مخاطر التهجير بين التهوين والتهويل
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
#مخاطر_التهجير بين التهوين والتهويل
د. #حفظي_اشتية
تصريحات الرئيس الأمريكي “ترامب” بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى الأردن ومصر ملأت الدنيا خلال الأيام الماضية وشغلت الناس، وتصدرت أحاديثهم في المجالس، وبادر المسؤولون في الدولتين إلى التعليق وبيان المواقف وإعلان الرفض، وخاض الكثيرون من الكتّاب في الموضوع، ونُشرت مقالات كثيرة في الصحف والمواقع الإخبارية، وأذيعت مقابلات عديدة لمتحدثين في الفضائيات.
ــ الفئة الأولى:
مقالات ذات صلة كيف سنرد على مخططات التهجير؟ 2025/01/30لجأتْ إلى تهوين الأمر، فالرئيس ــ وفق رأيها ــ يهرف بما لا يعرف، وهو لا يعني ما يقول، وله تصريحات سابقة مشابهة في مواضيع شتى لم تؤخذ بجدية، وقد يكون كلامه الآن مجرّد مجسّات اختبار، أو سبر نوايا، أو جبر خاطر للمحتل الذي اختل توازنه بالاتفاق على الهدنة دون تحقيق أهدافه، أو مهادنة وملاينة لليمين المتطرف المعارض الشرس، أو تهدف إلى التهويش على الدول العربية المعنية لابتزازها، والتلويح بعواقب عدم إذعانها للرغبات الأمريكية، والتلميح بمخاطر ترددها في ذلك أو معارضتها أو تفلّتها من الهيمنة المسلّطة على رقابها ترغيبا وترهيبا.
وقد تُحمل تلك التصريحات عند بعضهم على جناح حسن النية!! بأن الرئيس يريد فعلا أن يخفف الزحام في القطاع الذي يعيق الإعمار، وأنه ينظر للأمر نظرة مجردة من العواطف، وتعلّق السكان بأرضهم، وتشبثهم في وطنهم بعد عذاب التشرد والتهجير والحرمان على مدى قرن من الزمان، فلا بأس لديه أن تُلبّى رغبتهم!! بإزاحتهم وإراحتهم، طالما أن أمريكا لا تلتزم باستضافتهم، ولن تخسر شيئا مقابل استيعابهم، بل بالعكس ستربح كثيرا في الاستثمار بأرضهم، وتخدم بذلك أهداف المحتل، وتلتحم مصالحها بمصالحه.
ــ الفئة الثانية:
وهذه ترى أن ما يريده الرئيس الأمريكي سيتم حتما، وأن أمره قضاء مبرم، وأن ما يجمجم به في المنام ليس أضغاث أحلام، بل هو أمر نافذ محتوم.
تصريحاته ليست مجرد ثرثرة، ولا هي فقاعات متناثرة في طائرة، إنه يعي حقا ما يقول، ويعني جيدا ما صرّح به، والأمر ليس وليد لحظته، بل هو مخطط له طويلا، تمّ بحثه عميقا، وكان الوعد بتنفيذه سببا في قبول اتفاق الهدنة الفوري، ليتم استرداد الأسرى أولا، والتفرّغ بعد ذلك لإنجاز إخلاء غزة من معظم سكانها، تليها الضفة، تمهيدا للسعي قُدما نحو تحقيق المشروع الكبير الخطير في المشرق العربي بأسره. وما فعله هذا الرئيس خلال فترة رئاسته الأولى دليل يؤيد هذا التحليل، واختياره للمسؤولين حوله يوحي بنيّته المبيّتة لفرض صفقة غُبن جديدة معدلة، تفرض أمرا واقعا، وتقتلع القضية الفلسطينية من جذورها، وتطمسها من التاريخ الحديث لتنزوي بعيدا في مخيّلات أهلها الذين ستهدّهم مرارة واقعهم، وتهدم آمالهم، وينحصر جهدهم في مراقبة قطار التطبيع السريع الذي يدوس أحلامهم، بينما نظرهم يرتد إليهم كليلا حسيرا، فقد دهمهم ما لا قِبل لهم به، وليس أمامهم إلا الرضا بالهمّ وإن لم يرضَ الهمّ بهم.
