نص خطبة الجمعة اليوم 31 يناير 2025
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
نص خطبة الجمعة.. حددت وزارة الأوقاف نص خطبة الجمعة اليوم 31 يناير 2025، والتي جاءت بعنوان «الحال أبلغ من المقال»، للتوعية بالأثر الفعال للدعوة بالموعظة الحسنة.
نص خطبة الجمعةوتوفر «الأسبوع»، لزواره ومتابعيه كل ما يخص نص خطبة الجمعة، وذلك من خلال خدمة إخبارية شاملة يقدمها الموقع على مدار اليوم من خلال السطور التالية:
نص موضوع خطبة الجمعةالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَتَاجَ رَؤُوسِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَرُبَّ حَالٍ أَفْصَحُ مِنْ لِسَانٍ، وَإِنَّ تَأْثِيرَ الأَحْوَالِ أَقْوَى فِي القُلُوبِ مِنْ مَوَاعِظِ الأَقْوَالِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الحَالِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ الَّذِي فَتَحَ القُلُوبَ وَالعُقُولَ لِدِينِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا الكَرِيمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمَ البِشْرِ، جَمِيلَ الطَّبْعِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا، وَلَا عَيَّابًا، وَلَا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَيَجُودُ وَيَمْنَحُ، يَبْكِي لِلْبَهِيمَةِ المُثْقَلَةِ، وَيَبْكِي لِلْيَتِيمِ فِي حِجْرِ الأَرْمَلَةِ، مَنْ سَأَلَهُ حَاجَتَهُ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ يَجْبُرُهُ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ خُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الحَقِّ سَوَاءً، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عَشِيرَةً، وَهَذَا الحَالُ الشَّرِيفُ تُلَخِّصُهُ السَّيِّدُةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا «كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ».
أَيُّهَا النَّبِيلُ، هَذِهِ لَمَحَاتٌ مُضِيئَةٌ، وَمَشَاهِدُ خَالِدَةٌ، وَمَوَاطِنُ بِالجَمَالِ زَاخِرَة ٌتُبْرِزُ الفَيْضَ المُحَمَّدِيَّ الَّذِي غَرَسَ فِي النُّفُوسِ شَرِيفَ القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَأَرْسَى بِنَاءً قَوِيمًا لِلْإِنْسَانِ وَتَوْجِيهًا لَهُ نَحْوَ الفَضِيلَةِ وَالإِيثَارِ، أَلَمْ تَرَ تَخْفِيفَهُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ عِنْدَمَا سَمِعَ بُكَاءَ طِفْلٍ؟! لِيَدُلَّ النَّاسَ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ وَالرِّفْقِ؟ أَلَمْ تَسْمَعْ عَنْ أَحْوَالِهِ الكَرِيمَةِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَعَ أُمِّهاتِ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِتَسْتَلْهِمَ مَعَانِيَ الحُبِّ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالإِكرَامِ؟! أَرأَيْتَ حَالَهُ الشَّرِيفَ مَعَ صُوَيْحِبَاتِ خَدِيجَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا فِي مَشْهَدٍ لَيْسَ لَهُ فِي تَارِيخِ الوَفَاءِ نَظِيرٌ؟! بَلْ إِلَيْكَ أَمْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِيبِ حِجْرِهِ وَابْنِ عَمِّهِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِيَنَامَ فِي فِرَاشِهِ الشَّرِيفِ لَيْلَةَ الهِجْرَةِ المُبَارَكَةِ لِيَرُدَّ الأَمَانَاتِ إلى أهلها الَّذِينَ دَبَّرُوا لَهُ القَتْلَ! لِيَكُونَ حَالُهُ الشَّرِيفُ مُلْهِمًا لِلْعَالَمِ كُلِّهِ، فَلَا تَمْلِكُ إِلَّا أَنْ تَتَعَرَّفَ عَلَى وَظِيفَتِكَ وَتَقُومَ فِي الدُّنْيَا بِمُهِمَّتِكَ، وَتُرَدِّدَ قَوْلَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}.
