أرباح طائلة وطرق تُحير السلطات.. كيف تُهرب العصابات الكردية العراقية الأشخاص لبريطانيا؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
السومرية – دوليات
كيف يصل المهاجرون من شمال العراق ومن أفغانستان بقلب آسيا إلى شواطئ بريطانيا عبر حدود عبر عشرات الدول آخرها فرنسا ومنها للمملكة المتحدة، هذه الرحلة الطويلة الشاقة يتم تنظيمها عبر شبكة معقدة من العصابات التي حيّرت السلطات في العديد من الدول الأوروبية، وباتت تحقق أرباحاً طائلة تقارب الـ200 مليون دولار سنوياً.
إذ تشير أرقام وزارة الداخلية البريطانية إلى أن عدد عمليات العبور لا يزال قريباً من مستويات عام 2022 رغم أن عمليات اعتراض عصابات الهجرة المنظمة التي تنفذها الهيئة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة (NCA) تضاعفت أربع مرات، لتصل إلى 237 عملية مقارنة بـ63 العام الماضي.
فكيف تستمر هذه العصابات في العمل دون أن ترتدع؟
يقول باسكال ماركونفيل، المدعي العام في مدينة بولوني سور مير الفرنسية، إن العصابات الكردية العراقية تولت مسؤولية عمليات تهريب الأشخاص عبر المانش عام 2018 بعد حرب مع منافسيهم الأفغان.
وحينذاك، كانوا في أغلب الأحيان يستخدمون الشاحنات لنقل المهاجرين إلى المملكة المتحدة، لكنهم اتجهوا إلى القوارب الصغيرة بعد تشديد الأمن في ميناء العبارات في كاليه بفرنسا ونفق المانش.
على أنه بعد عدة سنوات من سيطرة الأكراد على عمليات عبور القوارب، عاود منافسوهم الأفغان الظهور من جديد، وعزز موقفهم حقيقة أن مواطنيهم من أكبر الجنسيات التي تدفع مقابل العبور.
ونجحوا فيما فشل فيه زعماء الجريمة المنظمة الألبان. إذ واجه الألبان صعوبة بالغة في تنظيم عمليات تهريب المهاجرين رغم أن المهاجرين الألبان كانوا يشكلون أكبر جنسية العام الماضي.
فلم يكن الألبان يتمكنون من توفير الإمدادات الكافية من القوارب والمعدات اللازمة لعمليات التهريب بسهولة، ولذا اكتفوا بدور "الوساطة" مع العصابات الكردية، فكانوا يمدونهم بالزبائن و"يحصّلون الأموال" في المملكة المتحدة.
كيف يحققون هذه الأرباح الطائلة؟
وكان أصحاب القوارب يحققون أرباحاً أكبر أيضاً. وقال زافييه ديلريو، رئيس الهيئة الفرنسية المعنية بشؤون تهريب المهاجرين، إن متوسط الرسوم التي تتقاضاها العصابات يتراوح بين 2500 يورو (2700 دولار) و3000 يورو (3267 دولاراً) لكل مهاجر، باستثناء الألبان والفيتناميين الذين يدفعون حوالي 4500 يورو (حوالي 4900 دولار). وبمتوسط 50 مهاجراً لكل قارب، تحقق عملية العبور الواحدة 150 ألف يورو (163 ألف دولار)، منها 100 ألف يورو (108 آلاف دولار) أرباح.
وقال: "إذا ضربت هذا الرقم في عدد المهاجرين الذين عبروا عام 2022، فستجد أنهم حققوا أرباحاً بقيمة 150 مليون يورو (163 مليون دولار). صحيح أنها لا تضاهي تجارة المخدرات لكنها مربحة جداً".
وقدّر تحليل منفصل لأرقام الشرطة الفرنسية هذا العام أن مهربي البشر حققوا ما يعادل 233 مليون دولار من 45.755 مهاجراً عبروا العام الماضي.
