في عام 1492م كانت مأساة غرناطة، وهزيمة المسلمين في الأندلس، بعدما تمكن فرناندو ملك أراغون وإيزابيلا ملكة قشتالة وجنودهما من توحيد إسبانيا الجديدة، فلقد ظلوا طوال أكثر من ثمانية قرون يعملون على القضاء على الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية، ومع انتصارهم الجديد، وبالروح القومية والصليبية ذاتها التي اعتنقوها ضد المسلمين المستضعفين ممن أجبروهم على التنصر "المورسكيين"،  اتجهت أنظارهم صوب بلدان المغرب من ليبيا في أقصى الشرق إلى المغرب الأقصى في أقصى الغرب، لا يريدون إلا الانتقام، ولا يرغبون إلا في الاحتلال، وتتجهز أساطيلهم بروح محاكم التفتيش الصليبية التي هرب منها الأندلسيون المضطهدون صوب إخوانهم في الجنوب.

 

ولعل هذه الهجرة الجماعية الكبيرة للأندلسيين المضطهدين صوب بلدان المغرب العربي هي السبب الذي دفع الإسبان إلى الهجوم واحتلال كثير من مدن تونس والجزائر والمغرب، يقول محمد عبد الله عنان في "دولة الإسلام في الأندلس": "كان تدفق سيل المهاجرين دليلا على أن الشعب المغلوب لم يكن واثقا في ولاء سادته الجدد، وأنه كان ينظر إلى المستقبل بعين التوجس والريب… ومَن بقي من المسلمين في مالقة عبروا البحر إلى باديس، وعبر أهل ألمرية إلى تلمسان، وعبر أهل الجزيرة الخضراء إلى طنجة، وعبر أهل رُندة وبسطة وحصن موجر وقرية قردوش وحصن مرتيل إلى تطوان وأحوازها، وبعض أهل غرناطة ومرشانة وأهل البشرَّة إلى أراضي قبيلة غمارة… وخرج كثير من أهل غرناطة إلى بجاية ووهران وقابس وصفاقص وسوسة، وخرج أهل مدينة طريف إلى آسفى وأزمور"[1].

 

احتلال الإسبان للسواحل المغاربية الاستعمار الإسباني للسواحل المغربية (مواقع التواصل)

ولكن مما لا شك فيه أن نزول الإسبان على شواطئ الجزائر والمغرب وتونس وليبيا كان له أسبابه الأخرى فوق الروح الصليبية التي كانت تُحرّكهم آنذاك، حيث رأوا التخلُّف الحربي للحفصيين حكام تونس، والزيّانين حكام المغرب الأوسط الجزائر، والوطاسيين في المغرب الأقصى، وأرادوا استغلال هذه الفرصة لمزيد من التوسع لا في حروب الاسترداد التي أعادت لهم الأندلس فقط، بل واحتلال الأراضي التي انطلق منها الفاتحون المسلمون مثل موسى بن نصير وطارق بن زياد قبل ثمانية قرون لتأمين جبهتهم الجنوبية.

 

وهذا الأمر يلحظه مؤرخ البحر المتوسط فيرناند برودويل قائلا: "كان الضعف العسكري لمسلمي شمال أفريقيا بالمقارنة مع الإسبان يتمثل في تخلفهم العسكري الجليّ، كان باديا على المغاربة أنهم لم يعرفوا التقدم التقني لفن الحرب. توضّح القراءة السريعة للوثائق ذلك التراجع خلال القرن السادس عشر، فقد كان سكان المغرب يحاربون مثل رفقاء سيدي عُقبة (بن نافع)؛ أسلحتهم المفضلة هي الخنجر، السيف، الحربة، الحجارة والرماح، ولا يُجيدون بناء الحصون ولا اقتحامها". ويستمر قائلا: "لقد جعل الاستخفاف بالأسلحة الحديثة من المور (المسلمين المغاربة) أعداء قليلي الخطورة، لهذا فإن الإسبان عند غزوهم سواحل المغرب لم يتعرضوا إلا لكوارث نقص المؤونة ومفاجآت الجبال والليل والفوضى التي تعقبُ الغزوات الناجحة"[2].

