تسببت تصريحات ترامب حول التهجير القسري لـ1.5 مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء أو الأردن بحجة تدمير القطاع خلال الحرب التي استمرت أكثر من 15 شهرا؛ في زوبعة سياسية كبيرة خلال الفترة الماضية.

لم يكتف ترامب بهذا الطلب، بل وصف ترامب اقتراحه بـ"تطهير غزة"، وبالتالي هو لا يستحي من الحديث عن تطهير عرقي في سياق دعمه للإبادة الجماعية، وكلها جرائم أخلاقية وإنسانية ومجرمة دوليا، ولكنه يضرب عرض الحائط بكل شيء.



ترامب لم يكتف بالتصريحات والمطالبات، بل بدأ في اتخاذ إجراءات عملية توضح كم هو جاد في الدعم المطلق للكيان الصهيوني، وأنّ حديثه عن التهجير في الأسبوع الأول من رئاسته لن تكون زوبعة إعلامية سرعان ما تهدئ أو تتوقف.

فترامب ألغى قرار الرئيس السابق جو بايدن بتعليق إمداد إسرائيل بقنابل "إم كيه 84" الفتاكة والتي تزن طن على الأقل، والتي استخدمت في اجتياح رفح بغزة في أيار/ مايو 2023.

كما رفع العقوبات عن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وهدد بمهاجمة المحكمة الجنائية الدولية لإصدارها أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت.

هذه التصريحات والمواقف ليست جديدة تماما، بل تمثل جزءا من استراتيجية طويلة لإعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية
في الحقيقة هذه التصريحات والمواقف ليست جديدة تماما، بل تمثل جزءا من استراتيجية طويلة لإعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية، فترامب في فترته الأولى اعترف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية لها واعترف بالسيادة الصهيونية على الجولان، وأخيرا سعى لتنفيذ صفقة القرن في فترة رئاسته الأولى وتجاوب معها السيسي وقتها إعلاميا على الأقل. وكانت تقضي في جزء منها بتبادل أراضٍ بين مصر والكيان الصهيوني، والجزء الذي ستحصل عليه إسرائيل من سيناء يتم توطين فلسطينيي قطاع غزة به.

ثم تحدث ترامب عن الموضوع ثانية أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، عندما قال إن مساحة إسرائيل على الخريطة تبدو صغيرة وتحتاج إلى زيادتها، ولا تحتاج إلى أن تكون ذكيا لتفهم أنَّه يقصد التهجير إلى سيناء والأردن، ثم أخيرا هذه التصريحات بعد توليه الرئاسة.

هذه المقدمة كانت ضرورية لفهم أنّ ترامب جاد في تنفيذ مخطط التهجير، وأنّه سيكون أهم ملف له في الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته الثانية والأخيرة.

وهذا الملف يضع السيسي فعليا في مأزق حقيقي بين ثلاثة أطراف رئيسية:

غضب الشعب المصري المعروف بدعمه التاريخي للقضية الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، فالحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعيد للأذهان مخططات إسرائيلية قديمة مثل "مشروع ألون" الذي ظهر بعد احتلال سيناء عام 1967.

أي موافقة ضمنية على هذا المخطط ستعتبر خيانة كبرى للضمير الوطني المصري والإسلامي، وسوف تزيد حجم الغضب الشعبي على السيسي مما يهدد باستقرار حكمه.

من ناحية المؤسسة العسكرية فهي تعتبر ملف التهجير خطا أحمر حقيقيا بالنسبة إليها، وليس دافع الأمن القومي هو سبب ذلك؛ وإلا لكنا رأينا شيئا مختلفا من المؤسسة العسكرية في ملف التنازل عن تيران وصنافير أو سد النهضة أو غيرها من ملفات الأمن القومي الحيوية.

المشكلة لدى الجيش الذي يعمل كشركة قابضة كبيرة حاليا أن التهجير لا يعني فقط انتقال مواطني غزة لسيناء، ولكن انتقال المقاومة الفلسطينية كذلك معها إلى سيناء، مما يعني أن تتحول سيناء إلى نقطة انطلاق للمقاومة ضد الصهاينة مع احتمالية كبيرة لتشكل حاضنة شعبية مصرية كبيرة لها. وبالتالي يفقد الجيش سيطرته على سيناء وربما يكون ذلك إيذانا بثورة شعبية ضده لن يستطيع صدها أو استيعابها هذه المرة، فضلا عن خسائره الاقتصادية المتوقعة.

كما أن المقاومة التي أعجزت وأفشلت واحدا من أقوى الجيوش في العالم ويحظى بدعم أقوى جيوش العالم؛ بكل تأكيد لن يستطيع الجيش المصري السيطرة عليها وستكون معركة خاسرة له بكل المقاييس.

لذلك القبول بفكرة التهجير يعد تهديدا مباشرا لاستقرار نظام السيسي أمام المؤسسة العسكرية، خاصة في ظل إزاحة قيادات بارزة مثل الفريق أسامة عسكر، وهو ما قد يُضعف ولاء الجيش له وقد ينقلب عليه.

