تأمُلات
كمال الهِدَي
. يظن بعض السذج أن (فرمالة) الجيش خط أحمر يمكن أن تمر على الكل، ويستعصي على هؤلاء فهم حقيقة أن هناك من يؤسسون مواقفهم بعد تفكير متأنٍ ومتابعة عن كثب للمعطيات التي أمامهم وبعيداً عن سياسة القطيع، حتى وإن قاد هذا القطيع بروفيسورات لامعين في مجالات تخصصهم.
. والمعطيات التي ظهرت جلية منذ عشرات السنين وليس أثناء هذه الحرب فقط، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا لا نملك جيشاً وطنياً، بل لدينا مليشيا حزبية يتحكم فيها الكيزان وكتائبهم المجرمة.
. وما جرى بالأمس داخل القيادة العامة من عراك لفظي بلغ حد تبادل الرصاص بين أحد قادة كتيبة البراء وضابطاً بالجيش بسبب إستفزاز الأول للثاني دليل جديد على عدم وجود الجيش الوطني الذي يستحق التقديس.
. وقد راج بعد ذلك أن البرهان أحال عدداً من ضباط الجيش للمحاسبة لأنهم تجرأوا على سادته (صعاليق) الكتائب الكيزانية البغيضة.
. وقبل أيام أيضاً تابعنا الفيديو الذي صوره قائد أول كتيبة البراء (الشافع الجهلول) من داخل مخزن للأسلحة المتطورة، وبالطبع لم يسأل أفراد القطيع أنفسهم عن الصفة التي يدخل بها مثل هذا المجرم لمخازن السلاح الخاصة بالجيش ويصور كما يحلو له بعد أن وضع كوفية الحماسيين على كتفه.
. فماذا تريد يا (ساذج) أكثر من كل هذا كدليل على أن جيشنا الحالي لا يقدسه غير المغيبين، وأن هذه الحرب القذرة لا تستهدف سوى المواطنين وثورتهم التي لفظت الكيزان، قبل أن يعيدهم للمشهد التساهل وإسناد ملف الإعلام تحديداً لرجال غير مؤهلين للحسم والتعامل بصرامة الثوار!
. فحين بدأنا ننتقد فيصل والرشيد ولقمان منذ الأسابيع الأولى لتشكيل حكومة الثورة كنا نسمع من أقرب الناس عبارات من شاكلة " تمهلوا قليلاً ولا تستعجلوا ففيصل ذكر أن القوانين تُحجم دوره في حسم هذا الملف وتطهير إعلامنا من الأدران التي لحقت به على مدى عقود طويلة.
. وكأن الرأي عندنا أن ملف الإعلام لا يحتمل التمهل لأنه إما أن يعبر بهذه الثورة لبر الأمان أو يضعفها ويعرضها للمخاطر، وأن من يؤمن بقوانين وضعتها عصابة الكيزان ما كان من المفترض أن يتولى منصباً حساساً في حكومة الثورة.
. فالبشير نفسه لم يُقتلع من منصبه بقانون، بل بإرادة الشعب وشرعية الثورة.
. وها أنتم قد رأيتم كيف أن إعلاميي الكيزان وأرزقيته الكثر تلاعبوا بثورتكم، وكيف أنهم ساهموا في زيادة النيران إشتعالاً خلال الحرب الحالية لا لشيء غير رغبتهم الجامحة في العودة لوضعهم السابق المميز وركوب طائرة الرئيس كضيوف دائمين، حتى لو أصبح الرئيس مصباح البراء، فهؤلاء لا يهمهم أي شيء سوى مصالحهم الخاصة.
. والأنكى والأمر أننا وبخلاف شلة الأرزقية القدامى والمخضرمين في سوق النخاسة قد صنعنا نجوماً آخرين أثناء الحرب وصرنا نتبادل كتاباتهم القميئة ونستشهد بكلامهم العنصري بالرغم من ترديدنا لعبارة " الثورة مستمرة".
. ويبدو أن بعضنا يفوت عليهم أن الثورة لا تبدأ بتحشيد المتظاهرين والسير في المواكب، بل تبدأ في العقول.
. ولا أفهم إطلاقاً أن نكون ثوريين وفي ذات الوقت نتبادل رسائل عنصري بغيض مثل النكرة عمسيب الذي يدعو صراحة لتفكيك هذا السودان.
. لا أفهم أن نكون ثوريين ونحن ننشر تسجيلات الإنصرافي أو ندي القلعة حتى لو من باب السخرية وإنتقاد ما يرددونه.
. فنحن نعيش في بلد يفيض بالبسطاء والسذج، وكما تعلمون أن إنتشار الغثاء بهذه الكثافة يسبب للكثير من هؤلاء البسطاء تشويشاً كبيراً، فكلما رأوا منشورات أكثر لشخص بعينه ظنوا أن هذا هو من يجب الإصغاء له وأنه أحد أكثر السودانيين وطنية.
. كما أن الثورة حسم وصرامة وما لم نكن صارمين بالقدر الذي يمكننا من مقاطعة كل أفاك فلا يفترض أن نتوقع النجاح في ثورتنا ضد الجهل والطغيان والظلم.
