طهران- لم يمض شهر على إعلان مساعد الرئاسة الإيرانية لشؤون اقتصاد البحار، علي عبد العلي زاده، عن توصل سلطات بلاده إلى "قناعة بضرورة التفاوض المباشر" مع الإدارة الأميركية الجديدة، حتى طفت على السطح الانقسامات السياسية بشأن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع ما يعرف في طهران "بقاتل الجنرال قاسم سليماني".

وكشف تلويح المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي حول "التعامل بحذر مع العدو" عن انقسام كبير لدى الأوساط السياسية في طهران؛ بين من يرى في موقفه "ترخيصا للتفاوض"، وآخرين يعدّونه "تحذيرا من تجربة المجرب".

وفي إشارة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة، قال خامنئي لدى استقباله كبار المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس مسعود بزشكيان، يوم الثلاثاء الماضي، إن "ثمة عداوات خفية وخبيثة تكمن وراء الابتسامات الدبلوماسية، فلنفتح عيوننا، ونكون حذرين بشأن مَن نتعامل معه ونتحدث معه".

خامنئي دعا الإيرانيين إلى "التعامل بحذر مع العدو" (الأناضول) المصالح الوطنية

يأتي ذلك على وقع السجال المتفاقم بين الأوساط السياسية في الجمهورية الإسلامية حول كيفية التعامل مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث سارعت الصحافة الإصلاحية إلى تفسير موقف المرشد الأعلى على أنه موافقة على عزم الحكومة التفاوض مع واشنطن، ووجدت فيه ضوءا أخضر لحلحلة القضايا الشائكة بين الجانبين.

وأبرزت صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية "مواقف المرشد الشفافة" في عنوانها الرئيسي، وطالبت شتى الأطياف السياسية في البلاد بالوفاق والالتفاف حولها، واصفة إياها بأنها تتعارض والهتافات الفارغة المناهضة لمبدأ الحوار والدبلوماسية وتلك التي تستهدف مسؤولي البلاد أكثر من مقارعة الولايات المتحدة.

ورأت الصحيفة أن ما يهمّ البلاد في المرحلة الراهنة ليس الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو الإحجام عن الحوار بل الاتفاق من أجل المصالح الوطنية وتعزيز قدرة الدولة لضمان مصالحها وثرواتها، مضيفة أن تحقيق هذا الهدف بأقل تكلفة لم يعد ممكنا سوى عبر المباحثات الدبلوماسية.

ترامب انسحب بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 (الفرنسية) لعبة خاسرة

في مقابل ذلك، اعتبرت صحيفة "كيهان" المحافظة أن الانخراط في المفاوضات مع الولايات المتحدة "لعبة خاسرة" في ظل المواقف الصادرة عن واشنطن ومفادها "يجب القضاء على النظام السياسي في إيران"، وكذلك "يجب احتواء الجمهورية الإسلامية"، في حين ركزت الأدبيات السياسية في طهران على مقولتين؛ أولها "ينبغي على أميركا التخلّي عن تدخلها في شؤون الشرق الأوسط" و"يجب أن تكفّ أميركا من التدخل في شؤون إيران الداخلية".

إعلان

ويصف الكاتب السياسي سعد الله زارعي، في مقاله، المطالب الأميركية بأنها "إيجابية" حيث ترمي إلى تحقيق مطالبها ضد إيران، لكن المطالب الإيرانية من الولايات المتحدة "سلبية"، حسب كلامه، لأنها تطالب بكف واشنطن عن أفعالها في الشرق الأوسط، وأوضح أن تحييد الخلافات بين طهران وواشنطن غير ممكن سوى في حال موافقة إيران على المطالب غير القانونية للطرف المقابل.

ويعتقد زارعي أن بلاده لم تمر بظروف مأساوية تجبرها على اتخاذ قرارات تخالف مصالحها الوطنية، كما أن الظروف الدولية والإقليمية تغيرت بشكل جذري عما كانت عليه قبل عقد إبان المفاوضات من أجل الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

ويستنتج الكاتب في افتتاحية صحيفة كيهان أن المفاوضات مع أميركا لن تصل إلى نتيجة، بيد أنها تتسبب في تشكيك القوى المناهضة للولايات المتحدة بجدية عزم إيران في التعاون معها، مما يبرر لها العزوف عن الشراكة مع طهران في الصفقات الكبيرة.

قاسم سليماني اغتيل في يناير/كانون الثاني 2020 باستهداف سيارته بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي (الأناضول) إشارات إيجابية

وإذا كانت هذه الصحيفة تقود حملة إعلامية مناهضة لأي حوار مع الولايات المتحدة بشكل عام ومع إدارة ترامب على وجه الخصوص إذ أقدمت في عام 2020 على اغتيال "الرئيس السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني"، فإن المعسكر السياسي المقابل يستذكر حقبا تاريخية تفاوض خلالها رموز إسلامية مع الأعداء حقنا للدماء ولضمان مصالح الأمة الإسلامية.

