???? العميد (أبوقمري) وابنه في عمليات فك الحصار عن القيادة العامة.. قصة بطولية متعددة الوجوه
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
في ذلك اليوم البعيد من أيام معركة الكرامة، تحديداً في 15 أبريل 2023 كان العميد ركن إسماعيل الطيب “أبوقمري” يُخيط معسكر حطاب جية وذهاباً، وقد مرت فوقه لتوها طائرة حربية يقودها اللواء طلال الريح بنفسه. غطست المقاتلة الميج داخل سحابة بيضاء، ثم اختفت لهنيهة، وسرعان ما هبطت كزخات الشهب الحارقة لترجم برج الدعم السريع، وسط الخرطوم.
*على حافة الخطر*
أدرك أبوقمري، وهو الضابط المظلي، أن الحرب بدأت فعلياً، وبحسابات سريعة فإن قوة الجيش داخل أسوار القيادة أقل بكثير من أن تصمد لفترة طويلة جراء هجمات الجنجويد العنيفة. ليس ثمة وقت لأمر تحرك، الرئيس مهدد والبلاد كلها على حافة الخطر.
ولذا جهز أبوقمري سرية من الفدائيين، على متن نحو 80 سيارة، وشق بهم طريقه صوب الجسر القديم الرابط بين بحري والخرطوم، انعطف يساراً وخاض معركة خاطفة مع كتائب الميليشيا التي كادت تحكم سيطرتها على بيت الضيافة، أطلق نيرانه كالبرق وسحق المجموعة الثانية منها. كان بمثابة مدافع متقدم يناور في مساحة ضيقة، وهو تكتيك رياضي لا يخلو من المخاطرة، ويتطلب – على الأرجح – وحدة دفاعية منضبطة للغاية تتمتع بالشجاعة والحذر، كما في كرة القدم أيضاً.
وقد نجح ذلك المتحرك بالفعل في اختراق دفاعات العدو في جبهة ضيقة شمال نفق جامعة الخرطوم، وبذلك تقريباً خاض أول معركة عسكرية هزم بها الميليشيا بعد ساعات قليلة من معركة الحرس الرئاسي.
معارك الهجوم المتحرك
اتخذت قوات الجيش التي وصلت القيادة المحاصرة لاحقاً، واقتحمتها عنوة، مهام دفاعية بالكامل، وكانت أحياناً تقوم بإرباك هجوم العدو كل ما سنحت الفرصة. وعندما وصل الدعم السريع إلى مدى الأسلحة الصغيرة، وكان قائد المليشيا يتحدث بثقة أن قواته قريبة وعلى البرهان أن يستسلم، قامت أسلحة الجيش في المحيط بالاشتباك معه، لدرجة أن القوة الدفاعية وصل بها الأمر إلى استخدام نيران الحماية النهائية المتاحة.
اتخذت القيادة بعد ذلك وضعية الهجوم المتحرك، خصوصاً بعد وصول متحرك العميد ركن عثمان كباشي في اليوم الثاني للقتال، قادماً تقريبًا من جبل سركاب معية القائد الفدائي العميد عمار صديق، وهم بقية مما أنجبتهم الفرقة التاسعة المحمولة جوا، لتتمكن تلك القوات من نقل المعركة إلى الهجوم وكسر جدار الحصار، بسيف الانتقام البراق، وذلك على طريقة كارل فون “الانتقال إلى الهجوم بشكل قوي وسريع هو النقطة الأكثر ذكاء في الدفاع” وذلك حين خاضت مواجهات أشبه بعملية مانشتاين دونباس في العام 1943، بين الألمان والروس، ساعتها أطلق السوفيت عدداً من الهجمات الناجحة بعد هجومهم المضاد في ستالينجراد، وبحلول نهاية الشهر تم تتويج تلك الهجمات بمجموعة من الخطط لإجبار القوات الألمانية على التراجع إلى نهر دنيبر.
تحت الحصار والمطر
بقى العميد أبوقمري داخل أسوار القيادة العامة نحو 639 يوماً، وساهم ضمن متحركات أخرى وصل بعضها لاحقاً في تثبيت القيادة التي صمدت صموداً أسطورياً، وكانت قد عاشت أهوال الحرب بكل تفاصيلها المميتة، تحت الحصار والمطر والجوع، ومع ذلك بقى فيها البرهان هنالك لنحو خمسة أشهر، وذلك قبل أن يظهر في مدينة أم درمان بصورة مفاجئة، لكن هيئة الأركان ظلت موجودة بكامل ضباطها تدير العمليات الحربية من داخل القيادة إلى اليوم.
