لجريدة عمان:
2025-04-23@22:46:26 GMT

«الإسراء والمعراج» .. واحتفالية الصراع

تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT

تأتي مناسبة «الإسراء والمعراج» كئيبة، حزينة، تعيد إلينا ذكرى مقدسة، فـي أرض مقدسة، فـي ليلة مباركة، ولكن كل ذلك بات مجرد احتفالية وعظية، تحاول التذكير برحلة كونية سماوية، عرج الرسول الأكرم فـيها إلى السماوات العلى، بينما فـي الجانب الآخر من الرحلة قدس مصلوبة، ومدينة مهوّدة، وبلاد أسيرة، تتكالب عليها الدول من كل حدب وصوب، تحاول أن تنهش لحمها، وتسفك دمها، وتهدر مقدراتها، ومقدساتها، وتمحو كل ماضيها، وتاريخها، وإرثها الديني، والحضاري.

لم تكن «الإسراء والمعراج» مجرد حادثة عابرة، ولم يكن اختيار المكان عبثيا، بل كان إشارة إلى بؤرة صراع تاريخي، وديني ممتد، وغير مستقر، فبعد الآية التي يبدأ بها الله سبحانه وتعالى فـي سورة «الإسراء»: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ..»، يأتي ذكر النبي موسى، ثم يأتي التصريح والتحذير المباشر لليهود «وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً»، وبذلك يشير القرآن الكريم إلى صراع أبدي بين المسلمين واليهود، فاليهود الذين يعتبرون القدس قدسهم، والأرض أرضهم، أتوا من مهاجر شتى، وتركوا وراءهم ديارهم الأصلية، لكي يستولوا على ديار ليست لهم، ويغتصبون أراضٍ لا تمت لهم بصلة، ويتحدثون لغة غريبة لا تنتمي لأي لغة حولهم، جاؤوا ليقاتلوا فـي أرض غير أرضهم، يبيدون شعبا عربيا ضاربا بجذوره فـي ترابٍ تخضب بدمائهم، وشهد على انتمائهم لأرضهم على مر العصور، ولكن المستعمر الأجنبي أبى إلا أن يترك بصمته على أرض احتلها، وورّثها لشعب مشرد فـي الآفاق، لا أرض له، ولا مستقبل.

ورغم مرور عقود على وعد بلفور فـي عام 1917م، ومحاور الغدر، ومؤامرات الشر، إلا أن العرب كانوا جزءا من هذه الأحداث، ولكنهم كانوا مشغولين بمصالحهم الشخصية، أكثر من انشغالهم بما يبيّت لهم من مكائد، وكان بإمكانهم رغم ذلك تغيير الواقع الذي فرضه الاستعمار، لو كانت لديهم -آنذاك- إرادة حقيقية، ورغبة صادقة، وقليل من التنظيم، ومع ذلك دخل العرب حروبا فوضوية، غير منظمة، ضد المستعمر الصهيوني الجديد، إلا أنها كلها باءت بالفشل، وفـي المعركة الوحيدة التي كسبها العرب، لم تكن المفاوضات حول فلسطين والقدس، ولكن كانت حول أراضٍ عربية استولت عليها الدولة اللقيطة، وبذلك ظلت القضية الجوهرية بعيدا عن أي إنجاز حربي، وسلمي.

والآن... وبعد أكثر من سبعين عاما لا يزال المسجد الأقصى، مسرى الرسول، ومعراجه إلى السماء، فـي قبضة عصابة تتحكم فـي مصير العرب، وتبتز مشاعر المسلمين فـي كل مكان، وتفتح أبواب الصلاة لسكانه الأصليين متى شاءت، وتغلقه متى شاءت، ولم تفلح الاحتفالات السنوية التي يقيمها المسلمون بمناسبة الإسراء والمعراج فـي زحزحة صخرة الكابوس الجاثم على صدر القدس، ولم تتمكن المهرجانات الكلامية من تفعيل الفعل اللازم لتخليص أقدس المقدسات من يد اليهود الغاصبين، ولم تستطع الخطب الرنانة من تحريك الراكد، ويبقى الوضع كما هو عليه من أكثر من سبعين عاما دون حراك، بل والأدهى من ذلك أن بعض الدول الإسلامية رأت فـي المحتل صديقا دائما، وفـي القضية الفلسطينية عبئا جاثما، ورأت فـي القدس مجرد مدينة تاريخية، وفـي المسجد الأقصى مجرد مبنى لا قيمة دينية، أو قدسية له، وصار الاحتفال بالإسراء والمعراج مجرد احتفال رمزي لا علاقة له بالجوهر الذي أنشئ من أجله، ويبقى الصراع «الفلسطيني ـ الإسلامي ـ الإسرائيلي» قائما، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

