محالج مشروع الجزيرة ورجالات العصر الذهبي (٢)
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
بقلم صلاح الباشا
ويتواصل حديثنا عن الجهود الضخمة التي بذلها عمنا الراحل السيد عبدالمجيد عبد الرحيم في تأهيل وتطوير محالج مشروع الجزيرة حيث كان حلج قطن الجزيرة والمناقل ( طويل التيلة) وتصديره الي الخارج حسب طلبات الشراء والحجوزات القادمة من شركات ومصانع النسيج والغزول العالمية تشكل ٨٠ بالمائة من صادرات السودان التي تأتي يالعملات الصعبة التي تغطي احتاجات التنمية والخدمات الصحية والتعليمية والامنية في هذا القطر المترامي الاطراف.
فاشرف السيد عبدالمجيد عبدالرحيم في بداية ستينيات القرن الماضي علي إنشاء محلج ألماني بمارنجان وآخر بالحصاحيصا.. الشيء الذي ساعد في توفير اكبر كمية من بالات القطن المحلوج وبالتالي فقد زادت الصادرات منه اضعافا مضاعفة مما زاد من دخل البلاد القومي.
ونواصل هنا مسيرة هذا الرجل بتوضيح المزيد من تفاصيل خدماته الجليلة المتتابعة في هذا المجال الحيوي بالمشروع كما نتطرق الي نشاطاته الاخري سواء في المجال الاجتماعي او الرياضي الذي عرف به
• فقد سافر لجمهورية الصين الشعبية كمؤسس لجمعية الصداقة السودانية الصينية في العام 1965 بدعوة من الزعيم الصيني الأكثر شهرة (ماوتسي تونج)
و للتهنئة بالثورة الشعبية للصين.
• كما سافر مرة أخرى لجمهورية الصين الشعبية في عام 1968.
• وفي جانب المهام الرياضية القومية فقد سافر الي أديس أبابا في العام 1969 حيث كان رئيسا لبعثة المنتخب القومي السوداني لكرة القدم للمشاركة في المنافسات كأس الامم الافريقية.
• وقد اكسبه عمله ووظيفته في ان يلتقى بالعديد من الرؤساء والملوك والزعماء العرب والعالميين الذين يزورن السودان وتأتي زيارتهم لمشروع الجزيرة ولرؤيةكيفية حلج الاقطان وتعتبر من اهم برامج زياراتهم الرسمية للبلاد ولمحالج مشروع الجزيرة.
ونذكر منهم السيد إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة الاسبق و الرئيس الفريق إبراهيم عبّود وذلك بمرافقتهم لضيوف البلاد من الزعماء الزائرين مثل الرئيس تيتو (رئيس يوغسلافيا) و برجنيف (الرئيس الروسي) و جمال عبد الناصر و الملك فيصل والامبراطور هيلاسلاسي إمبراطور اثيوبيا المعروف سابقا و الملكة اليزبيث الثانية ملكة بريطانيا و زوجها الأمير فيليب .و قد اهدته الملكةصورتها ممهورة بإمضائها وبرفقتها خطابا من السفير البريطاني في الخرطوم تشكره على ما قدمه لهم من شرح و هدايا بعد زيارتها للمحالج بمارنجان في العام ١٩٦٥م.
كما نشير الي اسهاماته الأدبية في حياته ..
فكان أديباً و مثقفاً و مطلعاً, يحب القراءة و الاطلاع علي الأدب العربي و الانجليزي و يصرف من ماله الكثير لاغتناء الإصدارات من الكتب و المجلات
و المنشورات الأدبية , و كانت له مكتبة ذاخرة بالكتب المختلفة.
• ونذكر هنا ايضا انه حين كان محاسبا برئاسة السكة الحديد في مدينة عطبرة كان رئيسه الأديب اللغوي الكبير الشيخ الطيب السرّاج و صديقه و زميله الأستاذ مصطفى أبو شرف و السيد عباس عبّادي والذين يكنّ لهم الكثير من المحبّة و المودّة و الاحترام.
• كما كان يحضر ندوات الأديب عباس محمد العقّاد في صالون العقّاد الشهير عند زيارته الي مصر في العام 1954 وقد أهدى له العقاد كتابا من كتبه و صورة ممهورة بامضائه.
ومن المعروف ان الراحل السيد عبدالمجيد عبدالرحيم كان ناشطا رياضيا ويفهم قوانين كرة القدم تماما مما اهله ليتم اختياره رئيسا للاتحاد المحلي لكرة القدم في مدينة ودمدني طوال فترة الستينيات.