فصول تلك المعاناة الممزوجة بالخوف والقلق عاشها معظم السودانيين، وعلى وجه الدقة أُسر الضباط والجنود داخل أسوار القيادة، ومن بينهم محمد إسماعيل (أبوقمري)، ذلك الفتى الذي تحرك من ولاية الجزيرة وقرر أن يخوض مغامرة إنقاذ والده، والمشاركة في مهمة وطنية، أو هكذا كانت تحدثه نفسه بالجهاد.
البطولة والشجاعة
تطوع محمد للمشاركة في معركة الكرامة ضمن كتيبة “أمن يا جن”، لتأتي اللحظة المنتظرة، المحتشدة بكل المشاعر الوطنية، حين التحم جيش أم درمان والكدور مع جيش سلاح الإشارة، وكان محمد ضمن أحد الأفواج التي عبرت إلى القيادة العامة، يعصب رأسه بكوفية فلسطينية، ويتأبط بندقية قنص وقلب لا يعرف الخوف، بدا سعيداً بأنه سوف يعانق والده أخيراً، وذلك بعد تقليم أظافر الجنجويد الذين كانوا قد أحكموا سيطرتهم على مداخل عرين الأسد، في اليوم الأول للحرب، لكن ضباط وجنود القيادة نجحوا بالصبر والتضحيات في كسب المعركة، وقطع الطريق أمام ذلك المخطط، كما أن فك الحصار عن القيادة العامة، ومشاركة أجيال مختلفة في تلك المهمة بدت كما لو انها قصة إنسانية مشحونة بقوة الحب والولاء بين الأب والابن والوطن، لتسفر عن نماذج من البطولة والشجاعة في مواجهة الموت والحصار، بدأت بتحرك الأب لإنقاذ قائده وفك الحصار عن أهم المواقع الاستراتيجية، ثم يلحق بهم الابن لينقذ والده، أو بالأحرى لينقذوا جميعهم البلاد.
المحقق – عزمي عبد الرازق
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القیادة العامة
إقرأ أيضاً:
معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟ محللون يعدّونها عمليات «كرّ وفرّ» لن توقف الحرب
دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة، حقق خلالها الجيش السوداني انتصارات كبيرة و«سريعة» في وسط البلاد، بينما يتراجع «الدعم السريع» بوتيرة متسارعة، بدأت بانسحابه من مدينة ود مدني، ثم عمليات العاصمة الخرطوم التي استعاد خلالها الجيش مقر قيادته العامة، ومناطق «حاكمة»، خصوصاً في أم درمان والخرطوم بحري.
وأثارت «انسحابات الدعم السريع» المتسارعة أسئلة عدة؛ من بينها: هل «قواته» دخلت «مرحلة الانهيار»، أم إن ما حدث كان نتيجة «اتفاق غير معلن» يهيئ طاولة التفاوض عبر «السماح» بتحسن «موقف الجيش التفاوضي»، أم هل اختارت قيادة «الدعم» التراجع عن الانتشار الواسع «تكتيكياً» لتقليل خسائرها أمام الجيش الذي عزز قواته وجدد تسليحه؟
بدأت عمليات الجيش لاسترداد مناطق استراتيجية وسط البلاد، باستعادة منطقة جبل موية الحاكمة لـ3 ولايات: النيل الأبيض، وسنار، والجزيرة، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد ذلك، استجمع مع حلفائه قوتهم، ووجهوها نحو مدينة ود مدني، واستعادوها في 11 يناير (كانون الأول) الحالي «دون قتال يُذكر»، وقالت «قوات الدعم السريع» إنها «انسحبت»، بينما قال الجيش إنه دخل المدينة «عنوة»، وذلك بعد أكثر من عام من سيطرة «الدعم» على المدينة الاستراتيجية «دون قتال» أيضاً.
ومهدت عملية استعادة ود مدني لعمليات الخرطوم بحري، ووصول جيوش أم درمان وشمال الخرطوم بحري، إلى قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة الواقعة تحت حصار «الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
بدأت العملية في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي بعبور القوات الآتية من أم درمان جسر الحلفايا، واستمرت في التقدم شمالاً وجنوباً ببطء، لكنها كثفت وسرّعت عملياتها بعد استرداد مدينة ود مدني.
وفوجئ الناس السبت الماضي بالجيش يعلن عبور جسر النيل الأزرق ويصل إلى مقر «القيادة العامة»، وبالقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يخاطب جنوده «المحاصرين» داخل «القيادة العامة»، معلناً فك الحصار عنها وعن مقر «قيادة قوات سلاح الإشارة»، وقرب «تحرير» الخرطوم من قبضة «الدعم السريع».
