الجزيرة:
2025-02-06@14:14:31 GMT

صامدو شمال غزة تحدّوا الموت وأفشلوا مخطط التهجير

تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT

صامدو شمال غزة تحدّوا الموت وأفشلوا مخطط التهجير

غزة – على مقربة من السياج الأمني الذي تتمترس خلفه آليات الاحتلال الإسرائيلي في بيت حانون شمالي قطاع غزة، يقف صهيب شحادة ليستذكر الأيام الصعبة التي قضاها في البلدة الحدودية الأكثر دمارا بفعل القصف والتجريف.

يعتقد شحادة أن تشبث نصف مليون فلسطيني بأرضهم في محافظتي غزة والشمال ورفضهم النزوح، رغم ما تعرضوا له من قتل وتجويع، كان سببا رئيسيا في إفشال مخطط التهجير الذي أراد الاحتلال تنفيذه في قطاع غزة.

وبفخر يقول للجزيرة نت "رغم أن الاحتلال حوّل بيت حانون لكومة ركام، وظن أنه بقتل سكانها والقضاء على مقومات الحياة فيها، ويمكن له أن يتخلص منهم نهائيا، فإنه فشل أمام أصحاب الأرض".

صهيب شحادة يعتقد أن تشبت الغزيين بأرضهم كان سببا في إفشال مخطط التهجير (الجزيرة) خطة الجنرالات

منذ الأيام الأولى للحرب على قطاع غزة استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي جميع أدوات الترهيب لإجبار أكثر من مليون فلسطيني يقطنون محافظتي غزة وشمالها على مغادرتها تجاه وسط وجنوب قطاع غزة.

وبدأ الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023 مستهدفا بيت لاهيا وبيت حانون ومدينة جباليا ومخيمها، بالتزامن مع التوغل في المناطق الغربية لمدينة غزة.

أنهى الجيش الإسرائيلي عمليته البرية الأولى شمالي قطاع غزة مع نهاية 2023، ومنذ ذلك الوقت فرض حصارا مشددا على السكان الذين رفضوا النزوح وآثروا البقاء في منازلهم حتى اضطروا لطحن أعلاف الحيوانات لتناولها بعدما نفد الدقيق وبدائله التي لجؤوا إليها.

إعلان

عاد الجيش الإسرائيلي مطلع مايو/أيار 2024 وشن عملية عسكرية على مخيم جباليا مرة أخرى، استمرت 22 يوما، دمر خلالها مئات المنازل والمرافق الخدماتية، في محاولة ثانية لدفع السكان لترك منازلهم.

 

وفي صيف العام ذاته، بدأ الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا آيلاند وضباط آخرون الترويج لمقترح تهجير الفلسطينيين إلى جنوب وادي غزة أطلق عليه "خطة الجنرالات".

وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2024 بدأ الهجوم الأعنف لجيش الاحتلال الإسرائيلي على محافظة شمالي قطاع غزة مستخدما قوة نارية مهولة بهدف تهجير ما يقرب من ربع مليون فلسطيني حاصرهم هناك، في تنفيذ دقيق لخطة الجنرالات بعدما أخرج جميع المؤسسات الصحية عن الخدمة ومنع عمل فرق الإسعاف والدفاع المدني.

ولم تفلح 105 أيام من القتل والتدمير في تفريغ شمالي قطاع غزة بأكمله، وبقي ما يقرب من 40 ألف مواطن في منازلهم رغم الأهوال التي تعرضوا إليها على مدار الساعة، قبل أن يدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

أحمد أبو قمر نصب خيمته على أنقاض منزل عائلته المدمر وتنبّه مبكرا لخطة التهجير (الجزيرة) إفشال التهجير

مع الساعات الأولى لانسحاب الجيش الإسرائيلي من مخيم جباليا، نصب أحمد أبو قمر خيمته على أنقاض منزل العائلة المدمر بعدما اضطر للنزوح مؤقتا إلى مدينة غزة.

وتنبه أبو قمر، الباحث في الشأن الاقتصادي، لخطة التهجير مبكرا بعدما لاحظ تعمّد الاحتلال الإسرائيلي قطع إمدادات الغذاء والمياه والوقود عن شمال غزة مع بداية الحرب.

وقال في حديث للجزيرة نت إن الاحتلال أعدم كل سبل الحياة كي يعاقب من رفض الرحيل ويدفعهم للنزوح قسرا، لكنه كالكثيرين آثروا الصبر والتحمل على ترك منازلهم.

