مقدمة كتاب “كتابات وقصص قصيرة” للروائية ليلى أبو العلا
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه مقدمة بقلم الأستاذ السفير / جمال محمد إبراهيم لمجموعة من القصص القصيرة والكتابات الأخرى للروائية ليلى أبو العلا، قمت بترجمتها وجمعها في كتاب سيصدر بإذن الله عن دار نشر المصورات بالقاهرة.
--------------------
مُـقـــدِمَــــة
لِلكـتابـةِ الإبْـداعـيـة مَداخِــل. .
أنْ تنالَ عـضوية في الجمعية الملكية للأدب في المملكة المتحدة، لهو شرف لا يتاح إلا لمن نالت أعماله الإبداعية في لغتها الإنجليزية الرصينة، قبولاً مستحقاً من قبل مجلس تلك الجمعية، ووفـق معايير للترشّح والاعتماد تلامس المحتوى كما المضمون.
لقد تركت أعمالها الروائيـة العظيمة صدىً واســعا وحظيت رواياتها وأعمالها النثرية شــهرة مرموقة عكسـتها الجوائز التي نالتها على المستوى العالمي بعد ترجمة أعمالها من الإنجليزية إلى العـديد من اللغات الحية، وأول لغة كانت بالطبع إلى اللغة العربية.
أما الذي جلس إلى مكتبته وقواميسه ليترجم أكثر أعمالها وحرّر هذا الكتاب الذي بين يديك، فهـو الأستاذ الدكتور بدر الدين الهاشمي، ذلك الذي تخصّصَ في علمي الأدوية والسموم كما برع في الأدب والترجمة. عـرف تاريخ العربيّ الشيخ الرئيس ابن سينا، عالماً لم تمنعه الكتابة في الطب عن الكتابة في الموسيقى، مثلما عـرف أدبنا العربي الكثير من الأُطباء والعلماء الذين كتبوا في الشعر والنثر فأبدعوا. ولقـد نظر الهاشــمي- وهو الذي ترجم لليلى عدداً من أعمالها الروائيـة - في كتابات أخرى، بعضها قصصٌ قصيرة وبعضها مقالات نثرية، ألقتْ ليلى فيها إضـاءات على أسـلوب ســـردياتها في كتابة الرواية المُستوحاة من التاريخ، أو ما يعــرف عـند النقــاد بـ "التخيّل التاريخي".
ذلك إبداع يدخل في التاريخ ثم يخرج منه إلى مساحات مفتوحة يلعب فيها الكاتب بخيالٍ خصبٍ بشخوص القصّة، يدخل في أنفاسهم ويسبر أغوارهم ويؤانس أرواحهم، استكمالاً وتلويناً للسرد. غير أنّ ذلك الدخول وذلك الخروج، هــو ما يعطي العمل الرّوائــي تميّـزهُ وإبهاره. لكن تحدثك الروائية ليلى أبو العلا عن التنقيب عن حقائق التاريخ، والذي لا يقلَّ رهقا عن البحث والتقصّي لإعداد رسالة جامعية. بالطبع فإن ذلك البحث والتقصّي المضني، هو ما يشكل الأرضية التي يبدأ بعدها الروائي تجهيز "مكوّنات الطبخـة"، ثم يدفـع بها إلى الطنجرة، حيث تظلّ لبرهة قد تطــول وقد تقصر، والأنسب أن تبقَى على نارٍ هادئة لأطول مدة. الروائي الماهر هو من يضبط خلط المكوّنات بذكاء يحفظ التوازن فـلا يكثر من الماء والزيت وهو التاريخ، ولا يقلل من البَهار وهو الخيال، فتفسـد الطبخة في الحالين. ثمّـة من كـتبَ روايـة في التخيل التاريخي ـ فانتهى عمله- أو قلْ طبخته- الروائيـة، إلى كتابٍ في التاريخ، تجاوزت صفحاته الأربعـمائة مـن الحجم الكبيـر. .! ما أتعس قراؤه فقد أتعبهم بتلـبُّـك ثقافي البـرءُ مِنه مُكلـف إن لم يكن مستحيلا. لـم تكـن تلـك سُـــبُـل تتبعها ليلى في استنطاق تاريخ تُمازج وقائعه بما يُحيـك خيالها الخصب في ملاعـب رواياتها البديعـة.