شبكة معقدة وتقدم سلسلة من الخدمات للمهاجرين
ومع ذلك، رغم هذه الأرباح الضخمة التي يحققونها بصفة عامة، فشبكتهم ممتدة، ومئات الأشخاص يشاركون في هذه العمليات. وتتراوح "خدماتهم" بين توفير القوارب والمعدات وسترات النجاة وتجنيد "الزبائن" المهاجرين وترتيب مكان التقاء المهاجرين ونقل القوارب والمعدات وتحصيل الأموال في جانب المملكة المتحدة.
والكثير من الأشخاص يُدفع لهم المال في هذه العملية، ولهذا السبب لا تتحول عصابات التهريب لما يشبه إمبراطوريات تجارة المخدرات في أمريكا الجنوبية مثلاً، لأنها ليست عملية مركزية يتحكم عدد محدود من الأشخاص، بل شبكة واسعة من المتورطين والمستفيدين.
ولا يميل المهربون إلى استعراض أرباحهم، ليس خوفاً من جذب الانتباه فقط وإنما أيضاً لأن الكثير منهم ينتحلون صفة مهاجرين بل يعيشون في مخيمات مؤقتة بالقرب من دونكيرك بفرنسا.
مواقع التواصل الاجتماعي تساعدهم على الترويج والاتفاق مع الزبائن
وقالت الهيئة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة في تقريرها السنوي الذي نُشر الأسبوع الماضي إن شبكات التواصل الاجتماعي عبارة عن "أدوات إعلانية فعالة منخفضة التكلفة" لمهربي البشر. وقالت إن المهربين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لتجارتهم رغم التقدم الكبير في التعاون بين الشركات المالكة لهذه المواقع وأجهزة إنفاذ القانون.
إذ أثمر "نظام اتصال مبسط ثنائي الاتجاه" بين الهيئة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة وشركات مواقع التواصل الاجتماعي عن حذف أكثر من 3300 صفحة أو منشور أو حساب يعلن عن رحلات غير قانونية إلى المملكة المتحدة. لكن المهربين يتحايلون على هذه التدابير الوقائية، بمثل الخوارزميات التي ينشرها تيك توك لكشف الكلمات المفتاحية، باستخدام الرموز التعبيرية، مثلاً.
ويتحايل المهربون على الهيئة البريطانية وهيئات إنفاذ القانون الأخرى بنشر إعلان على تيك توك. وحين يتواصل الناس معهم، يرسلون إلى المهاجرين رقماً للاتصال بهم مباشرة على واتساب أو تليغرام. وهذا يعني أن حذف المنشورات لا يعود مهماً؛ لأنهم يكونون قد حصلوا بالفعل على زبائنهم وفتحوا حسابات جديدة لمواصلة الإعلان في لعبة لا تتوقف.
كيف يدفع المهاجرون مقابل العبور؟ وكيف يضمن رجال العصابات أموالهم؟
عادة ما يدفع المهاجرون المبلغ المطلوب في حساب إيداعي في بنك غير رسمي في بلدهم الأصلي. ويُصرف المال حين يصلون إلى المملكة المتحدة. ولا توجد أموال سائلة تقريباً في مخيمات المهاجرين. ويدفع بعض الأشخاص المال عبر ويسترن يونيون، وإن كان ذلك نادراً. وفي بعض الأحيان يُجبرون على العمل لصالح العصابات في فرنسا أو المملكة المتحدة لدفع تكاليف العبور. وفي باريس، يُطلب منهم في أحيان كثيرة بيع السجائر المهربة التي تنقلها هذه العصابات أيضاً.
والتهرب من الدفع ليس خياراً مطروحاً. يقول مهاجر أفغاني: "هؤلاء المهربون الأكراد شرسون جداً. ويعرفون كيف يعثرون عليك".
ويلجأ مهربون آخرون إلى الوسطاء الألبان لتجنيد الزبائن وجمع الأموال من المهاجرين حين يصلون بأمان إلى المملكة المتحدة. ويربحون ما بين 1237 دولاراً 1900 دولار على كل مهاجر يوفرونه للعصابات.
