تأمُلات
كمال الهِدَي
. سألت في مقال سابق عن المناطق التي يشير البعض إلى تحريرها قائلاً: حرروها ممن؟!
. ولا يزال السؤال قائماً، لأن العقل لا يقبل ترديد العبارات دون فهم أو تأمل.
. ثمة بيوت ومناطق وأحياء ومدن كاملة سيطر عليها الجنجويد وعاثوا فيها فساداً وسرقوا عرق أهلها هذا صحيح، ولم ننكره في يوم.
.
. فمن المُحرِر إذاً؟!
أليسوا مجموعة أخرى من المليشيات الآتية من ذات رحم جيش الكيزان الذي أنجب (دعمهم السريع)!
. وإذاً (أخرى) أننا أبعد ما نكون عزيزي الثائر عن التحرير.
. بل العكس، فهم بذلك يحكمون قبضتهم الإحتلالية على البلد وشعبه، بتحمليك جميل التحرير (المزعوم).
. إذ ما الذي يضمن لك أيها الثائر المُنساق وراء عاطفته أنهم لن يوظفوا مليشياتهم الحالية لأهداف غير نبيلة مثلما فعلوا مع الجنجويد (دعمهم السريع)، وبعد أن إستنفدت المليشيا غرضها خاضوا (حربهم) معها لإقناعنا بوطنيتهم الزائفة ورغبتهم في تحريرنا من سطوتها!
. المبدأ واحد، ومن يقتلك ويسرقك يستحيل أن يتحول لحامٍ لك ولعرضك ومقتنياتك.
. ولو كانوا من الفئة الغيورة على الوطن وأهله لما أُحتلت أراضينا منذ سنوات حكمهم الأولى دون أن يطلقوا طلقة واحدة ضد المحتلين الخارجيين، بل وجهوا فوهات بنادقهم دوماً لصدور أبناء وبنات الوطن العزل.
. لهذا أستغرب، بل أستنكر جداً قول أي شخص يفترض في نفسه الوعي " هؤلاء هم حماة الوطن".
. ولا أفهم إطلاقاً تجاهل هذه الفئة من العاطفيين لحقيقة أن ذات الجيش الذي يفترضون فيه حماية الوطن ومن يديرونه من وراء حجاب هم أنفسهم من صنعوا الجنجويد.
. لماذا تتجاهل هذه الحقيقة عزيزي الثائر وتضرب منها (طناش) وكأني بك تقول لهم " أخدعونا.. ضللونا وخدرونا فنحن نحب التخدير وصناعة البطل الوهمي".
. أتعاطف أحياناً مع الأنقياء الشباب المتحمسين الذين يتوقون لوجود قدوة يحذون حذوها، وقوة تمنحهم الأمان بأن البلد في أيدي أمينة.
. لكن المؤسف أن جيشنا الحالي لا يوفر القوة الوطنية الراشدة التي تحمي الأرض والمواطن والعرض، وقد وضح ذلك جلياً خلال حربهم مع جنجويدهم.
. فعلى مدى عامين ظلوا يكررون إنسحاباتهم المريبة تاركين المواطن في مواجهة آلة الموت، مع إن أولى مهام أي جيش في العالم هي أن يقف حائلاً دون وصول العدو لمواطني بلده.
. فكيف تقبل أنت يا مواطن السودان بجيش هرب منك في أولى ساعات هذه الحرب، ثم بعد أن قُتل أهلك وسُرق بيتك وذهبك وعربتك وكل مقتنياتك عاد جنوده برفقة مليشياتهم مهللين ومكبرين زاعمين أنهم يحررون الأرض ويخلصونك من القتلة والمغتصبين!
. لا ألوم الشباب ولا الصغار المتحمسين كثيراً فقد جرهم كبار عميان بصيرة إلى المكان الخطأ بداعي الوطنية المُفترى عليها.
. فكم من أستاذ جامعي وحملة شهادة عليا ظلوا يوهمون الناس بأن الواجب الوطني يحتم علينا الوقوف مع جيش الوطن (لأننا لا نملك غيره مهما يكن)، ولكونه يمثل مؤسسة ونظامية الدولة!
. والآن بعد كل ما شهدناه من فظائع وجرائم قتل وإعدامات بشعة وصادمة يُفترض أن يخجل هؤلاء الكبار من أنفسهم، هذا لو أنهم فعلاً أساءوا التقدير ولم يكونوا (غواصات) زرعها الكيزان وسط أفراد شعبنا.
. ظني أن جيوش الكيزان ومليشياتهم قد قربوا لنا بفظائعهم المسافة كثيراً مع بعض العاطفيين وما عدنا بحاجة لقول الكثير سعياً للإقناع بأن هذه الحرب لا حرب كرامة كما ظلوا يكذبون ولا هي من أجلك يا مواطن.