وفوق ذلك كانت الجواسيس تأتيهم بالأخبار عن أحوال بلدان المغرب وشمال أفريقيا حتى لقد وصف فرديناند زافرا كاتب الملكين الكاثوليكيين الذي كُلف منذ عام 897هـ/1492م بمراقبة عبور الأندلسيين إلى المغرب الأحوالَ التي كانت تعيش فيها بلدان المغرب بعد عامين فقط في 1494م، قائلا: "إن البلاد (بلدان المغرب) كلها في حالة بحيث يبدو أن الربّ يُريدُ أن يهبها لصاحبي الجلالة"، ومن ثم حثّ ملوك إسبانيا على اغتنام الفرصة واحتلال بلدان المغرب[3].

 

ولم يكن الإسبان قبل هذا التاريخ ساكتين عن الغزو والتعدي على شواطئ المغرب الأقصى، وأسر المسلمين من مناطق مختلفة من طنجة شمالا وحتى أزمور وغيرها جنوبا، ولكن سيطرتهم المطلقة على الأندلس في 1492م ومراقبة جواسيسهم لأحوال المغرب والجزائر وتونس قد منحتهم شارة البدء في الهجوم واحتلال مليلية في سبتمبر/أيلول 1497م، ثم احتلوا مناطق كثيرة حتى غصاصة، كما احتلوا منطقة حجر بادس في عام 1508م، ولئن تمكّن الإسبان من احتلال هذه المناطق في المغرب الأقصى، فقد توسعوا أكثر من ذلك في المغرب الأوسط (الجزائر)، واحتلوا المرسى الكبير في 1505م، ثم وهران في 1509م، ثم بجاية ومدينة الجزائر في 1510م، كل ذلك وسط تفكك الدولة الزيانية التي كانت تحكم هذه المناطق، وتصارع أبنائها بل واستعانتهم بالعدو الإسباني كما فعل كلٌّ من يحيى الثابتي في عام 1506م ضد ابن عمه أبي حمو موسى الثالث، الأمر الذي شجع الإسبان على فرض إتاوة على ملوك وأمراء بني زيان[4].

 

الإخوة بربروس ومشروع المقاومة الجزائرية العثمانية نجح آل بربروس من تحرير أجزاء واسعة من مناطق الغرب الجزائري من نير الاحتلال الإسباني وتواطؤ الزيّانيين الحكام السابقين للمنطقة. (مواقع التواصل)

وفي ظل هذا العنت والضنك الذي كانت تعيشه بلدان شمال أفريقيا تحت الاحتلال الإسباني والبرتغالي، شاء القدر أن يظهر دور الإخوة بربروس، وبربروس كلمة إيطالية تعني اللحية الصهباء أو الحمراء، وهم أربعة إخوة أتراك الجنس؛ إسحاق وعروج وخير الدين وإلياس، كان والدهم يعقوب بن يوسف من الجنود السباهية الفرسان الذين أقاموا في جزيرة ميدلّي (ليسبوس) بعد فتحها في زمن السلطان محمد الفاتح، وكان لهؤلاء السباهية امتيازات ما داموا قائمين في المناطق التي فتحتها الدولة العثمانية للدفاع عنها، منها الإقطاع والإعفاء من أي تكاليف أخرى، وفي هذه الجزيرة نشأ الإخوة الأربعة وامتهنوا النشاط التجاري البحري بين جزيرتهم والجزر القريبة منهم في بحر إيجة وساحل الأناضول وبلاد الشام ومصر، ولكن نشاط عروج وخير الدين وإسحاق تطور فيما بعد إلى الهجوم على سفن الأعداء الأوروبيين بسبب ما نالهم منهم من أذى، لا سيما فرسان القديس يوحنا في مالطا ورودس، والبنادقة والإسبان الذين لم يتورعوا عن الهجوم على السفن الإسلامية، وأسر المسلمين في البر والبحر.

