في خلال شهرين، دفنت منى إبراهيم اثنين من أولادها قضيا جوعاً في مخيّم للاجئين في السودان الذي تنهشه حرب أهلية منذ نحو سنتين بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وشهدت هذه الأمّ البالغة 40 عاماً، التي لا حول لها، كيف انطفأت ابنتها رانيا في ربيعها العاشر قبل أن يموت منتصر في شهره الثامن في مخيّم زمزم، حسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».



وهي باتت تخشى على حياة ابنتها رشيدة (4 سنوات) التي تعاني من فقر حادّ في الدمّ بلا أيّ رعاية طبّية.

وتتحسّر في تسجيل مصوّر أرسلته عبر «واتسابـ» لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أمام مأوى بلا سقف قرب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تحاصرها «قوّات الدعم السريع» منذ مايو (أيار): «أنا خائفة جداً أن تضيع منّي. نحن متروكون».

وتؤكّد: «ليس هناك طعام ولا دواء ولا أي شيء».

وتروي منى كيف فقدت اثنين من أولادها وهي عاجزة عن مساعدتهما: «ما كان لي سوى أن أضمّهما وهما يحتضران».

وكانت رانيا أوّل من لقي حتفه في المستشفى الوحيد في الفاشر الذي ما زال قيد الخدمة لكنّه يعاني نقصاً شديداً في الطواقم والمعدّات الطبية، في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد ثلاثة أيّام من إدخالها بسبب إسهال حادّ. وبعد بضعة أسابيع، لحقها منتصر بعدما انتفخ جسده الصغير بسبب سوء تغذية حادّ.

«هذا كلّ ما لدينا»
أُعلنت حالة المجاعة في مخيّم زمزم الشاسع الذي أنشئ سنة 2004، ويضمّ ما بين 500 ألف ومليون شخص، بالاستناد إلى نظام تصنيف مدعوم من منظمات الأمم المتحدة. وانتشرت في مخيّمين آخرين، وفي بعض أنحاء جبال النوبة في جنوب البلد.

وأنكرت الحكومة الموالية للجيش حدوث مجاعة في البلد، في حين يعاني ملايين الأشخاص نقصاً في التغذية.

في «سلام 56»، إحدى الوحدات الـ48 المكتظّة باللاجئين التي تشكّل مخيّم زمزم، تهزّ أمّهات أطفالهن الذين يعجزون عن المشي من شدّة الإنهاك. وتتشارك عائلات بقايا طبق فول لا طعم له.

وتقرّ راوية علي (35 عاماً)، وهي أمّ لخمسة أطفال: «هذا كلّ ما لدينا». وإلى جانبها دلو فيه ماء عكر من خزّان لمياه الأمطار على بعد ثلاثة كيلومترات، «تشرب منه الحيوانات ونحن أيضاً».

وتعيش في «سلام 56» أكثر من 700 أسرة نزحت من جرّاء الحرب الطاحنة التي تدور منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوّات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ«حميدتي».

ويقول المنسّق المشرف على الوحدة آدم محمود عبد الله، إنه لم يتلقّ سوى أربع شحنات من المساعدات الغذائية منذ اندلاع الحرب، تعود آخرها إلى سبتمبر (أيلول) مع نحو عشرة أطنان من الدقيق، و«مذاك، لم يصلنا شيء».

ويعكس البؤس الذي حلّ بزمزم ضراوة هذه الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف، وهجّرت أكثر من 12 مليون شخص وتسبّبت بـ«أكبر أزمة إنسانية تسجّل على الإطلاق»، بحسب «لجنة الإغاثة الدولية» (آي آر سي).

«قرارات تدمي القلوب»
وعلى مسافة نحو 700 كيلومتر من جنوب شرقي مخيّم زمزم، ليس الوضع أفضل حالاً.

وأمام أحد آخر المطابخ الجماعية قيد العمل في مدينة ديلينغ في جنوب كردفان، تمتدّ طوابير الانتظار إلى ما لا نهاية له، بحسب ما تخبر نازك كابالو التي تدير مجموعة للدفاع عن حقوق النساء.

