كشف الاتحاد الأوروبي النقاب عن خطة طال انتظارها لتحديث النموذج الاقتصادي الأوروبي، في حين يسعى التكتل لمواكبة التقدم في كل من الصين والولايات المتحدة.

ويأتي نشر "خارطة الطريق لاستعادة التنافسية" في بداية الولاية الثانية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، لإحداث تغيير في توجه بروكسل لتكون أكثر ملاءمة للأعمال التجارية، وفقا لما ذكرته وكالة فرانس برس.

وقالت فون دير لايين، خلال مؤتمر صحفي لعرض خارطة الطريق "نحن بحاجة إلى إعادة تشغيل محرك أوروبا الابداعي" متعهدة بأن يظل الاتحاد ملتزما بتحقيق أهدافه الطموحة لخفض الكربون مع الحد من التنظيم غير الضروري للشركات أيضا.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية "أريد أن أكون في غاية الوضوح: يبقى الاتحاد الأوروبي ثابتا على مسار تحقيق أهداف الصفقة الخضراء دون أدنى شك".

وشدّدت على أنه لا مجال للتخلي عن الالتزامات البيئية "للصفقة الخضراء، ولا سيما الحياد الكربوني للاتحاد الأوروبي. "الأهداف راسخة: يجب أن نحققها بحلول العام 2050".

ولفتت إلى أنه "من الأهمية بمكان ومن الضروري تحقيق ذلك".

في مواجهة تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية وصعود الصين السريع في القطاعات الصناعية والرقمية الرئيسية، تتعرض الكتلة المكونة من 27 دولة لضغوط لتسهيل الأمور على شركاتها.

وتأمل في العودة إلى السباق من خلال تنفيذ التوصيات التي قدمها العام الماضي المسؤولان الإيطاليان السابقان إنريكو ليتا وماريو دراغي.

"صدمة التبسيط"

وكان تركيز المفوضية الأوروبية مؤخرا على تغير المناخ وأخلاقيات قطاع الأعمال، سببا في تذمر العديد من الشركات بدءا بالتنظيم المفرط الذي يؤدي إلى تفاقم تكاليف الطاقة المرتفعة وضعف الاستثمارات.

ووعد نائب رئيسة المفوضية ستيفان سيجورنيه "بصدمة تبسيطية لا تؤثر على الأهداف البيئية".

وستتم مراجعة عشرات القوانين لتخفيف العبء الإداري، ولا سيما نص رمزي حول واجب يقظة الشركات تجاه المقاولين من الباطن، وآخر حول التقارير الاجتماعية والبيئية، أو لائحة ريتش لحماية صحة الإنسان من المخاطر المرتبطة بالمواد الكيميائية.

وسيتم إنشاء فئة جديدة من الشركات متوسطة الحجم لتخفيف العبء التنظيمي لحوالي 30 ألف شركة، وفقا للنص.

ومن المقرر إنشاء نظام قانوني أوروبي، يختلف عن الولايات القضائية الوطنية للدول الـ27 الأعضاء، للسماح للشركات المبدعة بالاستفادة من مجموعة واحدة منسقة من القواعد بشأن الإفلاس وقانون العمل والضرائب.

"خفض تكاليف موارد الطاقة"

وتواجه أوروبا تكاليف طاقة أعلى بكثير من منافسيها الدوليين بعد أن أدت الحرب في أوكرانيا إلى قطع إمدادات الغاز الروسي الرخيص.

وقالت فون دير لايين، أمام حشد من نخب العالم في منتدى دافوس الأسبوع الماضي، إنه على الكتلة "مواصلة تنويع إمداداتنا من الطاقة" و"توسيع مصادر توليد الطاقة النظيفة" بما في ذلك الطاقة النووية التي كانت من المحرمات في بروكسل.

وتوصي خارطة الطريق أيضا بتسهيل اتفاقات شراء الطاقة طويلة الأجل وتعزيز الاستثمار في شبكة الطاقة لتحسين النقل والتخزين.

"دفع الصناعة الخضراء"

ومن شأن "المساعدات الموجهة والمبسطة" أن تشجع على إزالة الكربون من الصناعة، حيث يأمل سيجورنيه أن تكون الأولوية "لتخضير أكبر 100 موقع لانبعاث ثاني أكسيد الكربون" وتمثل وحدها أكثر من نصف الانبعاثات الصناعية في أوروبا.

وتنص الخطة أيضا على إنشاء علامات لتحفيز الطلب على المنتجات منخفضة الكربون - مثل الفولاذ "الأخضر" الذي تحرص عليه بروكسل لكن الطلب عليه منخفض بسبب تكاليفه الباهظة.

ومن المقرر وضع خطط محددة للقطاعات المتعثرة مثل المواد الكيميائية والصلب والسيارات.

