الكاتبة العمانية بدرية النبهاني: وجود «السلطنة» ضيف شرف معرض القاهرة للكتاب إنجاز ثقافي كبير لنا
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
مصر وعُمان حضارتان ضاربتان في عمق التاريخ، تلاقتا عبر القرون في مسارات الفكر والتجارة والسياسة، فكان بينهما وئام لا ينقطع، وعلى هامش مشاركة سلطنة عمان كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، تحاور جريدة «الوطن» الكاتبة والباحثة الدكتورة بدرية النبهاني، التي كرست جهودها في استكشاف التاريخ العماني وفهم جذوره الفكرية والسياسية، مسلطة الضوء على محطات التفاعل الحضاري بين البلدين.
في هذا اللقاء، تكشف رؤيتها حول دور التاريخ في تشكيل الهوية الوطنية، وأهمية البحث الأكاديمي في توثيق الموروث العماني، كما تتحدث عن الروابط التاريخية بين مصر وعمان، ودور الثقافة في تعميق هذا الامتداد الحضاري، مؤكدة أن استحضار التاريخ ليس مجرد استدعاء للماضي، بل هو وعيٌ بصير بالحاضر واستشراف للمستقبل.
- ماذا عن العلاقات التاريخية بين مصر وعمان؟
العلاقات بين عمان ومصر تمتد إلى عمق التاريخ، فهي علاقات قديمة جدا، وأقول دائمًا إن الكيانات الحضارية العريقة ذات الجذور الضاربة في القدم تظل محافظة على التواصل والوئام مهما تعرضت للأزمات السياسية، هذه العلاقات متأصلة ومتجذرة سياسيا واقتصاديا، ما يجعلها دائمة ومستمرة.
وعمان كان لها أدوار كبيرة في التاريخ القديم، في عهد السلطان قابوس - رحمه الله - برزت هذه الرؤية التاريخية بشكل واضح، إذ كان قارئا متمرسا للتاريخ، يدرك قيمة عمان ومصر في المنطقة، كان يوقن أن مصر تشكل ركيزة أساسية في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار تاريخها العريق، ولهذا حرص على توطيد العلاقات بين البلدين.
ورغم انقطاع العلاقات بين مصر ومعظم الدول العربية في بعض الفترات، السلطان قابوس كان ثابتا في موقفه، محافظًا على الوئام والتركيز على البعد الحضاري بين الدول، عمان كانت مساندة لمصر، ومصر كانت سندا لعمان منذ بداية النهضة المباركة عام 1970.
- كيف استقبل المثقفون العمانيون اختيار السلطنة ضيف شرف دورة هذا العام من معرض القاهرة الدولي للكتاب؟
وجود سلطنة عمان ضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يُعد - على ما أعتقد - ثاني أكبر معرض للكتاب في العالم، يمثل إنجازا ثقافيا كبيرا، هذا الحضور يعزز العلاقات الثقافية والحضارية بين عمان ومصر، في جناح عمان، يُبرز العمانيون إصدارات فكرية وثقافية متنوعة، إلى جانب جدول ثقافي مشترك يحضره ممثلو الجانبين العماني والمصري.
ومثل هذه الفعاليات تتيح فرصة للتعرف على الآخر، فمن يحضر الفعاليات العمانية في معرض القاهرة الدولي يكتشف كيف يفكر العمانيون وكيف ينظرون لعلاقاتهم بمصر، هناك تفاصيل تاريخية ربما كانت مجهولة للكثير، لكن البحث التاريخي والعلمي كشف عنها اليوم، على سبيل المثال، في الندوة التي تناولت العلاقات بين عمان ومصر، تحدثنا عن هذا الوئام الأزلي المستمر بين البلدين، واستعرضنا شخصيات وأسماء ظهرت عبر فترات مختلفة من التاريخ.واستمرار هذا الوئام حتى يومنا هذا في عام 2025 يعد امتدادا لتلك العلاقات المتجذرة التي ستظل - بإذن الله تعالى - شاهدا على عمق الروابط التاريخية والحضارية بين عمان ومصر.
- ما الذي دفعك للاهتمام بالتاريخ العماني والفكر السياسي والثقافي؟
دافعي الأساسي لدراسة التاريخ بشكل عام، والتاريخ العماني بشكل خاص، كان ندرة الدراسات التاريخية التي تناولت هذا المجال في مختلف العصور، تخصصت بداية في التاريخ الإسلامي، ثم توسعت لاحقا إلى دراسة التاريخ الحديث والمعاصر.
