لماذا ترتفع أسعار اللحوم في المغرب رغم الدعم الحكومي؟
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
الرباط – تحملت خزينة الدولة المغربية أكثر من ملياري درهم (200 مليون دولار) في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2022 ومارس/آذار 2024 تكلفة إعفاء مستوردي الأبقار من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة، فضلا عن تكلفة إعفاء مستوردي اللحوم المبردة والمجمدة.
لكن ذلك كله لم ينعكس على الأسعار وظل المواطنون -خصوصا محدودي الدخل- يشتكون من ارتفاعها.
وفي جولة للجزيرة نت بأحد الأسواق الكبرى، تراوحت أسعار اللحوم الحمراء ما بين 100 و150 درهما (ما بين 10 و15 دولارا)، وهي لحوم يقول البائع إنها مستوردة، أما في محلات الجزارة العادية فالأسعار لا تزال تقارب أو تتجاوز 100 درهم (10 دولارات).
في أحد هذه المحلات بضواحي العاصمة الرباط يبلغ سعر لحم البقر 110 دراهم (11 دولارا) للكيلوغرام الواحد، أما لحم الأغنام فيصل إلى 130 درهما (13 دولارا).
ويقول البائع للجزيرة نت إن اللحوم التي يعرضها مصدرها القطيع المحلي، فهو يفضل أن يقدم لزبائنه بضاعة ذات جودة لا تتوفر إلا في الإنتاج المحلي، وفق تعبيره، ويضيف "أريد تقديم الأفضل لزبائني لذلك لا أبيع إلا اللحوم المحلية".
واستوردت المملكة أكثر من مليون رأس من الماشية، منها نحو 167 ألف رأس من الأبقار و906 آلاف رأس من الأغنام، إضافة إلى 1724 طنا من اللحوم الحمراء منها 110 آلاف طن من اللحوم المجمدة، وفقما أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري في البرلمان مؤخرا.
إعلانوبحسب وزارة الفلاحة المغربية بلغ حجم قطيع الماشية في العام 2021 نحو31 مليون رأس، بينها 21.6 مليون رأس من الأغنام و6 ملايين من الماعز و3.3 ملايين من الأبقار و192 ألف رأس من الإبل.
وأطلقت الوزارة بشراكة مع الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز إحصاء عاما للقطيع بهدف توفير معطيات حديثة حول القطيع وتركيبته وتوزيعه الجغرافي.
حلول مؤقتةأكد وزير الفلاحة مرارا أن الهدف من الاستيراد هو ضمان تزويد الأسواق المحلية باللحوم الحمراء والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، إلا أنه اعترف في آخر حضور له في البرلمان باستمرار ارتفاع الأسعار رغم الاستيراد، وأقر أيضا بارتفاع أسعار اللحوم البيضاء (أي الدواجن) التي زاد الطلب عليها كبديل للحوم الحمراء.
ويرى رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقنيي تربية المواشي عبد الحق البوتشيشي أن ارتفاع أسعار اللحوم جاء نتيجة إخفاق المسؤولين في تدبير قطاع الزراعة، مما أدى إلى تدهور القطيع المحلي.
وأوضح، في حديث للجزيرة نت، أن الاستيراد رغم كلفته يبقى حلا مؤقتا ولم يحقق النتائج التي أعلنتها الحكومة وهي التحكم في الأسعار.
وقال البوتشيشي إن اللحوم الطازجة المستوردة يتم توزيعها على المطاعم والأسواق الكبرى فقط، ولا تصل إلى محلات الجزارة والأسواق الشعبية، وبالتالي لا تصل إلى المواطنين من أصحاب الدخل المحدود.
وأضاف أن الدولة أعفت مستوردي الماشية واللحوم الطازجة من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة، لكنها بالمقابل تركت السوق مفتوحا من دون تفعيل أدوات تتبع ومراقبة.
وتابع "استفاد من هذه الأزمة أصحاب رؤوس الأموال الذين دخلوا غمار استيراد العجول والأبقار رغم أنهم ليسوا من مهنيي القطاع، فاستفادوا من دعم الدولة وصاروا يتحكمون في الأسعار في غياب أي مراقبة أو زجر وفي ظل خلو شروط الاستيراد من مادة تلزمهم بالبيع بثمن محدد".
فوضى الأسعاربدورها، ترى البرلمانية نادية القنصوري، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن الدعم الكبير الذي خصصته الحكومة لتوفير اللحوم في الأسواق استفاد منه المستوردون الكبار، منبهة -في حديث للجزيرة نت- إلى غياب أي تتبع لمسار الماشية المستوردة لذلك لم يكن لهذه العملية أثر مباشر على المستهلك، وفق تعبيرها.