يَا مَنْ تُرِيدُ أَنْ تَبُثَّ فِي النَّاسِ خُلُقَ العَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالمُسَامَحَةِ وَالتَّجَاوُزِ، اعْفُ عَنِ النَّاسِ، أَكْرِمْهُمْ، سَامِحْهُمْ، أَقِلْ عَثَرَاتِهِمْ، أَلَمْ تَرَ سُلُوكَ التَّوَاضُعِ وَالجَبْرِ وَالعَفْوِ وَالكَرَمِ وَالمَرْحَمَةِ لِلنَّبِيِّ الكَرِيمِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، حِينَ يَأْتِيهِ مَلَكُ الجِبَالِ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْبِقَ عَلَى مَنْ بَالَغَ فِي إِيذَائِهِ الجَبَلَيْنِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، وَيَدخُلُ مَكَّةَ فَاتِحًا مُنْتَصِرًا، مُتَحَقِّقًا بِحَالِ التَّوَاضُعِ، وَالعَفْوِ، ينَثُرُ الأَمْنَ وَالأَمَانَ فِي النُّفُوسِ وَالقُلُوبِ، بِهَذَا الشِّعَارِ {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ».
وَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ حَالَ رَجُلٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ أَلْفِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ، فَكُونُوا أَصْحَابَ سُلُوكٍ قَوِيمٍ، وَحَالٍ شَرِيفٍ، وَإِنْسَانِيَّةٍ مُلهِمَةٍ، وَأَثَرٍ طَيِّبٍ، فَلَا يَزَالُ المِصْرِيُّونَ تَلْهَجُ أَلْسِنَتُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ بالدُّعَاءِ لِطَبِيبِ الغَلَابَةِ، وَالمُعَلِّمِ الإِنْسَانِ، وَالصَّانِعِ المُبْدِعِ، وَالتَّاجِرِ الأَمِينِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ نَبْضُ الحَيَاةِ وَصُنَّاعُ الأَمَلِ، مَنَابِرُهُمْ عَمَلُهُمْ، وَدَعْوَتُهُمْ سُلُوكُهُمْ، وَمَوْعِظَتُهُمْ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِنْ أَلْفِ خُطْبَةٍ.
أَيُّهَا الكِرَامُ، إِنَّ أَجْيَالَ التّقْنِيَةِ الحَدِيثَةِ وَالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ تَحْتَاجُ إِلَى قُدْوَةٍ صَالِحَةٍ، وَأُسْوَةٍ حَسَنَةٍ، وَنَمَاذِجَ مُلْهِمَةٍ، تَسْتَنْهِضُ الهِمَمَ، وَتُحَرِّكُ الإِبْدَاعَ، وَتَتَبَنَّى المَوَاهِبَ، وتَزْرَعُ فِيهِم الأَخْلَاقَ وَالقِيَمَ، فَتَنقِلُهُمْ إِلَى حَالِ صِنَاعَةِ الحَضَارَةِ وَبِنَاءِ الإِنْسَانِ.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا النَّبِيلُ، كُنْ سِلْمًا سَلَامًا لِلْعَالَمِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ عَنِيفًا فِي قَوْلِكَ وَفِعْلِكَ، اكْظِمْ غَيْظَك، اضْبِطْ نَفْسَك، فَإِنَّ اللَه جَلَّ جَلَالُهُ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، حَلِيمٌ يُحِبُّ الحِلْمَ، عَفُوٌّ يُحِبُّ العَفْوَ.
اعْلَمْ أَيُّهَا الكَرِيمُ أَنَّ الشَيْطَانَ يُؤَجِّجُ الصِّرَاعَاتِ، وَيُشْعِلُ نِيرَانَ الخُصُومَاتِ، وَيَفْرَحُ بِالعَدَاوَاتِ، وَيُوَجِّهُ الإِنْسَانَ إِلَى العُنْفِ فِي السُّلُوكِيَّاتِ، وَقَدْ كَشَفَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ لَكَ تِلْكَ الوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، فَأَطْفِئْ نِيرَانَ الشَّيْطَانِ بِكَظْمِ الغَيْظِ وَالعَفْوِ عَنِ النَّاسِ فِي كُلِّ مَعَامَلَاتِكَ، احْبِسْ نَفْسَكَ عَنِ التَّشَفِّي، لَا تَغْضَبْ، تَرَفَّعْ عَنِ الانْتِقَامَ تَزْدَدْ بِذَلِكَ عزًّا، فَقَدْ تَوَّجَكَ الجَنَابُ الأَكْرَمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِتَاجِ العِزِّ حِينَمَا قَالَ: «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا»، إِنَّهُ كَظْمُ الغَيْظِ يَا سَادَة الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ عَلَامَاتِ المُتَّقِينَ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ}.
