تخيل أنّ هناك رجُلًا عاش فترة طويلة من حياته دون أن يعمل جاهدا لرسالة حياته، وأهدافه الشخصية في مختلف جوانب الحياة، حتى وصل به الحال بأنه لا يدري شيئا عن هواياته ومواهبه وإمكاناته... قضى 30 سنة في العمل بمؤسسته وبعدها انتقل إلى التقاعد، وبعد مضي مدة قصيرة من الزمن وهو يعيش نمط حياته الجديد تفاجأ بالنقص في موازنة مصروفاته الشهرية، وأصبح معه وقت طويل لا يعرف كيف يقضيه.
الآن يشعُر بالملل، وتظهر عليه ملامح الأزمة النفسية، نصحهُ صديقه بأن يبدأ في ممارسة هواياته ليعيش حياة سعيدة دون كلل ولا ملل، وأن يُسخّر قدراته ومواهبه في امتلاك حِرفة ما، تدر له ما يسدّ العجز المالي الذي يعاني منه، ويدّخر بعض الشيء للمستقبل، لكنه وللأسف لم يتمكن من التعرف على هواياته ومواهبه، وبالتالي استصعب عليه الحال الأخذ بهذه النصيحة.
أسوأ أنواع الشعور هو شعور النهوض من السبات العميق، والندم على ما فات وعدم اغتنام أهم الأمور في الحياة كما جاء في وصية النبي لأحد الصحابة، ففي حديث ابن عباس رضي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ» وهو لا يدري ما رسالته في الحياة؟ ولا يعرف مقومات ذاته؟ ولا يدري أين هو الآن؟ ولا يعرف ماذا يريد؟ بالفعل إنه أسوأ شعور.
شعور الذات على ما فات من الضياع، ذلك أن الوقت لا يمكن استرجاعه، والفرص قد لا تتعوض فلننتبه، حتى لا نقع في مثل هذا الضياع الكارثي، فهناك بشر ضاعوا في الحياة وخسروا خسرانا مبينا.
أنا لست اسما وجسما فحسب، بل أنا مبادئ وقيم، مبادرات وعمل، هوايات ومواهب، أنا إنسان طموح وصاحب رؤية عظيمة، أنا هنا ليكون لي أثر طيب.
فهل أنا مدرك لمواهبي ونقاط قوتي حتى أسخرها في تحقيق رسالتي وأهدافي؟ هل أنا مدرك لنقاط ضعفي فأجتهد في تحسينها؟ هل أنا مدرك للفرص المتاحة لي وأستغلها؟ وهل أنا مدرك التهديدات التي تواجهني، فأحذر منها؟ صديقي: ذاتك أغلى شيء في حياتك، بذاتك يعلو قدرك ومكانتك، اعتن بذاتك وتعرف على مواهبك وقدراتك، اكتشف الكم الهائل من إمكاناتك ومواهبك ونقاط قوتك لتكون واعيا بذاتك وتنهض بها نحو المعالي. قال تعالى: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الذاريات 21. وقال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ القيامة 14.
نحن معشر البشر رزقنا الله سبحانه وتعالى نِعمًا عظيمة ولا يمكن حصرها، صديقي: انظر إلى صحتك فهي نِعمة وقوة، انظر إلى سمعك وبصرك فهما قوة، انظر إلى خيالك وأفكارك فهما قوة، انظر إلى عقلك الذي يُفرق بين الحق والباطل فهو قوة، انظر إلى باقي مقوماتك العديدة التي منحك إياها رب العزة والجلال عن سائر المخلوقات فهي محل نعمة وقوة تعينك في صنع النجاح والإبداع. قال تعالى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم 34).
لنجد ذواتنا، علينا أن نتعرف عليها، ومعرفة الذات أمر سهل، يتطلب منا فقط رحلة استكشافية عميقة مع ذواتنا، جلسات خلوية نحلل فيها ذواتنا، نقيّم أنفسنا، ماذا حققنا؟ وماذا نطمح؟ وهل لدينا المقومات التي تعيننا؟ نأخذ بآراء المقربين منا، نستعين باختبارات مقاييس أنماط الشخصية وتحديد نقاط القوة، ونستعين بجلسات استكشاف الذات مع المختصين.
الحمد لله بعد رحلتي الاستكشافية لذاتي تعرفت على الكم الهائل من المواهب والقدرات والإمكانات، وأخيرا تعرفت على شغفي وهواياتي، ونقاط قوتي وضعفي، تعرفت على عاداتي الحسنة لتعزيزها، وتعرفت على عاداتي السيئة للتخلص منها، وتعرفت على قيمي التي تشغلني كثيرا في الحياة فأرتبها حسب أولويات حياتي.
عموما أصبحت الآن مُدركا للإجابة: أين أنا الآن؟ وأين أنا من رسالة حياتي؟ وما الإمكانات التي أمتلكها في سبيل تحقيق أهدافي وطموحاتي؟ وبهذه الرحلة الاستكشافية أصبحت مؤهلا للمرحلة القادمة من مراحل التخطيط الاستراتيجي الشخصي وهي «التهديف» وإعداد خطة أهدافي مستعينا بمواهبي وقدراتي، ومخططا لتطوير ذاتي.
