استراتيجية اليهود في تدمير الطبقة المتوسطة
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
تحليل _ محمد محمد أحمد الانسي:
كيف يقوم اليهود بالاحتلال الاقتصادي في البلدان الإسلامية عبر شركات تنتحل صفة “الوطنية”.
في البلدان الغربية والشرقية حدثت أكبر عمليات نهب ونقل للثروة من ملكية الشعوب في القرون الوسطى واستمرت إلى يومنا هذا على يد (اليهود المصرفيين) وأدواتهم الرأسمالية والشيوعية (الماركسية/الاشتراكية).
كانت أهداف اليهود من وراء ذلك هي القضاء على (الطبقة المتوسطة) ونقل مليكة الثروة من الشعوب (لطبقة المتوسطة) إلى اليهود، وأهم الأدوات التي حققت لهم هذا الهدف بنجاح هي (البنوك/الربا/الاحتكارات) وكلها مرتبطة ببعض.
من خلال البنوك تمكن المرابون من السيطرة على المال النقدي وبالتالي على التمويل والإنتاج والسياسات الاقتصادية. ونظراً لذلك تمكنوا من نهب ومصادرة الثروة ونزع الملكية من الشعوب ونقلها إلى الفئة الاحتكارية القليلة جداً، وهم طبقة اليهود المصرفيين الصهاينة.
في البلدان التي يطلق عليها اليهود المرابون تسمية (البلدان النامية)- بالرغم من أنهم يعتمدون على موارد هذه البلدان- تمكنوا من القضاء على الطبقة المتوسطة ونشر الفقر وقتل كل فرص النهوض الممكنة من خلال السيطرة على النقد والتمويل و(تثبيت وضعية إبقاء الشعوب داخل دائرة الاستهلاك والاستيراد)، ولقد تحقق لهم الهدف بنجاح من خلال استخدام الشركات الوطنية التي تشكل فروعاً فعلية للشركات العالمية الاحتكارية المملوكة لليهود؛ ومهمتها الرئيسية، النزع التدريجي للملكية من الشعوب (الطبقة المتوسطة) من خلال ترسيخ الاحتكارات التي تتناقض بطبيعتها مع “الاكتفاء الذاتي” لأن مهمتها هي: “إبقاء الشعوب والبلدان في دائرة الاستهلاك والاستيراد“.
تلك الشركات التي تنتحل صفة (وطنية) تكون مملوكة لرأس مال (غير محلي) بل مجنس ومهمتها ودورها الاقتصادي تعبئة وتغليف مواد وسلع تابعة لعلامات تجارية عالمية.
بالتالي إذا قامت بإنشاء مصنعاً هنا أو هناك (محلياً) فهو لمجرد استغلال رخص اليد العاملة أولاً وللحصول على امتيازات (وطنية) بينما نشاطها لا يخرج عن إطار توسعة الاستهلاك والاستيراد الذي يجلب إضعافاً للقيمة الشرائية للعملات المحلية وقتلاً مباشراً لفرص نهوض الإنتاج المحلي.
واعتماد اليهود على الشركات التي تسمى (وطنية) بشكل كبير في البلدان المستهدفة يأتي في إطار خطة مدروسة تمكنهم من الحصول على امتيازات واعفاءات من الحكومات تسهم بشكل مباشر في ترسيخ الاحتكارات الخطيرة الضارة بالشعوب والاقتصادات الوطنية الحقيقية.
اهتمام اليهود والمؤسسات الدولية ووسائلهم الإعلامية التابعة لهم بترسيخ (المصطلحات المخادعة) واستخدامها بشكل واسع قد أسهم في نجاح الكثير من المؤامرات ضد الشعوب والبلدان المستهدفة من اليهود على رأسها بلدان الأمة الإسلامية.
لقد نجحوا في تضليل الشعوب والحكومات وتمكنوا من خلال هذا المصطلح من تحفيز المستهلكين للإقبال على منتجات تلك السلع والعلامات التجارية الغربية المستوردة كلها أو المغلفة محلياً دون غيرها لمجرد أنها تسمى وطنية.
نموذج من الواقع موقف الشركات الوطنية السلبي أمام منتجات الطماطم المحلية
من المؤسف أن تلك الشركات التي تنتحل صفة (وطنية) تشمل حتى مصانع تعبئة معجون الطماطم فهي تحمل صفة (الوطنية)؛ بينما نجد أن مصانعها هي المصانع الوحيدة التي ترفض آلية توطين (الصلصة) بأشكال عديدة ومن تجربة للسنوات الماضية فهي (لم ولن) تقبل أي احتواء لأي كميات من الطماطم المحلية.