ويرد النائب وعضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني محمد باقري، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة أنباء (إرنا) أمس، بالقول إنه "حتى الحاج قاسم سليماني كان قد تفاوض بشكل مباشر إبان الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان وذلك لضمان المصالح الوطنية على شتى الصعد"، موضحا أن بلاده قد تفاوضت مرات عدة منذ انتصار ثورتها عام 1979، وأن التذرع بعدم التزام الأميركيين بعهودهم لم يعد دليلا مقنعا للتخلي عن هذه المسؤولية الوطنية.

وإلى جانب تصريحات الرئيس ترامب منذ توليه منصبه ونبرته المتسمة بالاحترام تجاه إيران خلافا لما دأب عليه في حقبته السابقة من إطلاق تهديدات في إطار سياسة الضغوط القصوى، يلمس طيف من الإيرانيين في امتناع إدارته -لأول مرة- عن انتقاد طهران في الاجتماع الأممي لحقوق الإنسان بدورته 48 الثلاثاء الماضي بجنيف "إشارة إيجابية" تنمّ عن رغبة أميركية عملية للتفاوض.

كذلك لاقى قرار ترامب إقالة برايان هوك، المبعوث الأميركي الخاص بإيران والمسؤول عن تنفيذ عقوبات ضد طهران، وإلغاء التصاريح الأمنية لبعض الشخصيات المعارضة للجمهورية الإسلامية "ترحيبا" داخل الأوساط الإيرانية.

إعلان

في السياق، يرى الكاتب السياسي محمود صدري أن الرئيس ترامب يرسل إشارات إيجابية إلى إيران باتخاذه نهجا يبتعد عن المواقف غير العدائية تجاه طهران ما عدا معارضته امتلاك الجمهورية الإسلامية سلاحا نوويا.

وفي مقال نشره بصحيفة آرمان أمروز أمس الأربعاء، تحت عنوان "الأبيض والأسود في إشارات ترامب"، يحض الكاتب الجهات المعنية في بلاده على ضرورة استثمار الرغبة الأميركية بالتفاوض ووضع المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الفئوية، مؤكدا أنه لو كانت طهران قد حافظت على الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب منه عام 2018 لأضحت اليوم على وشك التخلص من القيود النووية المفروضة عليها وجني الثمرات الإستراتيجية للاتفاق.

انقسام داخلي

وإذا كان النواب الإصلاحيون قد وقفوا على قلب رجل واحد إزاء التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة لضمان المصالح الوطنية، فإن الملف هذا كشف عن شرخ لدى المعسكر المحافظ بين معارض وآخر يعتقد بضرورة أخذ بعض الملاحظات بالاعتبار قبل الانخراط في أي مفاوضات مع العدو.

ويرى النائب المحافظ حميد رضا حاجي بابائي، نائب رئيس البرلمان الإيراني، أن بلاده مستعدة "للتفاوض العادل مع أي طرف في العالم باستثناء الصهاينة"، موضحا، في مداخلة على قناة خبر الإيرانية قبل ليلتين، أنه لم تعد هناك أي عداوات أو صراع بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة ولا بد من التفاوض وفقا لشروط، ذلك لأن التفاوض ضرورة لتنمية البلاد.

في المقابل، يرى النائب المحافظ يعقوب رضا زاده عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، في تصريحات صحفية أدلى بها تحت قبة البرلمان أمس ونقلتها (إرنا)، أن التفاوض المباشر مع أميركا "خط أحمر" لا يمكن القبول به باي شكل من الأشكال.

ورغم هذه المعارضة الشرسة، فإن مراقبين في طهران يرون أن اعتراف سعيد رضا عاملي الأمين السابق للمجلس الأعلى للثورة الثقافية "بتكبّد الاقتصاد الإيراني خسارة تبلغ تريليونا و200 مليار دولار جراء العقوبات المفروضة عليه منذ عام 2012" لم يأت اعتباطا، وإنما لإقناع الرأي العام لا سيما الشريحة المتطرفة بضرورة الانخراط في مفاوضات مباشرة للحد من استنزاف الثروات الوطنية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجمهوریة الإسلامیة الولایات المتحدة التفاوض المباشر المصالح الوطنیة قاسم سلیمانی السیاسیة فی فی طهران

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية إيران ردا على ترامب: سياسة "الضغط الأقصى" فشلت سابقا وستفشل مجددا

أكد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، يوم الأربعاء، أن المخاوف الأمريكية بشأن البرنامج النووي الإيراني ليست مسألة معقدة، مشددا على أن طهران قادرة على تبديدها نظرا لالتزامها بموقفها الرافض لأسلحة الدمار الشامل.

اعلان

وعلى هامش اجتماع للحكومة، أوضح عراقجي أن "إذا كانت العقبة الرئيسية أمام الولايات المتحدة هي القلق من سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، فإن هذه المشكلة قابلة للحل".

وفي تعليقه على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أدلى بها مساء الثلاثاء، قال عراقجي للصحفيين إن سياسة "الضغط الأقصى" على إيران أثبتت فشلها سابقا، وإن تكرارها لن يؤدي إلا إلى الفشل مجددا.

