كيف تعاملت مخابرات الأسد مع انهيار النظام السريع؟.. وثائق تكشف تفاصيل مثيرة
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن انهيار نظام بشار الأسد بسرعة على وقع ضربات فصائل المعارضة قبل هروب رئيسه المخلوع في النهاية إلى روسيا، مشيرة إلى أن ذلك ما نصت عليه وثائق رسمية تم تركها على عجل وأظهرت كيف كافح جهاز الاستخبارات الضخم للحكومة المنهارة لفهم ووقف التقدم السريع للمعارضة.
وبحسب تقرير الصحيفة الذي ترجمته "عربي21"، فبعد أيام من هزيمة المعارضة السورية لجيش النظام في مدينة رئيسية في الشمال، وصل تقرير من خمس صفحات إلى مكتب ضباط الاستخبارات العسكرية في دمشق بتشخيص مثير للقلق.
أُرغِمت القوات النخبة التي أُرسِلت لتعزيز دفاعات حلب على التراجع مع انسحاب جيش النظام "بطريقة مجنونة وعفوية". فر الجنود "بطريقة هستيرية"، تاركين وراءهم الأسلحة والمركبات العسكرية، وفقا لتقرير من ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية في المدينة بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر.
بحلول ذلك الوقت، كان مقاتلو المعارضة قد وضعوا بالفعل مدينة ثانية في مرمى بصرهم. ومع اكتسابهم المزيد من الأرض في الأيام التالية، تدفقت التقارير إلى المقر الخرساني المكون من ثمانية طوابق للفرع 215، وهو جزء مخيف من جهاز الأمن الضخم للدكتاتور السوري بشار الأسد، في وسط دمشق. وقد أوضحت التقارير سرعة واتجاه تقدم الثوار - والخطط والأوامر المحمومة على نحو متزايد بهدف إبطاء تقدمهم.
الآلاف من وثائق الاستخبارات السرية للغاية - التي اكتشفها مراسلو صحيفة "وول ستريت جورنال" في المبنى في كانون الأول/ ديسمبر، توثق الانهيار السريع بشكل ملحوظ للنظام الاستبدادي الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لعقود من الزمان.
مع تقدم المعارضة بسرعة عبر سوريا، قلل النظام، في تصريحاته العامة، من مدى تقدم الثوار وسعى إلى إظهار جو من الثقة. ومع ذلك، تميزت الاتصالات الداخلية بين القوات التي تحاول حماية النظام بقلق متزايد.
وفي النهاية، تخلى ضباط ورجال الفرع 215 عن مواقعهم أيضا، تاركين وراءهم كومة من الملابس العسكرية والأسلحة والذخيرة إلى جانب زجاجات الويسكي الفارغة والسجائر المطفأة ورزم من التقارير الاستخباراتية، بعضها مُعلق في ملفات، وبعضها الآخر مكدس في أكوام. وعندما زارت الصحيفة مكاتب الفرع 215، وجدت فسيفساء من صور الرئيس بشار الأسد وقد تم اقتلاع عينيه وفمه.
وقال ننار حواش، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية: "لقد استمروا في العمل حتى اللحظة الأخيرة. إنهم الركيزة الأساسية للنظام السوري السابق".
كان النجاح المفاجئ لهجوم المعارضة، والانهيار المذهل لجيش النظام، يمثلان فشلا استخباراتيا ملحميا في سوريا وخارجها. حتى تلك اللحظة، كان يُعتقد على نطاق واسع أن الأسد قد ساد بعد 13 عاما من الحرب. وبدعم من روسيا وإيران، استعادت القوات الحكومية السورية السيطرة على معظم أنحاء البلاد، مع حصر المعارضين إلى حد كبير في جيب في الشمال الغربي.
ولكن هذا تغير في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما لاحظ قادة "هيئة تحرير الشام "أن إيران وحزب الله وغيرهما من الجهات التي تساعد في الدفاع عن الأسد تواجه انتكاسات، وأن روسيا كانت منشغلة بشكل متزايد بحربها في أوكرانيا. فشنت هيئة تحرير الشام هجوما مفاجئا، وتقدمت بسرعة نحو حلب.
ومع اقتراب المعارضة من المدينة في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، أرسلت إحدى المقرات تعميما إلى جميع فروع أجهزة الاستخبارات هناك برفع الجاهزية القتالية إلى 100%، وتعليق العطلات حتى إشعار آخر. وبعد يومين، كان المقاتلون قد دخلوا المدينة.