بالرغم أن اجراء الجهات المختصة عدم منح ترخيص استيراد المعجون إلا لمن شارك في شراء منتجات الطماطم المحلية؛ ومع ذلك فإن من صفة الاحتكارات دائما أن تمتلك نفوذا خارقاً ولوبي من النافذين يتكلفون باستخراج تصريحات عليا (تسمى استثنائية) رغم أن قدرتهم على استيعاب منتجات محلية هي النسبة الكبرى تشكل بعض المصانع الاحتكارية أكثر من 40%. من استيراد المعجون. (بمعنى أنه كان بإمكانها ان تشتري وحدها كل منتجات الطماطم المحلية).
في الوقت الذي لا يحصل الآخرون على تلك الامتيازات التي تحصل عليها الشركات الاحتكارية الكبرى (التي تنتحل صفة وطنية) وبسبب المحتكرون المجرمون تبرز أمام المزارعين وأمام رؤوس الأموال المحلية (الطبقة المتوسطة) وأمام أي منتج وطني فعلي الكثير من المشاكل وهكذا يتم القضاء على (الطبقة المتوسطة) حيث تكون أمام خيارات الهجرة أو تجرع الخسائر والكساد حتى تنتهي تماماً وهذا هو الشكل الفعلي للقضاء على (الطبقة المتوسطة)
تدمير الطبقة المتوسطة (نزع ملكية الشعوب)
ونظراً لانتشار حالات غياب عدالة تكافؤ الفرص في البلدان المحسوبة على المسلمين فإن ذلك يشكل خنقاً لرأس المال المحلي المملوك للطبقة المتوسطة فلا تقوى على صراع الاحتكارات بل تتعرض للانسحاب والخسائر والدخول في دائرة الفقر أو الهجرة واخلاء السوق لصالح لشركات المحتلة التي تنتحل صفة (الوطنية).
موقف الإسلام من الاحتكارات
لا يخفى على أحد الموقف العظيم القوي الذي ليس له نظير إلا في الإسلام تجاه الربا والاحتكار لأن الخالق العظيم يعلم بأن الربا مقترن بالاحتكار والربا والاحتكار وجهان للظلم ونشر الفقر في أوساط الشعوب والمجتمعات.
ولن يتحقق تغيير الوضع المعيشي السيء للشعوب الإسلامية إلاّ بتطبيق تشريعات الخالق العظيم وتنفيذ مبادئ الإسلام ورؤيته الاقتصادية العظيمة في الواقع وهي ممكنة حين يكون المعنيون هم من أولئك الذي يحملون مواصفات الصادقين المؤهلين لأن يسقط الجدار الصلب على أيديهم.
قال الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه–:
إنه لا يعطي تلك التهيئة ولا يهيئ ذلك إلا لمن هم جديرون بها، ولمن تكون حجة عليهم تلك التهيئة تلك الانفراجات تلك الفرص إذا ما قصروا وفرطوا وتوانوا في التحرك لاستغلالها..(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)
(آل عمران:109) صدق الله العظيم.والعاقبة للمتقين.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الطبقة المتوسطة الطماطم المحلیة التی تنتحل صفة فی البلدان من خلال
إقرأ أيضاً:
بيتر باينارت: أن تكون يهوديا بعد تدمير غزة، أين الحساب؟
صدر مؤخرا في نيويورك عن دار نشر ألفريد نوبف، كتاب بيتر باينارت "أن تكون يهوديا بعد تدمير غزة.. حساب". وباينارت هو أستاذ الصحافة والعلوم السياسية للدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، ورئيس تحرير مجلة "تيارات يهودية"، ويصدر نشرة إخبارية أسبوعية بعنوان "دفتر باينارت".
يَعتبر باينارت نفسة صهيونيا ليبراليا، ويرى أن قصة واحدة تهيمن على حياة الجماعة اليهودية: قصة الاضطهاد وعقدة الضحية. إنها قصة تمحو الكثير من غموض التقاليد الدينية اليهودية وتشوه فهمنا لإسرائيل وفلسطين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غرام بعض الناس باليمين والفاشية يفسره علم النفسlist 2 of 2زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟end of listبعد تدمير غزة، واستخدام نصوص وتاريخ ولغة يهودية لتبرير المجازر الجماعية والتجويع، يرى باينارت أن على اليهود رواية قصة جديدة. بعد هذه الحرب، التي سيتردد صداها أجيالا، عليهم الإجابة مجددا على سؤال: ما معنى أن تكون يهوديا؟!
يتخيل باينارت سردية بديلة، تستند إلى جهود الدول الأخرى لإعادة بناء القيم الأخلاقية وقراءة مختلفة للتقاليد اليهودية.. قصة يكون فيها ليهود إسرائيل الحق في المساواة، لا في الفوقية والسيادة، وحيث لا يتعارض الأمان اليهودي والفلسطيني، بل يتضافران.. قصة تدرك خطر تقديس الدول على حساب حياة البشر.