وحين يتصل زبون بالوسيط الألباني، يطلب منه نسخة من جواز سفره، تُرسل إلى العصابات الكردية في كاليه ليحتفظوا بصورة منه. ثم يرسلون الصورة بعد ذلك إلى ألباني في المملكة المتحدة مهمته تحصيل المال من صاحب الجواز. ويقتطعون ما بين 1273 دولاراً إلى 1910 دولارات من المبلغ ويرسلون الباقي- الذي يتراوح ما بين 3183 دولاراً و4456 دولاراً- إلى العصابة الكردية، التي تنشر محصلي الأموال التابعين لها في المملكة المتحدة.
كيف يتأكد المهاجرون من أن المهربين لن يخدعوهم؟
الكثير من هذه الأموال المدفوعة تُنظَّم بطريقة تحويل الأموال القديمة التي يعود تاريخها إلى طريق الحرير. وهي طريقة شائعة يلجأ إليها المهاجرون على مستوى العالم لإرسال التحويلات المالية إلى عائلاتهم.
وسمسار هذه الحوالة عبارة عن صراف غير رسمي يتواصل مع المهربين لترتيب الرحلة، ولا تُحوَّل الأموال إلا بعد أن يتلقى السمسار رسالة تؤكد وصول المهاجر إلى وجهته المقصودة.
وهذا يمكّن المهاجرين من دفع الأموال للمهربين دون أن يتعرضوا للنصب، حسب الصحيفة البريطانية.
هؤلاء يوفرون ملاذات للمهاجرين طوال الطريق الطويل لبريطانيا
يقول ديلريو إن مهربي البشر منظمون مثل تجار المخدرات، فيتولى بعضهم مهمة شراء القوارب والبنزين وسترات النجاة، ويتولى آخرون توفير مأوى مؤقت للمهاجرين على طول طريق التهريب، ونقلهم وإحضار الزوارق إلى نقطة المغادرة. ولا يطلع المتعاونون مع المهربين إلا على الحد الأدنى من المعلومات لتقليل مخاطر أن يقوموا بالوشاية على زعماء العصابات إذا ألقي القبض عليهم.
وقال إن شراء القوارب يكون في الصين غالباً، وتُنقل إلى تركيا ثم إلى ألمانيا، وهناك تخزن في المستودعات قبل أن يسلمها مهربون إلى شمال فرنسا، قاربين أو ثلاثة في المرة.
وكانت العصابات في السابق تخفي القوارب على الشواطئ ليستخدمها المهاجرون، أما الآن فيضعونها في مياه الأنهار ومصبات الأنهار قبل أن تنطلق على طول الساحل، لتلتقط الركاب في نقاط محددة مسبقاً على طول الطريق. وفي محاولة لعرقلة هذه المنظومة- المعروفة باسم قوارب التاكسي- وضعت السلطات الفرنسية حاجزاً عائماً في مصب نهر كانش في إتابلس هذا الشهر.
كيف يحصل المهاجرون على دخل فور وصولهم إلى المملكة المتحدة؟
الغالبية العظمى من المهاجرين يتقدمون بطلبات لجوء عند وصولهم إلى المملكة المتحدة، وهذا يوفر لمعظمهم إقامة مجانية وطعاماً ومبلغاً أسبوعياً محدوداً طوال فترة دراسة طلباتهم في وزارة الداخلية، وهي عملية تستغرق حالياً أكثر من سنة في المتوسط.