ويعتقد الباحث الاقتصادي أن الاحتلال صُدم مما وصفه بالصمود الأسطوري للفلسطينيين لأنه لم يترك أي وسيلة ضغط لإجبارهم على الرحيل، ومع ذلك فشل في مهمته.

إعلان

الجميع فقدوا منازلهم، والاحتلال دمّر كل ما بنوه على مدى عقود، والغالبية باتوا دون مصدر دخل، والأوضاع المعيشية وصلت لأدنى مستوياتها على الإطلاق، يضيف الباحث ذاته، قبل أن يدرك أن ما منعهم من الهجرة مرة أخرى هي مشاهد النكبة الأولى وحسرة الأجداد على فراق قراهم كانت حاضرة في أذهان الآلاف.

ويعتقد أبو قمر أن المطلوب حاليا وبشكل عاجل ضخ كل مقومات الحياة إلى شمال قطاع غزة من ماء وغذاء وبدائل الطاقة، وإعادة ترميم المستشفيات والبنية التحتية لتعزيز عودة السكان إلى منازلهم.

مسلم بقي في بيت لاهيا لأن "ابن الأرض يعرف الثمن الذي يدفعه مقابل تشبته بها" (الجزيرة)

 

وفي السياق ذاته، يقول الناشط المجتمعي خالد مسلم، الذي بقي في بلدة بيت لاهيا، إن ابن الأرض يعرف أن الثمن الذي سيدفعه مقابل تشبثه بها مرتفع، لكنه أقل بكثير من ثمن مغادرتها كما أراد الاحتلال.

وفقد مسلم منزله منذ الأيام الأولى للعدوان، وجرف الاحتلال الأراضي الزراعية التي تمتلكها عائلته، وودع الكثير من الأقارب والأصدقاء الذين قضوا في حرب الإبادة، ومع ذلك رفض النزوح ومغادرة شمال غزة.

وكثف مسلم نشاطه المجتمعي في إغاثة الناس مع اشتداد ضراوة الحرب لأنه يعلم أن تعزيز صمودهم وتوفير الماء والغذاء هو الأهم في تلك المرحلة من حرب الإبادة.

ورأى، في حديثه للجزيرة نت، أن آثار الحرب ثقيلة جدا، والتخلص مما خلفه الاحتلال يحتاج إلى جهود جبارة ومنح أولوية لإغاثة المتضررين، لكنه يؤمن أن غزة اعتادت أن تنفض غبارها وتنهض من جديد.

رغم الدمار في بلدة جباليا فإن أهلها بقوا صامدين فيها (الجزيرة) قرار البقاء

اتخذ الشاب المقعد شعبان غبن قرارا بالبقاء في منزله ببلدة بيت لاهيا، وبقي داخله لأكثر من 13 شهرا حتى باغتته دبابة إسرائيلية بقذيفة ألحقت ضررا بالمبنى، ومن ثم اقتحم جنود الاحتلال المنزل وأجبروه على المغادرة إلى مدينة غزة.

إعلان

يقول غبن، في حديث للجزيرة نت، إن الثبات على الأرض كان خياره الوحيد رغم تعمد الاحتلال قتل كل من يوجد في شمال غزة، لكن تمترس المواطنين في منازلهم أفشل مخططات الاحتلال التي كانت تريد الاستيطان في شمال غزة بعد تهجير سكانها.

وتعرض شعبان غبن للضرب على أيدي جنود الاحتلال الذين لم يراعوا ظروفه الصحية وعدم قدرته على التنقل إلا باستخدام كرسي متحرك، ونجا من قذيفة مدفعية أطلقتها قوات الاحتلال عليه مباشرة برفقة عدد من جيرانه، ومع ذلك عاد إلى أنقاض منزله فور انسحاب قوات الاحتلال من شمالي قطاع غزة.

وفي بلدة جباليا رفضت مدلين خلة وأسرتها مغادرة منزلها رغم وقوعه ضمن المناطق التي طالب الاحتلال بإخلائها. وقالت للجزيرة نت "اتخذنا قرارا جماعيا بالبقاء رغم توالي الانفجارات من حولنا وسيطرة الطائرات المسيرة "كواد كابتر" على المنطقة على مدار الساعة".