الفكر السياسي العماني يُعد من أقدم النظريات السياسية التي ظهرت في العصر الإسلامي، حيث بدأ العمانيون في تطوير هذا الفكر بعد فترة الخلفاء الراشدين، وحوّلوه إلى إطار سياسي منظم بإقامة الدولة العمانية عام 132 هجريا، في بداية الدولة العباسية، هذا الانتقال من الإطار الفكري إلى الإطار السياسي أدى إلى كثرة التأليف عند العمانيين في مراحل تاريخية مختلفة، وإن كان معظم هذا التأليف ركز على الجوانب الفقهية والعقائدية تبعا للظروف السائدة في تلك الفترات.
- كيف أثرت نشأتك في تشكيل رؤيتك التاريخية عن عمان؟نشأتي كان لها تأثير كبير، خاصة مع ندرة الدراسات وضعفها فيما يتعلق بفترات تاريخية معينة، مثل الفترة التي حكمت فيها أسرة النباهنة عمان (من القرن السادس الهجري إلى العاشر الهجري)، هذا الغموض التاريخي كان دافعًا قويًا للبحث في المصادر العمانية لمحاولة فهم أسباب قلة الإشارة إلى هذه الأسرة وأهميتها، ومن هنا بدأت اهتمامي بالتاريخ السياسي لعُمان.
- من أبرز الشخصيات أو الأحداث التي أثرت في مسيرتك الأكاديمية والفكرية؟
أبرز الشخصيات التي أثرت في مسيرتي هما أستاذاي: الدكتور فاروق عمر فوزي، الذي كان مشرفي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، كان نموذجا للمؤرخ المتمكن والمتواضع، ولم يدخر جهدًا في توجيهي إلى أهم المصادر والمراجع، رغم أنه كان متخصصا بشكل أكبر في الدولة العباسية، بينما رسالتي تناولت مسلمة بن عبد الملك بن مروان من الدولة الأموية، والشخصية الثانية كانت مشرفي الرئيسي في الدكتوراه، إرشاداته وتوجيهاته ساهمت في بناء دراسة معمقة حول التاريخ العماني السياسي.
- كتابك «آل الرحيل: قرنان من صياغة التاريخ السياسي والفكري في عمان» لاقى اهتمامًا كبيرا.. ما الذي دفعك لتناول هذا الموضوع تحديدا؟
خلال تلك الفترة كنت متخصصة في دراسة التاريخ الإسلامي، ولفت انتباهي غياب دراسات متخصصة حول ظاهرة «الأسر العلمية»، وهي ظاهرة منتشرة في التاريخ الحضاري الإسلامي، لكنها لم تكن محل دراسة كافية في عمان، هذه الأسر العلمية، التي تضم الأبناء والأحفاد أو أبناء العمومة، كان لها دور كبير في نشأة الكيان السياسي العماني خلال تلك الحقبة.
أسرة «آل الرحيل» كانت نموذجا بارزا لهذه الظاهرة، حيث ساهم علماؤها في تأسيس الدولة العمانية خلال العصر العباسي، وساعدوا في بلورة الفكر العقائدي للإباضية، فضلا عن دورهم في استقرار الأوضاع السياسية خلال ما يُعرف تاريخيا بالإمامة الإباضية الثانية.
- كيف كان العمل على «أعلام من حاضرة سناو»؟.. وما أبرز الإسهامات التي تضمنها؟
«أعلام من حاضرة سناو» ركّز على ولاية سناو ودورها التاريخي والعلمي، حاولنا في هذه الدراسة أن نوضح كيف أن الأدب والشعر يمكن أن يشكلا مدخلا لصناعة التاريخ السياسي، تناولنا في الورقة دور العلماء في تمهيد الطريق لوعي المجتمعات، ليس من خلال الثورات الداخلية فقط، بل عبر قصائدهم وتوجيهاتهم الفكرية، إحدى الشخصيات البارزة التي تناولناها كانت الشيخ سعيد الراشدي، الذي كان له دور كبير في نشر الوعي في عُمان خلال فترة الاضطرابات السياسية من خلال شعره ونظمه.
