مستقبل سوريا: تحديات المرحلة الانتقالية ودور الكرد
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
كتب: محمد أرسلان علي
في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا، والتي تمثلت في إعلان أحمد الشرع عن "النصر" وحل مؤسسات الدولة التقليدية مثل الجيش وحزب البعث والجبهة التقدمية والبرلمان، وإعلانه رئيساً للمرحلة الانتقالية، تبرز تساؤلات كبيرة حول مستقبل سوريا ودور الفاعلين الإقليميين والدوليين في تشكيل هذا المستقبل.
المرحلة الانتقالية في سوريا: فرص وتحديات
إعلان أحمد الشرع عن بدء مرحلة انتقالية في سوريا يفتح الباب أمام إمكانية إنهاء الصراع الذي دام لأكثر من عقد. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المرحلة يعتمد على عدة عوامل:
1. الشرعية السياسية: يجب أن تحظى المرحلة الانتقالية بدعم داخلي وإقليمي ودولي. بدون شرعية واسعة، قد تواجه مقاومة من فصائل مختلفة داخل سوريا، مما يعيد البلاد إلى مربع الصراع. وما أن مؤتمر "النصر"، كما يُراد ان يسميه، لم تحضره الكثير من الفصائل والقوات العسكرية. والذي حضر هم من يدورون في فلك الاخوان المسلمين اخوان العقيدة والسلف الصالح من أبو عبيدة وخالد بن الوليد.
2. إعادة بناء الدولة: حل مؤسسات الدولة التقليدية يطرح تحدياً كبيراً في إعادة بناء هياكل حكم جديدة. يجب أن تكون هذه الهياكل شاملة وتضمن تمثيلاً عادلاً لجميع المكونات السورية، بما في ذلك الكرد والمكونات الأخرى.
3. المصالحة الوطنية: تحقيق السلام الدائم يتطلب مصالحة وطنية حقيقية تشمل جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضة والمجموعات المسلحة. يجب أن تكون هناك آليات واضحة للعدالة الانتقالية وضمان حقوق الضحايا.
4. حسن الجوار: لسوريا علاقات متذبذبة مع جيرانها إن كانت تركيا او العراق او الأردن وكذلك لبنان في الفترة الأخيرة. ينبغي على السلطة الجديدة في سوريا ان تعمل على تحسين علاقاتها مع دول الجوار لما لهم دور كبير في استقرار سوريا والمنطقة بشكل عام. وألا تشكل عامل شك وريبة لهم، وخاصة العراق والأردن ومصر، لما لهذه الدول من قيمة وقامة واعتبار في المنطقة.
5. الدور الإقليمي والدولي: سوريا تبقى ساحة للتنافس الإقليمي والدولي. أي حل دائم يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح الفاعلين الرئيسيين مثل روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة.
التدخلات التركية: تعقيدات إضافية
تركيا، كفاعل إقليمي رئيسي، تلعب دوراً معقداً في سوريا. حيث أنها منذ بداية الأزمة تعمل على فرض نفوذها غي سوريا بهدف السيطرة على الشمال السوري وضمه للحدود السياسية التركية وفق ما ينص عليه "الميثاق المللي" التركي والتي تعتبر شمالي سوريا والعراق مناطق استقطعت من تركيا ويجب ارجاعهما للوطن الأم. وعليه عملت تركيا على الزج بعشرات الآلاف من المرتزقة والإرهابيين في سوريا وفتحت حدودها ومطاراتها لهم، بهدف تحويل سوريا لبؤرة صراع مستدامة. ولذلك تسعى تركيا لتحقيق عدة أهداف:
1. فرض الوصاية على القرار السوري: تركيا تدعم مجموعات معينة في شمال سوريا، مثل الجيش الوطني السوري، في محاولة لفرض تأثيرها على القرار السياسي في سوريا.
