سردية السلام لمناهضة الحرب وخطاب الكراهية
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
سردية السلام لمناهضة الحرب وخطاب الكراهية
خالد فضل
الجلسة الحوارية تلك التي تمّ الإعلان عنها، مهداة إلى روح د. الباقر العفيف؛ الذي أمضى حياته القصيرة بحساب السنوات، الحافلة في مضمار صالح الأعمال، أنفقها حتى آخر الرمق من أجل خدمة إنسان بلده في أرفع المجالات، الدفاع عن حقوق الإنسان مبتدأ وخبر، داعياً للسلام مناهضا للحرب وخطاب الكراهية، ما أدخر جهداً وفكراً ونشاطاً من أجل تحقيق تلك الغايات النبيلة فكان رحيله مرّاً بحجم الفقد والخسارة على المستوى الأسري والوطني والإنساني، لكن لم يمت من علا ذكره، وصحّت رؤيته ونضج فكره وسلم وجدانه وخلّف إرثاً باقياً مدى الحياة، رحمة الله تغشاه وغفرانه يكلل روحه براح ونعيم مقيم عند مليك مقتدر.
سردية السلام لمناهضة الحرب وخطاب الكراهية، حوار بمشاركة قامات وطنية فكرية وسياسية وإعلامية وإبداعية ملهمة، د. فرنسيس دينق، د. عبد الله أحمد النعيم، أزهري محمد علي، د. جمعة كندة، وزميلتنا رشا عوض، موعدها الأحد 3 فبراير 2025م، السابعة مساء بتوقيت السودان، الثانية عشرة ظهراً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، إنّهم أهل رأي وفكر واستقامة، وأصحاب إسهام وطني وفكري غير منكور، يحملون همّ بلادهم ومآسي شعبهم ويواصلون مشوار العطاء، مناهضةً للحرب القذرة، دعوة للسلام المستدام، نبذاً لخطاب الكراهية وأفعال الحقد والانتقام.
لقد بات بلاء الحروب المستمرة داءً مزمناً في بلادنا، نشأت أجيال متعاقبة منذ الاستقلال لم تهنأ بالسلام والعدالة والحرية، لم تنل في الوطن حقها الإنساني الأساسي ناهيك عن بقية الحقوق، تاريخنا الوطني تكلله العذابات والجراحات، نحتاج إلى جمّة من لهاث الماراثون المضني الذي قطعه شعبنا بحثاً عن النجاة، والحرب مبتدؤها كلام؛ مما أصطلح عليه بخطاب الكراهية.
والحرب تنشأ أول ما تنشأ في العقول قبل أن تأتمر الأصابع فتدوس على الزناد، كيف ننقي العقول من الحروب، حتى تكف عن إنتاج الخطاب المؤجج للنزاع، وتمتنع عن إصدار الأوامر بإطلاق النار. كيف يصفى الوجدان ويسلم الجنان، فيرى الحياة جميلة، تلك مهمة عسيرة وشاقة ولكنها ليست مستحيلة، وأولي العزم والفكر والإبداع من قادة المجتمع ورواده يختبرون في ساعة المحنة، نحن بحاجة فعلاً إلى أفكار ملهمة، مقولات حكيمة تتجاوز عطن الراهن وتستشرف آفاقاً مغايرة.
في الحياة أوجه كثيرة تفيض عافية ونماء، وفي العالم نماذج مضيئة وهادية للاستقرار والازدهار، كيف نعزز قيم الحياة الرائعة، نلفت الإنتباه إلى صور العيش البديعة، لتقرّ في الأفئدة قيم ومبادئ الإخاء الحرية والمساواة، كيف نخطو إلى الأمام ولكل فرد إسهام، كيف نحول الوطن من مساحة ضيقة معتمة بأدنى انتماء إلى براحات واسعة خضراء يانعة، ما الذي يضير إنساناً سويّاً أو يسبب له ألماً عندما يتمتع جميع أفراد مجتمعه بحقوقهم الإنسانية كاملة، ما الذي ينقص من قيمة الفرد إنْ تساوى قدره وحقّه مع الآخرين وصار ميزان التفوق فقط بحجم العطاء لصالح الجميع.
إنّ الأشخاص الذين يحوزون على جوائز نوبل في مختلف المجالات وفي كل عام، ينالون ذلك التقدير العالمي الرفيع نتيجة عملهم وجهدهم من أجل مجتمعاتهم المحلية أو منجزاتهم العلمية الكونية فيستحقون احترام البشرية، فلماذا يكون حضورنا في المحافل العالمية طلب المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، أ ليس ذلك مما يشكّل وصمة عار إنْ تأملنا بروية.
