إعلان مشترك حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر وكينيا
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
أصدرت رئاسة الجمهورية، إعلانا مشتركا حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر وكينيا، تتضمن التعاون على الصعيد متعدد الأطراف.
وأكدت الدولتان ضرورة الحفاظ على أجندة دول الجنوب العالمي، وجاء البيان كالآتي:
بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، قام الرئيس ويليام ساموي روتو، رئيس جمهورية كينيا، بزيارة دولة إلى القاهرة خلال الفترة من 29 إلى 31 يناير 2025، حيث عقد رئيسا الدولتين محادثات ثنائية.
واتفقت جمهورية مصر العربية وجمهورية كينيا على الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية وشاملة، ترتكز على القيم المشتركة والاحترام المتبادل. وإدراكًا للروابط التاريخية التي جمعت بينهما عبر الجغرافيا والثقافة والسياسة والعلاقات بين الشعبين، أكدت الدولتان التزامهما بتعميق الاستقرار والسلام والازدهار المشترك.
لتعزيز العلاقات بشكل ملموس، وقع البلدان اثنتي عشرة (12) اتفاقية تعاون في مجالات: المشاورات السياسية، والتدريب الدبلوماسي، وتيسير الاستثمار، والتعاون في الموانئ، والشباب، والفضاء، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات،والتعليم العالي، والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، والإسكان والتنمية الحضرية. وأكد الطرفان التزامهما بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والوثيقة التأسيسية للاتحاد الأفريقي. وعليه، اتفقت مصر وكينيا على صياغة وتوقيع وثيقة شراكة استراتيجية شاملة تحدد مجالاتالتعاون، وهي: العلاقات السياسية، التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، قضايا المياه، التعاون الإقليمي، التعاون متعدد الأطراف، التغير المناخي، التعاون الثقافي والتعليمي، والتعاون في بناء القدرات. وسيؤدي تنفيذ هذه المجالات إلى تحقيق أقصى إمكانات العلاقات بين مصر وكينيا.
فيما يتعلق بالعلاقات السياسية
تقر مصر وكينيا بالتحديات المتزايدة التي تواجه القارة الإفريقية في ظل نظام عالمي سريع التغير يتميز بتزايد الاستقطاب والمنافسة بين القوى الكبرى، فضلاً عن الفرص التي تتمتع بها القارة بفضل ثرواتها الطبيعية، وشباب سكانها، ومؤشراتها التنموية الواعدة.
وفي هذا السياق، اتفقت مصر وكينيا على تكثيف التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وأكدتا على ضرورة مضاعفة الجهود لتعزيز دور وأداء الاتحاد الإفريقي بهدف زيادة قدرته على مواجهة التحديات التي تواجه القارة، ودفع التعاون والتكامل في إفريقيا. وفي هذا الإطار، جدد البلدان التزامهما الثابت بالعمل المشترك، ومع الدول الأعضاء ذات الرؤى المتشابهة في الاتحاد الإفريقي، من أجل تعزيز إصلاح المنظمة.
كما اتفق الطرفان على عقد مشاورات منتظمة على المستوى المناسب لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك وفقًا لهذا الإعلان المشترك، وعلى تقييم حالة تنفيذ الشراكة الإستراتيجية بشكل دوري.
فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماريتدرك مصر وكينيا الفرص الكبيرةلتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الثنائية. واتفق الجانبان على بذل جهود إضافية على مستوى الحكومتين، وتشجيع دور أكبر ومساهمة قيادية من القطاع الخاص لزيادة حجم التجارة، وتنويع مجالات التعاون، واستكشاف فرص استثمارية جديدة في قطاعات الزراعة، والري وإدارة المياه، والطاقة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية الحيوية، باعتبارها قطاعات رئيسية محفزة لخلق فرص العمل، والحد من الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة.
في هذا السياق، تدرك الدولتان أيضًا الحاجة إلى معالجة الحواجز التجارية والاستثمارية التي تعرقل الجهود المبذولة لتعزيز التكامل الاقتصادي الأكبر في إفريقيا. ولتحقيق هذه الغاية، اتفقتا على تكثيف الجهود لضمان التنفيذ السريع والكامل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
اتفق الطرفان على إنشاء مجلس أعمال مصري - كيني، بهدف تعزيز الروابط الثنائية والتعامل مع الفرص التجارية والاستثمارية الجديدة ضمن القطاعات ذات الاهتمام المشترك، على أن يعقد مجلس الأعمال في موعد أقصاه نهاية عام 2025.