يمثل كتاب "أن تكون يهوديا بعد تدمير غزة" محاججة استفزازية ستوسع وتثري أحد أهم نقاشات العصر. إنه كتاب ربما لا يجيد كتابته إلا بيتر باينارت.. عمل عاطفي ومتزن يجمع بين تجربته الشخصية، وفهمه العميق للتاريخ والمعضلات السياسية والأخلاقية، ورؤيته الواضحة للمستقبل.
إعلاناستُقبل الكتاب بترحيب واسع من النقاد والإعلام، فاعتبره المؤرخ رشيد الخالدي محاسبة جاءت في وقتها على الهوة الشاسعة بين التقاليد اليهودية التي يعتز بها باينارت، وبين ما حل محلها من ممارسات إسرائيل، ومن تبنوا تلك الدولة، وأن الحاجة إليها ماسة.
وقال الكاتب الأميركي آدم هوشيلد: "في هذه اللحظة المؤلمة، يكتسب صوت باينارت أهمية أكبر من أي وقت مضى، أهمية واسعة -من مأساة الشرق الأوسط اليوم إلى جنوب أفريقيا التي يعرفها جيدا إلى أحداث وقعت قبل قرون- ومعرفته عميقة، وقلبه كبير. لا يقتصر هذا الكتاب على الحديث عن اليهود في ظل حرب اليوم، بل يتناول أيضا شخصية عطوفة تجاه العدالة".
وكتب دانيال ليفي، مفاوض السلام الإسرائيلي سابقا: "بفضل إلمامه ووعيه العميق بالتاريخ والمصادر اليهودية والواقع الفلسطيني، يكشف باينارت بثبات عن خيوط التضليل الدعائي المستخدم للدفاع عن أفعال إسرائيل. يقودنا هذا الكتاب الأساسي إلى صحوة عالمية يهودية إنسانية ومفعمة بالأمل".
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية: "اشتهر (باينارت) بكونه كاتبا ثاقبا ومفكرا عاما، يتمتع بمهارة الاعتراف بخطئه.. في أحدث كتبه، يناشد باينارت إخوته اليهود أن يواجهوا أخلاقيات دفاعهم عن إسرائيل.. فهو يدافع عن تقاليد يهودية لا تراعي الفوقية اليهودية، وتعتبر المساواة الإنسانية قيمة جوهرية".
وقالت الإذاعة القومية العامة الأميركية: "تحوّل باينارت من مدافع شرس عن إسرائيل إلى أحد أشد منتقديها. في كتابه الأخير، يوجه أستاذ الصحافة والعلوم السياسية نداء إلى اليهود الأميركيين الآخرين عقب حرب غزة".
وقالت نشرة "بوبليشرز ويكلي" (Publishers Weekly): يقدم باينارت نقدا لاذعا لرد فعل الجماعة اليهودية الأميركية على حرب غزة.. كتاب ملحّ ومثير للتفكير، وسيثير جدلا".
إعادة تأهيل الصهيونيةبدوره، يتساءل آزاد عيسى، الكاتب بموقع "ميدل إيست آي": أين الحساب الذي يعد به عنوان الكتاب؟ بل يجد الكتاب محاولة لإعادة تأهيل الصهيونية، كأمر مسلّم به، ويمحو المعارضة اليهودية التاريخية للأيديولوجية العنصرية، ويمنح مصداقية لمطالبة اليهود بفلسطين.
إعلانفي صيف 2010، فاجأ بيتر باينارت النخبة الليبرالية الأميركية! فقد لاحظ مع استمرار بناء إسرائيل مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة وإكمالها الجولة الأولى من "جز العشب" -القصف الدوري لغزة- أن المواقف تجاه إسرائيل تشهد تحولا جذريا بين شباب اليهود الأميركيين.
أشار باينارت في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" إلى أن الرياح تتغير، وكتب: "من الناحية الأخلاقية، الصهيونية الأميركية في دوامة انحدار". وحذر من أن رفض المؤسسة اليهودية الأميركية تغيير مسارها تجاه الاحتلال الإسرائيلي الوحشي للأراضي المحتلة، سينفر شباب اليهود الأميركيين من الدولة الإسرائيلية.
بعد سنوات، وسع باينارت نطاق آرائه في كتابه "أزمة الصهيونية"، فوصف سياسات إسرائيل ضد أهل فلسطين بأنها تهدد "بتدمير حلم دولة تحمي الشعب اليهودي وتعتز بالمثل الديمقراطية"، ودعا يهودَ أميركا إلى "الدفاع عن حلم دولة يهودية ديمقراطية قبل فوات الأوان".
لكن مع قصف إسرائيل المتكرر لقطاع غزة، وتوسع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وعقد اتفاقات أبراهام للتطبيع، استنتج باينارت عام 2020 أن الديمقراطية تتعارض مع الفوقية اليهودية، ودعا إلى فكرة حل الدولة الواحدة، ثنائية القومية، التي يعيش فيها اليهود والفلسطينيون معا.