 

اتخذ الإخوة بربروس في مبتدأ أمرهم من جزيرة جربة التونسية مستقرا لهم للهجوم على العدو الصليبي، حتى امتلكوا 12 سفينة و1000 بحار وجندي، وفي إبان ذلك حاول الإخوة بربروس استعادة بجاية المحتلة من قِبل الإسبان، فضلا عن دورهم الكبير في نقل وحماية الأندلسيين المضطهدين إلى الجزائر والمغرب وتونس، ثم نجاحهم في عام 1514م في تحرير مدينة جيجل المحتلّة من قِبل الجُنويين الإيطاليين منذ ثلاثمئة عام بمعاونة من الفرنسيين[5].

 

وأمام هذا الأمل، وفي ظل انهيار المقاومة الجزائرية والمغربية والتونسية للحفصيين والزيانيين والوطاسيين أمام الإسبان، استغل أهل مدينة الجزائر وفاة الملك الإسباني فرديناند في عام 1516م وانشغال الجنود الإسبان بهذا الحدث، وأرسلوا وفدا منهم إلى عروج في مدينة جيجل يستغيثون به، ويطلبون منه مساعدتهم في التخلص من الإسبان المحتلين لحصن البنيون، وافق عروج وجاء بقواته بالفعل إلى الجزائر لنصرته إخوانه، وتمكّن من فرض الأمن والنظام في المدينة، ثم حصار القوات الإسبانية في حصن البنيون دون أن يتمكن من استعادته، وسرعان ما انتشرت هذه الأخبار إلى مدن الجزائر الأخرى التي جاءت وفودها تعلن الطاعة لعروج ونظامه الجديد في بلدهم، مرحبين بجهاده ضد العدو، وفرضه للنظام والأمن، وفي العام التالي بلغت دولة عروج المدية وشرشال وتنس وتلمسان ومستغانم، ولكن في عام 1518م وإثر معركة غير متكافئة ضد الإسبان قرب تلمسان استُشهد عروج، فاستلم أخوه الخضر الشهير بخير الدين بربروس الراية من بعد أخيه طوال العقود الثلاثة أو الأربعة التالية[6].

لقد أدرك خير الدين بربروس بفطنته وقراءته للأوضاع العامة أنه لن يقدر مع قواته، ووسط تقلب المدن واختلاف السادة والأعيان بين الولاء للإسبان والولاء لدولته الناشئة، أن يتمكّن بنفسه في تحرير الجزائر وتونس من هذه الأخطار الكبيرة، ولهذا لجأ في العام الذي تولى فيه مقاليد القيادة إلى الدولة العثمانية التي كانت تُحقّق نجاحات كبيرة في أوروبا وآسيا وشرق البحر المتوسط زمن السلطان سليم الأول طالبا منه العون، وقد وافق سليم على هذا العرض مقابل إعلان الجزائر إيالة أو ولاية عثمانية، الأمر الذي قبله خير الدين؛ ليُصبحَ فيما بعد بايلر باي، أي أمير أمراء العثمانيين في شمال أفريقيا، وستظل الجزائر حتى الاحتلال الفرنسي في عام 1830م ولاية عثمانية بفضل جهود عروج وأخيه خير الدين بربروس ودعم الجزائريين لهم.

 

لقد نجح آل بربروس بقيادة خير الدين وبدعم من الدولة العثمانية ورجالات الطرق الصوفية وأبناء البلد من تحرير أجزاء واسعة من مناطق الغرب الجزائري من نير الاحتلال الإسباني وتواطؤ الزيّانيين الحكام السابقين للمنطقة؛ ففي عام 1518م حُرِّرت مستغانم، ثم في 1529م حُرِّرت الجزائر العاصمة بالكلية بطرد الإسبان من صخرة البنيون الملاصقة لها، ثم تحرير عنّابة في 1540م، ثم بجاية في عام 1555م، واستمرت مساعدات الجزائريين والعثمانيين لمسلمي الأندلس بالنقل إلى العدوة الجنوبية تارة وبالسلاح تارة أخرى لإشعال المقاومة المسلحة في قلب العدو الإسباني، ومنذ ستينيات القرن السادس عشر أصبحت أجزاء شاسعة من الجزائر شرقا وغربا تحت قبضة العثمانيين[7].