وإِذَا كُنْتَ بَاحِثًا عن السَّعَادة فِي العَلَاقَاتِ الزَّوجِيَّةِ فَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَهَا التَّسَامُحُ وَالرِّفْقُ وَالتَّغَافُلُ، فَيَا أَيُّهَا الزَّوْجُ لَا تُلَاحِقْ زَوجَتَكَ بِانْتِقَادِكَ، وَلَا تُزْعِجْهَا بِتَصَيُّدِكَ، إِنَّ النَّبِيَّ الكَرِيمَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَدْ رَسَمَ لَكَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ الأَنْوَرَ في قَوْلِهِ: «لَا يَفْرَكْ - يُبْغِض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلقًا رضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
أَيُّهَا الكَرِيمُ، تَحَقَّقْ بِالسَّمَاحَةِ وَالرِّفْقِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهَا مَجْلَبَةٌ لِلْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالإِكرَامِ مِنَ الكَرِيمِ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَواتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
اللَّهُمَّ ابْسُطْ فِي بِلَادِنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ
وَانْثُر السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِي قُلُوبِ عِبَادِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِين
اقرأ أيضاً«الحال أبلغ من المقال».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
نعمة الأمن.. نص خطبة الجمعة اليوم 24 يناير 2025
مفتي الجمهورية يلقي خطبة الجمعة الأولى من مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: صلاة الجمعة خطبة الجمعة خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة اليوم الجمعة موضوع خطبة الجمعة القادمة الخطبة خطبة خطبة الجمعة غدا الخطبة الجمعة الخطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة وزارة الاوقاف خطبة الجمعة مباشر خطبة الجمعة المسجد النبوي نص خطبة الجمعة ی و س ل ام ه إ ن س ان ص ل و ات ا الک ر
إقرأ أيضاً:
التوعية بالأثر الفعال للدعوة بالموعظة الحسنة.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة غدا الجمعة
أعلنت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة القادمة، وهو تحت عنوان «الحال أبلغ من المقال»، والهدف ويهدف إلى التوعية بالأثر الفعال للدعوة بالموعظة الحسنة وأن تأثر الناس بالسلوك الحسن أبلغ من تأثرهم بالقول الحسن.
موضوع خطبة الجمعةالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَتَاجَ رَؤُوسِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَرُبَّ حَالٍ أَفْصَحُ مِنْ لِسَانٍ، وَإِنَّ تَأْثِيرَ الأَحْوَالِ أَقْوَى فِي القُلُوبِ مِنْ مَوَاعِظِ الأَقْوَالِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الحَالِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ الَّذِي فَتَحَ القُلُوبَ وَالعُقُولَ لِدِينِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا الكَرِيمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمَ البِشْرِ، جَمِيلَ الطَّبْعِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا، وَلَا عَيَّابًا، وَلَا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَيَجُودُ وَيَمْنَحُ، يَبْكِي لِلْبَهِيمَةِ المُثْقَلَةِ، وَيَبْكِي لِلْيَتِيمِ فِي حِجْرِ الأَرْمَلَةِ، مَنْ سَأَلَهُ حَاجَتَهُ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ يَجْبُرُهُ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ خُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الحَقِّ سَوَاءً، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عَشِيرَةً، وَهَذَا الحَالُ الشَّرِيفُ تُلَخِّصُهُ السَّيِّدُةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا «كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ».