فيما يتعلق بالتعاون في الأمن ومكافحة الإرهاب
تؤكد كل من مصر وكينيا أن التعاون الأمني يمثل ركيزة أساسية في شراكتهما الاستراتيجية. ويعترف البلدان بأنهما قد قطعا خطوات كبيرة لتعزيز مستوى التعاون الأمني بما يعكس التزامهما بدعم السلام والاستقرار في مناطقهما الإقليمية.
يؤكد البلدان بشكل خاص على ضرورة التصدي للتهديد الذي يشكله الإرهاب والتطرف. وفي هذا السياق، اتفقا على تبادل ومشاركة الخبرات في المناهج الشاملة، بما في ذلك الأبعاد العسكرية، والأمنية، والفكرية، والبيئية، والتنموية. كما اتفقا على استكشاف سبل توسيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بهدف تعزيز الجهود الإقليمية في هذا المجال.
يلتزم الجانبان بشكل أكبر بالعمل معًا لدعم معالجة النزاعات في إفريقيا من خلال تعزيز نهج شامل لمعالجة جذور هذه النزاعات عبر المبادرات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى بناء واستدامة السلام والتنمية.
فيما يتعلق بقضايا المياه
استنادًا إلى الرؤية المشتركة للإدارة المستدامة للموارد المائية ومعالجة التحديات التي تفرضها إدارة المياه في ظل زيادة السكان، وتزايد الطلب على المياه، وتغير المناخ، اتفقت مصر وكينيا على التعاون الثنائي والإقليمي في مجالات التعاون في قطاع المياه. وقد قرر البلدان العمل معًا من أجل تلبية الاحتياجات البشرية الحيوية في مجال المياه وضمان توفير مياه مستدامة للحياة، والزراعة، وإنتاج الغذاء، وخدمات النظام البيئي.
في هذا السياق، اتفق الطرفان على التشاور بانتظام بشأن قضايا مياه النيل لتعزيز وتعميق التوافق من أجل المنفعة المشتركة والتعاون في حوض النيل، وذلك وفقًا للقانون الدولي وأفضل الممارسات، لضمان تحقيق جميع دول حوض النيل للأمن مائي، والاستدامة البيئية، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع احترام مبدأ "عدم التسبب في ضرر".
فيما يتعلق بالتعاون الإقليمي
أعربت الدولتان عن ضرورة مواصلة تعزيز القيم الأساسية للاتحاد الإفريقي، التي تستند إلى مبادئ الوحدة الإفريقية. كما أكدتا الحاجة الماسة للحفاظ على التركيز على الأهداف الواردة في أجندة2063، من أجل تحقيق "إفريقيا التي نريدها"، من خلال دفع أجندة إفريقيا قدمًا. وأكدتا على ضرورة تعزيز هياكل الإدارة والحوكمة في مفوضية الاتحاد الإفريقي لجعلها أكثر مرونة وفعالية في مواجهة التحديات التي تواجه قارتنا.
فيما يتعلق بالتعاون متعدد الأطراف
على الصعيد متعدد الأطراف، أكدّت الدولتان على ضرورة الحفاظ على أجندة دول الجنوب العالمي. واتفقا على الحاجة لإجراء إصلاحات في الأمم المتحدة والمنظمات متعددة الأطراف الأخرى لجعلها أكثر تمثيلًا، ومساءلة، وفعالية، وقدرة على الاستجابة للواقع الجيوسياسي، والتهديدات، والتحديات، والفرص في عصرنا الحالي. وأكدتا التزامهما بالموقف الأفريقي المشترك بشأن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما هو منصوص عليه في إجماع إيزوليني وإعلان سرت.
فيما يتعلق التغير المناخي
أشار البلدان إلى أن التغير المناخي هو مشكلة عالمية تتطلب حلولًا عالمية، إلا أن أفريقيا هي الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة. وفي هذا السياق، يقر البلدان بالحاجة الملحة إلى تكثيف الجهود المنسقة لمواجهة التحديات التي تطرحها هذه الأزمة، خاصة في مجالات الزراعة والأمن الغذائي. كما أن النظام البيئي الحالي للتمويل المناخي يتطلب إصلاحًا هيكليًا وتحوليًا. يجب أن يصبح هذا النظام أكثر استجابة وعدالة وابتكارًا لمعالجة التحديات الملحة بفعالية، لا سيما العبء الثقيل لخدمة الديون الذي تتحمله البلدان النامية.