. وأصلاً الكيزان سخروا منذ سنوات طويلة آلة إعلامية ضخمة دفعوا فيها أموالاً طائلة من موارد هذا الشعب المسكين، وأشتروا مئات الأقلام الرخيصة من صحفيين سياسيين ورياضيين ومحللين ومقدمي برامج ولايفاتية ومطربين وممثلين وغيرهم، فكيف رضينا لأنفسنا أن نلعب دور المغفلين النافعين بمساعدة هؤلاء على توسيع دوائر نشر سمومهم يا قوم!!
. صدقوني لو تعاملنا بالوعي والصرامة الكافية منذ أول أيام هذه الحرب لما إستمرت لكل هذه الأشهر الطويلة.
. لكن حالة الإنفصام التي نعيشها كمتعلمين ومستنيرين ، وولهنا ب (الشمار) كان سبباً دائماً في هلاكنا وخراب بلدنا.
. فأنت تكره ما يطرحه عنصري بغيض يدعو لتقسيم البلد لكنك تساعده في النشر، وهذا لا يستقيم عقلاً.
. إن كنت تفهم أن مثل ما يردده لا يستحق التأمل فقد يجذب له ذلك العشرات، بل المئات من بسيطي التفكير، فما المشكلة في أن تتجاهل مثل هذا الغثاء و(تكتله) مكانه! هل هذا صعب وشاق علي من يناصر ثورة مُهرت بدماء أنبل شباب هذا البلد!
. الكل يتكلمون عن أن الكيزان يطلقون الكذبة ويكررونها آلاف المرات حتي يصدقها الناس، لكن لا أحد منا يسأل نفسه عن دوره في هذا التكرار ومساعدته لهم بالنشر.
. دعونا نعترف بأننا كثوار نهتم بالكيزان وتفاصيلهم أكثر من إهتمامنا بثورتنا وما يجري لنا وما يتوجب علينا القيام به، ففي مثل هذا الإعتراف منجاة لنا.
. وختاماً أقول للمغيبين والمغفلين الذين يحفظون اكليشيه ( الجيش خط أحمر ومؤسسة مقدسة) أن مثل هذا الكلام ينطبق على بلدان يفي فيها العساكر بقسم المحافظة على وحدة البلد وسلامة أراضيه وحماية مواطنه، فهل قام جيش الكيزان بأي من هذه المهام منذ العام ٨٩ وحتي يومنا هذا؟!
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مثل هذا
إقرأ أيضاً:
قصة ريم التي صارعت الموت 4 أيام وعادت لتروي مأساة غزة
في مشهدٍ أقرب إلى المعجزة، خرجت ريم حسام البلي (16 عامًا) تمشي على قدميها، منهكة ومغطاة بالتراب، بعد 4 أيام من الزحف تحت الأنقاض، حيث كانت تزيح الحجارة بيديها المرتجفتين حتى تمكنت أخيرًا من الخروج وحدها إلى الشارع، وسط دهشة الناس في بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
وكانت ريم مدفونة بين الركام حيث فقد الجميع الأمل في نجاتها، حتى تم الإعلان رسميًا عن استشهادها مع 12 فردًا من عائلتها الذين دفنوا تحت أنقاض منزلهم المدمر جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي.
وقبل 4 أيام، وتحديدًا الخميس الماضي، كانت ريم تجلس مع عائلتها عندما سقط صاروخ من طائرات الاحتلال على منزلهم في سكنة فدعوس شمال بيت لاهيا، فهوت الجدران على رؤوسهم، وتحول البيت إلى كومة من الركام.
بعد أربع أيام تحت الانقاض!
الفتاة ريم البلّي، 16 عام إستطاعت الخروج من تحت الانقاض بعد أربع أيام من الحفر بمفردها، بعد قصف منزلها.
#FreePalestine pic.twitter.com/iCukuc6HO4
— S O M A S |???????? أحمد المصري (@SomasElmasry) March 31, 2025
وهرع المسعفون بحثًا عن ناجين، لكنهم لم يجدوا أثرًا لأي واحد، ومع قلة المعدات اللازمة لرفع الأنقاض، سُجّل اسمها في قائمة الشهداء، وبدأت عائلتها بتقبّل العزاء.
إعلانولم يدرك أحد أنها لا تزال هناك تصارع الموت في ظلام دامس، تتنفس الغبار، وتسمع أصوات من رحلوا من حولها، دون أن تتمكن من الحركة أو طلب النجدة.
بين الموت والحياةمرت الساعات ثقيلة، ثم الأيام، وريم محاصرة وسط الأنقاض. لا طعام، لا ماء، لا ضوء، فقط الموت يحيط بها من كل اتجاه. لكنها لم تستسلم، كانت تتنفس بصعوبة، تتلمس طريقها بين الركام، تبحث عن أي منفذ للحياة.
مرت عليها 4 أيام وكأنها دهرٌ من العذاب، حتى استطاعت أن تزحف وتزيح الحجارة بيديها المرتجفتين، ثم خرجت وحدها إلى الشارع.
