حاصروك بـ مَرَّان فانجرفوا.. وحاصرتهم بالبحر فاحترقوا
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
إلهام نجم الدرواني
في مطلع القرن الواحد والعشرين، كانت الأُمَّــة تخوض صراعًا لم يسبق له نظير، بسيناريو جديد أشبه ما يكون بأفلام الهوليود، ممثلو هذا الفيلم لا يرتدونَ بدلاتٍ ولا ربطات عُنق، فزَيُّهم زَيٌّ إسلامي بعمائم دينية، دُربوا بحرفية على أيدي الأمريكان، وتلقوا الدعم من مملكة الشر (السعوديّة)، ليكون بطل هذا الفلم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على حَــدّ زعمهم.
يختم الفيلم الهوليودي بحادثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بتفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، لتكون ذريعة أمريكا الجديدة لاحتلال شعوب المنطقة العربية والإسلامية، تحت غطاء ما يسمى مكافحة الإرهاب.
اتجهت أمريكا بهذه الذريعة لاحتلال البلدان والسيطرة عليها، فأقامت القواعد الأمريكية في كُـلّ بلد، وملأت البحار ببارجاتها، متجهة لاحتلال الشعوب وسلبهم ثرواتهم واستقلالهم، وزرع الحرب المصطنعة والفتن الطائفية والمذهبية بين أبناء الأُمَّــة، كأقل وسيلة لإلهاء الأُمَّــة عن قضيتها المهمة.
للأسف الشديد كانت ردة الفعل من الأنظمة العربية والإسلامية تجاه هذه الهجمة الشرسة ردة فعل مخزية ومذلة، فالأفواه مكممة والمواقف مكبلة، لا أحد يجرأ أن يتكلم بكلمة واحدة ضد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
حينها والأمة تعيش ذلك السبات العميق، كان لا بدّ من نور يزيح حالكات الغياهب، وصوت يوقظ النائمين من سبات التنصل عن المسؤولية، ومشروع ينتشل الأُمَّــة من مستنقع الجمود والصمت، وتتبخر عنده كُـلّ مشاريع الأعداء، مشروع يكون قائده هو الغالب، يرتكز على كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليحمل هذا المشروع وارث للكتاب والآيات من آل بيت النبوة الأطهار.
فمن بين كُـلّ الظلام والخضوع والهوان تحَرّك السيد حسين بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في مرحلةٍ كانت الأشد خطورة على وجه التاريخ، ليكون رجل المرحلة الاستثنائية في عصر استثنائي، ومنعطف تاريخي رهيب.
عندما نقلب في صفحات المرحلة التي تحَرّك فيها الشهيد القائد، كانت مرحلة تستدعي التحَرّك، تستدعي أن يكون للأُمَّـة موقف ومشروع تتبناه، مشروع نهضوي يحدّد للأُمَّـة من هو عدوها الحقيقي، ويكشف أقنعة أمريكا وعناوينها الزائفة من حرية وديمقراطية، التي ظلت تتشدق بها طيلت السنوات الماضية، فكان المشروع القرآني الذي تحَرّك به الشهيد القائد -مشروع بحجم المرحلة الخطرة تلك- كفيلًا بأن يزيح الظلام الذي كان قد خيم، ويصنع الأمل في عيون المستضعفين، ويفتح الآفاق أمام هذا الشعب اليمني العظيم، ليكون الشعب الرائد بين شعوب العالم، شعب يدرك مسؤوليته، وينصر قضاياه وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
تحَرّك الشهيد القائد ليذكر الأُمَّــة بمسؤوليتها ودورها التي لطالما تنصلت عنه، تحَرّك لينصر المستضعفين في أفغانستان والعراق وفلسطين، تحَرّك ليقدّم الحل في زمن قدم حكام أمتنا أعناق هذه الأُمَّــة لتُذبح فداءً لعروشهم، تحَرّك حينما سكت الأحبار والرهبان وكهنة هذه الأُمَّــة من علماء الجور والسلاطين، تحَرّك ليزيح دجل السامري الذي عبّد هذه الأُمَّــة للشيطان الأكبر، تحَرّك ليقدّم الحل في زمن اللا حَـلّ، والموقف في زمن اللا موقف، تحَرّك بنور القرآن والفرقان، تحَرّك وهو يحمل راية أجداده الأطهار، تحَرّك وهو يحمل شعاراً من وحي آية ﴿وَأَعِدُّوا﴾ وموتًا من نص آية ﴿قُلْ مُوتُوا﴾ ولعنة من قوله: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا﴾، تحَرّك ناصرًا للدّين وللإسلام في زمن لم يعد من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.
حينها تحَرّك النظام العميل آنذاك بكل إمْكَانيته لإسكات ذلك الصوت الحُسيني، تحَرّكت كُـلّ جحافل الطغاة والمجرمين لإخماد ذلك النور القرآني المنبثق من وحي القرآن، تحَرّكوا مستأسدين على ابن بلدهم الذي دعاهم إلى العزة، ليخرجهم من واقع الذل والارتهان، لكنهم أصروا أن يتحَرّكوا وفق الاستراتيجية الغربية لتكميم الأفواه، وتكبيل الأُمَّــة عن أي موقف تجاه الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، تحَرّكوا بإشراف أمريكي مباشر للتّصدي لهذا المشروع القرآني العظيم، وشنوا حربًا شعواء بحجج واهية ودعايات داحضة استرضاء لأسيادهم من الأمريكان في البيت الأبيض.