ضغوط ترامب وإسرائيل ستزداد على السيسي كثيرا في الفترة القادمة، فالأوضاع من وجهة نظر صهيونية مثالية للخلاص من صداع غزة والضفة ولن يجدوا فرصة كهذه مرة أخرى. هكذا يفكرون، لذلك سيستمر الضغط الاقتصادي والسياسي على مصر، وهو ما سيجعل السيسي أمام خيارات كلها كارثية بالنسبة له
لذلك أعتقد أن ضغوط ترامب وإسرائيل ستزداد على السيسي كثيرا في الفترة القادمة، فالأوضاع من وجهة نظر صهيونية مثالية للخلاص من صداع غزة والضفة ولن يجدوا فرصة كهذه مرة أخرى. هكذا يفكرون، لذلك سيستمر الضغط الاقتصادي والسياسي على مصر، وهو ما سيجعل السيسي أمام خيارات كلها كارثية بالنسبة له.

فالموافقة على التهجير تعني صداما مع الجيش، وقد تكون فرصة للجيش لخلعه وتحميله لأخطاء وكوارث الفترة الماضية.

وإذا افترضنا أنه استطاع تطويع الجيش وتقليم أظافره للقبول بالصفقة بضغوط أمريكية صهيونية فستنتقل المقاومة إلى سيناء، وسيحصل تواصل طبيعي بينها وبين الشعب المصري ويلتحمان معا، وتلتهب سيناء فضلا عما إذا قام الجيش بقمع الشعب الفلسطيني أو مقاومته فسيكون سببا إضافيا لغليان الشعب المصري وانفجار الأوضاع داخليا، وهي تحتاج إشارة فقط لاشتعالها بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة والقمع السياسي المتصاعد.

وإذا رفض السيسي التهجير فقد يتم الضغط اقتصاديا عليه لأقصى درجة، مما قد يؤدي إلى انهيار الأوضاع واشتعال ثورة ضده، كذلك ويمكن كذلك -وهذا سيناريو وارد- أن تقوم واشنطن وتل أبيب بالبحث عن بديل من داخل الجيش يمكنه تمرير التهجير واستخدامه لعزل السيسي وتحميله كل أخطاء الماضي، مع ثمن جيد في صورة مساعدات اقتصادية لتهدئة الشارع وتمرير التهجير في نفس الوقت.

بعض السيناريوهات المطروحة تقول إن التهجير قد لا يتم إلى سيناء، لعدم مهاجمة الكيان عبرها، وأنه سيكون من خلال دمجهم في الشعب المصري في المحافظات الداخلية، ولكن ذلك ستكون له مخاطر أمنية لا تنتهي كذلك، وقد تتحول مصر إلى حاضنة كبيرة للمقاومة ويعيش النظام نفس الورطة وربما أسوأ.

بكل تأكيد مثّل المشهد المهيب والتاريخي لعودة النازحين الفلسطينيين من جنوب غزة إلى شمالها إفشالا عمليا لمخطط التهجير، وهذا ما نتمناه، لكن ما يهمنا هو أنه لا ترامب ولا نتنياهو وحكومته سيتوقفون عن ممارسة الضغوط على مصر لتمرير المخطط بشكل كلي وجزئي.

هذه الضغوط هي التي ستجعل وعد السنوار الكبير بأنّ الطوفان سيغير الشرق الأوسط سيتحقق، فهذه الضغوط المتوقعة على النظام المصري والأردني ستجعل تأثير معركة طوفان الأقصى لا تتوقف عند غزة ولبنان وسوريا فحسب، ولكنه سيمتد قريبا إلى مصر وربما الأردن كذلك، وعلى الشعوب العربية ونخبها أن تتهيأ لاقتناص الفرص، فالفرص لا تتكرر كثيرا والتاريخ يحترم فقط من يدرك فقه زمانه ومكانه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب التهجير فلسطيني غزة السيسي مصر مصر السيسي فلسطين غزة تهجير مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب المصری إلى سیناء

إقرأ أيضاً:

ترامب يقلب النظام الجيوسياسي الدولي بأول 100 يوم من رئاسته

فرض دونالد ترامب خلال 100 يوم له في البيت الأبيض سياساته الخاصة، فزعزع بعض التحالفات التقليدية، وهدد بضم أراضٍ وقلب النظام الجيوسياسي الدولي رأساً على عقب.

من فرض رسوم جمركية شاملة على دول صديقة وعدوة وصولاً إلى خفض المساعدات الخارجية، يفرض الرئيس الأميركي رؤيته تحت شعار "أميركا أولاً" على العالم.

وفي هذا السياق، اعتبر رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مارك ليونارد أن "إدارة ترامب قضت على كل المسلّمات. لم تعد هناك فروق واضحة بين الحرب والسلام، والحلفاء والأعداء، والمصالح الوطنية والخاصة، واليسار واليمين".