وفي الصور التي تشاركتها مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، نساء ورجال وأطفال هزلى منتفخو البطون، عظامهم ناتئة، يصعب عليهم الوقوف من شدّة الإنهاك.

وبعد أيام من دون أي لقمة تسدّ الرمق، «ينهار البعض منهم... في حين يتقيّأ البعض الآخر عندما يحصل على بعض الطعام»، بحسب كابالو.

وفي كردفان الجنوب التي كانت فيما مضى منطقة زراعية غنيّة، يقتات بعض المزارعين بذوراً كان يفترض بهم زرعها، أو يغلون أوراق نبات.

وتؤكّد كابالو: «بتنا نلحظ الجوع في مناطق لم تشهد سابقاً مجاعة».

وقد حلّ الجوع بهذا البلد الزاخر بالموارد الطبيعية، حتّى على بعد مئات الكيلومترات من المناطق التي ضربتها المجاعة.

وفي القضارف، على بعد 400 كيلومتر من جنوب شرقي الخرطوم، حيث يعيش أكثر من مليون نازح، تصل عائلات فارة من المعارك الضارية يائسة ومتضوّرة.

وتخبر ماري لوبول، مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة «أنقذوا الأطفال» غير الحكومية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنها رأت «أطفالاً شديدي الضعف، تسيل أنوفهم، ويعانون التهاباً في ملتحمة العين. ويتّخذ الأهل قرارات تدمي القلوب ليحدّدوا أيّاً من أطفالهم تحتّم عليه الموت».

تداعيات طويلة الأمد
في جنوب العاصمة الخرطوم، أخبر عمّال في برنامج الأغذية العالمي أنهم رأوا أشخاصاً «هم جلد على عظم»، يقتاتون عدساً وحبوباً مغلية، بحسب ما نقلت ليني كينزلي، المسؤولة عن التواصل في البرنامج، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتؤكد المنظمات المعنية بالمساعدات الإنسانية أن الحرب تجعل عملها شبه مستحيل.

وتكشف لوبول: «لا يمكننا بكلّ بساطة أن نحمّل الإعاشات في شاحنة وننقلها إلى المناطق المتأثّرة بالمجاعة. فحواجز العبور وقرارات الرفض وعمليات النهب من جماعات مسلّحة تحرم من هذه المساعدات مَنْ هم في أشدّ الحاجة إليها».

ومن دون تحرّك سريع، قد تعيث المجاعة خراباً في البلد، بحسب منظمات غير حكومية.

وتحذّر لوبول من أن «أشخاصاً يموتون راهناً لكنّ التداعيات الطويلة المدى ستلاحق السودان على مدى أجيال».

ومع حلول الليل في مخيّم زمزم، تتمدّد ابنة منى إبراهيم على الفراش بلا طاقة ومقطوعة النفس. وتقول والدتها: «لا أعلم إلى أي حد يمكننا أن نصبر».

الخرطوم: «الشرق الأوسط»  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لـ وکالة الصحافة الفرنسیة فی مخی م

إقرأ أيضاً:

عثمان ميرغني .. من يسيطر على الخارجية؟ !!!…..

اقالة وزير الخارجية د. علي يوسف دون اصدار بيان أو نشر حيثيات وترك الأمر في عراء التأويلات الجزافية.. يعني أن الدولة وصلت مرحلة من الـ”لا” مبالاة بالرأي العام و حق الشعب في أن يدرك كيف يدار أمره العام.. إلى أدنى ما هو متصور..

وزارة الخارجية ليست كأية وزارة أخرى.. فهي وجه الدبلوماسية السودانية التي يواجه بها العالم.. و عندما يطاح بوزيرها بكل يقين تسري أسئلة كثيفة في سماء السياسة الخارجية تبحث عن تفسير ليس للقرار في حد ذاته.. بل ولمتغيرات في توجهات الدولة الخارجية قد تتطلب من الآخرين أن يعيدوا حساباتهم وفقها.

