شهادات ناجين من هجوم الغوطة الكيميائي
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
سلط تقرير بمجلة نيولاينز الأميركية الضوء على قصص الناجين من هجوم الغوطة الكيميائي في سوريا، فيوم 21 أغسطس/آب 2013، شن النظام السوري أحد أكثر الهجمات الكيميائية دموية في القرن الـ21، مستهدفا منطقة الغوطة الشرقية التي كانت تحت سيطرة الثوار.
وأطلق النظام صواريخ تحمل غاز السارين -وهو غاز أعصاب قاتل- على عدة مواقع، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1144 شخصا، وتسبب في مشاكل تنفسية حادة لأكثر من 6 آلاف آخرين.
ولا يزال الناجون يعانون الندوب الجسدية والعاطفية التي خلفتها تلك الليلة، ويطالبون بمحاسبة "الفظائع" التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بحقهم، وتناولت الكاتبة والصحفية المستقلة نيكول دي إيليو مستجدات "المأساة" عبر مقابلات مع الناجين.
العائلة الناجيةوذكر محمد زربا للكاتبة، والذي كانت عائلته الناجية الوحيدة من منطقة زملكا في الغوطة، لحظة الهجوم "المرعبة"، وقال إن صوت الصفير الخافت أمام منزله كان التحذير الوحيد للهجوم الليلي، وسرعان ما بدأت عيناه وأنفه وحلقه بالاحتراق بعدها، وخر والده على الأرض وهو يترنح ويكافح من أجل أن يتنفس.
وأشارت الكاتبة إلى مقطع مصور من تلك الليلة، يمكن فيه رؤية زربا وهو يتشنج على نقالة في طريقه إلى المستشفى، ولم يستعد وعيه إلا بعد 20 ساعة، وسارع إلى الحي ليجد أن جميع من كان يعرفهم قتلوا في أثناء نومهم، وأكد بدوره أن "الخوف من تلك الليلة لن يزول أبدا، ولن ننسى أبد الدهر ما فعله السفاح بشار الأسد بنا".
إعلان الجثث في الشوارعونقلت الصحيفة قصة محمد بركات خليفة، الذي لا يزال يعاني من ضيق التنفس ومشاكل في الرؤية، ولم ينقذه من الهجوم سوى أنه كان مستيقظا، إذ إن الهجوم قتل العائلات بأكملها في أثناء نومها.
ورسم خليفة للمجلة صورة "تقشعر لها الأبدان" لما رآه ليلة الحادثة التي باغتت أهل الحي، حيث امتلأت شوارع زملكا بالجثث الهامدة، وكان بعضهم يلفظ أنفاسه الأخيرة، بينما اجتمع البعض الآخر على الأرض في محاولات يائسة للهروب من الغاز.
سقوط قتلى مدنيين جراء غازات كيميائية بالغوطة الشرقية (الجزيرة)وأكد أنه من المستحيل "نسيان أنفاس الناس المتقطعة، والرغوة تخرج من أفواههم، والرعب محفور في عيونهم"، وأضاف: "اكتظت الشوارع بالجثث، وكان من المستحيل المرور دون التعثر بجثة أحد أهل الحي، وشعرت وكأنها بداية نهاية العالم".
مقابر جماعيةوكان المسعف محمد أحمد سليمان من بين من هرعوا للمساعدة، وفق التقرير، ليكتشف أن عائلته قد قتلت، وكان والده وشقيقه وطفلا أخيه من بين الضحايا الذين دفنهم لاحقا في مقبرة جماعية إلى جانب مئات آخرين.
وقال للمجلة إنه "لم نفتح باب منزل إلا ووجدنا أن أهله قد هلكوا، ورأينا عائلات بأكملها ميتة، ولم يسمح لنا النظام حتى بدفنهم وفق تعاليم ديننا الإسلامي، بل دفنت جثث الرجال بعضها فوق بعض، ووضعت جثث النساء والأطفال في قبر جماعي آخر".
ناجون من مجزرة الغوطة، 2013 (رويترز) هجوم متعمدوكان الهجوم متعمدا، وفق ما نسبته المجلة لمنظمات حقوق الإنسان، وتشير التقارير إلى أن النظام المخلوع قام بتوقيت الضربة في وقت كان فيه الهواء ساكنا، مما ضَمِنَ ترسب الغاز الثقيل على مستوى الأرض بدلا من انتشاره.
وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان سقوط 8 صواريخ على الأقل على مناطق رئيسية في الغوطة الشرقية، حسب التقرير، وأكدت التحقيقات مسؤولية النظام، على الرغم من نفي الأسد المتكرر.
