بيئـة عمـل لا تنصـف البعـض !
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
عندما تحاصرك الظروف ويشطر قلبك اليأس، تتحول من شخصية إلى أخرى بشكل تلقائي، كذلك هو الموظف المجيد في عمله المخلص في أداء واجباته لكنه ليس من اهتمامات الآخرين، فبيئة العمل غير الصحية، هي التي تجلب المرض والعقم في الأداء وتحقيق النتائج، فمثلا عندما يضيق عليك الخناق من هو أعلى منك في مراتب العمل، تصبح شخصا آخر غير الذي كنت تعرفه في زمن العطاء والتفاهم والتعاون والإنجاز.
بعد سنوات طويلة من العمل سوف تصل إلى حقيقة مزعجة وهي أن العمل لن يخسرك إذا أصابتك سهام الإحباط من عدم الإنصاف والعدالة، فإن أول الخاسرين ستكون ذاتك، في مقعد العمل سيأتي غيرك من إعلان بسيط، أما أنت فستصبح شخصا من الماضي كان يعتقد بأنه مميز ومعطاء ومجتهد.
لكن ضعفك وألمك الذي يحيط بك بعدما وجدت نوعا من التهميش أو عدم الإنصاف لن يشعر به غيرك، العمر سينتهي لا محالة، والأعمال ستبقى مناطة بالذين سيأتون بعدك لتستمر دورة الحياة دون توقف.
استوقفتني قاعدة إدارية قرأتها في منصة تفاعلية تقول:«أيها المديرون عندما يخطئ موظف مجيد في العمل، ينبغي أن تكون هناك مراعاة لتاريخه العملي الذي يشهد له بالإجادة عن غيره من الموظفين، هذا ليس محاباة له، وإنما ذلك تقدير لجهوده المتميزة، لا تخسروا الموظفين المجيدين بتصرفاتكم الحمقاء».
من الضروريات التي يجب أن توجد في مكان العمل هو التحفيز حتى ولو بالكلمة الطيبة، أيضا من المهمة جدا مراعاة الظروف والقدرات المتفاوتة، فعندما يتعرض بعض الموظفين لإخفاقات أو صعوبات في العمل، فإن أكثر ما يحتاجون إليه عبارات تشد من أزرهم وتشعل داخلهم الحماس مرة أخرى، فالإخفاقات ليست نهاية المطاف، وليست شيئا يدعو للخجل، بل من خلالها يتعلم الموظف كيف يبدأ من جديد أقوى من السابق.
هناك نماذج من الموظفين ارتأت أن تخرج طواعية من موقع عملها بعد أن ضاق بها الحال، فأحد الذين أعرفهم اختار الخروج قبل أن يبلغ سن التقاعد، اشتكى لي من الضغوطات النفسية والإساءة المتعمدة لشخصه التي لم تكن تقتصر على اللفظ الجارح أمام زملائه، وإنما كانت تأتي من خلال طرق غير مباشرة تتمثل في التهميش والتقليل من عمله، وعدم إعطائه المساحة الكافية لتقديم الأفضل، واعتباره كأنه غير موجود رغم أنه شخص قديم وأمضى سنوات طويلة من عمره في هذا العمل، التجاهل كان واضحا من خلال إلغاء مهاراته ومواهبه ومنحه الشعور الدائم بأنه شخص غير مرحب به في المكان، أو أنه لا قيمة له في إنجاز بما ينبغي إنجازه، كل ذلك التهميش المتواصل ولد لديه مع الوقت سلسلة من التراكمات والضغوطات النفسية رغم أنه في سابق العهد يعد من الموظفين المتميزين، إلا أن الوضع قد تغير وأصبح يشعر بعدم الراحة والانتماء إلى بيئة العمل، في بادئ الأمر اضطر إلى الاستغناء عن الوظيفة التي يتقنها من خلال طلب نقله إلى إدارة أخرى وتم رفض طلبه، الأمر الذي جعله يتأزم نفسيا وجسديا ويلجأ إلى أخذ الإجازات المرضية المتكررة بسبب حالته الصحية والنفسية السيئة، وفي بعض الوقت يقتطع من رصيد الإجازات السنوية التي كان من المفترض أن تكون للراحة وتغير روتين العمل والاستجمام لا الهروب من بيئة العمل التي أصبحت تلفظه إلى الخارج.