ولانه رجل اجتماعي وناشط من الطراز الممتاز فقد تم انتخابه رئيسا لاهم مرفق اجتماعي للموظفين بودمدني وهو نادي الجزيرة العريق و المعروف والواقع بشارع النيل في تلك الفترات من حقبة الستينات.
كما ترأس جمعيّة فلاحة البساتين بالجزيرة.
• وقد تم اختياره ايضا كاول مؤسس لجمعيّة الصداقة السودانية الصينية و رئيسها في كل السودان فضلا عن رئاسته لها في مدينة ود مدني.
وعند انتقاله للسكن بالعاصمة بعد نزوله الي المعاش من خدمته بمشروع الجزيرة فقد تم إختياره عضوا للجنة الاستئنافات بالاتحاد العام لكرة القدم في الخرطوم طوال فترة السبعينيات.
ومن جانب آخر فقد اهدته جمهورية الصينالشعبية معدات كاملة لنادي التربية البدنية بودمدني في ذلك الزمان.
وقد ظل المرحوم السيد عبدالمجيد عبدالرحيم خلال إقامته بأم درمان لصيق الصلة باصدقائه من رموز المجتمع مثل صديقه المهندس والمقاول المعروف في ذلك الزمان سيّد عبدالله السيّد والرقم السياسي والدبلوماسي الكبير عبدالكريم ميرغني وقد كانوا يجتمعون اسبوعيا كادباء كل يوم جمعة لمناقشة أمور الأدب والشعر واصدارات الكتب.
نتوقف هنا ونواصل عرض الكثير من الاضواء لسيرة هذا الرجل الذي اعطي ولم يستبق شيئا سواء كان ذلك لمشروع الجزيرة او للانشطة القومية الاخري التي ذكرناها سابقا .
وإلي اللقاء في الحلقة القادمة والاخيرة؛؛؛؛
abulbasha009@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی العام
إقرأ أيضاً:
مراسلو الجزيرة بقطاع غزة بين فاقد ومفقود ومولود
بلا درع ولا خوذة، يجلس الصحفي أنس الشريف هادئ الملامح، دون ملاحقةٍ لاستهداف أو هرولةٍ نحو مجزرة، في حجره طفلاه، وعلى جانبيه زوجه ووالدته، في مشهد عائلي حرمته الحرب منه مدة طويلة، يلقّن ابنه "صلاح" وهو وليد الحرب لفظ "بابا". يعيد صلاح من خلفه الكلمة، يبتسم أنس متنهداً "أخيرًا صار يعرفني، هذا هو الشعور الذي قد ينسيني آلام الحرب كلها".
لم ير الشريف ابنه خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلا ساعات معدودة، مما جعل الطفل غير متقبل لأبيه، باكياً كل مرة كانت أمه تصحبه فيه لرؤية والده خلال الحرب.
استعادة أجواء العائلةورغم انتهاء الحرب فإن الاعتياد على أجواء العائلة يبدو عسيرا للشريف خاصة بعد الفترة الطويلة التي قضاها بعيدا عنهم خلف الكاميرات وعلى خطوط النار، كما أن تصاعد الأحداث واستمراره في التغطية يحرمه من الاستقرار في منزله.
وبينما كان مراسل الجزيرة وما يزال منهمكاً في الميدان الصحفي، فإن زوجته بيان تمارس دور الأم والأب معاً، وتتولى رعاية طفليهما، وقد كان ذلك يبدد قلق الشريف خلال انخراطه في عمله، ويذكرها بحب وفخر "زوجتي لم تتركني، رفضت المغادرة رغم توفر الفرصة، وتحملت مسؤولية طفليَّ".
إعلانويستذكر الصحفي ظروف العمل الصعبة ودخوله في حالة من القلق الدائم خلال شهور من الانقطاع التام عن عائلته وانعدام أخبارهم بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت فقد "مرت علي أشهر لا أعرف فيها عن عائلتي شيئًا، لم أكن أعلم أماكن وجودهم أو حتى إن كانوا بخير".
الشهيد الصحفي إسماعيل الغول كان يتلهف للاجتماع بطفلته زينة التي لم يرها منذ بداية الحرب (الجزيرة) صوت أهليوبين أصواتٍ ترى مراسل الجزيرة متهورًا وأخرى تراه بطلاً، يختصر الرجل موقفه بجملة واحدة "من يبادون ويجوّعون ويهجرون هم أهلي وجيراني وأبناء شعبي، ومن واجبي أن أكون صوتهم، مهما كلفني الأمر".