وفي بلادنا مساحات تفوق 200 مليون فدان صالحة للإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، المستغل منها لا يتعدى 25% فقط، فهل الرشد والحصافة في توزيع السلاح لنقتل بعضنا بعضاً بدوافع هلامية وخطط شيطانية أم الحكمة تقتضي تخطيط المشاريع وتوزيع الأفدنة لتفلحها السواعد الفتية ,هل الأنفع تعبئة المليشيات للقتل والسلب والنهب والتدمير والإبادات، هل الحياة أفضل وأجمل وأنبل تحت قعقعة الرصاص وأزيز الطائرات المغيرات والدانات المتفجرات أم فضاءات العيش أكرم وسط الحقول اليانعة والزهور المتفتحة والحظائر الغنية والموارد السخية وسبل العيش الرخيّة، لماذا تتحول الثروات عندنا من نعمة إلى وبال ونقمة، فهل في الأرض ضيق أم في الطبيعة جدب أم في الأنفس شحّ وتقتير، لماذا لا نعتبر من كل العِبر، ونتعظ من هول العظات، فنكرر نفس التجربة مئات المرات وفق ذات المعطيات وفي كل مرّة نتوقع نتيجة مغايرة.
هل هذا قصور في التفكير أم غشاوة على الأبصار أم غفلة في العقول أم خراب في الوجدان، ما هي نماذج الخير ومحط التقدير لدينا، المعلمون الأفذاذ والمفكرون والمبدعون والعلماء في شتى الضروب أم حملة النياشين وقادة الحروب، ما الذي يستهوينا، قصيدة شاعر مجيد يدعو للحياة، يصطاد الحجر لتنجو العصافير كما في قول معين بسيسو أم يستهوينا من يغتال الشقشقة في الأفواه الغضة الطرية لتنمو الصخور الوعرة بين الناس تنتصب سلاسل من جبال الكراهية، وتتفجر أنهاراً من الدماء، ونهتف عند كل مجزرة (الله أكبر) كبر مقتاً عند الله دعاة وأد الحياة، ولن استثني أحداً.
نعم الله أكبر عند باب كل فصل في مدرسة تضجّ بالنشاط التربوي/ التعليمي، في كل مرجيحة في روضة أطفال تنبت الأحلام لزغب صغار في صناقير الجبال وفي الوهاد والوديان ومنحنيات الأنهار وسهول البطانة وصياصي همشكوريب وغابات البابو ويابوس وكاتشا والضعين ووسط حواشات ود نعمان، الله أكبر في الأعياد والمهرجانات، على خشبات المسارح وأرفف المكتبات، ومداخل بوابات السينما ومدرجات الملاعب، في سوح الجامعات وجوة في عمق المناجم، في امتداد السكة الحديد وتعبيد الطرقات بالأسفلت وفي شموخ الأبراج بالطوابق التي تصافح السحاب ويغمرها الغمام، في الأسواق والبورصات ومحالج القطن ومعاصر الزيوت وورش العربات، في أندية الشباب ومع عمال النظافة في الطرقات في كل شتلة مغروسة في الفلوات، ومع كل موسم للمانجو والسمسم وطق الهشاب، في سقيا السعية وأوبة السمّاكة بصيد وفير، في أركان النقاش الجامعي، ودروس الوعي والفكر والعقل والتدين بمدخل صحيح وعظة الأحد على وقع أجراس ترنّ، الله أكبر تحية الأعياد ونشر البهجة والسرور، المشافي والمعامل، وادي هور كأنه وادي السيلكون بالإلكترون، الله أكبر جند منضبطين لا شفشافة ولا متفلتين، لا حزبيين لا إرهابيين، لا قتلة لا فاسدين، أمن وأمان كما اليابان، ومواعيد منضبطة كما الساعة السويسرية، حق وواجب، عدل ومحاسبة على التقصير؛ سواء في مجراها الوزير والخفير.
وأوعك تقطع صفقة شجرة عشان ما يجينا جفاف وتصحر، وأوعك تعبر الأسفلت دون أن يضيئ اللون الأخضر، وهناك مسار للدراجات ومن فوقه وتحته خطوط الميترو، وجسور للمرور دون دورانات، وتحت الأرض تتراص أنابيب الصرف الصحي وكيبلات شركات الاتصالات، وخطوط المياه وأسلاك الكهرباء، بنية تحتية ترنو لمستقبل الأجيال، ومدن قامات مكتملة الخدمات، وبيوت في الأرياف لقضاء العطلات.
الله أكبر في كل خطوة للازدهار، أ فلا نتأمل في معنى ما نردد من هتاف… وسلام على الأخيار من دعاة الحياة، تباً لكل ناعق بالموت والقتل والثأر والانتقام، والله أكبر من كل الظالمين.