ومع ذلك، قالت مصادر إنفاذ قوانين الهجرة إن أعداداً متزايدة من المهاجرين عبر المانش- وخاصة الألبان- يعملون بشكل غير رسمي في وظائف غير رسمية مثل البناء وصناعة الجص وفي مغاسل السيارات والمرائب. وتشير أدلة قضائية أيضاً إلى أن المهاجرين الألبان يعملون في مزارع ومصانع القنب.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، من بين الـ92 ألبانياً الذين صدرت أحكام بحقهم في محاكم إنجلترا وويلز، اُتهم 72 ألبانياً بجرائم متعلقة بالمخدرات. وقال مصدر أجرى تحقيقات عن جماعات الجريمة المنظمة الألبانية: "الطلب كبير على العمالة في مزارع القنب في المملكة المتحدة". وفي قرارات الأحكام التي أصدرها القضاة، أشاروا إلى أن الكثير منهم وصلوا إلى المملكة المتحدة في قوارب صغيرة.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: إلى المملکة المتحدة فی المملکة المتحدة التواصل الاجتماعی
إقرأ أيضاً:
الجريمة في مارسيليا تدق ناقوس الخطر في أوروبا
تسيطر حرب العصابات على شوارع الأحياء الشعبية شمال مارسيليا أكثر من أي وقت مضى، وباتت تقض مضجع السكان خوفا على أبنائهم وتدهور الأمن العام بعد أحداث شهر "أكتوبر الأسود" الذي عاشته المدينة المتوسطية.
ووفق بيانات المكتب المركزي لمكافحة الجريمة المنظمة، شهدت المدينة في الفترة بين شهري يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من العام الجاري 2024، مقتل 12 شخصا في جرائم مرتبطة في أغلبها بتجارة وتهريب المخدرات.
يظل هذا العدد أقل من العام 2023 الذي عرف الطفرة الكبرى في مثل هذا النوع من جرائم القتل وتصفية الحسابات، حيث شهد مقتل 49 شخصا وجرح 180 آخرين، وهو العام الذي عرف تناحرا دمويا بين عصابتي "يودا" و"دي زي مافيا".
وتحمل الإيقافات التي نفذتها السلطات الأمنية في مكافحة جرائم المخدرات في عام 2023 دلالة على هذا التحول الخطير، حيث تكشف البيانات الرسمية عن إيقاف وسجن 241 شخصا من بينهم 16 قاصرا دون سن الـ15 عاما، و4 دون سن الـ16، و9 دون سن الـ17.
لكن مارسيليا في 2024، بصدد معايشة المنعرج الأخطر لعالم الجريمة والقتل المأجور عبر توظيف العصابات لجيل جديد من المراهقين وصغار السن، وهي ظاهرة مستجدة دقت ناقوس الخطر جنوب فرنسا وفي دوائر الحكومة والقضاء.
عدد الإيقافات التي نفذتها السلطات الأمنية في مكافحة جرائم المخدرات في مارسيليا تحمل دلالة خطيرة (الفرنسية) وحشية غير مسبوقةفي أكتوبر/تشرين الأول 2024 وبعد تسجيل جريمتين قتل مروعتين على صلة بتهريب المخدرات تورط فيها مراهقان في سن 15 و14 عام، حذر المدعي العام في مارسيليا نيكولاس بيسيون من الوحشية غير المسبوقة التي تشهدها المدينة المتوسطية مع جيل جديد متطرف من المراهقين.
وبحسب التفاصيل التي قدمها المدعي العام، تم تجنيد المراهق الأول من قبل أحد مهربي المخدرات لإشعال حريق في منزل بالحي المنافس مقابل 2000 يورو، لكن انتهى به المطاف إلى افتضاح أمره وتصفيته من العصابة المنافسة بطريقة وحشية للغاية عبر طعنه 50 طعنة وحرقه حيا.
تكرر السيناريو نفسه بعد يومين، لكن هذه المرة من خلال تجنيد المراهق الأقل سنا للانتقام لمقتل الأول بمكافأة قدرها 50 ألف يورو، انتهى الأمر مع الجريمة الثانية بوقائع غير مخطط لها حيث تسبب المراهق في مقتل سائق لحسابه الخاص بتوجيه رصاصة في الرأس بدم بارد، بعد خلاف نشب بينهما في الطريق قبل وصول القاتل إلى وجهته المحددة.
أعادت الجريمتان تحذيرات سابقة إلى الواجهة كانت أطلقتها لجنة بمجلس الشيوخ مكلفة بالتحقيق في جرائم المخدرات في تقرير لها في مايو/أيار، بشأن الدفع بمراهقين وسط صراعات لعصابات تتنافس من أجل السيطرة على تجارة المخدرات ومناطق البيع في شمال مارسيليا، مما أدى إلى ظهور "فرق من القتلة صغار السن".