وكتب في "نيويورك تايمز"، كمؤشر على الرأي العام الليبرالي السائد: "الآن ينبغي للصهاينة الليبراليين اتخاذ قرارنا أيضا.. حان وقت التخلي عن حل الدولتين التقليدي وتبني هدف المساواة في الحقوق بين اليهود والفلسطينيين".
رحبت قطاعات باليسار التقدمي بإقراره أن الدولة اليهودية العنصرية تتعارض مع القيم الديمقراطية، لكن بالنسبة لباحثين فلسطينيين ونقاد ومراقبين راديكاليين، كان باينارت لا يزال متأخرا كثيرا عن المسار.
كتبت لانا طاطور آنذاك: "يخفق تشخيص باينارت في تحديد ماهية المشكلة الحقيقية: إنها ليست عام 1967، بل عام 1948، والصهيونية نفسها كمشروع استعماري استيطاني عنصري".
إعلان"لم يكن الفلسطينيون مَن أدخل منطق الفصل العنصري بين اليهود والفلسطينيين في فلسطين ويطالب باينارت بإصلاحه؛ بل الصهيونية". وأضافت أن باينارت لم يتخل عن حل الدولتين لأنه وجد الصهيونية هي المشكلة، "بل بسبب طموحه لإعادة صياغة الصهيونية الليبرالية إلى شيء يمكن للصهاينة الليبراليين الحقيقيين، مثله، التعايش معه".
بعبارة أخرى، لم يتخل باينارت عن الصهيونية.. بل عدّل فهمه لها فقط.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة الوثائقية (@aljazeeradocumentary)
"حساب"بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت إسرائيل مشروع إبادة في غزة. ومن خلال هجمات عشوائية تستهدف المنازل والمستشفيات ومخيمات اللاجئين، إلى جانب حرمان منهجي من الغذاء والمساعدات والإمدادات الطبية، باتت مساحات شاسعة من قطاع غزة أنقاضا.
في كتابه الجديد، يكتب باينارت أنه شاهد رعب الدمار الذي لحق بالفلسطينيين في غزة، وبموافقة العديد من يهود العالم: "لقد عانيت من الطريقة التي برر بها العديد من اليهود -وفيهم أشخاص أعتز بهم- تدمير مجتمع بأكمله".
يضم الكتاب 117 صفحة (و55 صفحة إضافية من الملاحظات)، ناعيا أسبابا مزعومة دفعت يهودا أميركيين إلى تجاهل أو تبرير أو الإشادة (بكلماته) بينما عانت غزة من إبادة جماعية عاما ونصف العام.
يضم الكتاب 5 فصول، ومقدمة، و"ملاحظة إلى صديق سابق"، فيتتبع باينارت قصة تحرير اليهود -بأمثال من التوراة ممزوجة بتاريخ إسرائيل القمعي- ليوضح كيف وجد كثير من اليهود طرقا للتركيز أساسا على كونهم ضحايا كوسيلة لإنكار قدرتهم على القمع، وهو أيضا نداء لمواطنيه اليهود إلى إعادة النظر في موقفهم المتعصب لدولة يعتزون بها وتسمى إسرائيل.
في "مذكرته إلى صديق سابق"، يزعم باينارت توقفه عن الحديث معه بسبب موقفه من غزة، يكتب: "أعلم أن معارضتي العلنية لهذه الحرب، ولفكرة دولة تفضل اليهود على الفلسطينيين، تشكل خيانة لشعبنا"!
إعلانالسطور الافتتاحية مفيدة، ومثل معظم أجزاء الكتاب، مربكة ومحيرة.
لا تمهد المقدمة للهجة كتاب مثقل بالتردد فحسب، بل تحرك حجة باينارت التي تعتبر الصهيونية أمرا مسلما به، وتمحو المعارضة اليهودية التاريخية للأيديولوجية الصهيونية العنصرية، وتعطي مصداقية لمطالبة اليهود بفلسطين.
مع ذلك، يسلط باينارت الضوء بإيجاز على نشأة الصهيونية وإسرائيل وسط موجة أوروبية معادية للسامية. ولا يتردد باينارت في الإشارة إلى مصطلحات استعمارية لمؤسس الصهيونية السياسية ثيودور هرتزل، أو لآراء عنصرية صارخة لرائد اليمين الإسرائيلي المتطرف فلاديمير جابوتنسكي.
ويوضح كيف تحول الصهاينة بسلاسة من وصف مشروعهم "بالاستعمار الفاضل" عندما كان شائعا إلى "ضحايا أفاضل" عندما أصبح الاستعمار كلمة بذيئة.
في استقرائه "لمعاداة السامية الجديدة"، يشرح باينارت كيف يخلط عمدا بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، وينفق وقتا في دراسة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين التي اجتاحت الولايات المتحدة عام 2024، والادعاءات بأن اليهود شعروا بعدم الأمان خلال ذلك.