ويبدأ التقرير الذي يوثق انهيار الجيش بملاحظة وصول طائرة نقل عسكرية من طراز إليوشن من دمشق وعلى متنها 250 فردا من الاستخبارات العسكرية، بما في ذلك أعضاء الفرع 215، مسلحين بقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة في محاولة أخيرة للسيطرة على المدينة. وفي غضون ساعات من الانتشار في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، تعرضوا لهجوم من مسيّرات.
وقال العميد نيكولاس موسى، ضابط الاستخبارات الذي كتب التقرير، إن الجهود المتكررة لحشد وحدات الجيش باءت بالفشل حيث فر الجنود، تاركين الأسلحة والمركبات العسكرية. وأضاف أن نقص الدعم الجوي والغطاء المدفعي زاد من حالة الذعر.
وأضاف التقرير "كان الجرحى ممددين على الأرض ولم يكن هناك من يعالجهم أو يجليهم".
وفي لغة صريحة غير معتادة، لفت التقرير الانتباه إلى الفساد داخل جيش الأسد. وقال التقرير إن فشل القيادة العسكرية أدى إلى "تراخي" في الصفوف وانتهاكات أمنية. وأضاف أن معلومات بالغة الأهمية حول مواقع القوات تسربت أثناء الهجوم. وقال التقرير إن "الضباط والأفراد انشغلوا بالمخاوف المادية والملذات". ولجأ أفراد الجيش إلى "أساليب غير قانونية" لإصلاح المعدات وتأمين سبل عيشهم، مشيرين إلى نقص الموارد والاقتصاد المتدهور.
وكان التشخيص يعكس ما لاحظه المحللون لسنوات. فمع تدمير الاقتصاد بسبب الحرب والعقوبات، قام الأسد أيضا بتسريح بعض الجنود، وخفض حصص المجندين، وأصبح يعتمد بشكل كبير على الميليشيات المحلية والمقاتلين الأجانب الذين حشدتهم إيران. كما أدى التضخم إلى تآكل قيمة رواتب الجنود النظاميين، وكان الفساد منتشرا.
وأوضح سقوط حلب أن هجوم المعارضة يشكل تحديا خطيرا لقبضة الأسد على السلطة.
وفي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، تقدمت المعارضة من الشمال والجنوب والجنوب الشرقي، وسيطروا على حماة وحمص، وقطعوا المعاقل الساحلية، واستولوا في النهاية على دمشق.
وحذر تقرير في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر: "لقد تلقينا معلومات عن اتصالات وتنسيق بين الجماعات الإرهابية في شمال سوريا وخلايا نائمة إرهابية في المنطقة الجنوبية ومحيط دمشق" ودعا إلى تشديد المراقبة والتدابير الأمنية.
وأمر الفرع 215 بنشر وحدات الرد السريع المسلحة على أبواب العاصمة.
وبعد الاستيلاء على حلب، شن الثوار هجوما على مدينة حماة، مما هدد بالهجوم التالي في سلسلة من المدن التي كانت في قلب استراتيجية الأسد للاحتفاظ بالسلطة حتى مع تنازله عن السيطرة على أجزاء أخرى من البلاد.
ومع تقدم الثوار، اقترح أحد تقارير الاستخبارات أن يشن الجيش السوري هجوما مفاجئا على مؤخرة قوات هيئة تحرير الشام، ويضرب قاعدتهم القريبة في إدلب، مستغلا دفاعاتها المتفرقة. وقال التقرير إن العملية قد تزرع الفوضى وتخفف الضغط على القوات السورية حول حماة.
ولا يبدو أن مثل هذا الإجراء قد تم اتخاذه، حسب الصحيفة.
وحذرت التقارير من أن مقاتلي المعارضة سوف يتنكرون في هيئة قوات النظام من خلال حمل صور الأسد ورفع العلم السوري. وحذر آخرون من أن الثوار يقومون بتجهيز سيارات الإسعاف بالمتفجرات. وحذر أحد التقارير في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر من أن الألوية الحمراء النخبوية التابعة لهيئة تحرير الشام سوف تتسلل إلى حماة في تلك الليلة.
واستولت المعارضة على المدينة في اليوم التالي. وكان الانتصار نقطة تحول، حيث لم يتبق سوى مركز سكاني رئيسي واحد، حمص، بين الثوار والعاصمة. وفي الوقت نفسه، انضمت مجموعات ثوار أخرى في جميع أنحاء البلاد إلى القتال، حيث دفعت مجموعات المعارضة من الجنوب شمالا نحو دمشق.