. قد تعود لبيتك الذي ما كان من المفترض أن تخرج منه أصلاً لو توفر لدينا جيش وطن مثل بقية شعوب وبلدان العالم.
. لكنك ستعود لبيت منهوب ومُخرب، ومدينة مُدمرة لتعيش فيها فقيراً مُعدماً يبحث عن أدنى إحتياجاته ولا يجدها في حين أنك ستتفرج على أبواق الحرب الحاليين وهم يمتطون الفارهات ويملأون بطونهم بما لذ وطاب.
. هذا مع العلم بأن كل ما جرى في الأيام الفائتة لم يكن بسبب جسارة من جنودهم (البواسل) ولا يحزنون. بل تم كل شيء بترتيبات ستؤدى في النهاية لتفكيك الوطن.
. هذه هي العقلية الإستعمارية التي إستهل بها كيزان (السجم) عهدهم الأول في العام ٨٩، وهو ما يريدون تكراره إن ظللت على غفلتك يا مواطن السودان.
. يستشهد بعض أساتذة الجامعات والكبار الذين أشرت لهم بأن العديد من المجموعات الثورية وقفت مع الجيش لأن القضية قضية وطن، وهذا لعمري التغرير بعينه بهؤلاء الشباب وأبشع إستغلال لعاطفتهم الوطنية تكذبه أفعال مليشيات الكيزان هذه الأيام.
. ولا يجدر بعاقل، إنسان ومسلم حقيقي أن يقف مع من يبقرون البطون ويجزون الرؤوس ويمثلون بالجثث ويصورون الموتى تحت أي ظرف من الظروف.
. هذه أمور مروعة لا يقبلها الإنسان السوي والمسلم الحقيقي، مهما كانت الدوافع.
. وأرجو ألا تنساقوا وراء من يطرحون الأسئلة (العبيطة) من شاكلة " كنتوا وين لما المليشيا فعلت كذا وكذا"
. فنحن أولاً لم نناصر هذه المليشيا في يوم، ولا زينا جرائمها حتى قبل أن يتحولوا عندهم لجنجويد، فقد ظللنا نطلق عليهم إسمهم الحقيقي (الجنجويد) منذ سنوات سبقت هذه الحرب القذرة.
. لكن هب أننا لم نشجب أفعال المليشيا في يوم، فهل يبرر ذلك بشاعة وإجرام كتائب الكيزان الحالية!
. ألا تنتفي مع ذلك فكرة جيش الوطن وخوضه لمعركة الكرامة وهو يرافق من يجزون الرؤوس ويبقرون البطون!
. طيب حا تلوموا الجنجويد على جرائمهم ليه ما دمتم تمررون جرائم الجيش وكتائبه البشعة وكأن شيئاً لم يكن!
. الطبيعي هو ألا أتوقع من جيش نظامي وحامٍ للوطن ما تقوم به المليشيات.
. ولهذا نقول ليس لدينا جيش وطن حقيقي، وإلا لتم كل شيء وفقاً لتعليمات الضابط المسئول بكل منطقة، ولما شاهدنا مثل هذه الفظائع وإفراغ خزائن الرصاص على ضحايا ماتوا أصلاً في سلوك يبين همجية ووحشية وجهل من يحملون السلاح.
. ما نشاهده من فظائع تتابعها مختلف الفئات العمرية لمجتمعنا أمر بالغ الخطورة، وبدلاً من تهليل بعض الجهلاء وأصحاب التدين السطحي عليهم أن يفكروا في الأثر النفسي الذي ستخلفه هذه المشاهد المروعة على صغارهم ويسألوا أنفسهم السؤال: "هل نربي أطفالاً أم وحوشاً كاسرة لنلقي بها في الغابة لاحقاً؟! "
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مستشار المليشيا الباشا طبيق لمذيعة الجزيرة: يا استاذة لا تكذبي
هاجم قناة الجزيرة بعد ان طالبته بالاعتراف بهزائمهم امام الجيش من ودمدني الى الخرطوم بحري وقال ان سياستها التحريرية تدعم الكتائب الارهابية ..مستشار المليشيا الباشا طبيق غاضبا :
يا استاذة حياة لا تتحدثي باسم قوات الدعم السريع وتكذبي على الشاشة.
والاستاذة حياة تقاطعه.. ترد وتقصف بعنف :-
عفوا سيد طبيق انا لا اتحدث باسم قوات الدعم السريع ولا يمكن ان اتحدث يوما باسمها بعد كل ما ارتكبته من جرائم.
طبيق متلعثما :
يا استاذة حياة.. يا استاذة حياة.. ياااا استاذة حياة
#طبيق_لا_تغضب
#قناة_الجزيرة
طلال مدثر
إنضم لقناة النيلين على واتساب