2. محاربة الكرد: حيث أن تركيا تعتبر الكرد أينما كانوا هم ارهابيون إن لم يقبلوا بالخضوع للوصاية التركية. هي فقط تقبل الكردي الذي يمثل سياساتها ويتبرأ من كرديته، أمثال وزير خارجيتها الآن "فيدان"، الذي يعتبر نفسه كرديا متأترك. ولذلك تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب (YPG) امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، وتمتلك الشرعية في محاربة الكرد أينما كانوا. لذلك، تسعى أنقرة إلى تقليص النفوذ الكردي في شمال سوريا، مما يزيد من تعقيد الوضع.
3. إنشاء منطقة عازلة: تركيا تحتل أجزاء من شمالي سوريا وتريد شرعنة هذا الاحتلال بحجة إنشاء منطقة عازلة لمنع تدفق اللاجئين وتأمين حدودها.
-مستقبل الكرد في سوريا: كيف يتجنبون الأسوأ؟
الكرد، كواحد من أهم المكونات السورية، يواجهون تحديات كبيرة في ظل التهديدات التركية والوضع السياسي المتقلب. لضمان مستقبلهم، يمكن للكرد اتخاذ عدة خطوات:
1. تعزيز التحالفات الداخلية: يجب على الكرد بناء تحالفات مع المكونات السورية الأخرى وتجذيرها، بما في ذلك العرب والمسيحيين، لضمان تمثيلهم في أي ترتيبات سياسية مستقبلية.
2. الحوار مع الحكومة الانتقالية: المشاركة الفعّالة في المرحلة الانتقالية يمكن أن تضمن حماية حقوق الكرد ومصالحهم. يجب أن يكون هناك حوار مباشر مع أحمد الشرع والفصائل الأخرى. أي بمعنى أن تكون البراغماتية السياسية في هذه المرحلة ومتوازية مع المبدأ في صون المكتسبات التي تمت إلى الآن وعدم التفريط بها.
3. الابقاء على الدعم الدولي: الكرد يمكنهم تعزيز علاقاتهم مع القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لضمان حماية مناطقهم من التهديدات التركية. وكذلك عليهم التركيز على الانفتاح على العالم العربي بشكل واسع، وخاصة الدول المؤثرة فيه ونقصد مصر والسعودية والأردن والعراق والمغرب. وباقي الدول العربية طبعاً.
4. تجنب التصعيد مع تركيا: في الوقت الذي يجب أن يدافعوا فيه عن حقوقهم، يجب على الكرد تجنب أي تصعيد عسكري مع تركيا، والذي قد يؤدي إلى مزيد من الخسائر. وإعطاء حجة لتركيا في زيادة هجماتها على المدن والمناطق في شمال شرقي سوريا. ولكن بنفس الوقت عدم التخلي عن مبدأ حق الدفاع عن النفس المشروع.
5. تعزيز الإدارة الذاتية الديمقراطية: في المناطق التي يسيطرون عليها، يمكن للكرد تعزيز نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تضمن حقوق جميع المكونات، مما يعزز شرعيتهم محلياً ودولياً.
الخلاصة
مستقبل سوريا بعد التطورات الأخيرة يبقى غامضاً، لكنه يحمل في طياته إمكانية لإنهاء الصراع إذا تم التعامل مع التحديات بحكمة. المرحلة الانتقالية تحتاج إلى شرعية سياسية وإرادة حقيقية للمصالحة الوطنية. في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك حل عادل للقضية الكردية، مع تجنب التصعيد مع تركيا. الكرد، من جانبهم، يجب أن يعززوا تحالفاتهم ويشاركوا بشكل فعال في أي ترتيبات سياسية مستقبلية لضمان حقوقهم ومستقبلهم في سوريا الجديدة. لأن فقط الحفاظ على المكتسبات التي تمت سيكون له تأثير كبير في باقي أجزاء كردستان وحتى المنطقة بشكل عام، لما يحمله مشروعهم من فلسفة ديمقراطية غريبة نوعاً ما عن المنطقة في ظل تنافس المشروعين (القومجي والاسلاموي).
