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حکومة الطوارئ تشکیل حکومة الإعلان عن وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

خطأ ثاني !!

 

خطأ ثاني !!

صباح محمد الحسن

المواقيت تعلم بيقين أن أرواحنا بعواطفها الراسخة أضحت بحاجة لرواء نبتة عشم، على أرض هذا الوطن!!
وذكرنا بالأمس أن الميدان قد يشهد معارك بين فلول الإسلاميين والجيش بعد حالة الإدراك الأخيرة
وعلي كرتي يتحرك نحو وادي سيدنا للبحث عن حقوقهم التي ضاعت في “شربة إتفاق” والبراء يكشر أنيابه في وجه القوات المسلحة لأنه دخل الحرب بهدف ضرورة عودة التنظيم للحكم وباغته التلاشي
ومن جهتها المشتركة قد تحاصر قيادة الجيش بعدة إستفهامات إن إستولى الدعم السريع على الفاشر ، إن قايضها الجيش بالخرطوم وقد تذهب بأفكارها بعيدا عن قيمة التعاضد مع الجيش
فالمشتركة تقف من الإتفاق الدولي كثامن جار أهملته الوصية، لذلك إن أزمة الجيش ليس في مناوشات كتائب البراء، أزمته في تملل القوات المشتركة، فربما يحتاج الجيش لتسوية داخليه لإرضاء الحركات ، او ربما تأتي برعاية خارجية قد يتم حسمها قبل تنفيذ الخطوة القادمة
وكرتي من صالحه أن يكون وسيطا ليس محرضا حتى تلزم البراء حدودها وتبعد عنها التفكير في خيار المواجهة مع الجيش، لأن اسم كرتي لم تضعه امريكا على قائمة العقوبات ليبقى فيها مجهولا منسيا!!
وجشع البراء للسلطة وسيطرة فكرة العداء مع القوات المسلحة هي أولى الأدلة التي تنسف شعار القتال مع الجيش بدوافع وطنية، ومن قبل ذكرنا إن الإنتماء للتنظيم يعلو على الإنتماء للمؤسسة العسكرية وقد يظهر ذلك جلياً عندما يختار الجيش التفاوض الذي سيكتب نهاية المشوار
والميدان بالرغم من أنه اصبح مهيئا لعمليات إشتباك محتملة ربما تصل مرحلة التصفيات إلا أن الفلول تكون واهمة ومخطئة إن ظنت أن العنف يمكن أن يحقق لها مآربها التي عجزت عن تحقيقها بالحرب ،. على العكس فربما يعجل العقوبات ويجعل الجنائية تخرج اوامر القبض من ادراجها
ومعلوم إن كل إتفاق دولي ملزِم للطرفين، تبعاته تدخل بقوات حفظ سلام لاتنفصل عن خطة تعبيد طريق التفاوض وتنفيذه.
ونزع فتيل الأزمة بين قوتين يحتاج الي قوة ثالثة، سيما أن ورقة الحل كتبت قيادة الجيش والدعم السريع بإسم “طرفي الصراع”
ولكن هل يواجه الجيش خطر تعدد الجيوش بسبب خطأ نزولها الي الميدان بأمر قياداتها وليس بأمر المؤسسة
ومنذ بداية الحرب تحدثنا عن أن القوات التي تساند القوات المسلحة في الحرب يجب أن تحارب تحت مظلة الجيش وتُبدي السمع والطاعة للقائد العام للقوات المسلحة وليس بأمر المصباح ولامناوي ، حتى لايفقد قائد الجيش السيطرة عليها في عمليات التقدم والإنسحاب والتسليح وتكون أكبر عقبة للقرار العسكري المتعلق بالرفض او القبول للتفاوض
وهذا هو الخطأ الثاني الذي يرتكبه البرهان بصناعة قوات موازية للجيش تشبه في تكوينها وتربيتها الدعم السريع فالبرهان لا احد ينافسه في لقب أفضل قائد جيش في العالم “شاطر” في صناعة المليشيات
حتى قرار تمليك السلاح لهذه الكتائب الذي أصدره البرهان من قبل هو الخطر الأكبر ليس على المواطن ولكن على القوات المسلحة نفسها، افصح عن همِه مالك عقار في حواره أمس الأول بقناة الجزيرة وقال إن جمع السلاح هو من أهم القضايا التي تهمهم الآن وهذا هو الإنتباه بعد فوات أوان الغفلة لأن الخطر كان قرار نشر السلاح وليس جمعه
سيما أن السلاح بات بيد القوات المساندة والمستنفرين الذين تم تعبئتهم تعبئة كيزانية متطرفة وعنيفة فكل هذه القوات بسلاحها متوغلة في عدد من الولايات والمدن الآمنة المكتظة بالسكان
لذلك فإن المواجهة بين القوات المسلحة وقواتها المساندة هي الفكرة التي تحتاج للبتر العاجل إما بقرار عسكري يعجل بالذهاب الي التفاوض او، قرار دولي لقطع طريق الفتنة
لذلك أن الأسبوعين القادمين قد يشكلا العلامة الفاصلة في الميدان سياسيا وعسكريا.
ودوليا تزامنت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في ذات اليوم الذي دخل فيه الجيش القيادة، طالب فيها بضرورة إجراء حوار عاجل بين أطراف الصراع بهدف وقف فوري للأعمال العدائية لتجنيب المدنيين المزيد من الأذى، مؤكدا أن الحل المستدام للصراع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية شاملة
وهو موقف واضح لتحديد وجهة النظر الدولية كتعقيب لما حدث وكيفية التعامل معه.
لحقته الإدارة الامريكية بتعيين إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لبيتر لورد مبعوثًا خاصًا مؤقتًا للسودان، ليحل محل توم بيريلو
ومؤقتا لكي يكمل الرجل ما أسسه بيرليو، هذا مايؤكد قناعة إدارة ترامب بما سبق وإن ماهو منصوص سيتم تنفيذه.
طيف أخير :

سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن: الجيش ليس ممثلاً موثوقاً للشعب السوداني وواشنطن لا تقف مع أي طرف في الحرب.

الوسومالأمم المتحدة الصراع المواقيت صباح محمد الحسن

مقالات مشابهة

  • مجموعة حقوقية تطالب بتوسيع اختصاص «الجنائية الدولية» في السودان
  • بين الوحدة والانقسام: موقف بعض قيادات “تقدم” من حكومة سلام ووحدة مقرها الخرطوم
  • جهل دبلوماسي!!
  • السودان؛ الحرب المشهودة
  • حزب الأمة القومي يجيز “مشروع الخلاص الوطني” لإنهاء الحرب
  • هذه أزمة أكبر من حكومة
  • السودان.. حرب بلا معنى
  • عاد الغزيّون ولم يعد المستوطنون.. لابيد يتهم حكومة الاحتلال بالعجز
  • بعد اعتراف المتحدث بإسم القوات الجوية… سفير أوكرانيا ينفي تدخل بلاده في الحرب السودانية
  • خطأ ثاني !!