 

انهيار أحلام شارلكان عند صخور الجزائر بدأ شارلكان استعداداته للحملة على الجزائر بتجهيز أسطول ضخم لم يشهد له مثيل خلال القرن السادس عشر الميلادي في منطقة غرب البحر المتوسط. (مواقع التواصل)

ورغم ذلك بقيت العديد من الموانئ والمدن الجزائرية المهمة الأخرى في قبضة الإسبان مثل الوادي الكبير ووهران، وقد كان الإسبان يتغيظون من هذا النجاح العثماني على حسابهم وحساب بقايا الدول المتواطئة معهم مثل الحفصيين في تونس والزيانيين في الجزائر، ولهذا السبب قرر الإمبراطور الإسباني شارلكان أن ينظّم حملة عسكرية ضخمة للقضاء على الوجود العثماني في الجزائر بالكلية، وأن ينتقم من مساعدتهم لمسلمي الأندلس، وقرر أن يبدأ حملته بالسيطرة على مدينة الجزائر (العاصمة اليوم) مُستغلا غياب خير الدين باشا في إسطنبول وضعف وقلة القوات العثمانية التي كانت في الجزائر وقتها بقيادة نائب خير الدين باشا القائد حسن أغا.

 

لكن أغا علِم خطة شرلكان واستعداده للغزو، فسابقَ الزمن لصد هذه الهجمة الكبرى التي جاءت بروح صليبية، حتى إن الفرنسيين تناسوا العداء مع الإسبان وقتها، وأعطى فرنسوا الأول وعدا شفهيا لشارلكان بعدم الهجوم على الحدود الإسبانية أثناء حملته على الجزائر، لذا حصّن حسن أغا الجزائر بالمدافع والميرة والعتاد، وبلغ عدد قوّاته نحو ثلاثة آلاف جندي من الأتراك وأهل البلاد والأندلسيين، ثم انضم إليهم 2000 فارس من العرب المتطوعين، وأصر حسن أغا على قيادة المقاومة بنفسه وعاونه في ذلك شيوخ وأعيان مدينة الجزائر مثل سيدي السعيد الشريف شيخ المدينة، والقائد رمضان والقائد يوسف والحاج باشا والحاج أرسلان وغيرهم من أعيان تلك المرحلة[8].

 

أما الخطوة الأخيرة التي اتخذها حسن أغا فكان جمعه لأهل مدينة الجزائر وعلمائها وجميع أهلها وحثّهم على مواجهة الأعداء، والجهاد في سبيل الله، قائلا: "يا أهل الجزائر قد تعيّن الجهادُ علينا معشر المسلمين لا لعرض الحياة الدنيا، بل نريد بذلك إعلاء كلمة الله وتحصيل درجة الشهداء"[9]، ثم فتح خزائن السلاح ووزعه على أهل البلد وكل ما احتاجوا إليه من البارود والرصاص وغيره، وبهذا هيَّأ الجبهة الداخلية من العساكر والأهالي أحسن تهيئة في مواجهة العدو القادم.

 

على الجهة المقابلة بدأ شارلكان استعداداته لهذه الحملة بتجهيز أسطول ضخم لم يشهد له مثيل خلال القرن السادس عشر الميلادي في منطقة غرب البحر المتوسط، وقد شاركه في هذه الحملة ملوك أوروبا الكبار مثل ألمانيا وإيطاليا وفرسان مالطة والبابا يوحنا بولس الثالث الذي أصدر في أوروبا أمرا بابويا يعلن فيه أن هذه الحملة صليبية يجب على كل مؤمن بالمسيح أن يشارك فيها، ودخلت الاستعدادات مرحلتها الأخيرة في أواخر 1540م، ثم كتبَ يوحنا الثالث إلى كاردينال طليطلة ورئيس أساقفة إشبيلية وأسقف قرطبة لاستفزاز مشاعر الناس، وحثهم على المشاركة، وبعث إلى حاكم جُنوة يأمره بتجهيز ما عنده من السفن وإعدادها للحرب، وبعد ذلك توجّه شارلكان بمرافقة الأسطول الجنوي صوب الجزائر، فبلغت عدّة هذا الأسطول ما بين 400-450 سفينة، بينما بلغ عدد الجنود نحو 70 ألفا، وكان يقود هذه الأرمادة الإسبانية شارلكان بنفسه بمساعدة أشهر قادته مثل أندريا دوريا وكورتيس دالكوديت[10].