السلام في سوريا ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب جهوداً جادة من جميع الأطراف، بالإضافة إلى دعم إقليمي ودولي لتحقيق مستقبل أفضل للشعب السوري بجميع مكوناته.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: المرحلة الانتقالیة مستقبل سوریا فی سوریا فی شمال یجب أن
إقرأ أيضاً:
في ذكراها الأربعين تجربة فشل الفترة الانتقالية بعد انتفاضة أبريل (1985- 1986)
بقلم : تاج السر عثمان
١أبريل
اشرنا سابقا الي الذكرى الأربعين لانتفاضة مارس - أبريل ١٩٨٥، وضرورة الاستفادة من دروسها بإنجاز مهام الفترة الانتقالية، واستدامة الديمقراطية بالخروج من الحلقة الجهنمية للانقلابات العسكرية، التي أخذت حوالي ٥٩ عاما من عمر الاستقلال البالغ أكثر ٦٩ عاما ٠وبهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال عن دروس فشل تجربة الفترة الانتقالية بعد انتفاضة أبريل 1985.
٢
نتابع فى هذا المقال تجربة فشل الفترة الانتقالية لما بعد انتفاضة 1985 التي نعيش ذكراها هذه الأيام وكيف ساهم المجلس العسكري مع الجبهة الإسلامية في اجهاضها، وافراغها من مضمونها، ودروس تلك التجربة، لاسيما اننا نواجه الفترة الانتقالية لما بعد ثورة ديسمبر 2018 التي تواجه العوامل نفسها التي تعرقل مسيرتها، واخرها الحرب المدمرة الجارية الان، وكيف نستفيد من تلك التجربة لضمان نجاحها، رغم اختلاف ظروف كل منهما.
بعد تدخل القيادة العامة ، أصدر سوار الدهب عددا من القرارات أهمها: إعلان حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد،إعفاء رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء والمستشارين وحكام الأقاليم، وحل مجلس الشعب والمجالس الاقليمية ، الاتحاد الاشتراكي، وكلف وكلاء الوزارات بتصريف مهام الوزارات، وقادة المناطق العسكرية لتولي سلطات حكام الأقاليم، ووجه العاملين في الدولة لانهاء الاضراب. الخ.
لكن الجماهير تخوفت من عودة الحكم العسكري، ومن تغيير شكلي يعيد إنتاج النظام المايوي السابق، وطالبت في هتافاتها بالحكم المدني ، وجيش واحد شعب واحد ، لن يحكمنا البنك الدولي ، لن يحكمنا أمن الدولة ، لن تحكمنا بقايا مايو. الخ، وتوجهت الجماهير لسجن كوبر وحررت المعتقلين السياسيين، وبعدها توجهت للقيادة العامة وضغطت حتى تمّ حل جهاز الأمن. جاء تحرك القيادة العامة بعد ضغط صغار الضباط ، مما أجبرها علي الانحياز للانتفاضة ، اضافة لخوف كبار الضباط من انقلاب يقوده صغار الضباط ( للمزيد من التفاصيل : راجع حيدر طه ، الإخوان والعسكر، القاهرة 1993، ومحمد علي جادين: صفحات من تاريخ التيار القومي وحزب البعث في السودان، دارعزة 2011)،اضافة لدعوات الأحزاب والتجمع النقابي لمواصلة الانتفاضة والاضراب العام حتى تسليم السلطة لممثلي الشعب.
٣
كان من عوامل ضعف الحركة السياسية والجماهيرية هو تشتتها ، ولم تتوحد إلا في اللحظات الأخيرة ،حيث تم اجتماع صباح السبت 6 أبريل تمّ فيه التوقيع علي ميثاق التجمع الوطني لانقاذ الوطن من أحزاب: الأمة، الاتحادي الديمقراطي، الشيوعي ، ونقابات الأطباء ، المهندسين ، أساتذة جامعة الخرطوم، المحامين ، موظفي المصارف، الهيئة العامة لموظفي التأمينات. وكان الهدف توحيد المعارضة السياسية والنقابية في مركز موحد، إضافة لضعف وجود حركة الطبقة العاملة والمزارعين والكادحين في تركيب قوى الانتفاضة.