يرثي باينارت لحال يهود العالم الذين جعلوا إسرائيل صنما معبودا، ويؤكد على عبثية أن انتقاد إسرائيل أصبح أكثر انتهاكا للمحرمات من مناقشة حقيقة اليهودية نفسها. ويشير إلى أن جماعة "هليل" الطلابية بالجامعات تعتبر إسرائيل "عنصرا أساسيا في الحياة اليهودية"، ويقول: "في معظم أنحاء العالم اليهودي اليوم، يعد رفض الدولة اليهودية كفرا أعظم من رفض اليهودية ذاتها".
لكن هل نجح هو نفسه في التحرر من فتنة الصهيونية؟
سيتضح سريعا أن باينارت، رغم تعاطفه واهتمامه بالفلسطينيين، يبحث عن طريقة جديدة لسرد قصة قديمة.
عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بأيام، يعترف باينارت بأن عواطفه تراجعت أمام دوافعه القبلية، وكان يراجع خطابات أو مقالات اليسار المناهض للحرب بحثا عن إدانة لقتل المدنيين الإسرائيليين، وقال إنه غالبا ما يفشل في العثور عليها، وأصابه ذلك بخيبة أمل.
إعلانعندما بدأ أعضاء حكومة إسرائيل بالاستعانة بقصة العماليق التوراتية لنزع الإنسانية عن الفلسطينيين، أو تشبيههم بالنازيين لبناء إجماع غربي على قصف غزة، كتب أنه "فهم مصدر هذه المقارنات".
بالنسبة لشخص على دراية بحصار لاإنساني لغزة استمر 17 عاما، حيث تطلب إدخال الخضراوات موافقة إسرائيل، يبدو أن باينارت يعتقد أن حبه للحياة اليهودية يعفيه من الرد بمسؤولية على أحداث 7 أكتوبر. ففي منشور كتبه بموقع "سوبستاك" (Substack) أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد 18 يوما من هجوم حماس.
بحلول 25 أكتوبر/تشرين الأول، كان نحو 7000 فلسطيني قد قتلوا بالفعل، وجرح 18.5 ألفا، لكن هذا لم يمنع باينارت من مناشدة اليسار المؤيد لفلسطين "التأكيد على حياة وإنسانية اليهود الإسرائيليين" الذين أسرتهم حماس، تماما كما كان اليهود بحاجة إلى "الشجاعة للنضال لأجل الحرية والمساواة للفلسطينيين".
هذه المعادلة الزائفة بين آلة الدولة الإسرائيلية والفلسطينيين تجسد بوضوح رفض باينارت أو عجزه عن فهم طبيعة الصهيونية الإبادية تماما. وبدل تصحيح المسار، يواصل باينارت هذا النهج الفكري عند مناقشة شعارات النشطاء المؤيدين لفلسطين أو حركة طلاب الجامعات.. "أتمنى لو أن المزيد من النشطاء المؤيدين لفلسطين التزموا بوضوح بقواعد الحرب"، يكتب في أحد أقسامه عندما يصف صمت اليسار "المفترض" إزاء هجوم 7 أكتوبر.
وحول الشعارات، يجادل قائلا: نظرا لما فعلته إسرائيل، فالشعارات المؤيدة لإسرائيل مثل "لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها" و"أنا أقف مع جيش الدفاع الإسرائيلي" لا تقل خطورة عن "الانتفاضة" أو "المقاومة".
وحول الاستخدام الفلسطيني لعبارة "من النهر إلى البحر"، التي وصفها الفلسطينيون مرارا وتكرارا بأنها تطلّع إلى الحرية، يركز باينارت على المخاوف الصهيونية من كونها دعوة لإلقاء الإسرائيليين في البحر! ويقدم دائما عبارة هادئة، لكنها مزعجة: "لا سبيل لإثبات من هو على حق" في معنى هذه العبارة.
ونظرا لتزايد خطر العقوبات والاعتقال بسبب استخدام هذه العبارة، يجب أن يدرك باينارت أن غموضه يعزز الخطر الذي يواجهه متظاهرون مؤيدون لفلسطين يجرؤون على استخدامها.
إعلانوعند تناوله "معاداة السامية الجديدة"، التي تخلط بين نقد الصهيونية ومعاداة السامية، يشوش باينارت على تجربة احتجاج الطلاب المؤيدة لفلسطين، مستخدما عمدا أمثلة فردية من "انزعاج" الطلاب اليهود الصهاينة من الحركة المؤيدة لفلسطين كوسيلة لتهدئة الادعاءات الصهيونية بتفشي معاداة السامية بالجامعات.