ــ الفئة الثالثة:
تشعر بالمهانة العظمى من حالتنا العربية التي تسمح للرئيس الأمريكي بمثل تلك التصريحات، وقبل أن تندفع في هبّة عاطفية أبيّة “كولومبية”، وذلك هو الذي تتمناه، تراها تستذكر قول الشاعر:
ولو أن قومي أنطقتْني رماحُهم نطقتُ، ولكنّ الرماحَ أجرّتِ
لذلك، تكظم غيظها، وتحكّم عقلها، وتحجب عاطفتها، وتفرد أمامها حساباتها، وتصل إلى نتيجة مفادها أنّ رفضَ تصريحات الرئيس ومعارضتَها أرحمُ ألف مرة وأسلم من مسايرتها والخضوع لها.
وهي تعلم يقينا أنّ الكلفة باهظة، وأنّ نسبة المخاطرة عالية، لكنْ لا بدّ مما ليس منه بدّ.
سنتعرض إلى ضغوط اقتصادية هائلة، ونحن غارقون أصلا في معاناة نئنّ من أعبائها، وستدور حولنا مكائد سياسية وألاعيب مكر هُم سادتها.
سيتم الضغط على سكان القطاع والضفة فوق طاقة البشر على التحمل، في بيئة طاردة لكل وسيلة للنجاة أو الحياة، سيتعثر الإعمار، ستتأخر المساعدات الإنسانية، سيُنفخ في نيران الفتنة والفرقة بين الأهل، ستُفتعل الإشكالات في المفاوضات لإعاقتها أو وقفها…. لكنْ لا مناص من استمرار الصمود الذي قلّ نظيره في العالم قديما وحديثا، والحفاظ على صورة البطولة الخارقة التي أبداها هذا الشعب العظيم، والتضحيات الجسيمة التي تحمّلها، فالموت بشرف مرة واحدة على أرض الوطن أهون ألف مرة من موتة مذلة كل يوم خارجها.
مأمولٌ من مسؤولينا في الأردن ومصر أن يطرقوا كل باب للدبلوماسية لدرء الخطر، وأن يستثمروا كل نقاط القوة لديهم، وأن ينسقوا فيما بينهم، وأن يصارحوا الشعب، فالشعب يتفهم عميقا أن هذين البلدين قلعتان عربيتان لا بدّ من تحصين صمودهما أمام الخطر الداهم القادم، ولا بدّ من الاستعداد الواعي لكل احتمال، والبحث سريعا عن البدائل المتاحة للمساعدات الأمريكية المهينة، والبدائل كثيرة لمن يسعى إليها ويبحث عنها، وأقلها ترشيد الإنفاق في كل شيء، والسعي بجدّ ودأب لاستئصال الفساد الذي نهب الكثير من الثروات. الشعب سيصبر إنْ أيقن أنّ صبره ضريبة لكرامته وصون القضية الدينية القومية. الشعب سيصبر فوق طاقته عندما يستحضر أن التهجير سيهدّ أركانه، ويزعزع أمانه، ويضيّع وطنه وقضيته العادلة ومقدساته، ويكون “حصان طروادة” لتمرير المشاريع الخطيرة القادمة التي لن يسلم منها أحد، ولعل ذلك يوقظ الحس العربي الإسلامي بأن المخاطر تطال الجميع، ولا بدّ من أن يبادر سريعا القادرون ماديا لمساعدة إخوانهم على الصمود، وفي ذلك منفعة عظمى لهم أنفسهم، وخطٌّ أوليّ متقدمٌ للدفاع عنهم.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: حفظي اشتية
إقرأ أيضاً:
وفد «كنائس من أجل السلام»: نرفض التهجير القسري وندعم الأزهر في دفاعه عن فلسطين
استقبل الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفدًا من منظمة "كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط"، برئاسة القس الدكتورة ماي إليس كانون؛ والأسقف مالوسي مبوملوانا؛ الأمين العام لمجلس كنائس جنوب إفريقيا، والشيخ يحيى هندي، رئيس المجلس الفقهي الإسلامي بأمريكا.