إعلانورغم موافقة سوريا على تفكيك برنامجها للأسلحة الكيميائية عام 2013 تحت ضغط دولي، فإنه تم تسجيل هجمات لاحقة باستخدام السارين والكلور، وقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 222 هجوما كيميائي منذ عام 2012، ونُسب 98% منها إلى قوات الأسد، وفق ما نقله التقرير.
وفي المجموع، قتلت أسلحة الأسد الكيميائية 1514 سوريًا، من بينهم 214 طفلا.
المحاسبة الدواء الوحيدوأشار التقرير إلى أنه بعد انهيار نظام الأسد في أعقاب هجوم الثوار، بدأ الناجون أخيرا في التحدث عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم علنا من دون خوف من العقاب، ويطالب السوريون بمحاسبة الأسد على ما وصفوها بـ"مذبحة الأبرياء".
وقال سليمان: "لقد رحل الأسد، ولكننا نريد أن نرى محاكمته ومحاسبته، وحتى ذلك الحين، لن يزول ألمنا".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
جيش المشرق.. أنشأته فرنسا وكان بذرة لهيمنة العلويين على سوريا
خلال الحرب العالمية الأولى اتفقت كل من بريطانيا وفرنسا على تقسيم إرث الدولة العثمانية في الشرق الأوسط فيما بينهما، فكان من نصيب بريطانيا العراق وفلسطين وشرق الأردن، بينما كانت سوريا ولبنان وقليقية (جنوب تركيا) من نصيب فرنسا.
ولهذا السبب أنشأت فرنسا ما عُرف باسم "جيش المشرق"، وهو الاسم الذي أُطلق على القوات العسكرية الفرنسية التي شُكّلت وأرسلت إلى بلاد الشام عقب الحرب العالمية الأولى، وقد أُسّس هذا الجيش في عام 1919 بعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو (1916) وهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
لقد أدرك الفرنسيون أن الأغلبية السنية في سوريا ستكون ضد تطلعاتهم واستمرار بقائهم في البلاد بحكم خبرتهم العملية، ومعلوماتهم الاستخبارية، ومن ثم فقد حرصوا على تقسيم سوريا وشرذمتها إلى 5 دويلات، بل أصروا على استمرار بقاء "جيش المشرق" وفق الأسس الطائفية التي تخدم المصالح الاستعمارية الفرنسية لأطول مدى ممكن.
ووفقا للمؤرخ ستيفن هامسلي لونغريغ في كتابه "تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي"، فقد عُقد مؤتمر سان ريمو في أبريل/نيسان 1920، حيث أصدر مجلس الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قرارا رسميا بإسناد مهمة الانتداب على سوريا ولبنان إلى فرنسا.
إعلانوفي 14 يوليو/تموز 1920، أرسل الجنرال هنري غورو، الممثل الفرنسي في لبنان، إنذارا رسميا إلى حكومة الملك فيصل في دمشق التي كانت تحكم البلاد بعد خروج العثمانيين، وإلى المؤتمر السوري (البرلمان)، مطالبا بتنفيذ مجموعة شروط قاسية.
كان منها إلغاء نظام التجنيد الإجباري وتسريح الجيش العربي الذي كان يبلغ تعداده 10 آلاف مقاتل، وقبول الانتداب الفرنسي من دون شروط، واعتماد العُملة السورية الفرنسية الجديدة للتداول، وتسليم إدارة السكك الحديد للفرنسيين إلى جانب مرافق أخرى.
هنري غورو الجنرال الفرنسي بمكتبه في بيروت عام 1920 (غيتي) شرذمة سورياكانت هذه المطالب بمنزلة إعلان الاستسلام للاحتلال الفرنسي، واللافت أن الملك فيصل ومعظم وزرائه وافقوا على الامتثال، وأصدر أوامره بانسحاب القوات العربية من الحدود اللبنانية إلى الداخل السوري وتسريح الجيش.
أثار هذا القرار غضبا شعبيا واسعا، فقد عدّته الجماهير السورية استسلاما وخيانة، ورفضه وزير الحربية الشاب يوسف العظمة الذي أصر على مواجهة الفرنسيين، فكانت معركة ميسلون التي استُشهد فيها العظمة، ورسخ الفرنسيون على إثرها احتلالهم للبلاد.
عقب دخول الفرنسيين دمشق أدركت إدارتهم أن سوريا كانت دائمًا مركزا مهما من مراكز المقاومة الإسلامية في المشرق منذ عصر الحروب الصليبية، ولذلك رأت أن أفضل وسيلة للقضاء على هذه الروح تكمن في تقسيم البلاد إلى دويلات قائمة على أسس طائفية.
