جميل البحري.. أسس المسرح ليكون في خدمة تكريس الهوية الفلسطينية
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
مؤلف وكاتب مسرحي قام بكتابة 12 مسرحية، وله قرابة 20 رواية، وكتب عديدة في الترجمة. ورغم أن شخصيات عديدة قبله أو عاصرته أو جاءت بعده تخصصت في المسرح إلا أنه لقب بـ" أبو المسرح".
ولد جميل حبيب عفارة (البحري) عام 1895 في مدينة حيفا، ولقبت العائلة بالبحري منذ منتصف القرن الثامن عشر وتحديدا أيام الشيخ ظاهر العمر الزيداني شيخ الجليل وحاكم حيفا في ذلك الزمن.
كان جده الأول صاحب أسطول بحري تجاري يجوب البحر المتوسط بين حيفا وعكا وطرابلس، ومن هنا جاءت كنية عائلته بالبحري. وكان والده وكيل أوقاف كنسي، أما أبناء عائلته التي ما زالت تقيم في حيفا فكانوا يمتلكون مساحات من الأراضي على سفوح جبل الكرمل وحيفا، وعملوا في الزراعة والتجارة البحرية.
التحق جميل البحري بمدرسة الروم الكاثوليك في البلدة القديمة، وتلقى تعليمه الابتدائي على يد رجال دين كاثوليك، وتعلم اللغة التركية كونها اللغة الرسمية للبلاد التي كانت خاضعة لحكم الأتراك، واللغة الفرنسية كون المدرسة تابعة لطائفة الروم الكاثوليك التي كانت ترعى من الحكومة الفرنسية.
عمل بعد تخرجه في المدرسة الوطنية الأسقفية، وبعد الحرب العالمية الأولى انتسب إلى طاقم معلمي المدرسة الأسقفية الكاثوليكية بحيفا وكان معلما للغة العربية.
ظهرت عليه علامات الاهتمام بالأدب والكتابة، فنشر سلسلة من الروايات التي ألفها أو قام بترجمتها من الفرنسية إلى العربية في مجلة "المسرة" التي كانت تصدر عن الجمعية البولسية في بيروت.
وكان هو وشقيقه حنا مهتمين بتنشيط الحركة الأدبية والفكرية في حيفا خاصة بعد زوال الحكم التركي ومجيء الاستعمار البريطاني فقاما بافتتاح المكتبة الوطنية في حيفا عام 1922، وساهم مع مجموعة من المثقفين في تأسيس "حلقة الأدب" في حيفا للتشجيع على فن الخطابة واللغة العربية، وشاركه بالتأسيس عدد من الكتاب.
أصدر مجلة "زهرة الجميل" في عام 1921 ثم اقتصر اسمها على "مجلة الزهرة" وهي مجلة أدبية روائية أخلاقية فكاهية تصدر مرتين في الشهر واستمرت حتى عام 1927. ثم أصدر مجلة تحت عنوان "الزهرة" وكانت مجلة أسبوعية ثم تحولت إلى مرتين في الأسبوع وبقيت تصدر بعد وفاته بحوالي تسعة شهور في عام 1931.
وجاء في تظهيرة المجلة صفحة دعائية وترويجية لها على النحو التالي:
"تصدر مرتين في الشهر في 50 صفحة كل مرة وهي تحوي أرق ما تكتب أقلام أدباء العصر في مواضيع أدبية واجتماعية ومباحث تاريخية وعلمية فضلا عن قصائد لأكابر الشعراء المعروفين ورواية مستقلة تنشر في كل عدد وتنتخب بين أبدع الروايات الأدبية الأخلاقية الجديرة بمطالعة الشبان والشابات على السواء".
وإلى جانب المجلة كان البحري حريصا على إقامة سلسلة من المحاضرات والحفلات والمسابقات للتأليف المسرحي والقصصي، ذلك لتشجيع الشباب على إتقان فنون الخطابة والنظر في كل نقيصة من نقائص مجتمع حيفا الأدبي، كما شهد المسرح الفلسطيني في عهده، تعاونا بين الدول العربية منها سوريا ولبنان ومصر، إذ استقطب مثقفي وفناني العالم إلى حيفا والعكس، جاعلا منها مدينة عربية رائدة في مجال الثقافة.