إعلانولفتت نادية إلى أن باب الاستيراد كان مفتوحا أمام فئة معينة محدودة مما أسفر عن فوضى في الأسعار، مؤكدة على ضرورة تسقيف الأسعار والحد من الاحتكار لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
ولا يختلف الخبير الاقتصادي محمد الجدري مع هذه التحليلات، إذ يرى أن سيطرة مستوردين كبار على السوق جعلهم يحققون أرباحا كبيرة على حساب المستهلك، مشيرا في تصريح للجزيرة نت إلى أن الأسعار الحالية للحوم الحمراء تشكل عبئا على الطبقات المتوسطة وأيضا على ذوي الدخل المحدود.
ويرى أن سيطرة قلة من الفاعلين على القطاعات الاقتصادية المهمة مثل البنوك والمحروقات واللحوم الحمراء والدواجن يعد جزءا من مشاكل المنظومة التسويقية بالمغرب ينبغي العمل على تجاوزها.
وكان محمد أوجار القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية، أكثر وضوحا في لقاء إعلامي على القناة الأولى (حكومية) عندما أشار بأصابع الاتهام إلى من أسماهم "تجار الأزمة والباحثين عن الربح السريع الذين يمارسون جريمة في حق الوطن والاقتصاد الوطني"، وفق تعبيره.
وقال "لا يمكن السماح لثلة قليلة تتاجر في قوت المغاربة وتراكم أرباحا خيالية"، داعيا الحكومة لأن تكون قاسية معهم لأنها تملك من الوسائل ما يكفي للتدخل لإنهاء هذا الوضع.
يؤكد من تحدثت معهم الجزيرة نت أن الحل الجذري لهذه الأزمة يكمن في إعادة بناء القطيع المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يتفق معه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، الذي أوضح أن غلاء الأسعار سيظل أمرا واقعا ما لم يتم تربية قطيع محلي، مشيرا إلى أن الجفاف وغيره من الأسباب أدت إلى تدهوره.
ونقلت مواقع إلكترونية عن لقجع، الذي كان يتحدث في لقاء مع مسؤولي الاتحاد العام لمقاولات المغرب منتصف الأسبوع الماضي، قوله إن كل التدابير التي اتخذتها الحكومة ستكون انتقالية وعابرة في إعادة التوازن للأسعار، وإن الهدف ينبغي أن يكون هو إعادة تربية القطيع.
ورغم أن عبد الحق البوتشيشي يتفق مع الرأي القائل بأن إعادة بناء القطيع المحلي (العودة بالقطيع إلى مستوياته السابقة) ودعم مربي الماشية سيكون هو الحل لأزمة اللحوم الحمراء في المغرب، فإنه يرفض اعتبار الجفاف الذي تواصل لسنته السابعة سببا في هذا الوضع، وتساءل "إذا كان الجفاف تسبب في قلة العرض من اللحوم فكيف نفسر تحقيق المغرب أرقاما قياسية في تصدير الفواكه والخضروات إلى أوروبا؟".
إعلانوبالنسبة إليه، فإن عوامل أخرى وراء هذا الوضع، أهمها الخلل في الإستراتيجية الزراعية التي ركزت على إنتاج ما تستهلكه أوروبا من خضر وفواكه في الوقت الذي أغفلت إنتاج الكلأ وأعلاف الماشية والحبوب والقطانيات (حمص وفاصوليا وعدس..).
وأضاف البوتشيشي أن المغرب يعتمد 100% على الأعلاف المستوردة في الإنتاج الحيواني، لذلك كان لعدد من الأحداث الدولية، منها الحرب الروسية الأوكرانية، تأثير على أسعار الأعلاف الخشنة التي تضاعفت أسعارها خمس مرات، مما انعكس على أسعار اللحوم.
لذ يرى المتحدث ذاته ضرورة دعم مربي الماشية، والاهتمام بإنتاج الأعلاف محليا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وانخفاض أسعار اللحوم.
من جهته، يتوقع محمد جدري أن القطيع المحلي لن يعود إلى سابق عهده قبل عام 2027 مما سيجعل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء مستمرا، الأمر الذي سيؤثر على قدرة الأسر ذات الدخل المحدود بشكل خاص على توفير البروتينات الحيوانية لأبنائها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللحوم الحمراء أسعار اللحوم للجزیرة نت رأس من ما بین
إقرأ أيضاً:
الاتفاق الذي انقلب على صاحبه، كيف تحولت مبادرة الجيش لأداة ضده
بعد أحداث الخامس والعشرين من أكتوبر، وبعد استقالة حمدوك من رئاسة الوزراء، سعى الجيش السوداني لإزالة الاحتقان السياسي وفتح قنوات تواصل مع قوى الحرية والتغيير. تمخضت هذه الاجتماعات عن تكوين لجنة للتفاوض بين الجيش وقوى الحرية والتغيير..