- مقالتك عن التاريخ الاقتصادي العماني تناولت السلع العمانية كنموذج.. ما الذي اكتشفته من خلال هذا البحث؟
ركزتُ في المقالة على تاريخ الاقتصاد من خلال دراسة السلع التجارية، كجزء أساسي من تشكيل اقتصاديات الدول، على سبيل المثال، تناولتُ فترة زمنية مُنع فيها تصدير التمور العمانية، ما أثّر على الداخل العماني، وخلق رفضا شعبيا لبعض القرارات السياسية، ويتضح من هذا البحث أن التاريخ الاقتصادي يُبرز تفاعل الاقتصاد مع السياسة، ما يجعل دراسة الاقتصاد أداة استشارية مهمة لفهم المراحل التاريخية المختلفة.
- ما أبرز التحديات التي تواجه الباحثين في التاريخ العماني؟
أبرز التحديات تتمثل في قلة الكتابات التاريخية المبكرة، فالتأليف التاريخي العماني لم يظهر بصورته الواضحة إلا في القرن العاشر الهجري، وما قبله لا توجد كتابات أصيلة، لذا، يعتمد الباحث على المدونات الفقهية لفهم الفكر السياسي العماني، إذا لم يتمكن الباحث من استيعاب هذا الجانب، سيكون من الصعب فهم تطور السياسة العمانية حتى اليوم.
والتحدي الآخر هو غياب المصادر الأولية لفترات تاريخية معينة، مثل فترة النباهنة، التي لم يُدوّن عنها سوى دواوين شعرية، هذا يجعل الباحث بحاجة إلى إتقان اللغة العربية لفهم النصوص الشعرية، والربط بينها وبين الأحداث التاريخية، حيث يُعتبر الشعر «ديوان العرب»، ومصدرا مهما لتوثيق التاريخ.
- كيف يمكن للتاريخ العماني أن يسهم في تعزيز الهوية الوطنية؟
التاريخ يُعتبر ركيزة أساسية للهوية الوطنية، ويجب أن نقدمه للأجيال الحالية بطرق تتناسب مع عصرهم، باستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لجعل التاريخ مفهوما وجذابا، التاريخ هو «الهوية»، وإذا فشلنا في إيصال هذا البعد للأجيال الشابة، سنفقد جزءًا من ارتباطهم بماضيهم، من خلال فهم التاريخ والوعي به، يمكن بناء الحاضر وحماية الأجيال من تأثير التيارات الثقافية المختلفة التي تحيط بنا في هذا العالم المفتوح.
- ورقتك عن تأثير الشيخ حامد السالمي على الفكر الديني والثقافي في عُمان.. كيف كان العمل عليها؟
تناولت الورقة دور الشيخ حامد السالمي، الذي كان جَدّ الشيخ نور الدين السالمي، وتأثيره الروحي والفكري في المجتمعات التي عاش فيها، الشيخ حامد كان شخصية هادئة ومرنة، ما جعله خيارا موثوقا لحل القضايا الشائكة التي استعانت به الدولة فيها، دوره امتد ليشمل ترسيخ المبادئ الدينية والثقافية في المناطق التي عمل فيها كقاضٍ.
- كيف ترين دور المرأة العمانية في الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي؟
المرأة العمانية أثبتت دورها المحوري في الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي، والمشاركة في مسيرة الدولة بجميع جوانبها، ومكنتها الدولة من إبراز قدراتها، وتفعيل دورها في هذا المجال، إلى جانب أدوارها الأخرى في المجتمع.
- ماذا عن تطور حركة البحث التاريخي في عُمان اليوم.. وما الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الثقافية؟
شهد البحث التاريخي في عمان تطورا ملحوظا، خاصة مع تزايد عدد الرسائل الجامعية المحلية والدولية، التي تتناول التاريخ العماني، الشباب العمانيون أظهروا اهتماما متزايدا بفهم تاريخ بلادهم من زوايا مختلفة، وبرزت نظريات تاريخية جديدة في هذا السياق، والمؤسسات الثقافية، إلى جانب الأكاديميين العمانيين داخل وخارج البلاد، تلعب دورا مهما في نشر الوعي بالتاريخ العماني.
والحكومة العمانية، بدورها، تشجع على قراءة وكتابة التاريخ العماني من قبل الباحثين العمانيين، باعتبارهم الأكثر قدرة على فهم السياق التاريخي المحلي، ومن الجدير بالذكر وجود برامج ثقافية تعرض على شبكات إعلامية دولية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: معرض القاهرة للكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب معرض الكتاب معرض القاهرة الدولی التاریخ العمانی بین عمان ومصر العلاقات بین فی التاریخ من خلال فی هذا
إقرأ أيضاً:
مصر وفرنسا إرث ثقافي ممتد عبر العصور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تتشارك مصر وفرنسا إرثا ثقافيا وحضاريا ممتدا عبر العصور، وتتميز العلاقات بين البلدين بعمقها وامتدادها وخاصة على المستوى الثقافي، فهي تعكس تقاربًا حضاريًا وثقافيًا بين شعبين تجمعهما رؤى مشتركة في مجالات الفنون والفكر والإبداع.