ومع استمرار المعارضة في الضغط، ركزت أجهزة الاستخبارات بشكل متزايد على الأمن في العاصمة، حتى أنها ركزت على ما بدا وكأنه تفاصيل دقيقة.
وأفاد أحد فروع الاستخبارات أن العديد من الأفراد انتقلوا مؤخرا من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال الغربي إلى إحدى ضواحي دمشق، محذرين من أنهم قد يكونون خلايا نائمة. ووفقا لتقرير آخر، أصدرت هيئة تحرير الشام تعليمات لعملاء في ريف دمشق بأن يكونوا على استعداد للتفعيل.
وفي وسط المدينة، تم الإبلاغ عن "نشاط غير عادي" بين رجال ملتحين يرتدون سترات جلدية سوداء في شارع شعلان الراقي. وقد أشار عملاء كانوا يراقبون ساحة عامة إلى مجموعة من ماسحي الأحذية باعتبارها مشبوهة، فضلا عن امرأة غير مألوفة تبيع الخضراوات وكانت ترتدي مكياجا ثقيلا تحت حجابها وتتحدث بلهجة تشير إلى أنها من شرق سوريا.
وأوصت المذكرة بـ "طلب لقطات كاميرات المراقبة من أصحاب المحلات التجارية لمراجعة أي حركة مشبوهة".
وحاول البعض في النظام حشد القوات للدفاع عن العاصمة. وطلب أمر صدر في منتصف ليل الخامس من كانون الأول/ ديسمبر باسم الرئيس من وحدة مدرعة بالعودة إلى دمشق من دير الزور في الشرق.
وقال عبد الرحمن الشوينخ، وهو ضابط منخفض الرتبة في الوحدة أمضى شهرين في الخدمة العسكرية الإلزامية، في مقابلة إنه أدرك أن الثوار لن يتوقفوا. وقال: "قررت الفرار".
ومع اقتراب المعارضة، قدم المخبرون طوفانا من المعلومات الاستخباراتية حول أماكن تواجدهم المفترضة. وأشار أحدهم إلى مزرعة دجاج حيث كان هناك 20 "إرهابيا" ودبابتان. وقال مصدر آخر إن كهفا في ريف إدلب يستخدم كمقر لهيئة تحرير الشام.
ليس من الواضح ما إذا كانت المعلومات دقيقة أو ما إذا كان قد تم التصرف بناء عليها.
ارتفعت المخاوف من التدخل الأجنبي مع ضعف قبضة النظام. حذر فرع فلسطين التابع لأجهزة المخابرات، والذي اشتهر بين السوريين بتعذيب المعتقلين، من أن "الإرهابيين" بالقرب من حدود سوريا مع إسرائيل يعتزمون شن هجوم "بدعم من العدو الصهيوني".
وأبلغ مصدر من المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة والمتمركزة بالقرب من الحدود الأردنية الاستخبارات السورية أن الولايات المتحدة أصدرت لهم تعليمات بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر التاريخية، وفقا لتقرير أرسل في 5 ديسمبر.
كانت القوات التركية ترافق شاحنات محملة بالمعدات والأسلحة الثقيلة عبر الحدود إلى قاعدة المقاتلين المعارضين السوريين في إدلب، وفقا لمصدر يحمل الاسم الرمزي BD2-01.
ومع تقدم المعارضة من الشمال، اقتربت مجموعات معارضة مسلحة أخرى من الجنوب. وذكر تقرير أرسل إلى غرفة العمليات أن مجموعات صغيرة تركب دراجات نارية سيطرت على نقاط تفتيش عسكرية، واستولت على مركبة قتالية للمشاة ومركبتين محملتين برشاشات ثقيلة.
وقال التقرير في 6 كانون الأول/ ديسمبر: "الوضع في محافظة درعا مضطرب".
وقال ضابط استخبارات متمركز في درعا للصحيفة إن هناك حالة من الفوضى المتزايدة مع تدفق التقارير حول مكاسب الثوار. وقال إنه حتى قبل الهجوم، كانت سيطرة النظام على الجنوب هشة. كانت نقاط التفتيش والمنافذ العسكرية لا تزيد عن كونها بيانا رمزيا لوجود النظام ــ ومصدرا للدخل للأفراد الذين يمكنهم انتزاع الرشاوى لتكملة رواتبهم الضئيلة.
كان معظم زملائه من معقل الموالين للنظام على طول الساحل السوري، وبدأوا في المغادرة قبل أيام من سقوط دمشق. وقال الضابط الذي بقي حتى اليوم السابق لهروب الأسد إلى موسكو: "كانوا جميعا يفكرون في بلداتهم ــ وليس هنا".