 

 

وعندما يصدر قرار موفور الحيثيات فهو ليس مجرد للاستهلاك الداخلي بل لتثبيت الصورة الذهنية للدولة في الخارج مما يعزز قدرة الدبلوماسية على الاختراق و دعم السياسة الخارجية السودانية.
والملفت للنظر أن الأمر تكرر كثيرا وبالتحديد في وزارة الخارجية.. خلال فترة الوزراء على الصادق ثم حسين عوض و أخيرا علي يوسف.. بما يمنح الاحساس بأن المؤسسة الدبلوماسية السودانية ليست ركنا في بناء أو تنفيذ السياسة الخارجية ويتولى الملف الرئيس البرهان نفسه .. خاصة وأنه تعود على زيارات خارجية متعددة بلا وزير الخارجية.. و دون أن يتضح ما وراءها من أهداف.

 

 

بهذا الوضع فقد لا يكون مهما أن يشغل أي وزير منصب الخارجية مكلفا كان أم بالأصالة فهو مجرد موظف قد يؤدي في أحسن الفروض دور السكرتارية لجهات أخرى تتولى ادارة العلاقات الخارجية.
و في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان فإن غياب الدبلوماسية السودانية عن دورها الأصيل، وترك الملعب لمجلس السيادة وحده .. يضعف الدولة بصورة خطيرة لأن السودان حاليا يتعرض لموجات من العوامل والتأثيرات الخارجية التي تتطلب تموضعا و تعاملا عميقا مدروسا..

 

لا يكفي أن ينتظر السودان المؤسسات الدولية أو الدول الأخرى أن تتقدم بمبادرات او لا تتقدم.. من الضرورة أن يمارس السودان دوره المباشر في صياغة مستقبله وعلاقاته بما يخدم مصالحه اولا.. لكن منهج التعامل بردود الأفعال يجعل السودان محاصرا دائما في أضيق خيارات..
لا أعرف .. من يحاول احتكار ملف السياسة الخارجية..

صحيح أن مجلس السيادة تقاسم الاشراف على الوزارات ووقعت الخارجية في حيز الفريق أول شمس الدين الكباشي.. لكن ما معنى الاشراف؟ هل يعني صلاحيات فوق الوزير؟ ام مجرد تنسيق بين الوزارة و مجلس السيادة.. فكلمة اشراف لا تحمل مدلولات تنفيذية..
وهل الاشراف يعني السيطرة على الوزارة بما يجعل الوزير مجرد سكرتيرا لعضو السيادة المشرف على الوزارة؟ وبذلك ينتهي دور كل مؤسسات وخبراء الدبلوماسية السودانية ويختزل الامر في تقديرات جهة سيادية بكل يقين ليست مهيئة للاحاطة بكل تفاصيل السياسة الخارجية.

 

عثمان ميرغني

إعفاء وزير الخارجية علي يوسفعثمان ميرغنيمن يسيطر على وزارة الخارجية

مقالات مشابهة

  • تصاعد المعارك في الفاشر غربي السودان وعدد النازحين يتجاوز المليون
  • السلطات العسكرية في السودان تعتقل صحفية .. تعصيب عينيها وتفتيش هاتفها
  • شاهد | غزة لا طعام.. لا دواء.. لا مفر! .. كاريكاتير
  • البعثة الأممية لتقصي الحقائق في السودان تعلق على ما حدث بمعسكر زمزم
  • 127 عامًا من الصحافة الكردية… من صوت الشعب إلى أداة بيد السلطة
  • إبادة دارفور التي لم تنته مطلقا
  • الأمم المتحدة: تعهدات بإتاحة وصول إنساني كامل إلى الفاشر ومخيم زمزم وسط تفاقم الأزمة
  • السوداناوية… كديبة
  • إنتاج وفير ضائع .. المنقة طعام للحيوانات بسبب الحرب في السودان
  • عثمان ميرغني .. من يسيطر على الخارجية؟ !!!…..