وكانت عيناها تنزفان دماً، وجسدها مغطى بالتراب، ونظراتها تائهة بين الصدمة والذهول. ولم تستوعب بعد أنها على قيد الحياة، ولا كيف نجت وحدها، في حين لم تعد عائلتها موجودة. وقد تحول بيتها إلى مقبرة، وأصبحت ريم الناجية الوحيدة من مجزرة محققة.
شاهدة على مأساةانتشرت قصة ريم بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها الناشطون شاهدًا حيًا على المأساة التي يعيشها أهالي غزة.
وتعليقا على ذلك، قال الناشط خالد صافي عبر منصة إكس "أربعة أيام في ظلام الركام، في حضن الجثث، في صمت الموت.. ثم تنهض، تمشي كأنها خارجة من بطن الأرض، شاهدة على أن الله لا يترك عباده، وأن رحمته وسعت كل شيء".
في زمن الموت والقصف والركام، حيث يظن الجميع أن الأمل قد دفن مع الضحايا، يتجلّى لطف الله على أرض غزة، وتُكتب آية جديدة من رحمته.
ريم حسام البلي، 16 عاماً، انتُشلَت من تحت الأنقاض لا برافعة ولا طاقم إنقاذ، بل بيد الله وحده.
بعد أن قصف الاحتلال منزل عائلتها في بيت لاهيا قبل أربعة… pic.twitter.com/1qIBMEckO9
— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) March 31, 2025
ثم تساءل بحرقة "هل ترى الآن يا عالم؟ هل تسمع هذه الآية؟ هل تدرك أن شعب غزة ليس وحده، بل معه ربّ لا يخذله، وإن خذلته الأرض كلها؟".
إعلانأما مقداد جميل فأشار إلى أن ريم ليست حالة استثنائية، بل هي واحدة من مئات الضحايا الذين ظلوا أحياء تحت الأنقاض لعدة أيام، لكنهم استشهدوا في النهاية بسبب منع قوات الاحتلال طواقم الدفاع المدني من إنقاذهم.
قبل قليل.. تمكنت الشابة "ريم حسام البلي" من إخراج نفسها من تحت أنقاض منزلها بمفردها بعد أن تم قصفه قبل 3 ليال، من طيران الاحتلال.
بقيت لأكثر من 3 أيام تحاول تحت الأنقاض!
بلا شك، فإن المئات مثلها كانوا أحياءً تحت الأنقاض، وبقوا حتى لفظوا آخر أنفاسهم، دون قدرة على إخراجهم، لسبب…
— Meqdad Jameel (@Almeqdad) March 31, 2025
وبدوره، كتب أحمد حجازي "اليوم، حدث أشبه بالمعجزة.. فتاة في السادسة عشرة من عمرها تخرج من تحت الركام بمفردها بعد أربعة أيام من القصف، بعدما فقد الجميع الأمل في نجاتها".
اليوم، حدث أشبه بالمعجزة في بيت لاهيا…
فتاة في السادسة عشرة من عمرها تخرج من تحت الركام بمفردها بعد أربعة أيام من الاستهداف ، بعدما فقد الجميع الأمل في نجاتها وأُعلن استشهادها.
تمشي في الشارع وسط ذهول الناس، تمشي متعبة، منهكة، تنزف من عينها، مغطاة بتراب منزلها الذي تحول إلى… pic.twitter.com/PGopw3Pmv8
— أحمد حجازي Ahmed Hijazi ???? (@ahmedhijazee) March 31, 2025
بينما علق أحد المغردين قائلاً "أربعة أيام من الظلام والموت، ثم تنهض وحدها من بين الدمار.. هل ترى وتسمع أيها العالم الظالم؟".
الناجية من القصف والخذلاناعتبر مدوّنون أن قصة ريم تجسّد معاناة غزة في أبشع صورها، فقد أمضت 4 أيام تحت الأنقاض، فتاة صغيرة وجدت نفسها وحيدة في مواجهة القصف، ثم وحيدة تحت الأنقاض، ثم وحيدة بعد خروجها إلى الشارع تبحث عن بيتٍ لم يعد موجودًا، وعائلةٍ لن تعود أبدًا.
الفتاة #ريم_حسام_البلي من #بيت_لاهيا تبلغ من العمر 16 عام,خرجت اليوم من تحت الركام بنفسها بعد 4 ايام من اعلان استشهادها وفقدان الأمل من انتشالها فتجولت في الشارع وسط ذهول من الناس،و قد كانت في حالة صعبة و مغطاة برماد منزلها الذي قصف واستشهد بسببه كل افراد عائلتها .
— kwika bent (@psychoodemon) March 31, 2025
إعلانوتساءلوا "كم ريما أخرى كانت تحت الركام، تصرخ دون أن يسمعها أحد؟ كم واحدًا منهم كان يمكن إنقاذه، لكن الاحتلال منع وصول فرق الإغاثة؟".
وأشار مغردون إلى أن هذه الفتاة نجت من القصف، لكنها لم تنجُ من خذلان العالم، ذلك الخذلان الصامت الذي يشبه الموت البطيء، ويشبه نظراتها وهي تبحث عن وطنها الذي أصبح حطامًا.