بث الجيش مقاطع فيديو من داخل «القيادة العامة» و«قيادة قوات سلاح الإشارة»، ومع ذلك نفت «قوات الدعم» بشدة «فك الحصار» عن «القيادة العامة»، وعدّت فيديوهات الجيش دعايةً حربيةً، معلنة أن قوات محدودة «تسللت»، وأنه ليس هناك «التحام» للجيوش، ونشرت، الاثنين، مقاطع فيديو من على جسر «المك نمر» باتجاه الخرطوم، ومن جسر «كوبر» باتجاه الخرطوم بحري، ومن جسر «توتي» قرب النيل الأزرق، وقالت إنها لا تزال تسيطر على مواقعها، وإن «إمداداً» كبيراً وصل إليها لتشديد الحصار على المناطق المذكورة.
كما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للجيش تقارير عن انسحابات واسعة لـ«قوات الدعم» من مناطق جديدة في الخرطوم، وتقدم ملحوظ للجيش، وهو ما تنفيه «قوات الدعم» بإصرار، بينما تتضارب المعلومات الصادرة عن الطرفين بشأن الأوضاع الميدانية والعسكرية في الخرطوم.
وفي تحليله أوضاع ما بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة، نفى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل فكرة «انهيار الدعم السريع»، وعدّ، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الأمر «مجرد عمليات كرّ وفرّ»، وأضاف: «سيطرة أي من الطرفين ستكون وقتية، والحرب لن تتوقف ما دامت هناك بندقية واحدة مرفوعة».
وأكد اللواء إسماعيل أن الحرب لن تنتهي إلا بـ«التفاوض» الذي يوقف إطلاق النار، ويؤدي إلى الفصل بين القوات، وأضاف: «السلاح منتشر في كل جهات البلاد بيد الأفراد والميليشيات. ومع وجود مجموعات تسعى إلى الانتقام من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول)، فلن تنتهي الحرب»، وتابع: «وجود السلاح بيد الناس خارج القانون ووجود نيات انتقامية، يصعبان عودة الناس إلى مناطقهم. لذلك؛ فلن تقف الحرب إلا بإرادة قوية، وليس بأمنيات».
ودعا اللواء المتقاعد طرفَي الحرب إلى العودة للتفاوض «والذهاب إلى جدة (بالسعودية) لمناقشة الإشكالات المترتبة على الحرب». كما دعا القوى السياسية المدنية إلى الاجتماع من أجل وقف «الشقاق» الوطني «الذي تعيشه البلاد، ويهدد وجودها»، وأضاف: «ما لم تتوحد القوى السياسية، فلن يكون هناك سلام».
وأرجع تراجع «الدعم السريع» إلى ما سماه «إنهاك طرفَي الحرب»، وقال إن نتيجته هي «عمليات الكرّ والفرّ» التي أشار إليها سابقاً، وأضاف: «الجيش والميليشيات الموالية له، حتى لو استردوا الخرطوم، فهذا لا يعني السلام. والحرب قد تمتد لأكثر من 20 عاماً، ولا يمكن حسمها عسكرياً».
واستبعد المحلل السياسي، محمد لطيف، افتراض «انهيار (قوات الدعم السريع)»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوصف الدقيق أن هناك تراجعاً عسكرياً لـ(الدعم السريع)، لكن الحديث عن انهياره غير دقيق، فهو لا يزال منتشراً في مناطق واسعة من السودان. لذلك؛ من الصعب الحديث عن بداية انهيار».
وفي سياق الاحتمالات التي حددها لطيف لتفسير الأوضاع، أشار إلى «أحاديث متداولة عن انسحابات متفق عليها بين الطرفين... والتحول السريع في طبيعة السيطرة من دون مواجهات عسكرية، يعزز من فرضية الاتفاق».
لطيف قال إن «انسحابات (الدعم السريع)» جاءت «منظمة» دون أن يتعرض لمطاردات أو ملاحقات؛ مما يعزز فرضية «الاتفاق غير المعلن»، وتابع: «أيضاً غابت الحملات الإعلامية المعتادة حال سيطرة طرف على مناطق جديدة بعرض فيديوهات الضحايا والأسرى والغنائم؛ مما يقلل من فرضية الضعف العسكري لـ(الدعم السريع) أو التفوق العسكري للجيش».
ورجح لطيف أن تكون «انسحابات (الدعم) تكتيكية يريد عبرها إعادة تموضعه في مناطق محددة تكفيه شر الانتشار الواسع والمسؤولية المترتبة على قدراته وحركته».
كمبالا: الشرق الأوسط: أحمد يونس