وهذا ما أقرّ به الكولونيل جورج كاترو، رئيس مكتب الاستخبارات في إدارة الانتداب الفرنسي وقتئذ، إذ صرّح قائلا "لقد جزّأنا سوريا مراعاة منا للخصائص الطائفية وليس لوحدة البلاد الطبيعية والجغرافية".
وكان التقسيم الجديد يشمل دولة في دمشق ودولة حلب ودولة الدروز ودولة العلويين ثم دولة لبنان الكبير، وكان الهدف من سياسة التجزئة يتثمل في إضعاف الروح الوطنية لدى السوريين، بالإضافة إلى العمل على إذكاء المنافسات والتفرقة بين هذه الدويلات.
إعلانوقد أدت هذه السياسة بدورها إلى تشجيع النزعات الانفصالية بين المكونات المختلفة، وتحويل سوريا إلى دولة غير مستقرة عبر إنشاء دويلات إقليمية مستقلة، تفصلها عن بعضها الحواجز وتمنع التواصل فيما بينها.
كذلك عمدت السلطة الفرنسية إلى استغلال الخصوصيات الطائفية لتعزيز الانقسامات وإضعاف البلاد، وكما يقول الباحث علي ضيائي في دراسته "العلويون النصيريون والمستشرقون الفرنسيون" فإننا نرى في هذه الفترة أن الدراسات الفرنسية في سوريا بدأت بتقارير عامة عن المناطق العلوية خاصة، مثل مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة وغيرها، وتطورت تلك الدراسات تدريجيا لتتناول العقائد الدينية للعلويين، وهياكلهم الدينية، وارتباطاتهم مع الشيوخ، بالإضافة إلى الخلافات القديمة بين القبائل.
وخلال الفترة بين عامي 1918 و1929، تضمنت وثائق وزارة الخارجية الفرنسية أبحاثا شاملة عن الشيعة الاثني عشرية بقيادة كامل بك الأسعد، والدروز، والعلويين، والقبائل العربية، والشراكسة، وغيرهم. وقد كانت هذه الوثائق، التي أعدّتها فرق جمع المعلومات الفرنسية، موجّهة بالكامل لخدمة أهداف فرنسا الاستعمارية.
وقد ركزت تلك الأبحاث على نقاط ضعف الأقليات لاختراقها، وتحديد نقاط قوتها لتعزيز السيطرة الفرنسية في المنطقة بهدف إدماجهم والاعتماد عليهم في جيش المشرق.
فقد وجه الرئيس الفرنسي ألكسندر ميلران إلى الجنرال هنري غورو في عام 1920 خطابا سرّيا أوضح فيه خطة الحكومة الفرنسية وسياستها في سوريا، وجاء فيه "إن العلويين الذين يقطنون المناطق الساحلية والجبلية السورية ويتحدثون اللغة العربية يمثلون طائفة دينية مرتبطة بالإسلام، ولكنهم في الواقع ليسوا جزءا من الدائرة الإسلامية، ولا ينبغي اعتبارهم مسلمين".
كان الهدف من هذا الخطاب تكريس التفرقة بين السوريين، فقد كانت المناطق العلوية جزءا من المناطق السنية الأوسع، ولهذا السبب أعلن الفرنسيون وبدعم مباشر منهم استقلال الساحل عام 1922، وتم الاعتراف رسميا بحكومة العلويين التي أصبحت تُعرف باسم "بلاد العلويين".
موكب الجنرال هنري غورو في حلب بعيد الاحتلال في 1920 (مواقع التواصل) جيش المشرق والاعتماد على الأقلياتوبالتوازي مع اللعب على الورقة الطائفية سياسيا، اعتمدت فرنسا كذلك على القوة العسكرية لفرض سلطتها الانتدابية على سوريا، وذلك نتيجة للثورات التي اندلعت خلال الفترة بين عامي 1920 و1927 والتي أدت إلى مقتل أكثر من 5 آلاف جندي فرنسي في تلك المرحلة، وقد دفعت هذه الأحداث الحكومة الفرنسية إلى إرسال عدد من كبار جنرالاتها كمفوّضين في بلاد الشام، واستمرت المواجهات الدامية بشكل متقطع حتى وقعت مذبحة البرلمان في مايو/أيار 1945، قبل الجلاء الفرنسي بعام.
إعلانونرى أن السلطة الانتدابية الفرنسية تمتعت بالطابع العسكري الصارم، حيث كانت تهدف بشكل أساسي إلى الحفاظ على هيبة فرنسا وضمان مصالحها الاستعمارية في الشرق الأوسط، ولهذا السبب بلغ تعداد جيش الاحتلال الفرنسي أكثر من 40 ألف جندي، وكانت مهمته الأساسية تثبيت المصالح الاستعمارية الفرنسية الاقتصادية في سوريا، وتعزيز الأرباح لمصلحة الاحتكاريين الفرنسيين، وتأمين نفوذ فرنسا في المنطقة.
وقد شكّل جيش المشرق الفرنسي العمود الفقري لنظام الدفاع والأمن الذي اعتمدت عليه إدارة فرنسا في سوريا، حيث ضم عددا كبيرا من الكتائب وسرايا المدفعية ووحدات المهندسين والطيران القادمة من فرنسا، كما استقدمت فرنسا عددا كبيرا من الجنود الأفارقة.
لم تكتف الإدارة الفرنسية باستخدام جيشها المجنّد من الفرنسيين والأفارقة فقط، بل جنّدت أيضا أعدادا كبيرة من الأقليات السورية واللبنانية عبر نظام التطوع، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى عُرفت باسم "الجوقة السورية والقناصة اللبنانية"، والثانية باسم "الحرس الخاص" المرتبط بضباط الاستخبارات الفرنسية.
دمشق بعد القصف 1945 (مواقع التواصل)أما الضباط الذين قادوا هذه الوحدات فكان معظمهم فرنسيين، بينما أُتيح لقلة من السوريين التخرج في المدرسة العسكرية التي أسّسها الفرنسيون في حمص. وقد خرّجت هذه المدرسة أيضا ضباطا ومترجمين من السوريين واللبنانيين، بهدف دمجهم في الهيكل العسكري التابع للسلطة الانتدابية.
واتبعت إدارة الانتداب الفرنسي سياسة "فرّق تسد" في تشكيل الفرق العسكرية المتخصصة وتوزيعها، وقد تم إلى حد كبير استبعاد المسلمين السنة، الذين يمثلون حوالي 80% من سكان سوريا، من الخدمة في القوات الخاصة التي كانت تتألف بشكل أساسي من أفراد الأقليات العلوية في المرتبة الأولى ثم الدروز والمسيحيين والشركس.
إعلانوفي الفترة ما بين 1926 و1939، ضم جيش المشرق الفرنسي ما بين 10 آلاف و12 ألف جندي محلي تم تنظيمهم إلى 10 كتائب مشاة كان معظمهم من العلويين، و4 أسراب من سلاح الفرسان كانت تضم دروزا وشراكس وسوريين مختلطين، و3 سرايا من قوات الهجن، إلى جانب وحدات من المهندسين والسيارات المصفحة والدعم اللوجستي.
والحق أن الفرنسيين كانوا يملكون خبرة قديمة ومعرفة لا بأس بها بالعلويين، وكانوا يستهدفون من تجنيدهم تحقيق مقاصد إستراتيجية بعيدة المدى، فقد جاء إليهم عام 1878 الرحالة الفرنسي ليون كاهون قادما من لبنان، زائرا العديد من قراهم ومدنهم وعلى رأسها القرداحة التي وُلد فيها حافظ وآل الأسد، ففي كتابه "رحلة إلى جبال العلويين" يشير ليون إلى أن العلويين يختلفون عن الأغلبية السنية، وأنهم من حيث العادات الاجتماعية الأخلاقية أقرب إلى الغرب.
وأدرك ليون طبيعة العلويين وضرورة مساعدة فرنسا وأوروبا لهم حتى يؤدبوا جيرانهم قائلا "أعترفُ بأنه ليس هناك من شعب يستحق الخير أكثر من هذا الشعب الشريف والقوي، والذي يصبو بكل جوارحه إلى الحضارة، ويحترم ذاته، كما أنه بقليل من الدعم الأوروبي سيُعلِّم بكل تأكيد الشعوب التي تُحيط به كيف تحترم ذاتها".
بحلول عام 1938، بلغ تعداد الفرق الخاصة التي أنشأها الفرنسيون حوالي 10 آلاف جندي، من بينهم 306 ضباط، كان 88 منهم فرنسيين، وفي تلك الأثناء أُنشئت الأكاديمية العسكرية في حمص والتي ستُصبح الكلية الحربية فيما بعد لتدريب الضباط السوريين واللبنانيين وضباط الصف المتخصصين.