مرحباً بسردية السلام، التنمية والرفاه، بعداً للحرب وخطاب الكراهية. مرحباً بالوطن الفسيح، بعداً لدعوات التشرذم، العداء والانقسام والانكفاء.
الوسومأزهري محمد علي الباقر العفيف الحرب السودان الولايات المتحدة خالد فضل رشا عوض فرنسيس دينقالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أزهري محمد علي الباقر العفيف الحرب السودان الولايات المتحدة خالد فضل رشا عوض وخطاب الکراهیة الله أکبر
إقرأ أيضاً:
الحرب ليست خيار الأقوياء دائما
يملك التاريخ الكثير من الحقائق التي تستحق أن نعود إليها بين فترة وأخرى؛ لأنها تشكلت عبر الكثير من الممارسات والتجارب وتحولت مع الزمن إلى ما يمكن أن نطلق عليه بالقواعد الثابتة. ومن بين حقائق التاريخ التي لا غنى من العودة إليها، لفهم مسار الأحداث فـي الشرق الأوسط، حقيقة تقول: «إن السلام لم يكن يوما غاية لأولئك الذين لا يستطيعون العيش إلا وسط الخراب». وإذا كانت هذه الحقيقة تصدق على الكثير من بقاع العالم المشتعل بالحروب فإنها فـي منطقة الشرق الأوسط أكثر صدقا بحكم التجارب العملية التي نعيش تفاصيلها منذ عدة عقود مضت. وابتلي الشرق الأوسط، بحكم الجغرافـيا والسياسة والأيديولوجيا، بعقليات لا ترى فـي التعايش خيارا يستحق العمل من أجله، بل تعتبر الحروب والصراعات بيئة طبيعية لاستمرار نفوذها. وتتضح هذه العقلية بشكل جلي فـي دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن دار فـي فلكها من كيانات الشرق الأوسط ودوله. وهؤلاء لا يملكون مشروعا إلا الهيمنة والعمل على ضرب كل مواطن القوة والثبات فـي هذه المنطقة، ووسيلتهم لتحقيق ذلك تتمثل فـي إبقاء المنطقة مشتعلة وتشويه المحاولات التي من شأنها إطفاء الحرائق التي تُشعل هنا وهناك.. وهؤلاء لا ينظرون بعين الرضا لأي صوت يدعو إلى التهدئة، أو لأي طرف يسعى بصدق إلى نزع فتيل الأزمات أو لأي دولة تسعى للحفاظ على رسوخها وعلى قيمها ومبادئها.
ووسط هذا التداعي وهذا الخراب السياسي والقيمي وهذه الحرائق السياسية المشتعلة فـي كل مكان من المهم الحديث عن التجربة العُمانية لما فـيها مما يمكن أن يكون أنموذجا يستحق المتابعة.. فإذا كان للتاريخ حقائقه فإن لعُمان تجاربها، أيضا، والتي شكلت الحقائق التي تقوم عليها السياسة العمانية التي نعيشها اليوم، وأهم تلك الحقائق أن السلام لعُمان خيار استراتيجي، وهذا الخيار يقتضي الحكمة والصبر، والقدرة على التفاعل مع جميع الأطراف دون تحيز. وخيار السلام الذي نتحدث عنه فـي عُمان، دائما، لم يأتِ من العدم، ولكنه جاء بعد حروب طويلة قامت عُمان فـيها بدور الحامي للجزيرة العربية ليس ابتداء بتحريرها من الاستعمار البرتغالي وليس انتهاء بوقف المد الماركسي الذي حاول الولوج عبر استغلال رغبات حقيقية لأناس يريدون تغيير واقعهم نحو الأفضل. وبين هذه وتلك الكثير من الأدوار التي يعرفها التاريخ ويعرفها المنصفون من كتابه ومتأمليه؛ لذلك فإن خيار السلام تشكل عبر وعي طويل بماهية الحرب وبماهية الصراعات ودورها فـي تقويض الأمم والحضارات ونسف منجزاتها الإنسانية.
إن موقف سلطنة عُمان من صراع النفوذ فـي المنطقة ـ وهو صراع يتلاعب ببعض الدول والقوى ويسخرها من أجل تنفـيذ أجنداتها الهدامة بوعي منها أو كونها كيانات وظيفـية هذا دورها فـي الأساس ـ موقف واضح جدا، وهو البعد عن الاستقطابات وتمويل الحروب وصب الزيت عليها، وهي بذلك لا تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية آنية على حساب استقرار المنطقة، لكنها فـي الوقت نفسه تقف مع القضايا العربية والإنسانية العادلة؛ لأن فـي دعمها دعم للحق وتشهد التجارب التي باتت واضحة للجميع صدق هذا الطرح ومنطقيته.