أَيُّهَا النَّبِيلُ، هَذِهِ لَمَحَاتٌ مُضِيئَةٌ، وَمَشَاهِدُ خَالِدَةٌ، وَمَوَاطِنُ بِالجَمَالِ زَاخِرَة ٌتُبْرِزُ الفَيْضَ المُحَمَّدِيَّ الَّذِي غَرَسَ فِي النُّفُوسِ شَرِيفَ القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَأَرْسَى بِنَاءً قَوِيمًا لِلْإِنْسَانِ وَتَوْجِيهًا لَهُ نَحْوَ الفَضِيلَةِ وَالإِيثَارِ، أَلَمْ تَرَ تَخْفِيفَهُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ عِنْدَمَا سَمِعَ بُكَاءَ طِفْلٍ؟! لِيَدُلَّ النَّاسَ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ وَالرِّفْقِ؟ أَلَمْ تَسْمَعْ عَنْ أَحْوَالِهِ الكَرِيمَةِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَعَ أُمِّهاتِ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِتَسْتَلْهِمَ مَعَانِيَ الحُبِّ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالإِكرَامِ؟! أَرأَيْتَ حَالَهُ الشَّرِيفَ مَعَ صُوَيْحِبَاتِ خَدِيجَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا فِي مَشْهَدٍ لَيْسَ لَهُ فِي تَارِيخِ الوَفَاءِ نَظِيرٌ؟! بَلْ إِلَيْكَ أَمْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِيبِ حِجْرِهِ وَابْنِ عَمِّهِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِيَنَامَ فِي فِرَاشِهِ الشَّرِيفِ لَيْلَةَ الهِجْرَةِ المُبَارَكَةِ لِيَرُدَّ الأَمَانَاتِ إلى أهلها الَّذِينَ دَبَّرُوا لَهُ القَتْلَ! لِيَكُونَ حَالُهُ الشَّرِيفُ مُلْهِمًا لِلْعَالَمِ كُلِّهِ، فَلَا تَمْلِكُ إِلَّا أَنْ تَتَعَرَّفَ عَلَى وَظِيفَتِكَ وَتَقُومَ فِي الدُّنْيَا بِمُهِمَّتِكَ، وَتُرَدِّدَ قَوْلَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}.
يَا مَنْ تُرِيدُ أَنْ تَبُثَّ فِي النَّاسِ خُلُقَ العَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالمُسَامَحَةِ وَالتَّجَاوُزِ، اعْفُ عَنِ النَّاسِ، أَكْرِمْهُمْ، سَامِحْهُمْ، أَقِلْ عَثَرَاتِهِمْ، أَلَمْ تَرَ سُلُوكَ التَّوَاضُعِ وَالجَبْرِ وَالعَفْوِ وَالكَرَمِ وَالمَرْحَمَةِ لِلنَّبِيِّ الكَرِيمِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، حِينَ يَأْتِيهِ مَلَكُ الجِبَالِ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْبِقَ عَلَى مَنْ بَالَغَ فِي إِيذَائِهِ الجَبَلَيْنِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، وَيَدخُلُ مَكَّةَ فَاتِحًا مُنْتَصِرًا، مُتَحَقِّقًا بِحَالِ التَّوَاضُعِ، وَالعَفْوِ، ينَثُرُ الأَمْنَ وَالأَمَانَ فِي النُّفُوسِ وَالقُلُوبِ، بِهَذَا الشِّعَارِ {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ».
وَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ حَالَ رَجُلٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ أَلْفِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ، فَكُونُوا أَصْحَابَ سُلُوكٍ قَوِيمٍ، وَحَالٍ شَرِيفٍ، وَإِنْسَانِيَّةٍ مُلهِمَةٍ، وَأَثَرٍ طَيِّبٍ، فَلَا يَزَالُ المِصْرِيُّونَ تَلْهَجُ أَلْسِنَتُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ بالدُّعَاءِ لِطَبِيبِ الغَلَابَةِ، وَالمُعَلِّمِ الإِنْسَانِ، وَالصَّانِعِ المُبْدِعِ، وَالتَّاجِرِ الأَمِينِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ نَبْضُ الحَيَاةِ وَصُنَّاعُ الأَمَلِ، مَنَابِرُهُمْ عَمَلُهُمْ، وَدَعْوَتُهُمْ سُلُوكُهُمْ، وَمَوْعِظَتُهُمْ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِنْ أَلْفِ خُطْبَةٍ.