هذه النقطة تم الحديث عنها في الكثير من الكتب والدوريات والمقالات الصحفية، وبحسب ما تم نشره في إحدى المواقع المتخصصة في المقالات الإدارية يؤكد كاتب المقال محمد خالد سعيد «إن ظاهرة التهميش الوظيفي تعكس إساءة استخدام السلطة، والأمانة المهنية، وهدر المال العام والكفاءات الإدارية عبر ممارسة الضغوط النفسية والإدارية على المرؤوسين، أو من خلال دعم وترقية وتقريب الأشخاص الذين لا يستحقون ومنحهم المكافآت والمحفزات والدورات التدريبية ما يعد بمثابة إهانة وتقليل من الآخرين الذين يكدون في عملهم، وعدم تقدير العمل الجيد والاهتمام به بالشكل الكافي، فالكثير من الرؤساء تصعب عليه كلمة «شكرا» -وهم لا يعلمون ما مقدار الشحنة المعنوية الإيجابية لها- ما يزيد من الواقع السلبي ويشعرون أنهم معاقبون على عملهم الجيد».
إذن الإدارة فن لا يجيده كل الذين يتولون مناصب الإدارة العليا، فعدد منهم يرى أن الموظف يجب أن يكون مثاليا في كل الأشياء، وأن الخطأ لا يحتمل التصحيح وإنما يجب أن يترك المجال لغيره حتى لو كان مجيدا في أدائه الوظيفي.
لذا تحاول الحكومات والمؤسسات المتخصصة الدفع بمن يتولى المسؤولية نحو تبصيرهم بمبادئ العمل الذي يضمن الحقوق ويرصد الواجبات ويصحح المسارات ويحقق أعلى نسبة إنجاز خلال عام كامل، ومنح الموظفين الاستقرار الوظيفي الذي من شأنه أن ينمي بداخلهم الانتماء والسعي لتحقيق النجاح المطلوب دون أي عوامل للتنفير أو التهميش.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
لغز السعادة
السعادة لغز قديم، شغل الفلاسفة والمفكرين، وأرهق الباحثين عنها في كل زمان ومكان.
البعض يراها في النجاح، والبعض الآخر يظنها في المال، وهناك من يربطها بالحب، أو بالسفر، أو بتحقيق الأحلام. ومع ذلك، يمضي الكثيرون حياتهم في ملاحقتها دون أن يجدوها، كمن يطارد خيط دخان. والمفارقة أن هناك من يعيش ببساطة، لا يفكر كثيرًا في سرها، ومع ذلك يبدو سعيدًا بما لديه، كأنه وجد مفتاحًا خفيًا لم يدركه الآخرون. فما الذي يجعل بعض الناس سعداء رغم قسوة الظروف، بينما يبقى آخرون غارقين في التعاسة رغم أن الحياة قد منحتهم أكثر مما يحتاجون؟ الجواب لا يكمن فقط في الظروف، بل في طريقة فهم الإنسان لها، وفي الطريقة التي ينظر بها إلى الحياة ويتعامل مع تقلباتها.
يقول سينيكا: “السعادة ليست في امتلاك الأشياء، بل في التحرر من الحاجة إليها.” وهذه هي الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون، فالتعلق المستمر بالماديات لا يولد سوى مزيد من الرغبات التي لا تنتهي، وكأن الإنسان يسير في سباق لا خط نهاية له. أما من أدرك أن ما لديه كافٍ، وأن القناعة ليست استسلامًا بل نوع من الذكاء، فقد عرف طريق السعادة دون الحاجة إلى الركض خلفها. ليس هذا إنكارًا لأهمية الطموح أو السعي نحو الأفضل، لكنه تأكيد على أن السعادة ليست مؤجلة لحين تحقيق شيء معين، وإنما هي حالة يمكن أن يعيشها الإنسان في كل لحظة، إذا امتلك الفهم الصحيح لمعناها.