ترتبط حرب العصابات بالأهمية البالغة التي تكتسبها مدينة مارسيليا التي تعد ممرا أساسيا لأنشطة تهريب القنب الهندي عالميا.
ووفق تقرير إذاعة "مونتي كارلو" الدولية يقدر حجم مبيعات العصابات شهريا 30 مليون يورو، وفي المناطق الساخنة يمكن أن يصل الدخل اليومي للتجار بنحو 80 ألف يورو.
المدعي العام في مارسيليا حذر من الوحشية التي تشهدها المدينة مع جيل جديد متطرف من المراهقين (شترستوك-أرشيف) على درب الجريمةيحقق الصحفي الاستقصائي فيليب بوغول منذ سنوات في الجرائم المرتبطة بتجارة المخدرات في مارسيليا، وتوصل في كتابه الذي صدر حديثا "أبناء الوحش" أن هؤلاء الشباب الذين وصفهم بـ"القتلة الرضع" غالبا ما يكونون خارج أي هيكل عائلي، ويتم استغلالهم من قبل الشبكات".
ويوضح فيليب -في تحليله- أن هذه الشبكات تعمد إلى صناعة رابط من التبعية لهؤلاء المراهقين حتى يسهل إبقاؤهم تحت سيطرتها الكاملة مثل فرض الديون عليهم وشحنهم بالكوكايين، وإن الأمر لا يبدو "جريمة منظمة فقط ولكنها الفوضى الكاملة" في مارسيليا، على حد قوله.
وصحيح أن عمليات التقصي لا تكشف عن أعداد دقيقة للمراهقين والقتلة المأجورين الذين يتم استقطابهم من قبل العصابات، ولكن تبرز السياقات البيئية والاجتماعية التي ينحدر منها هؤلاء عن معايير محددة تفضلها العصابات.
ويوضح المحلل السياسي بمركز الدراسات الغربية في باريس أحمد الشيخ -في حديثه للجزيرة نت- أن "حالة القصر من دون ذويهم في مدينة مارسيليا هي مأساة مضاعفة، فأغلبهم وصل إلى هذه المدينة بعد رحلات محفوفة بالمخاطر المميتة ليجدوا في انتظارهم مخاطر أشد".
وأضاف الشيخ "لقد هربوا من الحياة القاسية في مدنهم الأصلية والعنف الأسري في أحيان كثيرة، ليجدوا عنفا منظما تقوده عصابات تمارس جرائم متعددة وتجد هؤلاء القصر فريسة سهلة أمامهم".
وأحد التفسيرات خلف تفشي هذه الظاهرة يكمن -وفق المحلل- في التوصيف الذي أطلقته العصابات الإجرامية نفسها على المراهقين وهو "القصّر من دون ذويهم".
ويقول الشيخ إن غياب الأسرة الحامية لهؤلاء القصّر هو المسؤول الأول عن انخراطهم في عمليات الجريمة المنظمة، ثم يأتي في المرتبة الثانية عدم إدراك الدولة الفرنسية خطورة هذه الظاهرة وتداعياتها على المجتمع الفرنسي وعدم توفير الإمكانات الضرورية لإدماج المراهقين وحمايتهم اجتماعيا بعد أن تخلت عنهم عائلاتهم الأصلية.
ويفسر ماتياس بيرين، المتخصص الاجتماعي في الحماية القضائية للشباب، وهو يعمل مع الشباب المحتجزين في شمال مارسيليا وكان واجه 3 حالات وفاة لقاصرين، طرق تجنيد المراهقين من قبل شبكات الإجرام التي تحصل بعيدا عن مارسيليا عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ويتابع بيرين في تحليله على صحيفة "لاكروا" الفرنسية إنه "من خلال عزل المراهقين المجندين، تحتفظ الشبكات بالسيطرة الكاملة عليهم، ليصبح الشباب معزولين عن أي مرجعية أخلاقية، ودون إيمان أو التزام بالقانون، ويلجؤون إلى الشبكات التي يعملون لحسابها بمثابة عائلة ثانية".