أَيُّهَا الكِرَامُ، إِنَّ أَجْيَالَ التّقْنِيَةِ الحَدِيثَةِ وَالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ تَحْتَاجُ إِلَى قُدْوَةٍ صَالِحَةٍ، وَأُسْوَةٍ حَسَنَةٍ، وَنَمَاذِجَ مُلْهِمَةٍ، تَسْتَنْهِضُ الهِمَمَ، وَتُحَرِّكُ الإِبْدَاعَ، وَتَتَبَنَّى المَوَاهِبَ، وتَزْرَعُ فِيهِم الأَخْلَاقَ وَالقِيَمَ، فَتَنقِلُهُمْ إِلَى حَالِ صِنَاعَةِ الحَضَارَةِ وَبِنَاءِ الإِنْسَانِ.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا النَّبِيلُ، كُنْ سِلْمًا سَلَامًا لِلْعَالَمِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ عَنِيفًا فِي قَوْلِكَ وَفِعْلِكَ، اكْظِمْ غَيْظَك، اضْبِطْ نَفْسَك، فَإِنَّ اللَه جَلَّ جَلَالُهُ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، حَلِيمٌ يُحِبُّ الحِلْمَ، عَفُوٌّ يُحِبُّ العَفْوَ.
اعْلَمْ أَيُّهَا الكَرِيمُ أَنَّ الشَيْطَانَ يُؤَجِّجُ الصِّرَاعَاتِ، وَيُشْعِلُ نِيرَانَ الخُصُومَاتِ، وَيَفْرَحُ بِالعَدَاوَاتِ، وَيُوَجِّهُ الإِنْسَانَ إِلَى العُنْفِ فِي السُّلُوكِيَّاتِ، وَقَدْ كَشَفَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ لَكَ تِلْكَ الوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، فَأَطْفِئْ نِيرَانَ الشَّيْطَانِ بِكَظْمِ الغَيْظِ وَالعَفْوِ عَنِ النَّاسِ فِي كُلِّ مَعَامَلَاتِكَ، احْبِسْ نَفْسَكَ عَنِ التَّشَفِّي، لَا تَغْضَبْ، تَرَفَّعْ عَنِ الانْتِقَامَ تَزْدَدْ بِذَلِكَ عزًّا، فَقَدْ تَوَّجَكَ الجَنَابُ الأَكْرَمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِتَاجِ العِزِّ حِينَمَا قَالَ: «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا»، إِنَّهُ كَظْمُ الغَيْظِ يَا سَادَة الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ عَلَامَاتِ المُتَّقِينَ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ}.
وإِذَا كُنْتَ بَاحِثًا عن السَّعَادة فِي العَلَاقَاتِ الزَّوجِيَّةِ فَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَهَا التَّسَامُحُ وَالرِّفْقُ وَالتَّغَافُلُ، فَيَا أَيُّهَا الزَّوْجُ لَا تُلَاحِقْ زَوجَتَكَ بِانْتِقَادِكَ، وَلَا تُزْعِجْهَا بِتَصَيُّدِكَ، إِنَّ النَّبِيَّ الكَرِيمَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَدْ رَسَمَ لَكَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ الأَنْوَرَ في قَوْلِهِ: «لَا يَفْرَكْ - يُبْغِض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلقًا رضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
أَيُّهَا الكَرِيمُ، تَحَقَّقْ بِالسَّمَاحَةِ وَالرِّفْقِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهَا مَجْلَبَةٌ لِلْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالإِكرَامِ مِنَ الكَرِيمِ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَواتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
اللَّهُمَّ ابْسُطْ فِي بِلَادِنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ
وَانْثُر السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِي قُلُوبِ عِبَادِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِين
اقرأ أيضاً«الحال أبلغ من المقال».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
«نعمة الأمن».. نص خطبة الجمعة غدا 24 يناير 2025
مفتي الجمهورية يلقي خطبة الجمعة الأولى من مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية