محمد جمعة حامد نوار يكتب: القبول
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
خرجت في وقت مبكر اليوم. المدينة يلسع وجهها برد صباحي بلطف ناعم. فحتى الشتاء في هذا العام ترفق بالسودانيين تضامنا ولم يشتد فيما لاحظت على غير معتاد طقس يناير. تدفأت ببعض مشاهد صغار تودعهم والدتهم إلى مدرسة. باعة الخضار ينثرون الماء على طماطم نضير. ومخبز أمامي يتخاطف الناس خبزه الحار بغير زحام. بدأت الحياة في الإنتظام على نسق كأنما يستعيد قديم الاعتياد وهذه نعمة.
ركبت الحافلة عند أول الطريق. صحت السلام عليكم. ردت سيدة وكهل. فيما تجاهلني من جاورت. إذ إنهمك في مشاهدة مقطع لوالد الشهيد محمــد البشير. شاركته بفضول متاح المسافة المبيح للاستماع. والد الشهيد يخطب بثبات على قبر فلذة ابنه. خطاب قوي متماسك. لا تعثر في كلماته ولا ألم. وبل يقين واحتساب مركوز في نفس مؤمنة. بما يقول وتخير ابنه الشهيد .
2
سرحت مع التسجيل في سوابق تذكرتها في هذه الحرب .من جيران ومعارف وأصدقاء. التقيت أهل شهداء كانوا بذات القياس والمثال. أخرهم كان عم (الطيب) والد الشهيد الصادق من أبناء أمبدة الحارة الرابعة. حينما وصلت لأعزيه. استقبلته بوجه مجزوع ولسان جاف يتخبط في إختيار مفتتح الكلمات. واستقبلني بإبتسامة عالية وساعد يهزني بقوة على كف تنبسط بالحمد لله. والشكر أن منحهم مقام شهيد في أسرته. ثم ترك مصابه ليستفسرني عن صحتي وعافيتي وأمي وأبي قبل أن ينخرط في أنس مرح. عن أبنه الشهيد. وإخوته في (المدرعات). فطابت نفسي وشعرت أن العزاء اولى به نفسي التي تتقاصر عن هامات هؤلاء الكرام وأهلهم.
3
أخرجني مجاوري بالحافلة ـ كأنه قرأ طيوف صمتي ـ قال وهو (يلكزني) يعيد المقطع على مطالع عيني هذه المرة. قال الشاب (دا والد الشهيد محمد البشير ) قلت بنزق فظ لا اعرف كيف فعلته (قريبكم) ؟! فقال الشاب. لا اعرف والد الشهيد لكني أعرف الشهيد. ثم شرح لي أنه ـ اي الشاب المتحدث ـ يعمل في مول تجاري. وكان الشهيد من الزبائن. وقال كان زبونا ممن يألفون ويؤلفون. صرنا نعرفه للطف كبير فيه تمدد لكل العاملين والعمال. حتى حفظناه وعرفناه. وبل وعرفته كل المنطقة لأنه ربما يسكن بالجوار أو بسبب ضمن خدماته لإخوانه بالمنطقة في كرري.
مضى محدثي الذي لاحظت أن العبرة تخنقه. يرفع كل ثانية نظارة طبية ليمنع تحدر دمع وهو يقول عن لحظة التشييع. عبر بهذا الشارع موكب جثمان الشهيد. قال بلا شعور حينما تطاير الخبر. سارع العمل والتجار وكثير ممن كان يعبرهم الشهيد وألفوه للصعود للحاق بالموكب إلى سركاب. قلت هل يعرفون محمد قال والله عرفته لأسابيع تعادل أعوام. قلت تقبله الله. صمتنا لبرهة. ليضيف أمس كل الذين فاتهم التشييع حينما علموا أن الجثمان العابر كان لمحمد البشير. تلاوموا ولو أن (دافنة) شخص يمكن أن تعاد لفعلوها ! وصمت عني فلم أجرجره في الحديث. اكتفيت منه واكتفى مني وبقي في خاطري الأثر الذي لا يزول وهو أن القبول في الأرض شهادة. والشهادة جزاء قبول ووفاء جزاء.
اللهم تقبل كل الشهداء في مقامات أهل الصدق والسبق. وأنزل بركتهم علينا أمنا وسلاما وتحابب لا يزول!
محمد جمعة حامد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: والد الشهید
إقرأ أيضاً:
الشهداء فى الذاكرة.. والدة الشهيد محمد غنيم: اكتشفت أنه بيخدم فى سيناء
في قلب كل شهيد، قصة بطولة لا تموت، وتضحية نقشها التاريخ بحروف من نور، في هذه السلسلة، نقترب أكثر من أسر شهداء الشرطة والجيش، نستمع إلى حكاياتهم، نستكشف تفاصيل حياتهم، ونرصد لحظات الفخر والألم التي عاشوها بعد فراق أحبائهم.
هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن الوطن، لم يرحلوا عن ذاكرة الوطن ولا عن قلوب ذويهم من خلال لقاءات مؤثرة، نروي كيف صمدت عائلاتهم، وكيف تحولت دموع الفقد إلى وسام شرف يحملونه بكل اعتزاز.
هذه ليست مجرد حكايات، بل رسائل وفاء وتقدير لمن بذلوا أرواحهم ليحيا الوطن.
"الحياة بقت وحشة من غيرك قوى يا حبيبى صحيح إحنا بناكل وبنشرب بس برضو مبقاش في فرحة تفرحنا طول ما أنت مش موجود معانا ومستنيا اليوم اللى أجيلك فيه وأخدك في حضنى زى زمان"، بهذه الكلمات بدأت والدة الشهيد الرائد محمد أحمد غنيم، شهيد الواجب على أرض الفيروز، أثر عبوة ناسفة وضعتها الجماعات التكفيرية الإرهابية في سيناء لاستهداف مركبته أثناء عمليات المداهمة التي يقوم بها الجيش في إطار العملية الشاملة "حق الشهيد"، لتطهير سيناء من تلك الوجوه القبيحة التي اتخذت من أرض سيناء الحبيبة مكانا لهم لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة.
وأضافت والدة الشهيد، أنها أخر لقاء جمع بينها وبين الشهيد كان وقت انتهاء أجازته وعودته إلى وحدته مرة آخرى، مضيفة أن نجلها الشهيد لم يخبرهم حتى وقت استشهاده أن وحدته في شمال سيناء، وذلك حتى لا يتسلل الخوف إلى قلوب عائلته، وحتى يكونوا مطمئنين عليه، موضحة أنها فوجئت بخبر استشهاده من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك".
واستكملت أنه بعد أن أخبرها أحد أقاربها بأن هناك خبر منشور على حساب نجلها، لافتة إلى أنها عندما قرأت الخبر صعقت من هول الخبر، وذلك لاعتقادها أنه تشابه أسماء كون نجلها وحدته ليست في شمال سيناء، حتى تأكدت من أصدقائه المقربين الذين أكدوا لها أن نجلها استشهد بالفعل، وأن وحدته في شمال سيناء، وأن مركبته تم استهدافها من قبل الجماعات التكفيرية في شمال سيناء بعبوة ناسفة، استشهد على إثرها في الحال.
واستكملت والدة الشهيد، أن الشهيد كان دائم على تلاوة القرآن الكريم خلال شهر رمضان وفى غير شهر رمضان، مضيفة أنه نجلها كان له طقوس معينة في ذلك الشهر، وهى أنه كان يحب طريقة عملها للعصائر التي كانت تقدمها له وقت الإفطار، موضحة أن هذه العصائر كانت تعد من اساسيات إفطار نجلها في رمضان، وأنه في حال عدم وجود تلك العصائر لا يمكن أن يفطر وينتظر حتى تعد له العصائر التي يحبها.
ووجهت والدة الشهيد، رسالة إلى نجلها وكل الشهداء، متمنية لهم أن يكونوا في مكان أفضل في الجنة، مؤكدة أن هؤلاء الشهداء قدموا ارواحهم فداء لمصر، حتى تصل مصر لما هي عليه الأن من ازدهار ونمو وتقدم.
ووجهت أيضا والدة الشهيد، رسالة للعناصر التكفيرية في سيناء، أنهم لم ولن يفلحوا في أي شيء من الذى يقوموا به ضد جنودنا البواسل في أرض الفيروز، مؤكدة أن هؤلاء المجرمين القتلة سوف ينتقم منهم المولى عز وجل بمثل ما فعلوه في شهدائنا الأبرار.
واستكملت والدة الشهيد، حديثها بتأيدها المطلق لكل ما يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيىسى من أعمال تطوير ومشاريع للوطن، متمنية له دوام التوفيق المكلل بالنجاح، مؤكدة على أن إذا أن أولادهن استشهدوا فهناك المزيد من أبنائهن مستعدين لتقديم أرواحهم للشهداء فداء لمصر كأخوتهم الذين سبقوهم بالشهادة.
مشاركة