استمرت الحرب قرابة الشهرين ليرتقي شهيد القرآن إلى ربه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ليلحق في ركاب آبائه الطاهرين، تاركًا لنا إرثًا عظيمًا من الثقافة القرآنية، والهدى الرباني، ليتجلى قول الله ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ فقد كانت النتائج عكسية، خيّبت ظنون المعتدين، وكان النصر حليف القلة من المستضعفين رغم قلة العدة والعتاد.
لقد ظنوا بقتلهم للشهيد القائد أنهم سيقضون على المسيرة القرآنية على المشروع العظيم، لكنهم أضرموا نارًا كانت تزداد استعارًا لكي تجرفهم إلى أبد الآبدين؛ فها هو سيدي ومولا السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خير خلفٍ للشهيد القائد، يكمل المسير والمشروع الذي بدأهُ أخوه، حتى تحقيق النصر المؤزر بزوال “إسرائيل” من الوجود.
لقد أثبتت الأحداث والأيّام أن المعادلات الإلهية لا تخضع لأي قانون، فالله هو من غيّر الموازين لصالح المستضعفين، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ صدق الله العظيم.
فكم حاصروا الشهيد القائد في جرف سلمان فانجرفوا، وحاصرهم اليوم في البحر الأحمر فاحترقوا، لنُدرك جميعاً أن إرادَة الله فوق كُـلّ إرادَة، والعاقبة للمتقين.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشهید القائد فی زمن
إقرأ أيضاً:
الأمين الذي فدى الأمة ..إنا على العهد
“اقتلونا تحت كل حجر ومدر، وفي كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد، نحن شيعة علي بن أبي طالب لن نتخلى عن فلسطين” بهذه العبارة؛ من بين الركام خرج جثمانه، ومن بين ملايين المحبين شُيّع جسده، ومن بين أصوات الملبيين هُتف باسمه “إنا على العهد”. لن تبكيه لبنان وحدها ولا محور المقاومة فقط بل سيبكيه جميع أحرار العالم الإسلامي والعربي، فقد كان السد المنيع، وحجر عثرة أمام مخططات العدو الإسرائيلي والأمريكي التي تحاك ضد هذه الأمة ومقاومتها. نصر الله شهيدنا الأقدس ذاك الأمين للأمة من وقف وحده حيث سقط المدّعون، ونطق بالحق يوم ابتلعت الألسن مهانة الذل، وأعلن العِداء لأعداء الله ودينه حيث سارع المطبعون، وأشهر سيف المقاومة حين اختفى صوت الجهاد من على منابر الحق بـ حيّ على خير العمل، ورفع راية شرف الأمة وعزتها وكرامتها يوم سقطت المواقف، مد يد الدفاع والهجوم عن مستضعفيّ الأمة يوم تكالبت بقية الأمم عليها، أُثخنت جروحه وابيضت لحيته، وقل ناصروه، وزاد أعداؤه وبقي هو وماتوا هم. غادر جسده، وبقي حبه وذكره في قلوب الأحرار نبضاً لا يغادرهم، وفي دماء الثوار غضباً لا يبرد، وفي أرواح المجاهدين ثبات لا يهدأ، وفي أعين العاشقين والمحبين دمعة شوق وحب لا تتوقف ولا تمحى، غادر بجسده، ولكن بقي دوي صداه رعباً وخوفاً في نفوس أعدائه أمد الدهر والسنين، بقي وسيبقى ذاك الشخص المهدد المرعب الذي يزلزل أركان العدو الإسرائيلي حتى بعد ما قتلوه، بقي السيف الشاهر المصلت في وجه الكفر والظلم، وسبابة حق ترفع وترعد أمام وجه الباطل، بقي وسيبقى عهداً وفياً صادقاً لا يزول. أشرق بنوره في ظلمات التيه، فزَكت نفوس الولاء وتبنت مواقف الحق والشجاعة تابعة له، بثلة من المؤمنين المجاهدين تحت راية حزبه، مصدقة له، محبة وفية مخلصة لدربه وعهده وطريقه، مستمرون في ما عاهدوه عليه، مقسمين بأن حياته ثورة لا تهدأ، ورحيله نار لا تنطفئ، وفي كل نبضة منه قيامة لا تبقي ولا تذر، وفي كل غياب ولادة جديدة للمقـاومة. ومن بين زحام الحشد والتشييع، نسطر لك يا حبيب قلوب اليمنيين وأمينهم أوفى آيات الوفاء، وأصدق مواقف الحق والنصرة، وأسمى مواثيق العهد والمضي على نهجك وطريقك، طالما كنت لهم السند الذي لم يتخل، والموقف الذي لم يساوم، وصوتاً صادعاً بالحق لم يخفت، اسمك نُقِش في ذاكرة كل يمني حر محب ومناصر لك بحروف الوفاء لك ولتضحياتك، وحبك غُرِس في قلوب عشاقك منذ المهد، واستشهادك شرارة غضب تُشعل معاقر قاتليك موتاً وثأراً، وستبقى حرارة فراقك جرحاً مُلتهباً في أكباد ناصريك. ستبقى مواقفك شاهدة على معنى الرجولة في زمن الخذلان، ومعنى الإيمان في زمن النفاق، فالسلام عليك، السلام على سادة شهداء الإسلام وصدق عز من قال: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَـمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}*
#اتحاد_كاتبات_اليمن