وكتب على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "مع شنّ ترامب حرباً تجارية على سائر أنحاء العالم، ومحاولته إبرام صفقة بشأن المعادن في أوكرانيا، وتهديد السلامة الإقليمية لكل من غرينلاند وبنما، فإن القواعد القديمة للنظام الدولي لم تعد قابلة للتطبيق".

في الموازاة، يؤكد الرئيس الجمهوري البالغ من العمر 78 عاماً أنه "صانع سلام" ويروج لرؤيته حول تحقيق "السلام من خلال القوة". كما لا يتردد في دخول مفاوضات غير مسبوقة، مثل تلك التي أجراها مع روسيا وإيران.

لكن بعد مرور 100 يوم على توليه منصبه، تبيّن أن المهمة ليست سهلة. فقد استأنفت إسرائيل قصفها لقطاع غزة وانهار اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، في حين تشن الولايات المتحدة ضربات على الحوثيين في اليمن مع استمرار الصراع في أوكرانيا.

تقارب مع بوتين

ويبقى التغيير الأبرز في السياسية الأميركية منذ تنصيب ترامب في يناير (كانون الثاني) التقارب مع فلاديمير بوتين.

وعبر إعادة التواصل مع الرئيس الروسي، أنهى دونالد ترامب عزلة بوتين الدولية التي فرضتها عليه إدارة الرئيس السابق جو بايدن والدول الغربية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وأجرى الرئيسان مكالمة هاتفية في فبراير (شباط) الماضي، ما أدى إلى بدء تقارب استراتيجي. عقب ذلك، عقد الأميركيون والروس مفاوضات غير مسبوقة في السعودية بهدف استعادة العلاقات بينهما. وقد يلتقي ترامب وبوتين وجهاً لوجه في وقت قريب.

في الوقت نفسه، شدّدت الولايات المتحدة لهجتها تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وصولاً إلى اللقاء الشهير في البيت الأبيض حين شن الرئيس ونائبه جيه دي فانس هجوماً لاذعاً على زيلينسكي أمام وسائل الإعلام.

وعقد الأوروبيون، الذين لم يشاركوا بالمفاوضات، اجتماعات ثلاثية شارك فيها مسؤولون أميركيون وأوروبيون وأوكرانيون الأسبوع الماضي في باريس، قبل اجتماع جديد مقرر في لندن هذا الأسبوع، للبحث في إنهاء الصراع في أوكرانيا.

لكن مع تعثر مفاوضات الهدنة، هدد ترامب بالانسحاب من المناقشات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بسرعة.

مفاوضات مع إيران

على صعيد آخر، أجرت إدارة ترامب مفاوضات غير مباشرة مع إيران.

وعقدت الولايات المتحدة وإيران، البلدان العدوان منذ الثورة الإيرانية عام 1979، جولتين من المحادثات غير المباشرة، في سلطنة عمان وروما، بقيادة المفاوض ستيف ويتكوف، صديق ترامب القديم.

وتقول واشنطن التي تنتهج سياسة "الضغوط القصوى" تجاه طهران، إنها تفضل حلاً دبلوماسياً مع إيران لكنها تهدد بتدخل عسكري لضمان عدم حصول طهران على السلاح النووي.

وكان الرئيس الأميركي انسحب عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران والذي نص على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران مقابل كبح برنامجها النووي.

وأكد المسؤولون في إدارة ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو، مراراً أن الرئيس "يفكر خارج الصندوق" وأنه "الوحيد" القادر على قيادة هذه المفاوضات.

وقف المساعدات وترحيل المهاجرين

كذلك، أقر الرئيس الأميركي تخفيضات هائلة في ميزانية المساعدات الخارجية، بهدف مكافحة الهدر.

كما نفّذ سياسة لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وشن حرباً ضد عصابات المخدرات المكسيكية التي وصفها بأنها "منظمات إرهابية أجنبية

ومن بين القرارات الأخرى التي ميّزت ولاية ترامب منذ 20 يناير (كانون الثاني)، إعلانه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية.

مقالات مشابهة

  • أول 100 يوم له في البيت الأبيض... ترامب يقلب النظام الـجيوسياسي الدولي
  • السيسي: تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين
  • ترامب يقلب النظام الجيوسياسي الدولي بأول 100 يوم من رئاسته
  • السيسي: تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين أمناء على الدين والوطن
  • الئيس السيسي: تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين
  • محافظ قنا يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى الـ 43 لتحرير سيناء
  • ذكرى تحرير سيناء| يوم النصر والصمود الذي يجسد إرادة الشعب المصري.. ويحفز الأجيال القادمة على البناء والتنمية
  • ترامب: يجب خفض أسعار الفائدة أكثر.. والتضخم يكاد يكون منعدما
  • ترامب: يجب خفض أسعار الفائدة أكثر .. والتضخم يكاد يكون منعدما
  • سيناريوهات ومخاطر تشكيل النظام العالمي الجديد