فقدت مدلين أمها التي استشهدت بشظايا قنبلة أطلقتها طائرة مسيرة اخترقت جسدها، ومع ذلك تقول إنهم كانوا على يقين بأن آجال الموت لا تختلف سواء في شمال غزة أو جنوبها، وإنهم رغم الدمار فضلوا أن يبقوا ويفشلوا مخططات الاحتلال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاحتلال الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی شمالی قطاع غزة للجزیرة نت بیت لاهیا شمال غزة أبو قمر ومع ذلک

إقرأ أيضاً:

مؤامرة التهجير تتحطم على صخرة الصمود الفلسطيني.. المقترح الأمريكي الإسرائيلي يعيد للأذهان ذكريات "النكبة".. والقاهرة حجر عثرة أمام حلم "إسرائيل الكبرى"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أثارت محاولات الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب إقناع مصر والأردن باستقبال أهالي قطاع غزة ردود فعل عربية وعالمية واسعة النطاق، مع رفض القاهرة وعمان المقترح الأمريكي الذي جاء برغبة إسرائيلية جامحة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم التاريخية، لتوسيع رقعة دولة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني.

إذ تكشف وقائع التاريخ أن مخطط تهجير الفلسطينيين ليس وليد اللحظة أو الصدفة أو مخطط خلقته أوضاع الحرب بعد السابع من أكتوبر، بل كان المخطط الوحيد الذي نجح في مراحل سابقة منذ النكبة الفلسطينية، وهو ما يجعله مخططًا مرغوبًا من الجانب الأمريكي والإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن.

تاريخ التهجير على يد عصابات الاحتلال

تعود أحداث تهجير الفلسطينيين تاريخيًا إلى ما يعرف بـ"ذكرى النكبة الفلسطينية" التي وقعت عام 1948 مع إعلان منظمة الأمم المتحدة قيام دولة إسرائيل بعد احتلال أجزاء من الأراضي الفلسطينية بقوة الأمر الواقع، وبدعم عصابات الهاجاناة وشيترن وغيرها من العصابات الصهيونية التي عملت على توسيع عمليات المجازر ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما أجبر كثير من أبناء الشعب الفلسطيني على ترك أراضيهم والخروج إلى خارج بلدهم حماية لأنفسهم من بطش تلك الجماعات المسلحة، وجعل الساحة فارغة للتموضع الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.

ورغم أن هيئة الأمم المتحدة كانت الهيئة الأولى التي تولت التوصية بحل القضية الفلسطينية من خلال تبني القرار رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر من عام 1947، والذي يسمى "قرار تقسيم فلسطين"،  والذي بموجبه يتم تقسيم فلسطين التاريخية إلى 3 مواقع أو دول وينهي الانتداب البريطاني على فلسطين، إذ قضى القرار بإعلان دول عربية على مساحة 11,000 كم2، بما يمثل 42.3% من أراضي فلسطين التاريخية، تضم كلًا من عكا، والضفة الغربية، وقطاع غزة، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر. بالإضافة إلى دولة يهودية على مساحة 15,000 كم2 تضم السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي، على أن تضم الدولة اليهودية بحيرة طبريا وإصبع الجليل، وصحراء النقب وإيلات، فيما تقع كلًا من مدينتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية.

ورغم ذلك رفضت إسرائيل الانصياع للقرارات الدولية وأبرزها قرار التقسيم، وعملت على الإمعان في سياسة التهجير للشعب الفلسطيني، فكانت أول عمليات التهجير الموثقة بعلم المؤسسات الدولية وفي القلب منها مراكز الأبحاث التابعة للأمم المتحدة تلك التي حدث في عام 1948 بعد أن تم طرد أكثر من 700,000 مواطن فلسطيني، إذ اعتمدت عصابات الاحتلال الإسرائيلي على سياسة "الأرض المحروقة" لإجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم وممتلكاتهم والتشدد في تشتيت المجتمع الفلسطيني لإنجاح خطة الاستيلاء على ممتلكاته، وخاصة الأراضي الشاسعة، كما تم تدمير الكثير من القرى الفلسطينية وتراوح عدد القرى المهجرة في ذلك الوقت بين 400 إلى 600 قرية فلسطينية. 