فيما يتعلق بالتعاون الثقافي والتعليميأكدت مصر وكينيا على التبادل الثقافي الطويل الأمد بينهما الذي جمع شعبيهما عبر التاريخ. كما أقرتا بأن التعليم والبحث العلمي يمثلان عاملين حاسمين لشراكتهما المتنامية. وفي هذا السياق، جدد البلدان التزامهما بمواصلة إحياء وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجالات تطوير الفنون، والفعاليات الثقافية، والحفاظ على التراث. كما تعهد البلدان بمواصلة استكشاف فرص التعاون في التعليم العالي، بما في ذلك من خلال المنح الدراسية، وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية، وتطوير المناهج الدراسية.
فيما يتعلق بالتعاون في مجال بناء القدراتتقر مصر وكينيا بأهمية بناء قدراتهما البشرية والمؤسسية من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المستدامة. وفي هذا الصدد، تعهدتا بتعزيز وصول كينيا إلى البرامج التي تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، ومركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام.
الخاتمة
تؤكد جمهورية مصر العربية وجمهورية كينيا التزامهما الثابت بهذهالشراكة الاستراتيجية والشاملة، التي ستشكل حجر الزاوية لتعاون أعمق وازدهار متبادل، وتفتح فصلاً جديدًا من العلاقات الثنائي
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رئاسة الجمهورية التعاون مصر وكينيا الشراكة الاستراتيجية والشاملة متعدد الأطراف المزيد مصر وکینیا على وفی هذا السیاق التحدیات التی متعدد الأطراف فی هذا السیاق التعاون فی فی مجالات کینیا على على ضرورة فی مجال من أجل
إقرأ أيضاً:
قرن من الزمان وغياب القرار والإختيار فيما يتعلق بالنظام السياسي في السودان
قرن كامل من الزمان قد مر على نشر أفكار ماكس فيبر و فكرته عن مفهوم تفسير ديناميكية المجتمع الحديث و ترسيخ فكرة الدولة الحديثة و هو عندما يتحدث عن الدولة الحديثة يتخطى الدولة الشمولية في إنتقاده للشيوعية و يتخطى الملكيات التقليدية و يؤسس لمجتمع في إطار الدولة الحديثة و يعني بها مفهوم الدولة في الفكر الليبرالي حيث تصبح مفاهيم الفكر الليبرالي ليست نظم حكم فحسب بل أن الليبرالية قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
و نقول مثل هذا القول و نكرره لأن أكبر مفكري السودان ما زالوا في إلتباس مقيم و يظنون أن الدولة يمكن أن تكون شمولية كما يظن الشموليين من كل شاكلة و لون في السودان أو تكون دولة عسكرية يقودها جيش كما يظن المتحمسون في دفاعهم عن حرب الجيش الكيزاني مع صنيعته الدعم السريع و هذا كله بسبب ضعف الفكر و غياب مناهجه في السودان.
و حيرة النخب السودانية و عجزها عن إتخاذ قرارها و إختيارها فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي يفسر ظاهرة المجتمع البشري أي عجزها عن إختيار النظام الليبرالي سببه كامن في صميم الثقافة التقليدية العربية الإسلامية التي تهيمن على أفق النخب السودانية وللأسف هي مجرورة وراء قاطرة الفكر و كساده في العالم العربي و الإسلامي التقليدي و قد إنتبه لها كثر من مفكري العرب و علماء الإجتماع في العالم العربي و قدموا فكر ممتاز يصلح لكسر الطوق للفكر التقليدي و الشب عنه.
و نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي في نقده الحضاري لحالة المجتمع العربي و هو أسير الأبوية المستحدثة وهي تحاول الترقيع في فكر يتحدث عن الحداثة و الأصالة و غيرها من تهويمات التلفيق و التوفيق الكاذب و قد ظهرت في السودان في أتباع المرشد الكيزاني و الامام الانصاري و أتباع الختم و حتى في أفكار أتباع النسخة المتكلسة من الشيوعية السودانية في علمانية محابية للأديان كنتاج لحوار حول الدولة المدنية و كلها أفكار رازحة تحت ثقل الأبوية المستحدثة التي تحدث عنها هشام شرابي و هي تكشف لثام النخب السودانية و تجعلهم يصتفون في صفوف أزمة المثقفون العرب و الغرب كما تحدث عنها هشام شرابي في أزمة المثقف العربي و عجزه الدائم عن مواجهة التحدي و التغلب عليه.
هشام شرابي عندما يتحدث عن الأبوية المستحدثة و هي قبول النخب العربية بوجه من وجوه الحداثة إلا أنهم يريدونه وفقا لعقل الحيرة و الإستحالة نتاج سطوة سلطة الأب و ميراث التسلط و أكبر حاضنة لها هو الفكر الديني التقليدي و بايمانه التقليدي و بايمانه التقديسي و التبجيلي و هذا هو مكمن الضعف و كعب أخيل النخب السودانية و هي أسيرة الفكر الديني و لهذا ضاعت فرصة القرار و الإختيار لنظام حكم ليبرالي يصبح بديلا للفكر الديني و هذا هو سبب فشل النخب و إفشالهم لثورة ديسمبر و شعارها الجبار حرية سلام و عدالة.