تضمن ميثاق التجمع الوطني النقاط التالية: فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، مهامها تنظيم العمل السياسي بموجب دستور 1956 المعدل 1964 ، كفالة الحقوق والحريات الأساسية، الحل السلمي الديمقراطي لقضية الجنوب في اطار الحكم الذاتي الموحد، التحرر من التبعية الاقتصادية والاصلاح الاقتصادي بخلق بنية اقتصادية تحقق العدل والكفاءة، ومواجهة المجاعة وشح المواد التموينية والغلاء، السيادة الوطنية والتحرر من التبعية للقوى الخارجية وقيام علاقات خارجية متوازنة، تصفية أثار مايو وقوانيتها القمعية، والطبقة الطفيلية المايوية ، واصلاح الخدمة العامة، وتصفية المؤسسات المايوية الخربة، تأكيد مبدأ الحكم الامركزي ، وحكم البلاد بعد الفترة الانتقالية بواسطة دستور يقره برلمان منتخب ديمقراطيا .
بعد التخوف من بيان القيادة العامة ، تواصلت اجتماعات التجمع الوطني للأحزاب والتجمع النقابي الذي كان مندوبه أمين مكي مدني مع القيادة العامة التي كان مندوبها اللواء عثمان عبد الله والعميد حقوقي أحمد محمود. لكن الخلافات بين الأحزاب قوى مركز القيادة العامة والسلطة، مما أدي للتعامل مع التجمع بصلف واستعلاء، حتى أنها هددت بأنها سوف تستخدم قانون الطوارئ بحزم لوقف المظاهرات!!!.
مع ضعف وخلافات التجمع وتحالف الجبهة القومية الإسلامية مع القيادة العامة ( قابل سوار الدهب د. الترابي في 10 /4 وتفاهم معه حول الوضع السياسي في البلاد) ، أعلن التجمع إنهاء الاضراب العام صباح الثلاثاء 9 /4. وزاد من ضعف قوى الانتفاضة اصدار الحركة الشعبية بيانها الذي قللت فيه من الانتفاضة ووصفت انحياز الجيش بأنه مايو 2.
كل تلك العوامل قوت موقف المجلس العسكري الذي كون مجلسا عسكريا انتقاليا من 15 عضوا من قيادات الوحدات العسكرية في الخرطوم، واستحوذ علي سلطات السيادة والتشريع خلال الفترة الانتقالية ، رغم احتجاج التجمع علي ذلك ، الا أنه لم يستطع أن يوقف ذلك لضعفه وعدم استعداده المبكر.
بعد استقبال سوار الدهب للترابي ظهرت الجبهة الإسلامية كقوة سياسية واقتصادية ومالية بعد البنوك الإسلامية والشركات التي عملتها في فترة المصالحة مع نظام مايو ، وكسرت طوق عزلتها باعتبارها من سدنة مايو بعد مشاركتها نظام في مايو لمدة ثماني سنوات بعد المصالحة الوطنية 1977، وشاركت في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية وفي الاتحاد الاشتراكي، وكان د. الترابي نائبا عاما ومستشارا للرئيس نميري. بالتالي عملت علي شق الصفوف ، واصبح المجلس العسكري يتعامل مع أكثر من جهة، ووجد حليفا قويا في الجبهة الإسلامية، وزاد الطين بلة دعوة المجلس العسكري لمناديب من الجبهة الإسلامية لاجتماع ممثلي القيادة مع التجمع الوطني التي استنكرها التجمع، هذا فضلا عن خط الجبهة الإسلامية الدعائي الذي يقول بأن العسكر هم الجهة الوحيدة المنظمة والقادرة علي قيادة البلاد واستخفافها التجمع الوطني.