بيرين: من خلال عزل المراهقين المجندين عن عائلاتهم تحتفظ الشبكات بالسيطرة الكاملة عليهم (شترستوك) ثغرات قانونيةبالعودة إلى النماذج المحيطة بمجتمع مارسيليا، فإن ظاهرة القتلة المأجورين من صغار السن ليست بظاهرة جديدة. فعلى الجانب الآخر من جبال الألب، تستخدم المافيا في إيطاليا أيضا المراهقين الشباب للقيام بأعمالها القذرة منذ سنوات. وتقول "صحيفة ميلانو" المحافظة "إن القاصرين هم الآن القوة العاملة المفضلة في العالم السفلي".
وبحسب ملاحظات رجال القانون والمدعي العام في مارسيليا، يعمد تجار المخدرات على الأرجح إلى استثمار الثغرات في التشريعات والعقوبات المخففة ضد الأحداث الجانحين و"مبدأ انعدام المسؤولية الجنائية للقصر" من أجل استقطاب المراهقين المهمشين والفقراء الباحثين عن قصص الحياة السهلة، وتنفيذ أعمالهم.
ويعود مبدأ "انعدام المسؤولية الجنائية للقصر" بقانون العقوبات في فرنسا إلى الأمر الصادر في الثاني من فبراير/شباط 1945، وهو نص مرجعي في مسائل العدالة الجنائية للأحداث.
ولكن مع تواتر جرائم القصر الخطيرة وعمليات القتل المروعة، باتت أحزاب فرنسية من اليمين واليمين المتطرف تؤيد بقوة مراجعة هذا المبدأ، ويدعم رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا مقترحا لفرض "عقوبات قصيرة وفورية" ضد القاصرين المدانين.
رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا يدعم مقترحا لفرض عقوبات قصيرة وفورية ضد القاصرين المدانين (شترستوك) هل مارسيليا المحطة الأخيرة؟لماذا تستقطب مارسيليا بالذات الجيل الصاعد من الشباب العنيف و"القتلة المأجورين"؟ يرجع أحمد الشيخ مدير مركز الدراسات الغربية في باريس في تحليله للجزيرة نت، هذا الاستقطاب إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي لمارسيليا وقرب شواطئها من شواطئ شمال أفريقيا وكذلك قربها من إسبانيا وإيطاليا، وهما من البلدان التي يزحف إليها العدد الأكبر من المهاجرين بشكل عام والقصر بشكل خاص.
ويتابع الشيخ "ربما تجذب مدينة مارسيليا هؤلاء القصر من دون ذويهم نظرا لنمط الحياة السائد في هذه المدينة الذي يشبه بدرجة ما الحياة في بلدانهم الأصلية وكذلك لشهرتها بوجود جمعيات كثيرة تتضامن مع المهاجرين واللاجئين".
لكن لا تبدو المخاوف مقتصرة على مارسيليا وحدها، فالأصداء القادمة من ضفاف المتوسط تشير إلى قلق متزايد على مسارات العبور وعمليات تهريب المخدرات بأرجاء أوروبا، وصولا إلى عاصمة التكتل الأوروبي في بروكسل، وقد حذر الخبير في مركز باريس من تفاقم مشكلة "القصر من دون ذويهم" وخروجها عن السيطرة، وأن هناك ما يدفع إلى الخوف.
وذكرت صحيفة "لاكروا" في تقرير لها أن الكميات المتزايدة من المخدرات التي تمر عبر ميناء أنتويرب البلجيكي أدت إلى جعله نقطة الدخول الرئيسية للكوكايين إلى أوروبا، وبسبب ذلك امتد العنف الناجم عن أنشطة التهريب والعبور من المدينة الساحلية جنوبا إلى بروكسل، حيث تضاعفت بشكل لافت عمليات إطلاق النار في الشوارع.
وتساءلت صحيفة "دي مورغن" البلجيكية "هل ستصل أعمال العنف الفظيعة المستعرة في مارسيليا إلى بروكسل؟".