"التساهل في عمليات الدمج"

ويرغب الاتحاد الأوروبي في أن تأخذ هيئة مراقبة المنافسة التابعة له في الاعتبار الحاجات الاستثمارية الضخمة لشركات التكنولوجيا عند تقييم عمليات الدمج.

حاليا ينصب التركيز على التأثير المحتمل على الأسعار، وهو ما يعيق إنشاء الشركات الأوروبية العملاقة.

وتدعو الخطط إلى "مبادئ توجيهية منقحة لتقييم عمليات الدمج" تعطي وزنا كافيا "للإبداع والقدرة على الصمود والمنافسة الاستثمارية في قطاعات استراتيجية معينة".

"تقليص الاعتماد على الصين"

ولتقليص الاعتماد على الصين والدول الأخرى للحصول على التربة النادرة والمواد الخام، يريد سيجورنيه أن يتم استخراج المزيد منها في أوروبا.

وقال المفوض إنه تلقى 170 مشروعا لاستثمار التعدين أو بحثيا - والتي غالبا ما تواجه معارضة محلية بسبب آثارها البيئية - وتعهد "بتسهيل" إصدار التصاريح.

ويخطط أيضا لإنشاء منصة "للشراء المشترك" للمواد الخام الحيوية وتطوير شراكات دولية لتعزيز خطوط الإمداد للتكنولوجيا الخضراء مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والرقائق والمكونات الصيدلانية.

كما تم ذكر "التفضيل الأوروبي في المشتريات العامة" لقطاعات والتكنولوجيا الحيوية.

"بناء اتحاد الادخار"

بعد أكثر من ثلاثة عقود على إنشائها، لا تزال السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي مشتتة في ما يتعلق بقطاعات مثل الاتصالات والطاقة والدفاع، حيث تعيق القواعد الوطنية المختلفة القدرة التنافسية.

وتعد "إزالة الحواجز المتبقية" من الأولويات الواردة في مسودة "خارطة الطريق".

ويأتي توحيد أسواق رأس المال الأوروبية ـ وهو الأمر الذي تعثر لفترة طويلة بسبب المصالح الوطنية المتنافسة ـ على رأس القائمة.

وفي حين تعتمد أوروبا عملة موحدة، فإن شركاتها الناشئة تظل غير قادرة على مجاراة حملات جمع الأموال الضخمة لمنافساتها في الولايات المتحدة.

ولمعالجة هذه المشكلة، وعدت فون دير لايين في دافوس بإنشاء "اتحاد الادخار والاستثمار الأوروبي".

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات أوكرانيا دافوس الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب أميركا أوكرانيا دافوس اقتصاد الاتحاد الأوروبی فون دیر لایین خارطة الطریق

إقرأ أيضاً:

الاستقلال الأوروبي ضرورة حتمية

ترجمة : بدر بن خميس الظفري -

أحد أكثر الأحداث تحديًا لأوروبا هذا العام هو عودة دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. فقد وصفت مجلة الإيكونوميست، في توقعاتها لعام 2025، هذا الحدث بأنه «لحظة صادمة». ومن منظور أوروبي، فإن الوضع يبدو خطيرًا بالفعل. إن موقف ترامب أقوى من أي وقت مضى، إذ يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية في كلا مجلسي الكونجرس، كما أن ترامب فاز أيضًا بالتصويت الشعبي، إذ صوّت له عدد من الأمريكيين أكثر من أي مرشح آخر. أما أوروبا، فيبدو أنها في موقف ضعيف، فقد تفكك الائتلاف الحاكم في ألمانيا نهاية عام 2024، ومن المقرر إجراء الانتخابات في فبراير، وسيستغرق تشكيل حكومة جديدة أسابيع، إن لم يكن شهورًا. وفي فرنسا، تولى أربعة رؤساء وزراء السلطة في عام 2024، ولم يتمكن أي من الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة من تحقيق أغلبية في البرلمان. وفي النمسا، هناك مستشار مؤقت فقط، بينما تواجه حكومة إسبانيا حالة من الضعف الشديد.

هذا الوضع يمنح قوة إضافية لرئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة من جديد، أورسولا فون دير لاين، التي تبدو مستعدة لاغتنام الفرصة. ولكن بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن سلطتها محدودة للغاية في مجالات السياسة الخارجية والأمن والدفاع.

كما أن الاقتصاد الأوروبي ليس في حالة جيدة. فمن بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5% في عام 2024، والاقتصاد الأمريكي بنسبة حوالي 3%، بينما نما اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة حوالي 1% فقط.