فلم يبرح الشريف الميدان رغم التهديدات المتكررة، وبقي خلف الكاميرا حاملا الميكروفون، ولم يتراجع لحظة عن رسالته، مستمرًا في فضح جرائم الاحتلال طوال 470 يومًا بلا هوادة، فقد خلالها عددا كبيرا من عائلته وأكثر من 200 صديق.
حمل الأمانة رغم التهديدلم يمر شهر خلال الحرب بلا تهديد إسرائيلي أو اثنين للشريف، تهديد تعددت قنواته فقد كان الاحتلال يمرره إليه عبر منصاته الشخصية بشكل مباشر، أو عبر واتساب، وإما بالنشر على صفحات المتحدثين باسم الاحتلال الرسمية، وقد كانت باكورتها استهداف منزله دون سابق إنذار، وقد استشهد إثر ذلك الاستهداف والده.
ويبتلع الشريف دموعه وهو يتحدث عن فقد والده الذي مازال صدى وصيته، "استمر يا أنس" يُقرع في أذنيه، وسألته الجزيرة نت: هل أخافك استشهاد والدك واغتيال رفيق دربك إسماعيل الغول، فجاء رده حاسمًا "لم أخف، بل على العكس فقد زادني ذلك إصرارًا، وصية والدي أصبحت أمانة في عنقي، كما أنّي الآن أكمل رسالة إسماعيل، وأواصل نقل معاناة الناس التي حاول الاحتلال إسكاتها".
والحنين يملأ عينيه، يتحدث الشريف عن صديقه الراحل "لا يغيب طيفه عني خلال هذه الفترة لقد كان متلهفاً لانتهاء الحرب، ويسألني دوماً: متى تنتهي الحرب لنستقر في مأمن مع عوائلنا؟ ويبوح لي بشوقه للاجتماع بزوجته وابنته".
الشهيد الصحفي الغول في لقاء عائلي خاص (الجزيرة) الحلم المفقوداجتماع لم يُكتب له التمام، وقد توقف الزمن عنده في عيني ملك (زوجة الغول) فتقول وهي تتحشرج بدمعها "يوم العودة إلى غزة كان حلمنا الكبير، كل المكالمات بيننا كانت عن هذا اليوم، عن لحظة اللقاء على الحاجز" لقد كانت وابنتها زينة تحلمان بعناق طويل تنقلها وطفلتها من ضنك الحرب إلى سعة حضنه، فكل ترتيبات لقائهما كانت تسير على ما يرام إلا أن يختفي الرجل من حياتها هذا أمر لم يخطر على البال ولم يكن في الحسبان.
إعلانوتسترجع ملك آخر أحاديثها مع زوجها للجزيرة نت، فتقول "سألتُه حين نلتقي من ستحتضن أولا؟ أنا أم زينة؟ أجابني ضاحكا: تغارين من ابنتك؟ قلت نعم، فردّ أنت قبل الكل يا أم زينة". وكل مرة يكتنفها الخوف وتشعر نفسها محاطة بالموت فتبوح له بقلقها فيطمئنها قائلًا "إحنا مش هنستشهد، هنظل عايشين ونشوف بعض وننسى كل الأيام الصعبة".
وتغلب أم زينة الدموع، وتضيف "كل العائدين إلى غزة سيلتقون بأحبابهم وأنصافهم إلا نحن زوجات الشهداء حين نعود سنزور قبورهم ويتحوّل يوم لقاء الحبيب إلى يوم زيارة قبره" وبينما توقف شلال الدم، لكن شلالا من الدموع لم يتوقف منذ إعلان الاتفاق، خاصة حين تفتح ابنتها عليها نيران أسئلتها "متى سنذهب مع بابا إلى البحر؟ متى سنعود إليه؟ متى سنصعد نحو الجنة؟".
سقوط نتساريم ولمّ الشمل
وبين صحفي مفقود وآخر فاقد، كان هناك صحفيون كثر يتلهفون لانتهاء الحرب لينتهي البُعد وتطوى المسافات وليجتمعوا بأطفالهم الذين أجبرتهم الحرب على الابتعاد عنهم، والانشطار في نصفي القطاع جنوبا وشمالا، فلم يكن الصحفي محمد قريقع بحاجة إلى أكثر من لحظة واحدة يحتضن فيها أطفاله ليشعر أن الحرب قد انتهت بالفعل.