ويكتب: "أخبرني عدة طلاب يهود أنهم يخشون النبذ إذا دعموا إسرائيل علنا"، مضيفا لاحقا: "أصبح اليهود آخر حلقة في سلسلة طويلة من الأميركيين الذين يعانون لارتباطهم بدولة أجنبية يكرهها أميركيون آخرون". ولكن هل يعاني اليهود الصهاينة في أميركا بسبب الإبادة الجماعية في غزة؟!
يصعب العثور على مثال واحد لمؤيد لإسرائيل فقد وظيفته أو تمويله أو فرصته الأكاديمية بسبب دعمه لها. رفض الطلاب اليهود المناهضون للصهيونية، الذين شاركوا كجزء لا يتجزأ في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في أنحاء البلاد، رواية باينارت رفضا قاطعا. إن نهجه هنا ليس دقيقا، بل هو أيضا مضر للغاية.
في سياق يحظى فيه الطلاب اليهود الصهاينة بدعم إدارات الجامعات، وطبقة المانحين، والدولة، من البيت الأبيض إلى الشرطة، فإن اقتراح باينارت أن اليهود الأميركيين كمجتمع كانوا لا يزالون ضحايا آنذاك، حتى مع مهاجمتهم الطلاب المؤيدين لفلسطين، وإدراجهم بالقائمة السوداء، والمساعدة في تجريمهم، مما أدى إلى فصلهم من الدراسة، واعتقالهم، وحتى مضايقة الأساتذة وفصلهم؛ يبدو أشبه بمحاكاة ساخرة.
ليس الأمر أن باينارت لا يذكر أن الطلاب المؤيدين لفلسطين أكثر عرضة لمواجهة إجراءات عقابية على نشاطهم، بل إن إصراره على المراوغة اللطيفة بأن كلا الجانبين ارتكب أخطاء أو عانى، أو يحتاج لإعطاء الأولوية للتواصل عندما يطالب أحد الجانبين بشدة لإنهاء إبادة جماعية -يدعمها الطرف الآخر ويضغط لأجلها علنا- هو ما يجعل حجته ببساطة؛ واهية.
إعلانوكما أخبر طالب أميركي يهودي بجامعة تفتس: "بصفتنا يهودا مناهضين للصهيونية، بدلا من التباهي بسياسات الاحترام وانتقاد لغة يستخدمها الفلسطينيون لمعارضة الإبادة الجماعية ضدهم، علينا أن نسعى لمحاربة الصهيونية داخل مجتمعاتنا اليهودية".
وهكذا، بتقديمه هذه التنازلات دوريا، يشير باينارت لقرائه اليهود الصهاينة أنه لم يتخل عنهم.
ولد باينارت بالولايات المتحدة عام 1971 لأبوين يهوديين مهاجرين من جنوب أفريقيا، وأمضى معظم سنوات تكوينه خلال حقبة الفصل العنصري. نشأ في أسرة ليبرالية -والده أستاذ الهندسة المعمارية بمعهد تكنولوجيا ماساتشوستس بينما ترأست والدته برنامجا لأفلام حقوق الإنسان بجامعة هارفرد- وتخرج بجامعة ييل عام 1993، وعين مديرا لتحرير مجلة "ذا نيو ريبابليك" بحلول العام 1995. ويبدو أنه كوّن إيمانا راسخا بالاستثنائية الأميركية خلال عمله بالمجلة.
في عهده، دعمت المجلة حرب العراق عام 2003، وجاء في افتتاحيتها عام 2004 (خلال إدارته): "نشعر بالندم، ولكننا لا نشعر بالعار". لاحقا، في 2010، نشر كتابه "متلازمة إيكاروس: تاريخ الغطرسة الأميركية" حول خطئه في دعم غزو العراق.
بغض النظر عن الخطأ الفادح في دعم غزو العراق، فإن كتابه الأول الصادر عام 2006، بعنوان "الحرب الجيدة.. لماذا يستطيع الليبراليون -والليبراليون وحدهم- كسب الحرب على الإرهاب وإعادة أميركا عظيمة"؛ سعى فيه باينارت لدفع الليبراليين، وبالأحرى الحزب الديمقراطي، إلى تبني المسعى الحضاري لما يسمى "الحرب على الإرهاب".
يقارن الكتاب التهديد الذي شكلته الأنظمة الشمولية منتصف القرن الماضي بمن يسميهم "الجهاديين". ويكتب: "أميركا بحاجة ماسة لرؤية بديلة -متجذرة في التقليد الليبرالي- لمحاربة الجهاد العالمي.. لكن الليبرالية الطارئة اليوم تنكر أولوية محاربة الجهاد العالمي".
إعلانيتسم الكتاب بنزعة قومية وعسكرية محمومة، ويقرأ كبيان إسلاموفوبيا يميني متطرف. كما يقر بأن العنف الصناعي كان أسلوبا مقبولا لبناء العالم وفقا للرؤية الأميركية.