لذا، فإن أوروبا ليست في وضع جيد للتعامل مع رئيس أمريكي يفاجئنا باستمرار بتصريحات غير مدروسة. ويناقش المحللون حول ما إذا كان يجب أخذ تصريحاته بجدية أو لا. وما يعنيه هذا بالنسبة للتعريفات الجمركية على السلع الأوروبية، أو المطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي من قبل دول الناتو الأوروبية، أو حل الأزمة الأوكرانية في «يوم واحد» أو «ستة أشهر»، كل ذلك غير واضح.

حتى وقت قريب، كان هناك نقاش يدور بشكل دائم بين صانعي القرار في أوروبا حول كيفية التعامل مع ترامب. لذلك، فإن الوقت قد حان للنظر في كيفية إدارة أوروبا لعلاقاتها مع بقية العالم، وخاصة مع الصين، في وقت تزداد فيه التحديات في العلاقة عبر الأطلسي.

حاليًّا، يبدو أن هناك ثلاث مدارس فكرية رئيسية. فالسياسيون، خاصة في الدول الأوروبية الكبرى، لديهم أملٌ أنه من خلال الحجج القوية والمجاملات الشخصية، يمكنهم إقناع ترامب بأن مشاركتهم في الناتو تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأن فرض التعريفات ضد الشركاء الأوروبيين أمر غير سديد. هذا الرأي شائع في ألمانيا، التي تخلت، على عكس المملكة المتحدة وفرنسا، عن الأسلحة النووية. وفي وقت أدلى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات لا تستبعد استخدام هذه الأسلحة، تعتمد ألمانيا بشكل خاص على المظلة النووية الأمريكية.

على النقيض من ذلك، يبدو أن بعض الحكومات الأوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا، وربما قريبًا النمسا، تعتقد أنه إذا ما ابتعدت واشنطن عن أوروبا، فإن هناك حاجة إلى بنية أمنية دولية أكثر قومية وصديقة لروسيا.

حتى الآن، هناك عدد قليل يدعو إلى حل ثالث، وهو الاستقلال الأكبر للدبلوماسية الأوروبية الذي طال انتظاره.

قبل إعادة انتخاب ترامب، كان كثيرون في أوروبا يعتقدون أن رئاسته الأولى كانت مجرد استثناء عابر. ولكن الآن، يبدو أن الولايات المتحدة تتبع بقوة مسار «أمريكا أولاً» المستدام، الذي انقطع لفترة وجيزة خلال إدارة جو بايدن.

سياسات هذا المسار تعود إلى الواجهة من جديد، وتهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي الكبير مع الاتحاد الأوروبي بشكل عدائي، وهو موقف غير مريح بشكل خاص لألمانيا، التي تمتلك الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا كبيرًا معها. لذلك، من مصلحة ألمانيا قيادة الطريق نحو سياسة أوروبية أكثر استقلالية.

لن تسعى هذه السياسة إلى إيجاد توازن متساوٍ بين واشنطن وبكين، لكنها ستعتمد بشكل أكبر على توقعات الصين وأقل على القرارات الفردية من واشنطن.

الرئيس الجديد للحكومة الألمانية، المتوقع أن يكون فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سيولي العلاقة عبر الأطلسي أهمية كبيرة. ولكن على المستوى الاقتصادي، من المحتمل أن يصغي ميرتس إلى قطاع الأعمال الألماني.

يمكن أن تشكل علاقة أقرب بين ألمانيا والصين مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، وهما مستفيدان كبيران من سياسات العولمة.

يمكن للشركات الألمانية والصينية أن تقود الجهود لتعزيز العولمة والتجارة الحرة وتوسيع التبادل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والصين والجنوب العالمي.

ولفغانغ روهر عضو سابق في الخارجية الألمانية، وأستاذ استشاري في جامعة تونجي، وباحث زائر في مركز الدراسات الثقافية للعلوم والتكنولوجيا في جامعة برلين التقنية.

مقالات مشابهة

  • تقرير يكشف فضيحة البرتغال في مخطط استيراد الأخشاب من روسيا وإدخالها إلى السوق الأوروبية
  • الاستقلال الأوروبي ضرورة حتمية
  • المفوضية الأوروبية: الاتحاد الأوروبي عاجز عن مواكبة الاقتصادات الأخرى
  • الاتحاد الأوروبي يقدم تطمينات للمجر بشأن إمدادات الطاقة بعد تمديد العقوبات على روسيا
  • فرنسا تلوّح بإرسال قوات إلى غرينلاند ردًا على تهديدات ترامب بضمها
  • الاتحاد الأوروبي يرسل مساعدات طارئة إلى أيرلندا لمواجهة تداعيات العاصفة إيوين
  • خطوة إيجابية.. سوريا ترحب بتعليق الاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على قطاعات اقتصادية
  • الاتحاد الأوروبي يتفق على تخفيف العقوبات على سوريا
  • الاتحاد الأوروبي يمدد العقوبات على روسيا بعد موافقة هنغاريا