خطط تهجير أفشلتها مصر 

وكانت أبرز حوادث التهجير تلك التي حدثت في أربعينيات القرن الماضي والتي حملت عنوان "خطة مايو" أو "الخطة ج" وسميت أيضًا بخطة غيميل نسبة إلى توخنيت غيميل قائد عصابة الهجاناة الصهيونية، والتي حملت بندًا للانتقام من الفلسطينيين العرب وإجبارهم على النزوح من أماكنهم وقراهم.

وفي عام 1953 طرحت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ما يعرف باسم "خطة سيناء"، والتي تتحدث عن تهجير الفلسطينيين إلى منطقة سيناء المصرية المتاخمة لحدود الأراضي الفلسطينية في غزة والأراضي المحتلة في النقب، ومع معارضة مصر في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عملت إسرائيل على تبني خط سياسي معادي للقاهرة ومن ثم كانت نكسة 67.

وفي العام نفسه طرح الجنرال العسكري الإسرائيلي إيجال ألون خطة لتهجير الشعب الفلسطيني إلى الأراضي المصرية والأردنية على اتساعها، وهي الخطة التي دعمها مجلس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إلا أن تلك الخطة لم يتم تنفيذها أيضًا.

وفي عام 1970 ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وجزء من الأراضي المصرية بعد نكسة 67 طرح الجنرال العسكري آنذاك أرئيل شارون، الذي تولى رئاسة وزراء إسرائيل فيما بعد فكرة تفريغ قطاع غزة من ساكنيه ونقل الفلسطينيين الغزويين إلى منطقة سيناء والعريش، إلا أن تلك الخطة – رغم الاحتلال الإسرائيلي – لم تنجح ولم تنفذ، ثم فوجئت إسرائيل بحرب السادس من أكتوبر عام 1973 التي أنهت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المصرية بشكل نهائي وتحطمت معها مخططات إسرائيل سواء بالاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات الإسرائيلية في شرم الشيخ أو حتى مخططات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

ومع قدوم عام 2000 قدم كلًا من الجنرال الإسرائيلي غيورا إيلاند والسياسي الإسرائيلي يوشع بن آيه الرئيس الأسبق للجامعة العبرية بالقدس مقترحات جديدة تتضمن نفس المبدأ المتعلق بنقل الفلسطينيين إلى أراض مصرية "سيناء" مقابل امتيازات اقتصادية لمصر، وهي المخططات نفسها التي لاقت نفس مصير سابقاتها من مخططات التهجير. 

وفي بين أعوام 2017 و 2020 وهي الفترة التي حكم فيها دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة أثيرت الكثير من الأحاديث حول ما يعرف باسم "صفقة القرن" والتي تضمن ما يعرف باسم "الوطن البديل" للفلسطينيين في جزء من الأردن وسيناء المصرية، وهو المخطط الذي رفضته كلًا من القاهرة وعمان، ولاقت الفكرة اعتراضات كثيرة في الأوساط العربية الرافضة لمخطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

الموقف المصري الصارم

ومؤخرًا.. ومع بروز أحداث السابع من أكتوبر من عام 2023 عاد الحديث مجددًا حول فكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى مواقع بديلة، إذ عملت آلة إسرائيل العسكرية على توسيع مساحة التدمير وقتل الفلسطينيين لإجبارهم على الخروج من قطاع غزة بعد أن احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدة مواقع في الشمال والوسط والجنوب في القطاع وكذلك اقتحامها لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني وتموضع قوات الاحتلال في محور صلاح الدين المعروف بمحور فيلادلفي الذي ترتبط إسرائيل مع مصر في اتفاق يقضي بانسحاب قوات إسرائيل منه بشكل نهائي، إذ يعد احتلال إسرائيل لتلك المنطقة خرقًا للاتفاقيات المبرمة في هذا السياق، كما برزت فكرة التهجير مرة أخرى لأهالي غزة من القطاع إلى منطقة سيناء.

وقد أثارت تلك الفكرة رفضًا مصريًا قاطعًا إذ اعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن خطة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم تمثل خطًا أحمر في السياسة المصرية، وقال الرئيس السيسي خلال كلمته التي ألقاها في "مؤتمر تحيا مصر" الذي عقد في استاد القاهرة، في شهر نوفمبر من عام 2023 بعد شهر واحد فقط من أحداث السابع من أكتوبر، أن الفلسطينيين إذا خرجوا من أراضيهم فلن يعودوا إليها مرة أخرى.