مع هشام شرابي يمكننا أن نذكر أيضا عالم الإجتماع التونسي الطاهر لبيب و هو يكاد يكون قد حاول معالجة ظلال الأبوية المستحدثة التي تحدث عنها هشام شرابي و لكن بفكر قدمه في محاولته لإعادة إكتشاف أفكار قرامشي و المضحك أن الطاهر لبيب وصل لما وصل إليه هشام شرابي بأن النخب العربية وصلت لطريق مسدود حيث أصبح المثقف العضوي في العالم العربي و الإسلامي التقليدي يمثله أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب وحل الفكر الديني و كذلك يمثله أتباع الأيديولوجيات المتحجرة كأتباع نسخة الشيوعية المتحجرة وهذا قمة الإنحطاط الفكري.
و ربما يكون كل ذلك نتاج إنحطاط تمر به الشعوب العربية الإسلامية التقليدية بسبب عجزها عن إعمال القطيعة مع التراث الديني المؤدلج في وقت كان ينبغي أن يكون فيه المثقف العضوي من الطلائع الذين يحققون طموح الطبقات الصاعدة و الأجيال الصاعدة و هؤلاء لا يحقق طموحهم غير الفكر الليبرالي و عليه في عصرنا الراهن لا يكون المثقف العضوي غير المفكر الليبرالي الذي يؤمن ببناء مجتمع وفقا لقدرات عقلنا البشري في فراقه للفكر اللاهوتي و فراقه لكل فكر ميتافيزيقي.
و بالتالي لا يكون المثقف العضوي إلا من ضمن من يؤسسون لمجتمع حديث بفكر ليبرالي يكون فيه الفكر الليبرالي بديلا للفكر للدين أي بإختصار في مجتمعنا الحديث أن المثقف العضوي هو من يخطط لتحقيق مجتمع ليبرالي ينتصر للفرد و العقل و الحرية و يخرج أفراد المجتمع من سطوة الأبوية المستحدثة نتاج الفكر الديني التقليدي و سطوة أتباعه و لا يهمهم غير شهوة السلطة و سطوة الإستبداد كما يفعل الكيزان في السودان من قبل ما يزيد على الثلاثة عقود و عليه يصبح دور المثقف العضوي في كفاحه ضد أتباع وحل الفكر الديني بأن يكون ليبرالي الفكر منتصر للحياة و في مواجهة دائمة و بوعي متقد ضد الكيزان العدميين أعداء الإشراق و الوضوح و أذيالهم.
للتوضيح مسألة القرار و الإختيار للفكر الليبرالي هو العمود الفقري لفكر ريموند أرون في مطلع الثلاثينيات من القرن المنصرم حيث كانت أوروبا تعيش في أزمة العلوم الأوروبية و ريموند أرون كان في إختلاف فكري كبير مع أساتذته في فرنسا و أغلبهم كانوا تحت تأثير فكر الوضعية المنطقية لأوجست كونت و ماركس في وثوقياتها و حتمياتها و يقينياتها بعكس فكر علماء الإجتماع الألمان الذين قد تأثر بفكرهم ريموند أرون و قد وصل لفكرة النقد المعرفي و قد تخلص من أثر فلسفة التاريخ التقليدية منذ أيام سيطرة الفكر الارسطوإفلاطوني مرور بالفكر المسيحي و آخره في الفلسفة المثالية الالمانية و قد بلغت منتهاها في كل من الماركسية و الهيغلية.
و عليه تصبح فلسفة التاريخ الحديثة متخطية لفكرة اليد الخفية و الفكر المطلق و أن الفكر الميتافيزيقي لم يعد أفقا فلسفيا يتيح للفلسفة أن تقدم عبره مشاريعها الفلسفية و بالتالي تصبح أفكار النيوكانطية أفق الفكر الفلسفي الجديد و يصبح إختيار الديمقراطية الليبرالية متاحا و ممكن و رفض النظم الشمولية من نازية و فاشية و شيوعية واجب أخلاقي به يصبح فكر النظم الشمولية فكر عابر و مؤقت في زمن الشرط الإنساني حيث يستطيع الإنسان إعادة خلق المجتمع البشري وفقا لقدرات عقلنا البشري و بعيدا عن اللاهوت و الميتافيزيقيا.