وكان ترامب قد أعلن، إعادة العمل بسياسة "الضغط الأقصى" ضد طهران، والتي تتضمن إجراءات تهدف إلى خفض صادراتها النفطية إلى الصفر، سعيا لمنعها من تطوير سلاح نووي.

وأضاف عراقجي أن "القضية الأساسية هي ضمان عدم سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، وهذا أمر ممكن تحقيقه، فإيران عضو ملتزم في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومواقفها واضحة تماما في هذا الشأن، كما أن هناك فتوى صادرة عن قائد الثورة الإسلامية تؤكد هذا الالتزام".

وقبل لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقع ترامب، يوم الأربعاء، مذكرة تعيد فرض سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، مؤكدا عزمه منعها من تطوير سلاح نووي.

Relatedخامنئي: "غزة الصغيرة ركّعت إسرائيل".. ووزير خارجية إيران يقترح "نقل الإسرائيليين إلى غرينلاند"الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلومات سرية لإيرانإيران والحرب في غزة والتطبيع.. هذه هي الملفات الأكثر سخونة في لقاء نتنياهو وترامب

وتنص المذكرة على إعادة جميع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، إضافة إلى اتخاذ خطوات لتصفير عائدات طهران النفطية.

وكان ترامب قد بدأ حملة "الضغط الأقصى" خلال ولايته الأولى، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، الذي كان ينص على رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.

ومنذ ذلك الحين، رفعت إيران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة اللازمة لصنع الأسلحة النووية، وفق ما صرح به رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر/كانون الأول.

من جهته، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الأربعاء، الاتهامات الأمريكية بشأن سعي طهران لاغتيال مسؤولين أمريكيين بأنها "افتراءات يروجها دعاة الحرب"، مشيرا إلى أن إيران تعتمد المسارات القانونية لمحاسبة المسؤولين عن اغتيال كبار قادتها.

ومن بين هؤلاء، قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي قتل في غارة جوية أمريكية عام 2020. وتأتي هذه التصريحات عقب تهديد ترامب، يوم الثلاثاء، بأن إيران ستمحى إذا حاولت قتله.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الصين تعلنها حربًا مفتوحة على واشنطن وترفع سورها العظيم في وجه البضائع الأمريكية.. فهل يتراجع ترامب؟ ترامب يعلق تهديده بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا مع استمرار الضغط على الصين طهران تكشف عن صاروخ "اعتماد" الباليستي الجديد.. قدرات متطورة بمدى 1700 كيلومتر دونالد ترامبإيرانالبرنامج الايراني النوويبنيامين نتنياهواعلاناخترنا لكيعرض الآنNext ترامب يريد الاستثمار بغزة.. رغبة الرئيس الأمريكي بالسيطرة على القطاع وتهجير سكانه تثير الجدل يعرض الآنNext حملة مقاطعة المتاجر الكبرى تمتد إلى صربيا احتجاجًا على ارتفاع الأسعار يعرض الآنNextعاجل. إطلاق نار في إحدى محطات المترو ببروكسل وإخلاء جزئي للمحطة يعرض الآنNextعاجل. أوهايو: إطلاق نار في مستودع يسفر عن إصابة خمسة أشخاص يعرض الآنNext تريد السفر إلى أوروبا هذا العام؟ إليك ما يجب معرفته عن الضرائب السياحية وقيود السفر اعلانالاكثر قراءة جوائز غرامي 2025: إطلالة بيانكا سينسوري تثير الاستهجان وانتقادات لقبعة جادن سميث أطويلٌ طريقنا أم يطولُ.. نتنياهو يتجنب العبور فوق الدول الممتثلة لقرار اعتقاله في رحلته إلى واشنطن النرويج تتجه لحظر منتجات "تيمو" والسبب: مواد مسرطنة في ألعاب أطفال وتهديد للخصوبة حب وجنس في فيلم" لوف" مسابقة "بوم بوم" لاختيار أجمل مؤخرة امرأة بالبرازيل اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبغزةإسرائيلبنيامين نتنياهوحركة حماسسورياتركياأوروباإطلاق ناررجب طيب إردوغانإسبانياأسرىالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • إيران ترد على تصريحات ترامب حول "السلام النووي"
  • إيران: مقترح ترامب لتهجير سكان غزة استمرار لخطط "القضاء على الفلسطينيين"
  • وزير خارجية إيران يرد على ترامب: سياسة “الضغط الأقصى” ستفشل مجددا
  • هون من شأن التقارير عن تفجير إيران..ترامب: أفضل اتفاق سلام مع طهران
  • رد ناري من إيران على ترامب: هل تنجح المفاوضات حول السلاح النووي؟
  • وزير خارجية إيران ردا على ترامب: سياسة "الضغط الأقصى" فشلت سابقا وستفشل مجددا
  • إيران رداً ترامب: نتحرك وفق المصلحة والحكمة
  • إيران توجه رسالة طمأنة إلى ترامب
  • مأزق إيران مع دونالد ترامب
  • ترامب يوقع أمراً تنفيذياً بفرض ضغوط قصوى على إيران