وثيقة ترسم حملة شارلكان على الجزائر. (مواقع التواصل)

وبالفعل بلغت الأساطيل الإسبانية إلى سواحل الجزائر في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 1541م/948هـ وبدأت في عملية الحصار، وأرسل شارلكان رسالة يهدد فيها ويتوعد حسن أغا وأهل المدينة، يقول فيها إنه ملك إسبانيا العظيم الذي استولى على تونس وانتصر على خير الدين بربروس في بعض المواقع، وخير الدين قائد أعظم منك يا حسن أغا، وإن قوات وأساطيل السلطان العثماني سليمان القانوني لا يمكن أن تجابه هذه الأساطيل الأوروبية الضخمة، بالإضافة إلى القوات التي بلغت 70 ألف مقاتل، في المقابل رفض حسن أغا هذه التهديدات، وأصر على المقاومة والمواجهة التي بدت شرسة من أول ليلة وكبدت العدو خسائر كبيرة، وفي اليوم التالي أمر شارلكان بالقذف بالمدافع، وفي المقابل ردت المدفعية الجزائرية التي كانت في وضع أفضل من ناحية العلو والارتفاع، فاضطر الأسطول الإسباني للانسحاب إلى رأس نافورة على الساحل الشرقي للمدينة، بهدف إنزال القوات البرية واحتلال التلال العالية حول الجزائر[11].

 

وبالفعل نجح شارلكان بإنزال قواته البرية عند منطقة كدية الصابون وجعلها انطلاقا لعملياته الحربية البرية ولحصار المدينة من البر، فضلا عن حصارها من البحر بواسطة أساطيله، وتفرقت العساكر الإسبانية على المواقع المختلفة حول الأسوار، ولكن هذا التفرق كان لصالح المقاومة العثمانية الجزائرية التي بدأت في عمليات اصطياد هذه القوات طوال أيام، وقد ساعد القدرُ أهل المدينة بحلول عاصفة بحرية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1541م أدت إلى انقطاع حبال سفن الإسبان، الأمر الذي أدى إلى استحالة الرمي بمدافعهم وبنادقهم وسط هذه الأمواج والعواصف، واستغل حسن أغا وقواته هذه الحالة من التشتت، فشن هجوما قويا معاكسا كبّد فيه الإسبان خسائر ثقيلة قُدرت بنحو ثلاثة آلاف قتيل، لينتشر الخوف والفزع في قلوب الحملة الإسبانية الصليبية.

 

ولقد استمرت المعارك بين الطرفين في اليوم التالي، وقُتل فيها نحو 4 آلاف من الإسبان واستُشهد 200 من الجزائريين والعثمانيين، وبحلول مساء ذلك اليوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1541م أدرك شارلكان أن حملته فشلت، بل أيقن مدى الورطة التي أصبحت قواته فيها بسبب شراسة المقاومة من جهة، وسوء الأحوال الجوية من جهة أخرى، وفي أثناء الانسحاب صوب رأس ماتيفو ومنها إلى وادي الحراش جنوب شرقي المدينة تمكن المقاومون من قتل الكثير من الجنود الإسبان، وبسبب ذلك لم يصل الجيش إلا يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول إلى رأس ماتيفو، ومنها هرب إلى بجاية التي وصلها في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد شهر كامل بلغ السواحل الإسبانية بعدما مرّ على جزيرة ميورقة[12].

 

خسرت إسبانيا نحو 130 سفينة من أسطولها و200 مدفع وأكثر من ثمانية آلاف قتيل، فضلا عن الخسائر المالية الضخمة التي قُدرت بـ4 ملايين دوقة ذهبية، ثم تحرير ثلاثة آلاف أسير مسلم كان يستخدمهم شارلكان مجدفين للسفن الخفيفة، وظل الجزائريون يحتفلون بهذا النصر الكبير طوال قرون، فعند أسوار الجزائر انكسرت أحلام شارلكان وكبرياؤه، ومن ثم لم يفكر في العودة ثانية، ولقد تمكن الجزائريون فيما بعد من سحق القوات الإسبانية في العديد من المواقع التي سنفرد لها قادما إن شاء الله.