ونستعرض في هذا التقرير، قامات مصرية خالدة، تأثرت بالثقافة والتاريخ الفرنسي وهو ما ظهر واضحا من خلال كتابتهم، التي كتبوها بعد عودتهم من العاصمة الفرنسية باريس
ومن أبرز هذه الشخصيات: الشاعر الكبير أحمد شوقي
التحق أحمد شوقي في عمر الرابعة بــ كُتّاب الشيخ “صالح” وتعلّم هناك القراءة والكتابة وحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، أنهى أحمد شوقي دراسته الثانوية مبكرًا ففي عمر الـ 15 التحق بمدرسة الحقوق والترجمة (كلية الحقوق حاليًا) وانتسب الى قسم الترجمة وبعد تخرجه ذهب إلى فرنسا في بعثة دراسية على نفقة الخديوي توفيق الخاصة وقد ترجم شوقي قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي "ألفونس دي لامارتين"، كما ترجم مقطعات للفرنسي "ألفريد دي موسيه".
وكتب شوقي قصائد عن معالم فرنسا؛ منها: قصيدة "غاب بولونيا"، وكتب قصيدة "ذكرى هيجو" في الذكرى المئوية لميلاد "فيكتور هيجو" صاحب "أسطورة القرون"، "البؤساء"، "الشرقيات".
كما نسج شوقي شعر الحكمة على لسان الحيوان متأثرًا بـ"خرافات" للشاعر الفرنسي "لافونتين"، تشبه كتاب "كليلة ودمنة" لـ"بيدبة" الهندي، وترجمة "ابن المقفع".
محمد حسين هيكل
ينفرد الدكتور محمد حسين هيكل بين أبناء جيله، وكلهم هامات سامقة في عالم الأدب والفكر، بأشياء حاز بها السبق والريادة، فسبق غيره في تأليف أول رواية عربية بقصته المعروفة "زينب"، بعد عودته من فرنسا سنة 1914 وفتح لأصحاب القلم والبيان كتابة التاريخ الإسلامي على نحو جديد يجمع إلى جانب العمق والتحليل العرض الجميل، والأسلوب الشائق، والربط المحكم بين أحداث التاريخ.
من كفر غنام إلى باريس
في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وُلِد محمد حسين هيكل في 12 أغسطس عام 1888، وبعد أتم حفظ القرآن الكريم انتقل وهو في السابعة بمدرسة الجمالية الإبتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، وحصل على شهادتها الإبتدائية سنة (1319هـ = 1901م)، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها سنة، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وفي أثناء هذه الفترة توثقت صلته بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، فأكبَّ على قراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة (1327هـ = 1909م) سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراة.
واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسي بعد أن أتقن الفرنسية وأصبح عسيرها ميسورًا له، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة باريس سنة 1912 عن دين مصر العام.
يذكر أن محمد حسين هيكل ألف رواية " زينب" بعد عودته إلى مصر قادما من فرنسا فى سنة 1914 وهى تعد البداية الرسمية للإبداع الروائى العربى كأول رواية تكتب باللغة العربية، وهو ما يوضح تأثره بالثقافة والأدب الفرنسى، خاصة وأن فن الرواية كان أحد فنون الكتابة المستقرة فى الغرب.
طه حسين
تأثر عميد الأدب العربي طه حسين تأثرا كبيرا بالثقافة والأدب الفرنسي، وبدأ نبوغه الأدبي بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1919 عن أطروحته "الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون"، والتي أشرف عليها عالم الإجتماع والفيلسوف الفرنسى الكبير اميل دوركايم، إلا أن طه حسين أثر أيضا في الثقافة الفرنسية.
ويتضح هذا الأثر الذي تركه عميد الأدب العربي في عدد مؤلفاته التي ترجمت إلى الفرنسية، فمن نحو 25 مؤلفا لطه حسين قام الناشرون الفرنسيون بترجمة أحد عشر عملا له، على الرغم من عدم حصوله على أية جائزة أدبية عالمية، مما يؤكد مكانته في الأدب العالمى، علما بأن حركة ترجمة أعمال الأدباء العرب المعاصرين كانت ضعيفة آنذاك.