ولم يتوقف الرفض المصري لتلك الخطة على مدار محاولات مصر لإيقاف نزيف الدماء في قطاع غزة، إذ توسطت أكثر من مرة مع دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية لوقف الصراع في غزة، وأعلنت عن رفضها لمخطط تهجير الفلسطينيين من القطاع، وشددت على موقف مصر الداعم لمبدأ "حل الدولتين"، لكن مع صعود ترامب مرة أخرى إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية برز مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بشكل علني وصارخ، إذ أعلن الرئيس الأمريكي الجديد أنه يتواصل مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن بشأن نقل أهالي غزة إلى كلا الدولتين لحين تحسين الأوضاع في قطاع غزة، وهو الطلب الذي لاقى رفضًا قاطعًا من كلا الدولتين.

وأعلن أولًا وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن المملكة الأردنية الهاشمية ترفض بشكل قطاع المخطط الأمريكي الداعم لنقل أهالي غزة إلى الأردن، معتبرًا أن "الأردن للأردنيين"، وأن المملكة تحرص على أن يتم تسوية الصراع في إطار حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967  وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن أن كلًا من القاهرة وعمان ستستقبلان أهالي قطاع غزة على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت الكثير للبلدين، وأنهما "ستفعلان ذلك" على حد قوله، وهو ما استوجب ردًا مصريًا على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال استقباله للرئيس الكيني بالقاهرة، حيث قال السيسي: "دعوني أشير إلى أن هناك ثوابت الموقف المصري التاريخي بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهنا لا يمكن أبدًا ، أن يتم الحياد أو التنازل، بأي شكل كان، عن تلك الثوابت، وعندما أشير للثوابت، فإنني أعني بذلك الأسس الجوهرية التي يقوم عليها الموقف والتي تشمل بالقطع، إنشاء الدولة الفلسطينية، والحفاظ على مقومات تلك الدولة، وبالأخص شعبها وإقليمها".

وأضاف السيسي، طبقًا لما جاء في كلمته التي نشرت لاحقًا على موقع مؤسسة الرئاسة المصرية: "أقول ذلك بمناسبة ما يتردد، بشأن موضوع تهجير الفلسطينيين وأود أن أطمئن الشعب المصري: "بأنه لا يمكن أبدًا التساهل، أو السماح بالمساس بالأمن القومي المصري" وأطمئنكم بأننا عازمون على العمل مع الرئيس "ترامب"، وهو يرغب في تحقيق السلام، للتوصل إلى السلام المنشود القائم على حل الدولتين ونرى أن الرئيس "ترامب"، قادر على تحقيق ذلك الغرض الذي طال انتظاره، بإحلال السلام العادل الدائم في منطقة الشرق الأوسط".

قمة عربية رافضة لمخطط التهجير

وبالتزامن مع الموقف المتشدد للرئيس السيسي حيال قضية التهجير، دعت مصر لعقد قمة على مستوى وزراء الخارجية شاركت فيه كلًا من المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، بجانب جمهورية مصر العربية، وبحضور أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن دولة فلسطين وأمين عام جامعة الدول العربية، وهو الاجتماع الذي انتهى إلى الترحيب بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن والمحتجزين، والإشادة بالجهود التي قامت بها كل مصر ودولة قطر، والتأكيد على الدور المهم والمقدر للولايات المتحدة في انجاز هذا الاتفاق.

بحانب التطلع للعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، وفقاً لحل الدولتين، والعمل على إخلاء المنطقة من النزاعات، بالإضافة إلى  تأكيد الدول المشاركة على دعم الجهود المبذولة من قبل الدول الثلاثة لضمان تنفيذ الاتفاق بكامل مراحله وبنوده، وصولاً للتهدئة الكاملة، والتأكيد على أهمية استدامة وقف إطلاق النار، وبما يضمن نفاذ الدعم الإنساني إلى جميع أنحاء قطاع غزة وإزالة جميع العقبات أمام دخول كافة المساعدات الإنسانية والإيوائية ومتطلبات التعافي وإعادة التأهيل، وذلك بشكل ملائم وآمن، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل والرفض التام لأي محاولات لتقسيم قطاع غزة، والعمل على تمكين السلطة الفلسطينية لتولي مهامها في قطاع غزة باعتباره جزءاً من الأرض الفلسطينية المحتلة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبما يسمح للمجتمع الدولي بمعالجة الكارثة الإنسانية التي تعرض لها القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي.