كان جميل يعمل متطوعا لدى المطران غريغوريوس الحجار وكيلا للأوقاف في حيفا، ووقعت خلافات كبيرة بين مسلمي ومسيحي المدينة حول ملكية مقبرة في حي محطة الكرمل، وأثناء قيامه بتفحص أحوال المقبرة انقض عليه شابان مأجوران من حيفا وضربه أحدهما بأداة حادة أدت إلى مقتله وذلك في 6 أيلول/سبتمبر عام 1930، وكادت أن تندلع حرب طائفية بين أهالي حيفا لولا تدخل المفتي الحاج أمين الحسيني والمطران الحجار.
وكان آخر ما كتبه الراحل تحقيقا صحفيا حول إعدام الشهداء الثلاثة محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير في مدينة عكا عام 1930، كما سخر طاقته وصحيفته في ذلك اليوم لأرواح الشهداء الثلاثة إذ كتب في افتتاحية مقال له: "الساعة الرهيبة في حيفا وسائر فلسطين أحيوا ذكراهم لمن قضوا للوطن".
وأقيمت له جنازة ضخمة وألقيت قصائد شعرية رثائية وكلمات تأبينية نشرتها صحافة فلسطين مثل صحيفة "الكرمل" وصحيفة "فلسطين".
منحت دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية اسمه وسام القدس للثقافة والفنون عام 1990، وأعادت وزارة الثقافة الفلسطينية طباعة كتابه الأول "تاريخ حيفا" عام 2022.
قال صديقه الشاعر وديع البستاني في رثائه:
قف بي على قبر(الجميل) الدامي وأقرأ عليه تحيتي وسلامي
هل فيك غير فتى حديث بعده للعيسوية كان والإسلام
يا ناكرين على الجميل جميله وممرغين جماله برغام
يا قائمين إلى التباعد بعده يا حاجبين ضياءه بظلام
لا الدين قاتله ولا أصحابه يا ضاربين لجفوة بسهام
لا تلبسوا الدين الحنيف جريمة يا آثمين كبيرة الآثام
قم يا جميل لظالميك وظلمهم واطلب أخاك تجده في الظلام
قم يا جميل لكاتبين محطما ما في أكفهم من الأقلام
ومن مؤلفاته وترجماته العديدة: مسرحية قاتل أخيه، رواية وفاء العرب، الوطن المحبوب، مسرحية حصار طبريا، مسرحية مأساة الخائن، مجموعة قصصية بعنوان الكرمليات، مسرحية أبو مسلم الخرساني، مسرحية مأساة في سبيل الشرف.
و ترجم العديد من الأعمال مثل: الأصم الأبكم، الإخفاء الغريب، الهجوم على بلجيكا، مصائب المسيحية، العاشق الروماني، مائدة الزعيم، الماسة الزرقاء، الخرساء.
المصادر
ـ جميل البحري: أبو المسرح الذي جعل حيفا رائدة في مجال الثقافة، صحيفة الحدث الفلسطينية، 16/2/2023.
ـ مجلة الزهرة 1922 -1923 جميل البحري، دار الوثائق الرقمية التاريخية.
ـ جميل البحري، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ( وفا).
ـ أحمد مروات، جميل البحري منشأ مسرح الرابطة الأدبية.. وحيفا فلسطين، ديوان العرب، أرشيف الناصرة الفلسطيني، 2/12/2007.
ـ جميل البحري: باعث النهضة الأدبية والثقافية في حيفا، موقع حيفا نت،22/10/2010.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير مسرحي تاريخية الفلسطيني فلسطين مسرح تاريخ هوية تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی حیفا
إقرأ أيضاً:
العدالة الغربية المزعومة: مذكرة اعتقال أم مسرحية هزلية؟
#العدالة_الغربية_المزعومة: #مذكرة_اعتقال أم #مسرحية_هزلية؟
بقلم : ا د #محمد_تركي_بني_سلامة
في خطوة تبدو أشبه بمشهد من مسرحية عبثية، أصدرت #المحكمة_الجنائية_الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين #نتنياهو ووزير الدفاع السابق #غالانت. للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر كإنجاز قانوني كبير، لكنه في الحقيقة لا يتجاوز كونه جزءًا من لعبة دولية مزدوجة المعايير. نتساءل بمرارة: أين كانت هذه العدالة المزعومة عندما كانت غزة تُقصف بشراسة؟ عندما كان الأطفال يُقتلون تحت الأنقاض، والمنازل تُسوى بالأرض؟ أهي عدالة دولية حقيقية أم أنها تُفتح أعينها فقط على الجرائم عندما لا يكون الدم فلسطينيًا؟
هذا القرار، وإن بدا صادمًا للبعض، إلا أنه يثير الشكوك حول نوايا الغرب ومؤسساته التي تتغنى بحقوق الإنسان والعدالة. الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل على مدى عقود طويلة بحق الفلسطينيين، والتي تُعتبر في كل القوانين الدولية إبادة جماعية وجرائم حرب، تم تجاهلها بشكل صارخ من قبل هذه المؤسسات. فما الذي تغيّر الآن؟ هل هي صحوة ضمير متأخرة أم لعبة سياسية جديدة لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالعدالة؟
لقد أصبح نفاق الغرب وازدواجية معاييره أمرًا لا يخفى على أحد. الغرب الذي يتحدث عن حقوق الإنسان ويدّعي حماية الحريات، يغض الطرف عن الإبادة اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. كم من أطفال فقدوا حياتهم بسبب القصف الإسرائيلي؟ كم من أسر شُردت بسبب الحصار والاحتلال؟ ومع ذلك، لا نجد سوى صمت دولي وتواطؤ واضح.