مسعود الحمداني كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإسراء والمعراج

إقرأ أيضاً:

أسامة فخري: التصوف ليس مجرد موائد بل منهج تربوي

قال الدكتور أسامة فخري الجندي، من علماء وزارة الأوقاف، إن الحديث الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، حول زيارة جبريل عليه السلام للنبي، يعد من أهم الأحاديث التي تشرح مراتب الدين الإسلامي بشكل واضح، حيث ذكر أن هذا الحديث يلخص جوهر الإسلام ويقسمه إلى ثلاث مراتب: الإسلام، الإيمان، والإحسان.

وقال الجندي، فى تصريح له: "أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى لنا تفاصيل زيارة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم، عندما جاء وسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان، وفي نهاية الحوار، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن هذا كان جبريل الذي جاء ليعلم المسلمين دينهم".

وزير الأوقاف ينعى بابا الفاتيكان: رمز الإنسانية والسلامهل تعليق التمائم أو الخرزة الزرقاء يقى من الحسد والعين؟.. عالم بالأوقاف يجيبالأوقاف: "الأرض المباركة" موضوع خطبة الجمعة القادمةالأوقاف تصدر العدد الجديد من مجلة «الفردوس» للأطفال

ونص الحديث: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ . قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ . قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " . ثم انطلق ، فلبثت مليا ، ثم قال لي : “ يا عمر ، أتدري من السائل ؟ . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ”.

واوضح الجندي أن أول مرتبة هي الإسلام، والتي تتضمن الشهادتين، الصلاة، الزكاة، الصيام، والحج، و هنطائفة من العلماء قد اهتمت بحفظ هذه المرتبة عبر فقه الأحكام والتشريع، أي من خلال علم الفقه الذي يوضح كيفية تطبيق هذه العبادات، وأما المرتبة الثانية فهي الإيمان، التي تشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقد قام علماء العقيدة بتوضيح هذه المفاهيم من خلال علم العقيدة وعلم التوحيد، حيث يتم تعليم الناس كيفية الإيمان بكل هذه الأركان.

أما المرتبة الثالثة فهي الإحسان، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وبالتالي التصوف المعتدل هو الذي يختص بحفظ هذه المرتبة، حيث يهدف إلى تهذيب النفس ورفعها عن الرذائل مثل الكبر والغرور، أن الصوفية المعتدلين هم من قاموا بشرح كيفية الوصول إلى هذه المرتبة، من خلال علم التصوف، الذي يوجه المسلم إلى تحسين علاقته بالله..

وأكد أن التصوف في عصرنا الحالي يعاني من مشكلات، حيث أصبح بين الأعداء الذين ينكرون التصوف والادعياء الذين يزعمون تمسكهم بالتعاليم الصوفية وهم في الحقيقة يبتدعون ممارسات بعيدة عن التصوف الحقيقي.

وبين: "التصوف ليس مجرد موائد أو طقوس خرافية، بل هو منهج تربوي يهدف إلى تهذيب النفس والتقرب إلى الله وفقًا للكتاب والسنة".

ودعا العودة إلى التصوف المعتدل الذي يتسم بالاعتدال والضبط وفقًا لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، بعيدًا عن أي انحرافات أو بدع.

مقالات مشابهة

  • ترامب يهاجم زيلينسكي: ليس لديه أوراق ولا شيء ليتباهى به
  • الدرقاش: من يقاطع منتجات النسيم مجرد “بيدق”
  • الأيديولوجية الدينية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي
  • جومانا مراد: السنّ مجرد رقم.. وهذه نصيحتها للسيدات
  • اليمن يُسقط قناع الهيمنة الأمريكية
  • الخليفي: تصريحات نتنياهو مجرد جعجعة
  • ثمن التخاذل
  • دراسة: تدهور السمع قد يدق ناقوس الخطر على القلب!
  • أسامة فخري: التصوف ليس مجرد موائد بل منهج تربوي
  • اتهامات متبادلة بين موسكو وكييف حول خرق وقف إطلاق النار الهش