أما فولتير، فقد قال: “السعادة ليست شيئًا جاهزًا، بل تأتي من الفهم الجيد للحياة والتصرف بحكمة.” وهذا يعيدنا إلى التساؤل: هل الوعي بالحياة شرط للسعادة؟ أم أن هناك من يعيش سعيدًا رغم أنه لا يفكر كثيرًا في معانيها؟ الحقيقة أن هناك نوعان من السعادة: سعادة تأتي من البساطة، وسعادة تأتي من الفهم العميق. الأولون يعيشون وفق إيقاع الحياة دون أن يرهقوا أنفسهم بأسئلة كبرى، يجدون الفرح في تفاصيل يومهم، ولا يضعون أنفسهم تحت ضغط البحث المستمر عن معنى لكل شيء. أما الآخرون، فيدركون أن السعادة لا تعني غياب المشكلات، بل القدرة على التعامل معها دون أن يفقدوا توازنهم. هذا النوع من السعادة أعمق وأطول عمرًا، لأنه لا يعتمد على الظروف الخارجية، بل على قدرة الإنسان على خلق حالته الخاصة من الرضا.
وهنا يبرز السؤال: هل الجهل نعمة حقًا؟ يعتقد البعض أن الأشخاص الذين لا يشغلون أنفسهم بالتفكير قد يكونون أكثر سعادة، لأنهم لا يرهقون عقولهم بتعقيدات الحياة. لكن هذه السعادة غالبًا ما تكون هشة، تنهار عند أول اختبار، لأنها لم تُبنَ على أساس متين. أما من أدرك طبيعة الدنيا وفهم قوانينها، وامتلك وعيًا متزنًا، فإنه يمتلك سعادة أعمق، لأنها لا تتأثر بالتغيرات العابرة، ولا تتبدد عند مواجهة الأزمات. الشخص الذي لا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى الأعمق للحياة قد يشعر بالسعادة طالما أن الأمور تسير وفق ما يريد، لكنه عندما يواجه أزمة حقيقية، فإنه ينهار بسهولة، لأنه لم يكن مستعدًا نفسيًا أو فكريًا لمثل هذه اللحظات. بينما من يمتلك وعيًا ناضجًا بالحياة، يدرك أن التحديات جزء من الرحلة، وأن السعادة لا تعني غياب المشاكل، بل تعني امتلاك القدرة على التعامل معها دون أن يفقد اتزانه الداخلي.
السعادة الحقيقية لا تأتي من الهروب من الواقع أو إنكاره، بل من التكيف معه. هناك من يرى في كل مشكلة نهاية العالم، وهناك من يراها تحديًا يمكن تجاوزه. الفرق ليس في حجم المشكلة، بل في طريقة التفكير. كذلك، هناك من يعيش عمره يقارن نفسه بالآخرين، فلا يرى في حياته إلا ما ينقصه، بينما هناك من يدرك أن لكل إنسان رحلته الخاصة، وأن الانشغال بالذات أكثر نفعًا من الانشغال بالمقارنات التي لا تنتهي. البعض يظن أن الحصول على ما يمتلكه غيره سيمنحه السعادة، لكنه يكتشف لاحقًا أن المقارنة لا تقوده إلا إلى مزيد من السخط، وأن السعادة ليست فيما عند الآخرين، بل فيما يمكن أن يجده هو في حياته، إذا تعلم كيف يرى الجمال فيما لديه.
السعادة ليست هدفًا بعيدًا، بل أسلوب حياة. هي في التفاصيل الصغيرة التي يمر بها الإنسان دون أن ينتبه إليها، في لحظة رضا، في ابتسامة غير متكلفة، في بساطة العيش بعيدًا عن التعقيد. البعض يظنها كنزًا مخفيًا يجب البحث عنه، لكنها في الحقيقة قريبة، تحتاج فقط إلى عين ترى، وعقل يفهم، ووعي يعرف كيف يكون ممتنًا. السعادة ليست أن تكون حياتك مثالية، بل أن تعرف كيف تتعامل مع كل لحظة فيها، وتجد فيها شيئًا يستحق أن يُعاش. البعض يطاردها كما لو كانت غزالًا جامحًا، بينما هي جالسة بجواره، تنتظر منه فقط أن يراها.