لا تخضعوا لجيش أعاد الدواعش إلى المشهد
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
إن الحديث عن "الانتصارات العسكرية" في الخرطوم وما جاورها لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن السياق العام للحرب التي تمزق السودان. إنها حرب عبثية، لم تنطلق بدوافع وطنية أو سياسية رشيدة، بل جاءت لتدشين صراع دموي على السلطة بين طرفين عسكريين لا يعيران أدنى اهتمام بحياة السودانيين أو آمالهم في الحرية والسلام.
إن دخول الجيش إلى مناطق كان يسيطر عليها الدعم السريع ليس نصراً وطنياً بأي معيار منطقي.
رمزية "النصر الإعلامي"
النصر الذي يروج له الجيش الآن لا يتجاوز كونه انتصارًا رمزيًا وإعلاميًا. الترويج للسيطرة على حي أو مدينة وسط مشاهد الخراب والدمار لا يمكن أن يكتسب أي معنى إيجابي. فالشعب الذي يهرب من تحت الأنقاض، أو يعود إلى منازل مدمرة، أو يعاني انقطاع الخدمات الأساسية، لا يرى أي فرق بين انسحاب الدعم السريع أو تقدم الجيش.
إن إدخال "الدواعش" والمليشيات الإسلامية إلى قلب المشهد العسكري يعد إهانة للثورة والثوار، الذين ناضلوا من أجل دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتقوم على أسس المواطنة المتساوية. كيف يمكن أن يقبل الثائرون بدخول عناصر متطرفة إلى مناطقهم تحت راية الجيش؟ هؤلاء الذين جزوا الرؤوس وبقروا البطون في دارفور واحتفلوا بتدمير قرى بأكملها، يعودون الآن بصفتهم "محررين"!
تساؤلات المواطن المنكوب
من حق المواطن السوداني أن يسأل , لماذا تحول جيشنا إلى طرف في معادلة الصراع بدلاً من أن يكون حامياً للوطن؟
لماذا استخدم سلاح الدولة، الذي تم تمويله من قوت الشعب، في تدمير المدن وقتل الأبرياء؟
لماذا يصر الجيش على استخدام المليشيات الإسلامية التي كانت شريكاً مباشراً في جرائم الحرب؟
إن هذه التساؤلات تكشف الحقيقة المرة: الحرب الحالية ليست إلا نتيجة للفساد العميق والخلل البنيوي في المنظومة العسكرية، التي تأسست لخدمة أجندة الإسلاميين على حساب الدولة والمواطن.
مستقبل محفوف بالمخاطر
حتى إذا توقفت هذه الحرب، فإن أسبابها ستظل قائمة إذا لم تتم معالجة جذورها. من فساد المؤسسة العسكرية، إلى تعدد الجيوش والمليشيات، إلى غياب الرؤية السياسية لبناء دولة المواطنة، فإن السودان يظل معرضاً لحروب جديدة.
لن يوقف هذا العبث إلا وعي شعبي جامع يرفض الاصطفاف خلف أي طرف عسكري، ويرفض استغلال الدواعش والإسلامويين كأدوات للهيمنة. الشعب الذي صنع ثورة ديسمبر بصدور عارية لن يخضع لمن يريد إعادة عجلة الزمن إلى الوراء.
لن يأتي النصر الحقيقي إلا عندما تصبح الحرية والسلام والعدالة هي القيم الحاكمة، وعندما يعود الجيش ليكون مؤسسة مهنية خالصة تخدم الوطن بدلاً من أن تكون أداة للقمع والاستبداد.
لا تخضعوا للدعاية الزائفة، فالشعب هو القائد والمعلم والذي يملك السلطة ولن تنالوا منا غير االقصاص منكم والانصراف لبناء دولة المواطنة والقانون .
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المفارقات في المشهد السوداني!
تدخل الحرب السودانية عامها الثالث بلا أفقٍ لا في وقفٍ لإطلاق النار أو أملٍ في قبول التفاوض، بينما يسقط العشرات من المدنيين يوميًّا ضحايا لهذه الحرب ويعاني من الجوع ثلاثة أرباع الشعب السوداني طبقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
لماذا وصل السودان إلى هنا؟ لماذا يفقد الناس حيواتهم وبيوتهم؟ هل يبرّر الصراع على السلطة محليًّا، وتناقض المصالح الإقليمية، هذا الثمن الفادح؟.
يبدو أنّ هناك حساباتٍ خاطئةً من الجميع في هذه الأزمة ترشّحها للاستمرار لعددٍ من السنوات القادمة، في ضوء حالة الانشغال الدولي بأزمتَيْ أوكرانيا وغزّة وترتيب الأوضاع مع إيران فيما يخصّ مستقبل مشروعها النووي.