فمع اندلاع الحرب، اتفق الصحفي مع زوجته على الانتقال جنوبا مع أطفاله، خاصة بعد أن وضعت زوجته مولودها صبيحة الحرب، بينما بقي هو في غزة مع والدته التي نزح معها داخل المدينة أكثر من 14 مرة، حتى استُشهدت في حصار مجمع الشفاء، حيث أُعدمت أمام بوابته، تاركةً خلفها وجعًا لا يندمل.
وكبر الأطفال بعيدًا عن عيني الأب، في حياة لا تشبه حياتهم القديمة، الأمر الذي جعلهم أكثر إدراكاً ومنحهم وعياً يسبق أعمارهم، وقد كان قريقع يتغلب على شوقه إليهم بتواصله الدائم معهم، يتفقد تفاصيلهم ويستمع إليهم وهم يرددون ما حفظوه من القرآن، لكنه كان يفتقد دفء وجودهم بجانبه، كما أن التوتر والقلق كانا يلازمانه الأيام الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، فقد كانت المخاوف تتضاعف، فكل لحظة كانت تهدده بالخسارة.
إعلان رجوع الروحكان يوم عودة أطفال قريقع إليه بمثابة رجوع الروح "فقد ذهب ظمأ البُعد وابتلت العروق" يتحدث للجزيرة نت عن تفاصيل ذلك اليوم حيث كان العثور على أطفاله من بين مئات الآلاف تحديًا مرهقًا، ساروا 9 كيلومترات للوصول إليه، تشيح أعينهم بحثاً عن حضنه الذي افتقدوه طويلًا، عاد قريقع بأبنائه إلى ما تبقى من منزله في حي الشجاعية، محاولا استعادة جزء من الذاكرة.
لكن قريقع حتى اللحظة لم يجد إجابة لسؤال أطفاله عن جدتهم التي آثر البقاء معها ولم يعرفوا برحيلها بعد، فقد كان أول ما نطقت به ألسنتهم عند لقائه "أين جدتنا يا بابا؟".
عودة بلا أحضانوبينما كان مئات آلاف الغزيين يتدفقون عبر الحاجز الزائل للقاء أحبابهم، كان هناك آخرون يعودون بلا أحضان تنتظرهم، بلا وجوه مألوفة تلوح لهم من بعيد، وكان البحث عن الرفات وانتشال جثامين أحبتهم هو وجهتهم.
"عدت وحيدًا، لم أجد أحدًا من عائلتي ليستقبلني" يصف الصحفي مؤمن الشرافي للجزيرة نت شعوره عندما وطئت قدماه مدينته بعد 15 شهرًا من التهجير القسري، بصوت تختلط فيه الحسرة بالألم فقد "كان الهواء الذي أتنفسه مختلفًا، كأنه أول نفس لي منذ سنوات، هواء غزة هو هواء طفولتي وحياتي".
رجوع إلى العدملكن تلك اللحظة التي لطالما حلم بها تحولت إلى صدمة موجعة عند وصوله إلى مخيم جباليا، حيث كان منزله يوما ما، فلم يجد سوى فراغ مطلق، لا ملامح للمخيم ولا حتى أثر للبيوت حيث إن "جباليا لم تعد موجودة، المخيم ممسوح تمامًا عن وجه الأرض" كما يروي الشرافي، وقد استعان بجار له ليحاول التعرف على معالم المنطقة التي محاها الدمار.
وبينما اختطف الموت بعد شهرين من بداية الإبادة أكثر من 20 فردا من عائلة هذا الصحفي، فإن جثث 6 منهم بينهم والده وإخوته لا تزال تحت الأنقاض حتى اللحظة، وهم جزء من 10 آلاف غزي ما يزالون في عداد المفقودين بحسب إحصائيات الدفاع المدني.
إعلان"رغم كل ما رأيت، لا أستطيع التوقف عن التغطية، هذا الدمار الذي أفنى كل شيء يجب ألا يمر بصمت، هناك آلاف القصص التي لم تُروَ بعد، وآلاف الأرواح التي تحتاج أن يعرف العالم عنها" يقول الشرافي الذي أقصى ما يتمناه اليوم أن تعود غزة كما عرفها: ناسها، ضحكات أطفالها، معالمها التي كانت شاهدة على تاريخها.
وفي انتظار ذلك يتشبث الشرافي بالأمل الذي عاش فيه النازحون وتزودوا به طيلة فترة بُعدهم عن أحضان مدينتهم التي خُلقت لتبقى، كما يقول أبناؤها.