وفي الختام، كلما نكون واعين بذواتنا، نستغل قدراتنا ومواهبنا في تحقيق أحلامنا وأهدافنا، وعندما نحقق أحلامنا وأهدافنا نصبح شاكرين للرزاق الوهاب، وبالتالي يعلو قدرنا عند الله سبحانه وتعالى، وعند بني جنسنا، هذا ونلتقي بإذن الله تعالى في المقال القادم (ماذا أريد؟).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الحیاة انظر إلى
إقرأ أيضاً:
39 ألف طفل يتيم يواجهون قسوة الحياة دون سند أو رعاية
الثورة / متابعات
قال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: إن قطاع غزة يواجه أكبر أزمة يُتْم في التاريخ الحديث؛ جراء حرب الاحتلال الإسرائيلي الدموية عليه.
وأوضح “الإحصاء” في تقرير نشره أمس الخميس، عشية يوم الطفل الفلسطيني (5 أبريل)، أنّ حرب الإبادة خلّفت 39 ألف طفل يتيم.
وأشار إلى أنّ المجاعة وسوء التغذية تهددان حياة الأطفال في قطاع غزة، حيث أن هناك 60 ألف حالة متوقعة من سوء التغذية الحاد، مؤكدا عودة شلل الأطفال إلى قطاع غزة.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ السابع من أكتوبر 2023م أكثر من ألف و55 طفلًا، في انتهاك منهجي لحقوق الطفولة وخرق صارخ للقانون الدولي.
وحتى بداية مارس 2025م، لا يزال الاحتلال يحتجز أكثر من 350 طفلاً أسيراً.
وواجه أطفال فلسطين، خلال 534 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (7 أكتوبر 2023 – 23 مارس 2025م)، كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث شكلوا مع النساء أكثر من 60% من إجمالي الضحايا، وفق التقرير.
وأسفر العدوان عن استشهاد 50 ألفًا و21 فلسطينيًا، بينهم 17 ألفًا و954 طفلًا، منهم 274 رضيعاً ولدوا واستشهدوا تحت القصف، و876 طفلاً دون عام واحد، و17 طفلاً ماتوا جراء البرد في خيام النازحين، و52 طفلاً قضوا بسبب التجويع وسوء التغذية الممنهج.
كما أصيب 113 ألفًا و274 جريحًا، 69% منهم أطفال ونساء، بينما لا يزال أكثر من 11 ألفًا و200 مواطن مفقود، 70% منهم من الأطفال والنساء.
أما في الضفة الغربية، فقد استشهد 923 مواطناً، بينهم 188 طفلاً، و660 جريحاً من الأطفال منذ بدء العدوان الإسرائيلي وحتى تاريخ إصدار هذا البيان.
وكشفت التقديرات عن أن 39,384 طفلاً في قطاع غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما بعد 534 يوماً من العدوان، بينهم حوالي 17,000 طفل حرموا من كلا الوالدين، ليجدوا أنفسهم في مواجهة قاسية مع الحياة دون سند أو رعاية.
وأشار “الإحصاء” إلى تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) عن واقع كارثي عاشه أطفال قطاع غزة ذوو الإعاقة نتيجة العدوان، رصد إصابة 15 طفلاً يومياً بإعاقات دائمة بسبب استخدام أسلحة متفجرة محظورة دولياً.
ووصل إجمالي الإصابات إلى 7 آلاف و65 طفلًا، بينهم مئات فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو سمعهم، كما سجلت 4 آلاف و700 حالة بتر، 18% منها (ما يعادل 846 حالة) بين الأطفال، ما زاد من تعقيد المأساة.
وهؤلاء الأطفال يواجهون كارثة مزدوجة بسبب الإعاقات الجسدية والنفسية، إضافة إلى انهيار النظام الصحي نتيجة تدمير المستشفيات، ومنع دخول الإمدادات الطبية والأطراف الصناعية، كما أدى انتشار سوء التغذية إلى تفاقم التشوهات العظمية وإعاقة التئام الجروح.
إلى جانب ذلك، يحاصر خطرُ الموت نحو 7 آلاف و700 طفل من حديثي الولادة بسبب نقص الرعاية الطبية، حيث عملت المستشفيات المتبقية بقدرة محدودة جداً، ما يعرّض حياة الأطفال للخطر، ومع نقص الحاضنات وأجهزة التنفس والأدوية الأساسية، تدهورت الظروف الصحية، ما يزيد من احتمالات وفاتهم.
وشهد قطاع غزة تفشي فيروس شلل الأطفال للمرة الأولى منذ 25 عاماً في يوليو 2024م، بسبب انخفاض نسبة التطعيم من 99% إلى 86% نتيجة الأوضاع الصحية الصعبة.
وتوقع تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) للفترة من نوفمبر 2024 إلى أبريل 2025م، أن حوالي 1.95 مليون شخص في مختلف أنحاء قطاع غزة يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والمصنفة ضمن المرحلة الثالثة أو أعلى (أزمة أو أسوأ).
ويشمل ذلك ما يقرب من 345 ألف شخص من المحتمل أن يواجهوا انعداماً غذائياً كارثياً (المرحلة الخامسة من IPC).
ومن المتوقع تسجيل حوالي 60 ألف حالة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 59 شهراً خلال الفترة من سبتمبر2024م إلى أغسطس 2025م، وهو ما يعني أن هؤلاء الأطفال يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية التي تؤثر بشكل كبير على صحتهم ونموهم.
ومن بينهم 12 ألف حالة من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أسوأ أشكال سوء التغذية، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تشمل الفشل العضوي أو الموت.
كما ستحتاج 16 ألفًا و500 امرأة حامل ومرضع إلى العلاج بسبب سوء التغذية الحاد، ما يؤثر بشكل كبير على صحتهن وصحة أطفالهن، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية أثناء الحمل والولادة.