ويضيف: "من السذاجة الاعتقاد بأن الحرية، حتى بمعناها الواسع، والسعي إليها بسخاء وتواضع، يكفي لهزيمة الجهادية.. لن يجدي أي قدر من المساعدة أو الاستثمار نفعا إلا إذا أعيد إرساء النظام".
لكن كما تمضي القصة، وبصفته صهيونيا ليبراليا معظم حياته، غيّرت زيارة للضفة الغربية المحتلة وهو في منتصف الثلاثينيات من عمره؛ نظرته لإسرائيل.
انتقل باينارت من كونه صهيونيا راسخا، مؤمنا بإمكانية أن تكون إسرائيل ديمقراطية ويهودية معا، إلى استنتاج "جديد" بأن إسرائيل، واقعيا، دولة فصل عنصري بنيت لتعزيز فوقية اليهود. لكنه لم يستطع التخلي عن الصهيونية. وكما اتضح لاحقا، لم يستطع التخلص من التزامه الراسخ بالليبرالية، كما وصفته الباحثة في الاستعمار الاستيطاني، لانا طاطور، آنذاك.
في عام 2021، وصف باينارت نفسه بأنه "صهيوني ثقافي" على خطى مفكرين آمنوا بصلة اليهود بأرض فلسطين، ولكن ليس بالضرورة بإنشاء دولة يهودية عليها. في كتابه الجديد الذي يستكشف "محاسبة" يهودية بعد تدمير غزة، يبني على هذه الأطروحة، وإن كان حذرا للغاية في كلماته.
بينما يناقش باينارت مخاوف اليمين الصهيوني المتطرف من اعتبار الصهيونية مشروعا استعماريا استيطانيا، لا يعرّف نفسه ولا يُقدم تعريفا مقنعا للصهيونية. بل يختار العودة إلى التوراة وتقديم عبارة موجزة مفادها أن "لليهود صلة روحية قديمة وعميقة بالأرض" للمطالبة بالبقاء فيها.
عندما سأله آزاد عيسى في حفل إطلاق كتابه بنيويورك عن اختلاف استحضار هذه الإشارة الروحية للأرض عن الصهيونية، قال إن هذه الصلة "ليست من صنع الصهيونية؛ بل هي متأصلة بالنصوص اليهودية". وأضاف أنه لا عيب في الشعور بالارتباط بالأرض، سواء أكان ذلك ارتباطا اليهود بإسرائيل أو الأفريكان بجنوب أفريقيا، "طالما أنه لا يبرر الفوقية".
إعلانلكن ليس واضحا كيف يتوقع باينارت من صهاينة -تغذّوا بالعنصرية والكراهية تجاه الفلسطينيين- أن يتخلوا عن الفوقية في إسرائيل مع الإيمان بعلاقة توراتية خاصة بالأرض.
تقول أماندا جيليندر، وهي كاتبة يهودية مناهضة للصهيونية: "أعتقد أن أكثر ما يزعجني في الحجة الصهيونية "الثقافية" المتداعية التي يحاول بيتر طرحها؛ أنها مجرد صهيونية محوّرة وأعيد تغليفها لتناسب العصر". وأضافت: "إنها محاولة من المستعمرين اليهود للاحتفاظ ولو بجزء من غنائمهم المسروقة على أرض نهبوها ودمروها.. إنه يشارك في بناء عالم صهيوني".
في جوهرها، تبدو هذه الحجة محاولة من باينارت لتزويد الصهاينة اليهود بمخطط للهروب من المساءلة عن الجرائم بفلسطين. وهنا، يستخدم مثال جنوب أفريقيا ليقدم ضمانات تبدد مخاوف الصهاينة اليهود من الوقوع في الهاوية.
في جنوب أفريقيا، انتهى نظام الفصل العنصري بعد 46 عاما -وهو الذي بني على الاستعمار البريطاني والهولندي الاستغلالي لقرون- وسمح للبيض بالاحتفاظ بممتلكاتهم ومواردهم.
ويكتب: "عندما يكتسب المضطهدون صوتا في الحكومة، فإنهم يكتسبون طريقة أخرى للتحدث إلى أصحاب السلطة، طريقة لا تعرض حياتهم للخطر".
تحت ستار الديمقراطية الليبرالية الغربية، يكمن وعد المساواة والعدالة، وذريعة النقص الدائمة. لكن باستثناء لجنة الحقيقة والمصالحة، لم تكن هناك مساءلة حقيقية أو تعويضات للسود في جنوب أفريقيا.
دخلت جنوب أفريقيا الاقتصاد العالمي، ولم يكن لدى السود فيها سوى حق التصويت وملابس يرتدونها. واليوم، تعد جنوب أفريقيا من بين أكثر دول العالم تفاوتا في الدخل.. أي أن البيض تخلوا عن تفوقهم المؤسسي المنصوص عليه قانونيا، لكن هل تخلوا عن آرائهم الفوقية العنصرية؟
على أي حال، وفرت لهم براعتهم الاقتصادية امتياز العيش في أحياء أفضل، والالتحاق بمدارس أفضل، وكسب عيش أفضل، والسير على طرق معبدة.