مقالات ذات صلة ارتفاع أسعار النفط والذهب بعد تحذيرات بوتين 2024/11/22تصدر المحكمة الجنائية الدولية اليوم مذكرة اعتقال، ولكن أين كانت عندما كان نتنياهو يفاخر علنًا بسياسة القتل والتهجير؟ أين كانت العدالة الدولية عندما كانت غزة تُحاصر لسنوات طويلة، وتُمنع عنها أبسط مقومات الحياة؟ يبدو أن هذه المؤسسات لا تتحرك إلا إذا كان المجرم من الدول الضعيفة أو غير المحسوبة على الحلف الغربي. أما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن العدالة تُصبح فجأة عمياء وصماء.
في ظل هذا النفاق الدولي، نجد أن الموقف العربي والإسلامي لا يقل خذلانًا. فبدلًا من أن يكون هناك صوت موحد يواجه الجرائم الإسرائيلية ويدافع عن الحق الفلسطيني، نجد صمتًا مطبقًا، وأحيانًا تخاذلًا يصل إلى حد التعاون مع المحتل. كيف يمكن للعالم العربي والإسلامي أن يقف موقف المتفرج بينما يُسحق الشعب الفلسطيني؟ أين ذهبت مواقف التضامن والكرامة؟
هذا الصمت لا يخدم سوى إسرائيل ومن يدعمها. فمن خلال ضعف المواقف العربية والإسلامية، يتم تمكين الاحتلال من التوسع والتمادي في جرائمه دون أي خوف من المحاسبة. الشعب الفلسطيني يُترك وحيدًا في مواجهة واحدة من أقوى الآلات العسكرية في العالم، بينما يكتفي العالم الإسلامي بالشجب والاستنكار اللفظي، دون خطوات فعلية على الأرض.
لنكن واضحين: العدالة الحقيقية لا تُنتزع من قاعات المحكمة الجنائية الدولية أو من مؤسسات غربية تحمل أجندات خفية. العدالة الحقيقية تأتي من إرادة الشعوب، من كرامتها وصمودها. الشعب الفلسطيني كان وما زال مثالًا للصمود رغم كل الجرائم والانتهاكات. لكن هذا الصمود يحتاج إلى دعم حقيقي من الأمة العربية والإسلامية، ومن كل من يؤمن بالحق والعدل في هذا العالم.
مذكرة الاعتقال هذه، رغم ما قد تحمله من رمزية، لا تعني شيئًا إذا لم تُترجم إلى خطوات فعلية على الأرض. أين التنفيذ؟ وأين المحاسبة الفعلية؟ يبدو أن هذه الخطوة ليست أكثر من محاولة لإظهار “الحياد” الدولي، في وقت تستمر فيه الجرائم بحق الفلسطينيين دون أي رادع حقيقي.
حتى إشعار آخر، ستبقى هذه المذكرة جزءًا من مسرحية “عدالة الغرب”، وسنظل نشهد ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية. لكن الأمل يبقى في إرادة الشعوب وصمودها. الفلسطينيون لم ولن ينسوا حقوقهم، مهما طال الزمن. أما العالم العربي والإسلامي، فلا يزال هناك وقت لاستعادة الكرامة واتخاذ موقف حقيقي ينحاز إلى الحق والعدل.
العدالة ليست شعارات ترفعها القوى الكبرى لتبرير أفعالها. العدالة هي صوت الشعب، وهي إرادة الصمود، وهي الحقيقة التي لا تموت مهما حاول الغرب تزييفها.