في خاطراتها حول ما أبدعــتْ ليلى من روايات أذهلـتْ نقـاداً يدبّجـــون مقـالاتهم ومقـالاتهـن، في صفـحـات أدبيـة في صحـفٍ مثـل الـ"جـارديان" في بريطـانيـا، أو الـ "نيويورك تايمز" الأمريكية ، تقـدّم الروائية تجربتها قي سطور مُختزلة، لا تشبع ولا تغني، وإني لأحثها لأن توسـع في الذي اختزلته،ْ فالكـثيـر الكثير في تجــربتها الإبداعـية ما قد يحتاج لإفصـاح أكـثر تفصيـلا من جـانبها . في هــذا العالــم الـذي صــار "معولماً" بأكثر ممّا كنا نظن، نوَّعّـْت لـيلى تجــربتها الحياتـيــة بتطـوافٍ جغــرافي لامست خلاله مجتمعات وثقافات وألسُـن، فكانت بقلمها سـفيرة لوطنها الســـودان، لثـقـافـاتـه وأدابه وفـنونـه. ونحـن نعرف عـن أســوار الغـرب الأوروبي والأمـريكي العصيّة على العبور. عـبرتْ ليـلى بقـــدرات وبذكاء وبحصافة، إلـى أبعـد من الإقليم الذي انتمت إليـه، فأوحـى لها ما أوحى مـن إبداع، فـثبتـت صــورتها راســخة قوية، حتى جاءها التشريف يسعى بما كسـبت وكتـبت يداهــا بزمـالة الجمعية الملكية للأدب الانجليــزي. وإنْ بلغ البروفسور الرّاحـل عبد الـله الطيّـــب عضــوية مُسـتحـقـة بمجمع اللغـة العـربيـة في القـاهـــرة، فـقـد ارتـقـتْ ليـلـى أبو العــلا درجــات إلـى العُــلا، بـنـيـلـها زمــالة تلـك الجمعـية الملكـيــة في لــنـدن، عَـريــن الأدب المكــتـوب بالإنجليـزية.
شــاركتُ مرّة في مسابقة في كتابة القصة القصيرة نظمها مركز عبد الكريم ميرغـني الثقافي للشباب فراعني استخفافُ بعض المتنافسين في تقـديم ما حسـبوه مـوادَ في الإبـداع تستحق أن تنافس للجائزة. حمدتُ لهؤلاء الشباب إقدامهم للمشاركة والتنافـس، لكنّي نصحتُ بأمرين: أولهما المزيـد من الإطلاع على المنشور والمتاح في أدب القـصص القصيـرة، وثانيهما السعي لاكتساب قدرات في الكتابة الإبداعية، مضامينها وأساليبها، خاصة تجويد اللغة وجمالياتها.
أحسب أن ما جاء في هذا الكتاب من نصائح تقدمها كاتبة مرموقة وما حـوَى كتابها مـن نماذج لبعض قصصها القصيرة، يفيد كثيراً جيلاً ناهضاً من شـبابٍ يتطلع ليكتب في الآدب. ولعلّي تعمدت ألا أثير موضوع غياب الموهبة عند بعضهم. غير أنْ أهمَّ ما حملـتْ مقـالات ليلى وأقاصيصها، هو أن تتقـدم الموهبة كلّ أمرٍ في شأن الكتابة الإبداعـية. تلك من الدروس القيمة التي يعـزّزها لـنا كلُّ من الأديبـة الروائية ليلى أبو العـلا والمترجم بدر الدين الهاشــمي. الروائيـة جاءت بها الموهبة من علم الاحصاء إلى الأدب، والمترجم جاءت به الموهبة من علمي الأدوية والسموم إلى الترجمة الأدبية.