الخطأ المركزي، في تقديري، يأتي من جانب معسكر الإسلام السياسي السوداني بقسمَيْه البراغماتي في حزب المؤتمر الوطني والإيديولوجي في الجبهة القومية الإسلامية، إذ لا ينتبه بالقدر الكافي لطبيعة الموقف الإقليمي والدولي من "الإخوان المسلمين"، ذلك أنّ النموذج السوري لم يمرّْ إلّا بإسنادٍ أساسيّ من تركيا بما تملكه من حدودٍ مشتركةٍ أتاحت لها مثل هذا الدور، بينما نموذج "حماس" تمّ الاتفاق الإقليمي والدولي على إخراجه من غزّة بغضّ النظر عن اتفاقنا مع هذا التوجّه من عدمِه، حيث لم يُثمِّن الإقليم العربي الدور المقاوِم ضدّ إسرائيل لكلّ من "حماس" و"حزب الله"، كما ما زالت الولايات المتحددة متحفّظةً على المسار السوري حتّى اللحظة الرّاهنة.
في ضوء هذه الديناميّات، يكون من الخطأ اعتبار أنّ نصر الجيش السوداني مؤخّرًا وقدرته على السيطرة على مناطق واسعة من شرق البلاد والعاصمة السياسية الخرطوم، يمكن أن ينسحبَ على الوزن السياسي لحُلفاء الجيش سواء من الميليشيات التابعة لمعسكر الإسلام السياسي أو الفصائل "الدارفورية" التابعة له، ذلك أنّ للجيش داعمين إقليميين ضدّ هذا الاتجاه، كما أنّه لن يعطي "الدعم السريع" والداعمين له مصداقيةً لمقولة الأخير الشهيرة بأنّ الجيش وقياداته هم انعكاس لإرادة المُعسكر الإسلامي. صحيح أنّ قيادة الجيش قد مارست تعديلًا للوثيقة الدستورية بشطب الشركاء المدنيين من القوى السياسية الموقِّعة على الوثيقة في أغسطس/آب 2019، إلا أنّ هذا الأداء كان بدفعٍ مباشرٍ من حلفاء الجيش على اعتبار أنّ الحكْم العسكري هو الضّامن لاستمرارهم السياسي.
ولكن مع الضّغوط الدولية الراهنة، واتجاه حكومة بورتسودان لرفع دعوى ضد الداعمين الإقليميين لـ"الدعم السريع" أمام محكمة العدل الدولية، سيكون العامل الدولي أكثر تأثيرًا في المعادلات الداخلية.
في هذا السياق، يكون من الخطأ الإستراتيجي لحلفاء الجيش الرّهان على قيادة المعادلة السياسية السودانية على الرَّغم من الضعف النسبي لباقي الأطراف السياسية السودانية في هذه المرحلة، ويكون عليهم بالتالي التأقلم مع هذا المُعطى وتأثيره من حيث التوجّه لوقف الحرب من ناحية، والدفع نحو الحكْم المدني من ناحية أخرى.
أمّا المدنيون في كلّ من "صمود" و"تأسيس"، فلكلٍّ منهما نصيب من الأخطاء في الحسابات، ذلك أنّ "تأسيس" بخروجها عن التحالف الأمّ، لم تحقّق أهدافًا في التأثير في الأداء العسكري ضدّ المدنيين، والذي تمّ إدانته دوليًا، بل إن استمرار هذا الأداء على هذا النّحو الهمجي الذي يحرم الشعب السوداني من مقدّراته اللوجستيّة، ويُدان بالإبادة الجماعية على المستوى الدولي قد وَصم هذا الفريق بالإدانة السياسية واللاأخلاقية خصوصًا أنّ بعض رموزِه القانونية قد وقف ضدّ بلاده في لاهاي.
أمّا تحالف "صمود" الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك، فيبدو أن أدواته ما زالت قاصرة، ورهانه على وقف الحرب عبر الفاعل الدولي بشكلٍ أساسيّ يضعفه على الصعيد المحلي، كما أنّه لم يصرّْ على الدفع نحو خيار المائدة المستديرة بين الأطراف السياسية بالزّخم المطلوب حتّى يتمّ وقف الحرب فعلًا.
وعلى الصعيد العسكري، فإنّه من الخطأ الأساسي اعتبار أنّ الحل العسكري وإبادة الطرف الآخر سوف يكون ناجزًا في حلّ الأزمة السودانية، ذلك أنّ استمرار الحرب يُعمّق انقسامات النسيج الاجتماعي السوداني بما يُعدّ تهديدًا وجوديًا للدولة السودانية في هذه المرحلة، حيث لن تتوقف نظرية "الدومينو" في تقسيم السودان عند محطة دارفور كما يتوقع البعض، ولكنها سوف تستمرّ لتنال من شرق السودان أيضًا على المستوى المتوسط، ليتقزّم السودان أو حتّى يساهم استمرار الحرب الراهنة في تدشين النموذج الصومالي في السودان، بكلّ معطياته في انهيار الدولة وتصاعد التهديدات الأمنية نتيجة تمدّد التنظيمات المتطرّفة.
(خاص "عروبة 22")