وقال الدكتور محمد الضويني، إنَّ الأزهر يتبنَّى كل المبادرات التي تدعو إلى الحوار والسَّلام وترسيخ قيم الأخوَّة الإنسانيَّة ونبذ العنف؛ انطلاقًا من مسؤولياته الدينيَّة والمجتمعيَّة، مؤكدًا أنَّ الأزهر لا يكتفي بقداسة الأديان فحسب؛ بل يشدِّد على قدسية الإنسان ذاته باعتباره المسؤول عن تعمير الكون وعبادة الله، فيجب أن نحافظ على قيمة الإنسان ومكانته، ونرفض العدوان عليه أو تعريض حياته للخطر.
وأكد على ضرورة استثمار القيم المشتركة في الأديان لمجابهة الكراهية والعنصرية والتطرف، موضحًا أنَّ الأزهر حريص على المشاركة في مؤتمرات قادة الأديان وقممهم؛ لما لها من أهميَّة كبرى في جمع الشمل ومجابهة الكراهية وتبنِّي السلام والحوار، ونشر السلام في كل أنحاء العالم.
وبيَّن وكيل الأزهر أن فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يتابع باستمرارٍ الأوضاع في غزة ويؤلمه بشدةٍ ما يحدث لهذا الشعب الأعزل الذي غضَّ الجميع عنه الطرف، وتركوه وحده في مواجهة غير عادلة دون تحمُّل المسؤولية في وقف هذا العدوان من كيان متعطش للدماء، دون مراعاة لأديان ولا القوانين ولا الأعراف الدوليَّة ولا أي إنسانيَّة.
واختتم: أنَّ الأزهر يرحِّب بمبادرة كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط، التي تنادي بإعطاء الحق لصاحب الحق وإنكار الأعمال الوحشيَّة التي ترتكب ضد شعب أعزل له كل الحق في الذَّود عن أرضه ومقدساته، وتطالب بنزع السلاح ووقف تمويل الصهاينة في حربهم ضد الشعب الفلسطيني ورفضها تهجيرهم من وطنهم وأرضهم، موجِّهًا الشكر لدولة جنوب إفريقيا في ملاحقتها لمجرمي الحرب المتسببين في المجازر الوحشيَّة في غزَّة، ووقوفهم مع أصحاب الأرض والحق.
من جانبه، تقدَّم وفد مجلس الكنائس من أجل السَّلام بالشكر لفضيلة الإمام الأكبر على جهوده في دعم الحوار والسلام، قائلين: "جئنا لاستلهام الدَّعم من فضيلة الإمام الأكبر لجمع كل الأديان السَّماوية للمضي قُدُمًا من خلال مبادرة عالمية تستهدف إرساء السلام في الأراضي المقدَّسة، نتضامن خلالها مع الشعب الفلسطيني، ونرفض كل الاعتداءات والمجازر الوحشيَّة ضدهم، كما نرفض التهجير القسري لهم، وندعم الأزهر في دفاعه عن الشعب الفلسطيني".
وشدد الوفد، على ضرورة اتخاذ مواقف إنسانية لوقف نزيف هذه الدماء البريئة التي تُراقُ بشكلٍ يوميٍّ، داعين إلى خروج بيان مشترك من علماء المسلمين ورجال الدين المسيحي واليهودي -من غير المتصهينين- لوقف المجازر في غزة والوقوف بجانب أصحاب الحق في هذه المحنة العصيبة.