جمال محمد ابراهيم
alibadreldin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لیلى أبو
إقرأ أيضاً:
الكتابة والحزن
يلحظ كثيرونَ على الكتاب ميلهم إلى الكتابة السوداوية الحزينة، وربما يعود ذلك إلى أنهم إنما يكتبون من أجل أن ينفِّسوا عن احتقان داخلي مليء بالحزن والأسى. يقول الكاتب والقاص السعودي أحمد الدويحي: “لو لم أكتب تلك المجموعة (مجموعة قصصية) في حينها لمسَّني الجنون، فقد شعرت أنني أفرغت حمولتي القرويّة على الورق”.
*عندما أكتبُ لا أغمس ريشتي بالمحبرة بل في صميم الحياة. بليز سندرار.
متعة الروايات
يرى بعض الخبراء والمجربين أن قراءة الروايات قد تكون أفضل بداية للتعلق بعالم القراءة؛ ذلك أن بعضها تتضمن عالمًا واسعًا من الخيال والمتعة التي تجذب القارئ، وتشدَّه إلى شخصياته حتى نهاياتها. لذا ينبغي ألا نتخذ موقفًا من قراء الروايات، بل نشجع عليها حتى لو استمر عليها البعض. فبعض الروايات تتضمن- علاوة على خاصية الجذب فيها-، جوانب رائعة جدًّا من الأدب الراقي والمفردات الجميلة التي تضيف إلى الحصيلة اللغوية للقراء.
*كنت أقرأ في الصباح وفي المساء، في فراشي وعلى طاولة الطعام، أقرأ في طريق الذهاب والإياب إلى المدرسة، وفي الفسح بينما كان بقية الصبية يلعبون. جاك لندن (كاتب أمريكي 1876-1916).
محركات الكتابة
يُعَدُّ الكبْتُ والحرمان من أهَمِّ العوامل المحرِّكَةِ للكتابَةِ والأدب في بعض المناطق في العالم، ولا أقل من القصائد العربية مثلًا وبعض الروايات الشهيرة دليلًا على ذلك. وقد عبر عن هذا المفهوم الكاتب (إرنست هيمنغواي) حين سئل: “ما أفضَلُ تدريبٍ ليصبِحَ المرء كاتبًا؟ فأجاب: طفولة بائسة”.
*قراءاتي تتغيَّر بتغيُّرِ الواقِعِ والوعي، وتغير المزاج، وعوامل أخرى خفيَّة لا أدركها تفعل فعلها في انتقاء نصوص واستبعاد أخرى. عبد الجبار الرفاعي.
*لو تجاهَلَ الإنسانُ كلَّ سؤالٍ يخالف اعتقادَه، وامتنَعَ عن قراءة الكتُبِ الَّتي تخالِفُ أفكارَه وما يؤمِنُ به؛ فإنَّ حياتَه ستكون خطيئةً ضِدَّ البشرِيَّةِ. ويليام كليفورد.
التفاخر بالكتب
عندما يتفاخر بعض الناس بما يملكون من أموال وممتلكات منقولَةٍ وغيرِ منقولَةٍ، وغيرها من الأمور المادية، فإنَّه يحق لآخرين أنْ يتفاخروا ببعضِ الأمور المعنوية الَّتي لا تُعَدُّ القراءةُ أقلَّها شأنًا.
تحدَّثْ عَنِ الكتُبِ، وصَوِّرْ نفسَك معها ومع فناجين القهوَةِ، واكتُبْ عنها في وسائِلِ التَّواصُل، إنْ أَحْبَبْتَ، ولا يهمَّنَّك مَنْ يعارِضُ ذلك؛ فللنَّاسِ فيما يعشقونَ مذاهِبُ.
*قيل: لا تشيخُ الحياةُ في الصُّدورِ الَّتي تقرأُ.
yousefalhasan@