لذلك نجد ريموند أرون قد فضل و إستحسن فكر ماكس فيبر و دلتاى و جورج زيمل و إدموند هوسرل على فكر دور كهايم و فكر أوجست كونت و فكر ماركس و بسبب فكر ريموند أرون الذي أتى به من الفلاسفة الألمان و علماء إجتماعهم إنعتقت فرنسا من فكر فلسفة التاريخ التقليدية و هذا ما ينتظر ساحة فكرنا السوداني لكي تلحق بمواكب البشرية و خاصة أوروبا و قد أصبحت تمثل مختصر تاريخ البشرية في زمن قد أصبح و لأول مرة أن تاريخ البشرية تاريخ واحد في ظل قيام الثورة الصناعية.
و هذا ما فطن إليه نهرو في الهند و نجده قد فعل فيما يتعلق بالفكر نفس خطوات ريموند أرون في فرنسا فيما يتعلق بالقرار و الإختيار و قد أختار الفكر الديمقراطي و رفض نهرو الشيوعية كنظام شمولي بغيض و أختار للهند أن تكون هند ديمقراطية علمانية تقنية و عندما سئل لماذا رفض الشيوعية للهند؟ رد نهرو على سائليه أنه قد قراء رأس المال لماركس حيث يزعم عباقرة الرجال بأنهم قد قراؤه و في حقيقة الأمر لم يقرؤه أما هو فقد قراءه و لم يجد فيه ما يجعله أن يكون ماركسيا.
رد نهرو على سائليه يكاد يكون قد قال نفس كلام ريموند أرون عن كتاب رأس المال لماركس حيث قال أنه قراءه خلال ثلاثة عقود و لم يجد فيه ما يجعله أن يكون ماركسيا و لهذا وصف ريموند أرون في فرنسا بأنه المثقف غير المنخدع بماركسية ماركس و عليه إن إختيار نهرو للديمقراطية و العلمانية و التقنية للهند و رفضه للشيوعية يجعله مثقف عضوي لأنه قد حقق طموح الطبقات الصاعدة في الهند من خلال فكر ليبرالي يؤمن بقيم الجمهورية و أقنع به المهاتما غاندي الذي كان يحلم بعودة الهند التقليدية.
في ختام هذا المقال يجب العودة لفكرة القرار و الإختيار للنظام السياسي في فكر ريموند أرون و هو بالمناسبة مؤرخ غير تقليدي و إقتصادي و فيلسوف و عالم إجتماع فرنسي ساعدته معرفته بالنظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي بأن يلاحظ كيف تكون لحظات إنقلاب الزمان و كيف إنتهت فيها فلسفة التاريخ التقليدية و كيف بداءت بعدها فلسفة التاريخ الحديثة منتصرة للفكر الليبرالي في تأسيسه لفكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد.
و عليه كان ريموند أرون مدركا لنهاية الليبرالية التقليدية و مدرك لبداية الليبرالية الحديثة لذلك لم ينخدع بأفكار الوضعية لأوجست كونت عندما أسسها على فكرة مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و لم ينخدع بأفكار ماركس و قد حاول دراسة المجتمع عبر نمط الإنتاج الرأسمالي أما فكره أي فكر ريموند أرون الذي إعتمد عليه في مسألة القرار و الإختيار فيقوم على فكرة المجتمع و الديمقراطية في فكر توكفيل و هذا ما جعله يأتي بأفكار توكفيل عن الديمقراطية الليبرالية من قلب النسيان و يحارب بها أفكار كل من ماركس و أفكار أوجست كونت كحتميات و وثوقيات و يقينيات.
أما فضاء فكره و فيض علومه فقد جعل لها فضاء تلتقي فيه الديمقراطية و الفلسفة و علم الإجتماع لكي يخرج منها بفكرة الشرط الإنساني و لا تمثله غير الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية لتجسيد فكرة العيش المشترك وفقا لمعادلة الحرية و العدالة في تجسيدها لفكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و لا تكون بغير العلاقة المباشرة بين الفرد و الدولة في مفهوم الدولة الحديثة التي لا تحقق إلا عبر الفكر الليبرالي.
و عليه نقول للنخب السودانية أن مسألة القرار و الإختيار للنظام السياسي مهمة و قد وضحناها في كيف أختار نهرو الديمقراطية و العلمانية و التقنية للهند و قد أصبحت الهند اليوم من أكبر الديمقراطيات و عليه نقول لكم أن شعار ثورة ديسمبر المجيدة حرية سلام و عدالة لا يمكن تحقيقه بغير إتخاذ قرار يختار الديمقراطية الليبرالية للسودان و العلمانية كما أختار نهرو للهند الديمقراطية و العلمانية و التقنية و العلوم الحديثة.
taheromer86@yahoo.com