——————————————————————————-

المصادر

[1] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 5/311.

[2] فيرناند بروديل: الإسبان وشمال أفريقيا من 1492 إلى 1577، المجلة الأفريقية، ص212، 216، 217.

[3] صالح عبّاد: الجزائر خلال الحكم التركي ص26.

[4] بسام كامل عبد الرزاق: تلمسان في العهد الزياني ص248.

[5] طاهر تومي: العلاقات الجزائرية الإسبانية ما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر ص34- 38.

[6] بوشنافي: مساهمة عروج بن يعقوب في مواجهة الخطر الإسباني على المغرب الأوسط ص269- 278.

[7] عزيز سامح ألتر: الأتراك العثمانيون في شمال أفريقيا ص90- 97.

[8] موللاي بلحميسي: غارة شارلكان على الجزائر ص99.

[9] خليفة أفندي: إتحاف ملوك أهل الزمان بتاريخ شارلكان ص151.

[10] طاهر تومي: العلاقات الجزائرية الإسبانية ص110.

[11] محمد دراج: الدخول العثماني إلى الجزائر ودور الإخوة بربروس ص314.

[12] طاهر تومي: السابق ص103، 104.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول مدینة الجزائر مواقع التواصل البحر المتوسط شمال أفریقیا على الجزائر التی کانت ن الإسبان فی عام

إقرأ أيضاً:

مساجد الجزائر تحيي الذكرى 62 للإستقلال

خصص أئمة المساجد عبر كامل التراب الوطني خطبة اليوم 05 جويلية 2024 للذكرى الثانية والستين للاستقلال وما يحمله هذا اليوم المجيد في طياته من تاريخ حافل بالبطولات والتضحيات التي قدمها أجدادنا وآباؤنا في سبيل تحرير وطننا العزيز.

وذكرر الأئمة، حسب بيان لوزارة الشؤون الدينية، بتضحيات الشهداء والمجاهدين، وما ادخره الله لهم من نعيم مقيم في الآخرة.

مبينين أن الاستقلال ليس مجرد ذكرى، بل هو درس تاريخي يجب أن تتعلمه الأجيال القادمة، لتحافظ على مكتسبات الوطن. ويواصلوا مسيرة البناء والتطوير.

وقال الأئمة، أن الذاكرة الوطنية هي روح الأمة، ومبعث فخرها ومجدها، وهي التي تجمع الأجيال خلفا بسلف. وتُستمد منها القيم العليا التي تحفظ هويتنا مصداقا لقوله تعالى [وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ الله ].

كما أبرز الأئمة أهمية دور الشباب في بناء الوطن، وأهمية العلم والعمل من أجل نهضة الأمة وتقدمها.

وأشادوا بالإنجازات التي حققتها الجزائر الجديدة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتنموية. لاسيما استعادة مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، والإشادة بذلك.

مختتمين الخطبة بالدعاء للوطن بالأمن والأمان، ولولي الأمر بالحفظ والسداد، وللبلاد بالرقي والازدهار. ولإخواننا بفلسطين بالحرية والنصر على الاستدمار.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • هكذا دمر 7 أكتوبر أسطورة القوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر وإلى الأبد
  • رحيل أسطورة العراق ببناء الأجسام علي الگيار
  • [ قل لي ما المعيار الموضوعي في التمييز والتقييم والمفاضلة ….]
  • إسبانيا تعيد انفصالياً إلى المغرب بعد رفض طلب اللجوء وطائرة العربية ترفض نقله
  • مساجد الجزائر تحيي الذكرى 62 للإستقلال
  • بنسعيد يطلق برنامج “نوستاليجا تاريخية” لإحياء أسطورة “هرقل” بعروض رقمية بطنجة
  • الرئيس تبون.. نعم انتصرت الجزائر 
  • حكومة القبائل تنفي اعتقال بعض أعضائها في المغرب
  • هيئة نسائية : الملك قطع الطريق على استغلال الدين في إصلاح مدونة الأسرة
  • الفيفا مستاءة من الصراع الجهوي في إسبانيا حول ملعب نهائي مونديال 2030 وحظوظ الدارالبيضاء وافرة