كان الغرض الأساسي من تلك اللجنة هو التمهيد للوصول إلى اتفاق شامل بأفق وظروف جديدة متجاوزة لفترة حكم اتفاق كورنثيا، فضلاً عن توسيع دائرة المشاركة والاتفاق على صيغة جديدة تعالج الإخفاقات التي وقعت في الفترة الانتقالية وتمهد لفترة انتقالية جديدة تقود إلى الانتخابات. كان من وجهة نظر الجيش أن الوصول لتسوية شاملة يزيل مخاوف القوى السياسية التي رأت في أحداث أكتوبر انقلاب سيفرض مسار شمولي تكون فيه السيطرة للجيش..
ومن ناحية أخرى أراد الجيش أن يرسل رسالة للخارج بأنه ملتزم بعملية سياسية تقود لحكومة مدنية، بعيداً عن مخاوف عودة الإسلاميين. ومن هنا بدأ التواصل مع قحت وبدأ ما يسمى بالاتفاق الإطاري. وحتى لا تتفاجأ، فالجيش هو من مهد له، بعيداً عن الدعم الصريع، ولكن ليس بصيغته النهائية المعروفة..
إذا ماذا حدث، ولماذا الجيش الذي نادى باتفاق مع قحت رفضه في النهاية؟
ببساطة لأن ما حدث هو أن قوى الحرية والتغيير استفادت من دعوة الجيش لها، وقامت بتطوير الاتفاق والاتفاق مع الدعم الصريع على توظيف دعوة الاتفاق لتكون خصما على الجيش، وكل ذلك برعاية من دول إقليمية أرادت أن تضع الجيش في زاوية ضيقة، خصوصاً وهو من دعا للاتفاق. فقام الدعم الصريع بسرقة المبادرة وتطويعها لإقصاء الطرف المبادر وهو الجيش. بمعنى أن قوى الحرية والتغيير استحوذت على مبادرة الجيش وبنت تحالفاً انقلابياً على الطرف المبادر، وقدمت له اتفاقاً خصماً عليه..
فالجيش الذي نادى بالاتفاق وجد نفسه في اتفاق ينتقص منه ويجرده من صلاحياته لصالح قوى مدنية متحالفة مع الدعم الصريع. ذهب الجيش للاتفاق الإطاري البديل، ووجد نفسه مجددا مضطرا للمضي فيه بضغط خارجي، وتكشفت له أجندة جديدة وألغام مزروعة، كلما تخطى واحدة وجد نفسه أمام مشكلات كثيرة..
تورط الجيش بدخوله في اتفاق دعا له هو، وتحول إلى عبء عليه. بعد مدة اكتشفت استخبارات الجيش أن هنالك لجنة تنسيق سرية بين قوى الحرية والتغيير والدعم الصريع برعاية دول عربية، هدفها الأساسي توحيد الرؤى والأهداف قبل بداية اللجان المشكلة..
فما كان يظنه الجيش موقف خاص للدعم، ما كان إلا جزءا من تبادل أدوار بينه وبين وقوى الحرية والتغيير..
وبعدما تم كشف تلك اللجان السرية واتخاذ الجيش موقف رافض لبعض بنود الاتفاق، ودعا لمعالجة بعض القضايا قبل الذهاب لاتفاق مع قوى متحالفة ضده، لم يعد أمام قوى الحرية والتغيير والدعم الصريع إلا الانقلاب..
فبالمعطيات التي حصل عليها الجيش من تلك اللجان، لم يكن أمامهم سوى التحرك لحماية مستقبلهم، لكونهم تورطوا في مؤامرة استهدفت الدولة وجيشها. قام الانقلاب وفشل، وتبخرت أحلام الدعم وحلفائه.
الآن تحاول نفس القوى الإقليمية إعادة نفس مشاريعها لجر الجيش لتبني مبادرة للحل، ليعاد توظيف هذه المبادرة لتكون خصماً على الجيش كما حدث من قبل وتوجيه دعوات الحل لمصلحة أطراف أخرى..
لسنا محتاجين لتذكير الجيش بأخطائه، ولكن ما نطلبه منه هو بناء رؤية واضحة للحل، بعيداً عن سياسة اللا رؤية والفوضى التي انتهجها في السنين السابقة. وأول خطوات هذه الرؤية هي محاسبة الذين تآمروا عليه، واتخاذ موقف واضح منهم واجتثاثهم، حتى لا يأتي يوم ونرى الجيش يستجدي خصومه ليشركوه في الحل ويشركوه في التشاور.
حسبو البيلي
#السودان