بعد ذلك طلب المجلس العسكري الانتقالي من التجمع ترشيحات لشخصيات مستقلة لمجلس الوزراء، وكان خطأ التجمع الموافقة علي تكوين المجلس العسكري بهذه الصلاحية ، واسس تكوين مجلس الوزراء ، الذي جاء برئاسة د. الجزولي دفع المعروف بانتمائه للإخوان المسلمين منذ أن كان طالبا في الجامعة ، وضم مجلس الوزراء مجموعة من التكنوقراط ، وبعض النقابيين الذين لعبوا دورا في الانتفاضة، مما قطع الطريق أمام وصول الانتفاضة لتحقيق أهدافها. وهذا راجع لضعف التجمع وعدم اتفاقه علي هياكل مؤسسات الفترة الانتقالية منذ فترة مبكرة.
كما تحددت القوي السياسية والطبقية المصطرعة التي تكونت من المجلس العسكري المسيطر علي السلطة الفعلية والمتحالف مع الجبهة القومية الإسلامية، والمرتبطة بدوائر خارجية عالمية واقليمية لها مصلحة في اجهاض الانتفاضة وعدم تحول ديمقراطي عميق يكون له تأثيره في المنطقة، والتجمع الوطني للقوى السياسية والنقابية الذي انسحب منه الاتحادي الديمقراطي لاحقا، والحركة الشعبية بموقفها المعروف من المجلس العسكري.
٤
الدخول في مهام الفترة الانتقالية:
بعد تخوف التجمع من هيمنة الحكم العسكري ، بادر بتقليص الفترة الانتقالية من ثلاث سنوات الي سنة واحدة، بعدها يتم تسليم السلطة لممثلي الشعب، وتمّ الدخول في مهام الفترة الانتقالية التي تلخصت في :
- تصفية آثار مايو ومؤسساتها وقوانينها القمعية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
– وقف الحرب وتحقيق السلام.
- اجراء انتخابات عامة بعد عام واحد لانتخاب جمعية تأسيسية وتسليم السلطة لممثلي الشعب.
* ثم بعد ذلك بدأ التراجع عن ميثاق الانتفاضة، فبدلا من العمل بدستور 1956 المعدل في أكتوبر 1964 ، جاء الدستور الانتقالي لعام 1985 ، رغم أنه أكد علي النظام الديمقراطي والتعدد السياسي ، والحقوق والحريات الأساسية.
* رفضت الجماهير وأحزاب التجمع محاولة النائب العام عمر عبد العاطي للتغول علي نشاط الأحزاب عن طريق مشروع لتنظيم الأحزاب ، مما أدى لتراجعه.
* استفادت الجبهة الإسلامية من هذا الوضع وسيطر الطفيليون الإسلامويون علي السوق مع الطفيلية المايوية، وخلقو أزمات اقتصادية ومعيشية مع ضعف الحكومة في اتخاذ اجراءات حاسمة لتحسين الوضع المعيشي، أدت لزعزعة وفشل الفترة الانتقالية ولتذمر العاملين الذين قاموا باضرابات كثيرة.
* تمّ التوقيع علي ميثاق الدفاع عن الديمقراطية في نوفمبر 1985 الذي أكد علي الديمقراطية باعتبارها الخيار الوحيد ، والدفاع عنها بكل الوسائل بما فيها الاضراب العام اذا وقع انقلاب عسكري، وقع عليه 18 حزب واتحاد ، اضافة لممثلي القوات المسلحة، وخاطب الاحتفال بعض زعماء الأحزاب.، وتمّ ايداع الميثاق لمنظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية والأمم المتحدة ليشهد العالم علي تمسك شعب السودان بالديمقراطية.
الجدير بالذكر أن الجبهة القومية الاسلامية بقيادة الترابي لم توقع علي ميثاق الدفاع عن الديمقراطية ، وظهرت انيابها السامة التي غرستها في عنق الديمقراطية بانقلاب 30 يونيو 1989 ، مما دمر البلاد والعباد.
* عقدت قوى الانتفاضة مؤتمرها في مدينة ودمدني بهدف تأكيد وتقوية وحدتها، وأكد البيان الختامي علي استمرار التجمع الوطنى، وتصفية آثار مايو، ، حرية العمل النقابي، رفع المعاناة عن الجماهير ودعم أسعار السلع الأساسية، وقف الحرب في الجنوب، والاسراع بعقد المؤتمر الاقتصادي والمؤتمر الدستوري، والاشادة بانحياز الجيش للانتفاضة. الخ.