إن ما يحدث فـي المنطقة اليوم هو تشكيل للشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه الأدبيات الصهيونية منذ عقود طويلة وما حدث ويحدث فـي قطاع غزة وفـي لبنان وفـي سوريا وفـي العراق وإيران هو فـي سياق ذلك التشكيل الذي بات أكثر وضوحا الآن ويمكن رؤيته.
لا يريد البعض الاعتراف أن وقف إطلاق النار ضرورة ملحة للمنطقة بأسرها وليس لقطاع غزة أو الفلسطينيين فقط؛ فعودة الحرب عودة لكل تجليات الأزمة: عودة إسرائيل لارتكاب جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ما يعزز ويؤكد صورة إسرائيل فـي الوجدان الجمعي العالمي، كما أن عودة الحرب عودة لتفاقم التوترات فـي البحر الأحمر والهجمات التي تستهدف حركة الملاحة الدولية. ومن المستفـيد من هذا السيناريو؟ لا أحد. حتى القوى العظمى التي تدّعي حماية حرية التجارة تدرك أن تأجيج الصراع سيضر بمصالحها الاقتصادية على المدى الطويل.
أما على الجانب الفلسطيني، فإن الشعب الذي صمد أمام كل أشكال القمع لن يتراجع الآن، لأنه لم يعد لديه ما يخسره. فإذا نكثت إسرائيل عهودها كما تفعل دائما، وإذا استمرت فـي سياسة القتل والتهجير، فهل يتوقع أحد أن يسلم الفلسطينيون رقابهم؟ إنهم فـي هذه المرحلة أكثر وعيا بأن الحرب ليست خيارا، لكنها فرضت عليهم، وأن المقاومة لم تعد مجرد رد فعل، بل أصبحت قرارا استراتيجيا لشعب لم يعد يملك سوى الصمود.
وأمام هذا المشهد لا بد من دعم الجهود التي تسعى نحو السلام أينما كان، وبأي أوراق أمسكت، سواء فـي قلب الأزمة الحقيقية حيث الكيان الصهيوني أو حيث التداعيات التي أوجدتها تلك الحرب وتفاعلت معها. ولذلك تبرز أهمية القنوات الدبلوماسية التي يمكن فتحها والدخول عبرها من أجل تحقيق الهدف من السلام والاستقرار وهذه القنوات جوهر من جواهر العمل الدبلوماسي التي يعرفها أهل السياسة ويحافظون عليها حتى فـي أسوأ لحظات المواجهة؛ لأنهم يعرفون قيمتها والدور الذي تقوم به فكيف إذا كانت هذه القنوات بأيدي دول مشهود لها بالنزاهة وبالحياد وبصدق المبادئ.
ومن بين النماذج التي يمكن الحديث عنها القنوات التي بقيت فـي أيدي سلطنة عمان فـي العصر الحديث والتي عبرها استطاعت المساهمة فـي إطفاء الكثير من الحرائق التي كانت توشك على الاشتعال فـي منطقتنا وتم عبر تلك القنوات فتح حوارات حقيقية أثبتت للعالم أن السلام يمكن أن يصبح حقيقة بين أكبر الأعداء عندما تتوفر الرغبة والإرادة.
إن صوت العقل والحكمة الذي تتبناه السياسة العمانية خليق أن يُسمع لأنه ينطلق مع وعي عميق بماهية الحرب وماهية ما يحاك للمنطقة والنتائج التي يمكن أن يسفر عنها استمرار المشروع الصهيوني.
وستعلم إسرائيل ومن يدعمها فـي المنطقة ويأتمر بأمرها وينفذ أجنداتها أنهم جميعا يذهبون نحو الجحيم عاجلا أم آجلا. وقد مرّ الشرق الأوسط بفصول كثيرة من الدم والنار، وفـي كل مرة كان الحل يأتي فـي النهاية عبر طاولة المفاوضات، وسيأتي يوم يدرك فـيه الجميع أن منطق الصراخ لا يبني دولا، والتآمر لا يبني حضارات وإنّ صوت العقل، وإن كان خافتا، يبقى أقوى من ضجيج المدافع. وعُمان باقية على مواقفها ليس لأنها تبحث عن مجد سياسي، فمجدها منقوش على صخورها الصلدة، ولكن لأنها ببساطة تدرك أن التاريخ لا يرحم أولئك الذين يختارون الحرب وهم قادرون على تحقيق السلام.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة«عمان»