على الأرض، استمر جيش النظام في الانهيار. وقال الضابط أحمد الرواشدة، الذي كانت وحدته تدير محطة تشويش روسية الصنع على خط المواجهة بالقرب من حمص: "كان الجميع يريدون الفرار ــ حتى الضباط". وبعد ست سنوات من الخدمة الإلزامية، قال إنه لم يكن مهتما كثيرا بإطاعة الأوامر بالقتال.
وانتظر العسكري البالغ من العمر 37 عاما غروب الشمس ثم خلع زيه العسكري وبندقيته وانضم إلى مجموعة من الجنود الآخرين الذين ذهبوا للاختباء في قرية قريبة حتى انتهاء القتال.
قبل أيام قليلة من سقوط دمشق في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، صدرت أوامر بنقل القوات والمعدات لمواصلة القتال. وكان من المقرر أن تَنقل فرقة الدبابات الثالثة 400 بندقية آلية و800 مخزن ذخيرة و24 ألف رصاصة إلى كتيبة في منطقة طرطوس على الساحل، موطن قاعدة بحرية روسية رئيسية ومعقل للطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
وكان من المقرر أن تغادر التعزيزات لقاعدة الفرقة الرابعة عشرة للقوات الخاصة غربي دمشق في منتصف نهار السابع من كانون الأول/ ديسمبر.
وعشية انهيار النظام، تناول تقرير مع إشارة إلى مصدره، ولكن تم التستر عليه، النهج المتوقع للمتمردين تجاه دمشق، وتوقع أن يصلوا إلى الضواحي في غضون يومين ويستولوا على سجن صيدنايا، حيث تم سجن وتعذيب المعارضين السياسيين. كان التوقيت خاطئا، لكن التنبؤ الأخير أثبت صحته. اقتحمت قوات الثوار السجن وأطلقت سراح المعتقلين بعد ساعات من فرار الأسد من البلاد.
وانتهت الوثيقة بتوقيع استخدمه ضباط الاستخبارات في رسائلهم الأخيرة، وهو ما أظهر تصميمهم على إبقاء النظام قائما: "للإطلاع والقيام باللازم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الأسد النظام حلب سوريا سوريا الأسد حلب النظام صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة تحریر الشام من کانون الأول تشرین الثانی وقال التقریر المعارضة من
إقرأ أيضاً:
مستقبل علاقة دمشق بالفصائل والحركات الفلسطينية
تضمنت قائمة الشروط التي تقدمت بها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإدارة السورية الجديدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، إخراج الحركات والفصائل الفلسطينية، المرتبطة بإيران، من سوريا. وأوردت تقارير سوريا أخبار اعتقال قياديين من حركة الجهاد الإسلامي بتهمة التخابر مع إيران، الأمر الذي تم تفسيره على أنه بداية حملة على الحركات الفلسطينية المتواجدة في دمشق والتي يزيد عددها عن عشرة فصائل، يتبنى أغلبها خط المقاومة الذي قادته إيران في العقد الأخير.
تثبت الوقائع أنه بعد سيطرة إدارة الشرع على سوريا، انفرطت أغلب هياكل الفصائل الفلسطينية التي تعاونت مع إيران، واختفى أغلب قياداتها وكوادرها، ولا سيما الجبهة الشعبية "القيادة العامة"، والصاعقة، وفتح الانتفاضة، بالإضافة إلى تشكيلات ظهرت أثناء الثورة السورية، ولم يبق من هذه الأجسام سوى الشخصيات والأفراد العاملين في السياسة وإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، في ظل ملاحقة إدارة الشرع لكل التشكيلات التي كانت حليفة لنظام الأسد، ومطالبة المجتمع الفلسطيني في سوريا إلقاء القبض على تلك القيادات التي نكّلت بالفلسطينيين والسوريين في مرحلة الثورة على بشار الأسد.