* واجهت الحكومة تردي الأوضاع المعيشية ، طالب التجمع بدعم السلع الأساسية ، وعقد مؤتمر اقتصادي عاجل بهدف معالجة الوضع الاقتصادي، لكن الحكومة فشلت في انتهاج سياسات تساعد في حل الضائقة المعيشية ، وتلكأت في عقد المؤتمر الاقتصادي، رغم المقترحات التي قدمتها قوى الانتفاضة في : تصفية التمكين الاقتصادي المايوي، والنشاط الطفيلي ، واسترداد الأموال المنهوبة ، واصلاح النظام المصرفي، وزيادة الايرادات العامة من موارد حقيقية. الخ.
في ديسمبر 1985 رفضت قوى التجمع والنقابات إعلان وزير المالية عوض عبد المجيد اتفاق مع صندوق النقد الدولي شمل: تخفيض سعر الجنية، ورفع أسعار السلع الأساسية، ورفع رسوم المياه والأرض في مشروع الجزيرة. الخ ، وكان الرفض كبيرا أدي لرفض مجلس الوزراء للمشروع مما أدي لاستقالة وزير المالية.
٥
تمّ تأخير المؤتمر الاقتصادي الذي لم ينعقد الا في مارس 1986 قبل شهر من نهاية الفترة الانتقالية!!، وكانت توصياته تتلخص في الآتي:
أ – إعادة تعمير وتأهيل المؤسسات والمشاريع الإنتاجية والخدمية في القطاعين العام والخاص ، وإعادة تعمير المناطق التي تأثرت بالجفاف والمجاعة .
ب – إصلاح النظام المصرفي وتصفية النشاط الطفيلي.
ج – إشاعة الديمقراطية واشراك العاملين في المؤسسات الإنتاجية .
د – تحسين أجور ومرتبات العاملين والمنتجين على أن يرتبط ذلك بزيادة الإنتاجية وتوفير مدخلات الإنتاج بالنسبة لمؤسسات القطاع العام والخاص الإنتاجية .
ه – إصلاح وتحسين خدمات التعليم والصحة.
و – لجم وسائل التضخم وتخفيض أسعار السلع الرئيسية واصلاح قنوات التوزيع .
ز – وضع خطة اقتصادية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي تخضع جميع السياسات الاقتصادية والمالية بهدف الاستغلال الكامل للطاقات الإنتاجية المتاحة واصلاح مسار الاقتصاد السوداني .
* انتهت الفترة الانتقالية بالفشل في تحقيق أهدافها، وجرت االانتخابات العامة في الفترة من 1 الي 12 أبريل 1986 ، بقانون انتخابي هزيل حرم القوى الحديثة من التمثيل ، وتكونت حكومة ائتلافية بين الأمة والاتحادي الديمقراطي والأحزاب الجنوبية ولم تستمر طويلا ، وفشلت في حل قضايا الاقتصاد والجنوب وترسيخ الديمقراطية وتم تكوين حكومة ائتلافية أخرى في مايو 1988 من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية ، إلا أن تلك الحكومة أيضا فشلت في حل مشاكل البلاد.
* رغم قرارات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي ، إلا أن السياسات التي سارت عليها حكومات تلك الفترة أدت إلى استمرار مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تتلخص في الآتي : -
أ – ركود الإنتاج السلعي ( زراعة – صناعة ) وتضخم قطاع خدمات المال والتجارة ، أي أن وزن الطبقات الطفيلية الإسلامية والمايوية كان مؤثرا في النشاط الاقتصادي ، الشيء الذي عرقل محاولة أي إصلاح ، وبالتالي انعكس ذلك على النشاط السياسي وإجهاض الانتفاضة وتقويض الديمقراطية .
ب – استفحال المديونية الخارجية التي بلغت 14 مليار دولار .
ج – عجز مقيم في الموازنة الداخلية وميزان المدفوعات.