وبدأ الإهتمام بمؤلفات عميد الأدب العربي منذ صدور رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون في طبعة عن دار نشر "ا. بيدون"، ثم قامت دار نشر "اكسيلسيور" في عام 1934 بإصدار ترجمة الجزء الأول من رواية "الأيام" والتي ترجمها جان لوسيرف، ثم نشرت دار "جايمار" عام 1947 ترجمة الجزء الثاني من الرواية وقام بترجمته جان لوسيرف وجاستون ويد، وهو الجزء الذي قدم له الأديب الفرنسي الكبير أندريه جيد.
كما صدرت عام 1949 الترجمة الفرنسية من رواية "دعاء الكروان" عن دار نشر "دينويل"، والتي أصدرت طبعة ثانية من الرواية عام 1989 وصدرت طبعتان فرنسيتان من رواية "أديب" عن "دار المعارف" المصرية عام 1960 وعن دار نشر "كلانسييه-جينوه" الفرنسية عام 1988.
وأصدرت دار المعارف المصرية عام 1964 الترجمة الفرنسية لرواية "شجرة البؤس"، وصدرت ترجمة "الفتنة الكبرى-عثمان بن عفان" عام 1974 عن دار نشر "فرين" الفرنسية، وترجمة "شهرزاد" عام 1997 عن دار نشر "ديالوج" الفرنسية، وكان آخر الأعمال المترجمة لعميد الأدب العربي إلى الفرنسية هي "مع أبي العلاء المعري في سجنه" عام 2009 عن دار نشر "ميليلي" الفرنسية.
ولم يقتصر أثر طه حسين في الثقافة الفرنسية على ترجمة أعماله، بل تعدى ذلك إلى نشر دراسات عنه، فقد نشرت دار المعارف المصرية عام 1963 دراسة باللغة الفرنسية للباحث الفرنسي ريمون فرانسيس بعنوان "طه حسين روائيا". كما صدرت عن دار نشر المطبوعات الجامعية بمدينة بوردو الفرنسية فى عام 1991 نتائج ندوة أقيمت فى 1989 عن أعمال طه حسين.
كما نشرت "الجامعة الأورو-عربية" بمونبيليه في عام 1990 دراسة عن طه حسين بين شاطئي المتوسط، فيما نشرت دار "تيموان دومانيتيه" الفرنسية دراسة بعنوان "طه حسين، الثقافات والحوار" للباحث الفرنسي برونو رونفار.
كما امتد تأثير طه حسين عند الفرنسيين إلى الحد الذى دعاهم إلى البحث عن جوانب حياته الشخصية، وفي هذا الإطار أصدرت دار نشر "سيرف" الفرنسية في اكتوبر 2011، مذكرات زوجة عميد الأدب العربي سوزان، وهي فرنسية الجنسية، بعنوان "من فرنسا إلى مصر، قصة حب غير عادية".
توفيق الحكيم
بعدما حصل توفيق الحكيم على الليسانس في الحقوق سنة 1925 قرر السفر إلى فرنسا بزعم دراسة الحقوق والاستعداد للدكتوراه في القانون بدعم من والده ولكنه ما حط بفرنسا رحاله، وملك حريته حتى أحس بأن ليس في مستطاعه أن يمضي في دراسة القانون. لهذا انصرف عن القانون ومباحثه إلى الأدب المسرحي والقصص يطلع على روائع آثاره في الآداب الأوروبية عن طريق اللغة الفرنسية، وشغف توفيق بالموسيقى الأوروبية، إذ وجد فيها ما يرفع نفسه إلى عوالم داخلية سامية، فكلف بموسيقى بتهوفن وموزار وشرمان وشوبيرت وعكف على دراسة الفن من ينابيعه الصافية في أوروبا وعاش عيشة فنان بوهيمي في عاصمة فرنسا مدينة النور باريس.
كان توفيق قد استقر في فرنسا في إحدى ضواحي باريس النائية عند أسرة من الأسر الفرنسية التي يشتغل جميع أفرادها في أحد المصانع، وكان توفيق يقضي أيامه هنالك يطالع ويتأمل ويغرق في تصوراته وخيالاته ويمضي وقته بين الاستماع للموسيقى والقراءة حتى عرف الجميع عنه ذلك.