المرحلة القادمة قد تشهد مزيدا من الاعتقالات لبعض القيادات الفصائلية الفلسطينية في دمشق، ما دامت هذه القيادات بالأصل موضوعة على قائمة المطلوبين بحسب تعاونهم مع نظام الأسد. وقد اختفت في سوريا، ومنذ لحظة سقوط النظام، جميع الرموز العسكرية الفلسطينية مثل معسكرات التدريب والهياكل العسكرية للفصائل، ولا يتوقع عودتها
ومنذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا، في بداية سبعينيات القرن الماضي، خرجت الساحة السورية من جبهات المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل، وظلت الساحة السورية في أحسن الأحوال ساحة تدريب لبعض الكوادر الفلسطينية القادمة من الأراضي المحتلة، ولا سيما المنضوين ضمن الفصائل التي لها علاقات جيدة مع دمشق في تلك المرحلة، في إطار سعي حافظ الأسد إلى هندسة المقاومة الفلسطينية لتوظيفها في خدمة سياساته الإقليمية والظهور بمظهر المتحكم بتفاعلات ومسارات أهم قضية إقليمية وعالمية.
أما الإدارة السورية الجديدة، فمن الواضح أنها تسير في طريق قطع العلاقات مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وهي تعترف بعنوان فلسطيني واحد هو السلطة الفلسطينية، من دون أن يؤثر ذلك على حقوق الفلسطينيين في سوريا، ومن ثم استحالة أن تكون سوريا ساحة عمل للفصائل التي تتبنى نهج المقاومة ضد إسرائيل لأسباب عدّة:
أولا: حاجة إدارة الشرع للاعتراف الدولي وإزالة العقوبات الاقتصادية، ما سيدفع هذه الإدارة للابتعاد عن كل القضايا الإشكالية التي قد تعيق تحقيق هذه الأولويات بالنسبة للإدارة السورية الجديدة. وليس خافيا أن الشرع، وبعض مسؤولي إدارته، أعلنوا أنهم ليسوا في صدد دخول صراعات مع إسرائيل التي استعادت سيطرتها على قمّة جبل الشيخ، واحتلت شريطا واسعا من مناطق جنوب سوريا، وستبقى إدارة الشرع لسنوات قادمة تكافح من ّأجل الحصول على الاعتراف الدولي وإزالة العقوبات، ما دامت إدارة ترامب تدرك مدى أهمية هذه الأوراق في تطويع النظام الحاكم في دمشق.
ثانيا: تسعى إدارة الشرع إلى الاندماج في البيئة العربية والتكيّف مع توجهاتها الإقليمية والدولية، ما يعني أنها ستنخرط في الخط المعادي لسياسات إيران وحلفائها في المنطقة، ما يزيد من عمق الهوّة مع الفصائل الفلسطينية التي اتبعت النهج الإيراني في المقاومة.
ستتوجه إدارة الشرع إلى تبني النهج العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، من خلال تركيز العلاقات مع سلطة رام الله المعترف بها دوليا، وعدم المساس بالنشاطات المجتمعية والإغاثية الفلسطينية في سوريا، والمتوقع أن تكون تحت إشراف السفارة الفلسطينية
ثالثا: ضعف أوراق سوريا بعد تدمير قدرتها العسكرية واستنزاف طاقاتها الى أبعد الحدود، يفرض على إدارة الشرع تبني مقاربات تصالحية مع البيئتين الإقليمية والدولية، والابتعاد عن كل ما هو إشكالي، لسد الذرائع وتقليل المخاطر.
رابعا: عدم حاجة القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة لهذا النمط من العمل من خارج الساحات، بعد انهيار "حلف المقاومة"، وخروج الساحة اللبنانية من حسابات الفصائل الفلسطينية، والتطورات الحاصلة في اليمن، كل ذلك يثبت بالبرهان أن المساعدة العسكرية لفلسطين من خارج الحدود ستكون تكاليفها أكبر من جدواها، وهذا يعني نهاية نمط الساحات الخارجية بعد أن ثبت أنه غير مجد وغير مؤثر في الصراع مع إسرائيل.
على ذلك، فإن المرحلة القادمة قد تشهد مزيدا من الاعتقالات لبعض القيادات الفصائلية الفلسطينية في دمشق، ما دامت هذه القيادات بالأصل موضوعة على قائمة المطلوبين بحسب تعاونهم مع نظام الأسد. وقد اختفت في سوريا، ومنذ لحظة سقوط النظام، جميع الرموز العسكرية الفلسطينية مثل معسكرات التدريب والهياكل العسكرية للفصائل، ولا يتوقع عودتها تحت أي ظرف في المرحلة المقبلة.
في المقابل، ستتوجه إدارة الشرع إلى تبني النهج العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، من خلال تركيز العلاقات مع سلطة رام الله المعترف بها دوليا، وعدم المساس بالنشاطات المجتمعية والإغاثية الفلسطينية في سوريا، والمتوقع أن تكون تحت إشراف السفارة الفلسطينية في دمشق.
x.com/ghazidahman1