إعلانلا يزال البيض في جنوب أفريقيا يمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي، ويهيمنون على مناصب الإدارة العليا بالشركات الخاصة. ووجد تقرير أنهم يشغلون 65.9% من المناصب الإدارية العليا، بينما يشغل السود 13.8% فقط.
إن تخلي يهود إسرائيل عن الفوقية اليهودية دون محاسبة وتعويضات سيكون بمثابة انقلاب، فهم لن يخسروا شيئا.
يقول أستاذ الإنجليزية بجامعة مدينة نيويورك، سراج أحمد: "ما يدعيه باينارت هنا هو أن لليهود تعلقا بالأرض لا يختلف حقا عن العديد من أنواع الارتباطات المختلفة بأراضي العديد من أنواع الشعوب المختلفة عبر التاريخ".
وأضاف أحمد: "ما لا يقر به هو أن هذا هو تعلق المستعمرين بأرض المستعمرات. وهو يلمّح إلى أنه إذا استطعنا ببساطة تطهير اليهود من فوقيتهم اليهودية، فسيكون لهم كل الحق في البقاء بهذه الأرض. إنه لا يقر بأن العنصرية جوهر الوجود الصهيوني على هذه الأرض. لا يوجد أي ادعاء حول هذه الأرض -حيث يعيش شعب آخر في تشكيلاته السياسية الخاصة- إلا أن يكون عنصريا.
يتجاهل باينارت جانبا آخر من تجربة جنوب أفريقيا، فعندما جرجرت إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، عارض اليهود الصهاينة والعديد من البيض في البلاد هذه الخطوة لمحاسبة إسرائيل. ومع أن التعبير عن تفوق العرق الأبيض في جنوب أفريقيا اليوم قد يعتبر زلة، فإن دعم إسرائيل كان مقبولا تماما.
في الواقع، لدى تحرك جنوب أفريقيا لإثارة قضية فلسطين، قلائل من البيض -وهم جالية بارزة وواضحة في البلاد- ساهموا في هذا التحرك.
في قصة التحرير اليهودي، يقول باينارت إنه حان الوقت لقصة جديدة للشعب اليهودي، قصة يكونون فيها من يضطهدون الآخرين أيضا.
يكتب باينارت في مقدمة الكتاب: "علينا الآن أن نروي قصة جديدة ردا على فظائع ارتكبتها دولة يهودية، بدعم من يهود كثر حول العالم"، مضيفا أن "الكتاب يتناول قصصا يرويها اليهود لأنفسهم وتعمينا عن معاناة الفلسطينيين.. يتناول كيف أصبحنا نثمن دولة، هي إسرائيل، فوق حياة جميع من يعيشون تحت سيطرتها".
إعلانلكن الكتاب لا يتناول هذا الموضوع حقا.
حتى لو استطعنا تجاهل قرار باينارت بجعل اليهود محور اهتمامه في هذه اللحظة -فبالتأكيد، إن التساؤل عن معنى أن تكون يهوديا بينما تشرع إسرائيل في مشروع محو شعب آخر؛ هو في أحسن الأحوال نرجسية مريعة- فالكتاب نفسه عبارة عن مجموعة متنوعة من التفكير والاستنتاجات غير المنطقية.
وبينما يسعى باينارت لتقديم حجة عقلانية ودينية حول كيف ولماذا ومتى انحرف اليهود عن مسار مشروعهم الصهيوني القمعي، يحاول الكتاب في الواقع توفير مخرج لإسرائيل مما مورس ضد الفلسطينيين.
كتاب باينارت امتداد لمنهج فكري تجريبي بدأه قبل عقد من الزمان بصفحات مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس"، ثم بمجلة "تيارات يهودية" و"نيويورك تايمز"، عندما أصبح، كما يبدو، المتحدث الفعلي باسم تيار اليهود الأميركيين الليبراليين السائد. إنه دور لطالما استمتع به، ويبدو كارها تركه، حتى مع تخلفه عن شباب يهود كثيرين مناهضين للصهيونية، ويسعون بطرق أكثر إبداعا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
بدلا من العودة بالموضوع إلى مسألة الصهيونية، والحاجة لذلك ملحة، يتجاهلها ويواصل اختزال النقاش في غطرسة مكتوبة بدقة، تنتهي إلى نفس المكان الذي انتهى إليه قبل سنوات.
يتساءل آزاد عيسى: أين الحساب إذا؟ لا حساب هناك، فماذا يعني أن تكون يهوديا بعد دمار غزة؟
بالنسبة لباينارت، الأمر يشبه تماما الوضع بعد غزو العراق: هناك ندم، لكن ليس هناك ما يكفي من الشعور بالعار!!