وأكد المشاركون الدور المحوري الذي لا يمكن الاستغناء عنه وغير القابل للاستبدال لوكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين "الأونروا"، والرفض القاطع لأية محاولات لتجاوزها أو تحجيم دورها، بجانب التأكيد في هذا الصدد على أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي للتخطيط وتنفيذ عملية شاملة لإعادة الإعمار في قطاع غزة، بأسرع وقت ممكن، وبشكل يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، خاصةً في ضوء ما أظهره الشعب الفلسطيني من صمود وتشبث كامل بأرضه، وبما يُسهم في تحسين الحياة اليومية للفلسطينيين من سكان القطاع على أرضهم، ويعالج مشكلات النزوح الداخلي، وحتى الانتهاء من عملية إعادة الإعمار.

والجانب الأهم في البيان الختامي هو الإعراب عن استمرار الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة وفقاً للقانون الدولي، وتأكيد رفض المساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الأنشطة الاستيطانية، أو الطرد وهدم المنازل، او ضم الأرض، او عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل او اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي صورة من الصور أو تحت اي ظروف ومبررات، بما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلىالمنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها، علاو على الترحيب باعتزام جمهورية مصر العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة، استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة، وذلك في التوقًيت الملائم.

ومناشدة المجتمع الدولي والمانحين للإسهام في هذا الجهد، ومناشدة المجتمع الدولي في هذا الصدد، لاسيما القوي الدولية والاقليمية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين، بما يضمن معالجة جذور التوتر في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، بما في ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني وفي سياق وحدة قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخطوط الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧، وفي هذا الإطار، دعم جهود التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين والمشاركة الفاعلة في المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين برئاسة المملكة العربية السعودية وفرنسا، والمُقرر عقده في يونيو 2025.

الإصرار الأمريكي على التهجير

أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصاله الهاتفي الأول مع الرئيس عبد الفتاح السيسي مساء السبت الأول من فبراير، وهو الاتصال الأول بينهما بعد تولي ترامب ولايته الجديدة، إذ أكد موقع أكسيوس الأمريكي أن ترامب أكد أنه تحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حول قضية نقل أهالي غزة إلى مصر لحين الانتهاء من إعادة إعمار قطاع غزة مرة أخرى بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة، إلا أن بيان الرئاسة المصرية أكد على عدة مرتكزات تشدد على رفض مصر لمبدأ تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية.

وشدد بيان صادر عن رئاسة الجمهورية المصرية أن الاتصال الهاتفي شهد حواراً إيجابياً بين الرئيسين، بما في ذلك حول أهمية الاستمرار في تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية قطرية وأمريكية، وضرورة تكثيف إيصال المساعدات لسكان غزة. 

كما أكد البيان على أن الرئيس السيسي أكد لنظيره الأمريكي على أهمية التوصل الى سلام دائم في المنطقة، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يعول على قدرة الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق سلام دائم وتاريخي ينهي حالة الصراع القائمة بالمنطقة منذ عقود، خاصة مع انحياز الرئيس ترامب إلى السلام، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس ترامب في خطاب تنصيبه بكونه رجل السلام، وشدد الرئيس على ضرورة تدشين عملية سلام تفضي إلى حل دائم في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • محلل سياسي: المشروع الأمريكي الإسرائيلي بشأن غزة صدمة عالمية
  • الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين وإصابة آخرين في انهيار رافعة شمال قطاع غزة
  • بعد تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي .. الخارجية الفلسطينية تحذر من مخطط التهجير
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على شمال الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدة قفين شمال طولكرم
  • توسيع الحرب في الضفة ومخطط التهجير
  • وزير المفاوضات الفلسطيني الأسبق: مصر قادرة على تشكيل محور عربي يُفشل مخطط التهجير
  • باحثة سياسية: مخطط التهجير القسري للفلسطينيين فشل نتيجة الموقف المصري الأردني
  • مؤامرة التهجير تتحطم على صخرة الصمود الفلسطيني.. المقترح الأمريكي الإسرائيلي يعيد للأذهان ذكريات "النكبة".. والقاهرة حجر عثرة أمام حلم "إسرائيل الكبرى"
  • خبير عسكري: مخطط التهجير الإسرائيلي إلى المناطق المحتلة بسوريا وارد