د – تزايد معدلات التضخم إذ بلغ اكثر من 45 % .
ه – تدهور متواصل في سعر صرف الجنية السوداني .
و – تزايد معدلات استهلاك الفئات الطفيلية، وارتفاع معدلات الاستيراد وانكماش الصادرات وتزايد المنصرفات.
كما استمرت حكومات ما بعد الانتفاضة في السياسة التقليدية التي تسببت في الأزمة الاقتصادية مثل: تقليص دور الدولة، إلغاء الضوابط على حركة المبلغ والسلع والتخلص غير المدروس والتدريجي من القطاع العام خاصة في مجال البنوك والتأمين والتجارة.
ز – التشجيع المفرط للقطاع الخاص المحلي والمختلط والأجنبي دون اعتبار للأولويات والسيادة الوطنية ، وذلك بالإعفاءات والتغاضي عن التهرب الضريبي .
ح – إطلاق العنان لقوى السوق بافتراض أن ذلك يساوى بين الأسعار وتكلفة الإنتاج ويقربها من مستويات الأسعار العالمية مما أدخل البلاد في حلقة تعديلات سعر الصرف دون تحقيق الأهداف المطلوبة.
ط – التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني والاعتماد شبه الكامل على العون الخارجي. ) .
* – تفاقم حرب الجنوب التي كانت تكلف 3 ملايين من الجنيهات يوميا ، إضافة للخسائر في الأرواح والمعدات والمجاعات وتوقف التنمية في الجنوب ، وبذلت محاولات كثيرة من قيادات الأحزاب والتجمع والنقابات والشخصيات الوطنية في شكل مبادرات وندوات حتى كللت هذه المحاولات بتوقيع اتفاقية (الميرغني – قر نق ) التي أجهضها انقلاب 30 يونيو 1989 .
٦
* – ظلت مصادر الخطر على الديمقراطية موجودة كما حددها الحزب الشيوعي والتي تتلخص في الآتي :
أ – التخلي عن شعارات الانتفاضة بعدم تصفية أثار مايو .
ب – الإبقاء على القوانين المقيدة للحريات ( قوانين سبتمبر 1983) ، قوانين النقابات وغيرها من القوانين
ج – عدم الجدية منذ بداية الانتفاضة في الحل السلمي لمشكلة الجنوب.
د – تقارب الحزبين الكبيرين ( الأمة والاتحادي الديمقراطي ) للجبهة الإسلامية رغم موقفها المعادى للديمقراطية، حتى انقلبت على الديمقراطية وعضت اليد التي أحسنت إليها.
ه - كما قاومت الجماهير مشروع قانون الترابي الهزيل الذي يفضي للدولة الدينية، وتمّ اسقاطه .
وفي ديسمبر 1988 حدث الإضراب السياسي العام ضد زيادة الأسعار ، وبعد الإضراب ومذكرة القوات المسلحة التي خلقت جوا انقلابيا ، تم تكوين حكومة واسعة التمثيل ، وبعد تكوين الحكومة الموسعة ونجاح مبادرة( الميرغني – قر نق) لحل مشكلة الجنوب انعزلت الجبهة الإسلامية والتي رفضت التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية وكانت تسعى للحل العسكري والانقلاب على الديمقراطية ، ولعب اعلامها وصحفها دورا كبيرا في تخريب الديمقراطية، ونشر الأكاذيب، وبعد تكوين الحكومة الموسعة ، كانت مواكب الجبهة الإسلامية تجوب الشوارع من أجل حكم الشريعة ، وقبل ذلك كانت مواكب الجبهة الإسلامية حول أمان السودان وتحت ستار دعم القوات المسلحة ، وكان د . حسن الترابي في لقاءاته الجماهيرية يدعوا علنا لقلب نظام الحكم ، وتواترت المعلومات لقيادات الأحزاب والحكومة عن تخطيط الجبهة الإسلامية لانقلاب عسكري ، وبسبب الغفلة والتهاون وقع انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989 الذي دمر البلاد والعباد.
alsirbabo@yahoo.co.uk