كما يعتبر البعض رواية "عصفور من الشرق" هي ملخص لسيرة "الحكيم" فى فرنسا، حيث تعد الرواية انعكاسا حقيقًا لحال المجتمع الفرنسى فى ذلك الوقت، ويحاول الكاتب فى الرواية أن يبحث عن الحلم المفقود والمدينة الفاضلة، ويتكلم عن حيرة بطل الرواية الشرقى فى باريس، وقصة حبه الحالم، والصراع بين الغرب والشرق، الواقع والخيال، العقل والقلب، الحداثة والأصالة، العلم والإيمان، الماديات والروحانيات.
رفاعة الطهطاوي
في يوم ١٤ أبريل ١٨٢٦ سافر رِفاعة الطهطاوي و40 من زملائه، متوجها إلى مارسيليا في فرنسا ضمن بعثة علمية أرسلها محمد علي باشا لدراسة العلوم هناك ومُذ وطئت قدما رِفاعة أرض هذه المدينة بدأ يتعلم اللغة الفرنسية، يقول في رحلته: «وتعلَّمنا في نحو ثلاثين يومًا التهجِّي.»
وهناك قرر ألا يعود إلا بعد أن يكون شخصًا نافعًا لوطنه ومجتمعه، فعكف على تعلم الفرنسية، وقراءة أهم الكتب وأنفعها، وترجمة ما استطاع منها مع شرحه وتفسيره.
وقد قرأ رفاعة كتبا كثيرا خلال وجوده في فرنسا جعلته صاحب ثقافة موسوعية، وفي باريس اتَّصل بكبار المُستشرقين الفرنسيين، وخاصةً المسيو «سلفستر دي ساسي» والمسيو «كوسان دي برسيڨال» ونشأت بينه وبين هذين العالِمين صداقةٌ متينة، وكان كلٌّ منهما يقدِّر جهد الشيخ التلميذ وعلمه، وقد تبادل رفاعة معهما كثير من الرسائل أثبت بعضها رِفاعة في رحلته.
وبعد خمس سنوات قضاها الطهطاوي في باريس، عاد إلى مصر عام 1831، واضعًا كتابه الأشهر "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".. كما عمل على تطوير الدراسة فى العلوم الطبيعية، واشتغل بالترجمة فى الطب، وبعدما بأربعة أعوام سنة 1835، قام بتأسيس مدرسة الترجمة – الألسن، لتعليم اللغات الأجنبية، كما ترجم القوانين الفرنسية، وطبعها فى كتاب باسم "تعريب القانون المدنى الفرنساوى".
عبد الرزاق السنهورى
يعد عبدالرازق السنهوري علما من أعلام الفقه والقانون في مصر والعالم العربي، فبعدما نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته قرر السفر إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون.
وفي فرنسا وضع عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه.
ورغم موقف "السنهورى" النقدى من الحضارة الفرنسية، إلا أنه تأثر من خلال دراسته للقانون هناك، ما جعله يضع أول قانون مدنى مصرى عام 1953 بعد عام من ثورة يوليو 1952، متأثرا بالقانون المدنى الفرنسى.
وساهم السنهوري في وضع الدساتير في الدول العربية، فقد وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 م قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 م في إطار جامعة الدول العربية.
وتولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 م حتى 1949 م، وقام بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي وعيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946 م. عيّن سنة 1949 م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م.
وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م. سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 م دون مقابل..
كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ووضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة.
طلعت حرب
يعد طلعت باشا حرب أبو الاقتصاد المصرى، وصاحب النهضة الاقتصادية والصناعية الكبرى، في البلاد في مطلع القرن الماضي، بدأ أولى خطواته للتحرر من الاستعمار وتمصير الاقتصاد الوطني، بتعلمه وإتقانه اللغة الفرنسية.
انفتح "حرب" على العديد من الثقافات والاقتصاديات الغربية خاصة الفرنسية، مما ساعده في تكوين عقليته الاقتصادية، وأصدر في 1912 كتاب بعنوان( قناة السويس ).
وبعد كتاب طلعت حرب الاقتصادي الأول في عام 1911، انعقد مؤتمر وطني ليعلن فيه طلعت حرب عن حاجة مصر لإنشاء بنك مصري، لتحرير اقتصاد مصر، وليكون البنك يخدم المصريين.
الشيخ مصطفى عبد الرازق
أديب ومفكر مصري، وأول شيخ للأزهر من غير الدارسين بجامعة الأزهر، لقب بمجدد الفلسفة الإسلامية، وتأثر "عبد الرازق" بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية.
وتولى مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف عام 1938، وظل فيها سبع وزارات متتالية، ثم منصب شيخ الأزهر، عام 1945، وبعدها بعام اختير أميرا للحج.