تعداد الفرق الخاصة التي أنشأها الفرنسيون عام 1938 بلغ حوالي 10 آلاف جندي (غيتي) جيش المشرق وانقلابات سورياوحتى نهاية الانتداب استمرت فرنسا في تفضيل تجنيد الأقليات وعلى رأسها العلويون والدروز، وهو ما أشار إليه الجنرال هنتسيغر القائد العسكري الفرنسي في سوريا عندما صرّح في عام 1935 "يجب ألا ننسى أن العلويين والدروز هم الأعراق الحربية الوحيدة في ولايتنا، وهم جنود من الدرجة الأولى نجنّد من بينهم أفضل فرقنا الخاصة".
إعلانلهذا السبب حرص الفرنسيون على عدم تشكيل جيش وطني في سوريا لآخر لحظة، وعملوا على ضم السوريين لجيش الاحتلال الفرنسي الذي استمر في محاربة الاستقلال الوطني بشتى وسائل الاحتلال، إذ عمل هذا الجيش في الوقت نفسه على تنفيذ أغراض الإدارة الفرنسية في البلاد.
وكما يقول الباحث حسام النايف في دراسته "الإدارة الفرنسية في سوريا" فإن فرقة الجوقة السورية لم تكن ترتبط بسوريا ومصالحها الحقيقية إلا بالاسم الذي أُطلق عليها، فقد حرص الفرنسيون على رفع العلم الوطني لبلادهم إلى جانب العلم السوري على مبنى دائرة الأمن العام وغيرها من الدوائر في أيام الأعياد، ثم كان يتم إنزالها في الأيام الاعتيادية، وإبقاء علم الاحتلال الفرنسي فقط، وقد أدى ذلك إلى الاصطدام بالسوريين في مناسبات عديدة وخاصة في مدينة حماة.
والأمر اللافت أن لغة التعليم في الجيش وهذه الفرق كانت الفرنسية والقسَم الذي كان يؤديه الجنود كان لخدمة الأغراض والمصالح الفرنسية.
وكما يقول مصطفى الشهابي في كتابه "محاضرات في الاستعمار" فقد أظهرت الإحصاءات حينئذ أن قوام الجيش السوري ضمن "جيش المشرق الفرنسي" كان قد بلغ حوالي 25 ألف عنصر، موزعين بين ضباط وجنود في وحدات منتشرة في مختلف أنحاء البلاد، وكان للجيش الفرنسي محاكم خاصة داخل الأراضي السورية، تختص بمحاكمة كل من يُعثر بحوزته على سلاح، أو يشتبه في بيعه، أو من يتشاجر مع الجنود الفرنسيين.
لاحقا ألغى الفرنسيون الدويلة العلوية التي أنشؤوها في الساحل وكانوا يعتمدون عليها في التجنيد بجيش المشرق، وقد انقسم العلويون أمام هذا القرار؛ فعدد من وجهائهم الكبار بمن فيهم جد حافظ الأسد أرسلوا رسالة تطالب ببقاء دويلة العلويين مستقلة وهي محفوظة في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية تحت رقم 3547 مؤرخة بشهر يونيو/حزيران 1936.
وقد جاء فيها "إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله على مرّ السنين مقابل تضحيات كبيرة يختلف بمعتقداته الدينية وتقاليده التاريخية عن تلك التي تخصّ الشعب المسلم السني، ولذلك فإن الشعب العلوي يرفض أن يكون مرتبطًا بسوريا المسلمة".
ولكن بحسب المؤرخ الألماني ستيفان وينتر في كتابه "تاريخ العلويين: من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية"، فإن فريقا آخر رفض تصرف أبناء طائفتهم المطالبين بالانفصال، وأرسل إلى المسؤولين الفرنسيين بعد شهر في يوليو/تموز من يعبرون عن استنكارهم الشديد لاستمرار ممارسات التلاعب والدكتاتورية من قِبل حاكم منطقة العلويين، الفرنسي أرنست شلوفير وغيره من المسؤولين.
ومهما يكن وكما مر بنا، فقد قصد الفرنسيون أن يتكون جيش المشرق في أغلبه من أبناء الأقليات والطوائف الدينية، وخاصة الجوقة السورية والكتائب الخاصة التي كان أغلبها من العلويين والدروز والشركس وغيرهم، الأمر الذي كان له تأثيره الضخم في شكل الجيش السوري ومسيرته وكثرة الانقلابات العسكرية فيه بعد الاستقلال، وما آل إليه الأمر من استيلاء آل الأسد العلويين على السلطة طوال أكثر من نصف قرن فيما بعد.
إعلان