غزة.. مدينة لا تُهزم
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
سالم الكثيري
تابعنا بإكبارٍ وإجلالٍ، وللأسبوع الثاني على التوالي، لحظة تسليم حركة "حماس" للأسيرات الإسرائيليات الثلاثة، ثم المُجندات الأربعة إلى الصليب الأحمر الدولي، الذي قام بدوره بنقلهن إلى ذويهن داخل إسرائيل، وما صاحب ذلك من تنظيم واستعراض للقوة وتماسك المقاومة، وزخم الحضور لعناصر كتائب القسام وسرايا القدس؛ بل ومن حاضنة شعبية تُعبِّر بما لا يدع مجالًا للشك عن حقيقة مُساندة سكان قطاع غزة للمقاومة التي تدافع عنهم بكل عِزة وكرامة، على عكس ما يروج له البعض؛ إذ يزعم هؤلاء أن المقاومة باتت منبوذة شعبيًا لما سببته من دمار في حق غزة وأهلها.
وقد تابع العالم مشدوهًا ومذهولًا مسيرات العودة المليونية إلى شمال قطاع غزة، وكأنَّ هؤلاء سيعودون إلى قصور عالية أو حدائق مُعلَّقة، لا إلى أنقاض بيوت دكتها الصواريخ والدبابات الإسرائيلية على مدار سنة و3 أشهر متواصلة ليل نهار، في إشارة عملية وواقعية إلى حق العودة الذي يحتفظ به الفلسطينيون منذ اليوم الأول للاحتلال قبل أكثر من سبعة عقود.
والمتأمل في أمر هذا القطاع، يتساءل منذ الوهلة الأولى عن سِر هذا الصمود العجيب لمدنيين عُزَّل، محاصرون من العالم أجمع، إلّا أن المتأنِّي لن يطول عليه وقت الحصول على إجابة ومعرفة سِر هذا الثبات، فمن حيث المبدأ، فإنَّ هؤلاء لا يُدافعون عن حدود وطنٍ بمفهومه السياسي، ويقفون في وجه محتلٍ غاصبٍ فحسب؛ بل إنهم يدافعون عن أرض مُقدَّسة للفلسطينيين بكل أطيافهم.
هذا من الناحية الإيمانية والعقائدية، والتي تمثل السد المنيع الأول في وجه أي مُحتل ومُعتدٍ.. أما من الناحية الديموغرافية، فإنَّ مدينة غزة تُعد بمثابةِ فلسطين صغرى بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك أن معظم سكانها هم من مختلف مدن فلسطين قاطبةً؛ حيث إن 70 في المئة من سكان غزة مُهجَّرون من 521 قرية وبلدة فلسطينية، أبادتها إسرائيل وأزالتها من الوجود عام 1948؛ أي عام النكبة، وفقًا لما ذكره الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، في إحدى مقابلاته على قناة الجزيرة. البرغوثي يؤكد أن هؤلاء المُهجَّرين لن يُكرِّرُوا تجربة النزوح مرة أخرى بالخروج من غزة، مهما كان الثمن.
أما من الناحية التاريخية، فقد اشتهرت بعض المدن بأنها مدن لا تُهزم، ولعل أشهرها تاريخيًا مدينة "طروادة"، التي تُشير بعض التنقيبات الأثرية إلى أنها موجودة في تركيا الحالية، والتي يُقال إن جيش الإغريق حاصرها لعشر سنوات، ولم يتمكن من دخولها إلّا بالحيلة التي اشتهرت لاحقًا بـ"حصان طروادة"، في جانب أقرب إلى الأسطورة والخيال، أكثر منه إلى الواقع والحقيقة.
وفي التاريخ المعاصر يُشار إلى صمود مدينة السويس المصرية في حرب أكتوبر 1973 لمدة 101 يوم أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، وشجاعة أهلها المنقطعة النظير، في ملحمةٍ خلَّدت المدينة وأبناءها في سِجِل الخالدين.
ولا يخفى على الجيل الحالي، صمود مدينة الفلوجة العراقية، وبسالة رجالها إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003؛ لتصبح مضربَ مثلٍ في الدفاع عن الأوطان، بشهادة الأمريكان أنفسهم قبل العرب والعراقيين.
ولمدينة غزة تاريخ حافل ومُشرِّف في قائمة المدن التي لا تُهزم؛ فلطالما وقفتْ- وما زالت- حجر عثرة في وجه الكيان الصهيوني المحتل منذ بداية الاحتلال إلى اليوم، وهذا ما يُفسِّر لنا مقولة إسحاق رابين الشهيرة "أتمنى أن أقوم من النوم يومًا ما وأجد البحر قد ابتلع غزة"!!
وبما أن البحر بهيجانه وأمواجه المتلاطمة لم يستطع ابتلاع غزة، فمن المنطق ألّا يبتلعها كيان هَشٌ لا يعيش إلّا على إنعاش الإمدادات الأمريكية التي إذا انقطعت عنه ليوم واحد يموت، كمن يموت فجأة بالذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية.
قد يقول قائل إنَّ غزة تدمرت عن بكرة أبيها، واستُشهِدَ فيها ما يقارب 50 ألفًا، وأصيب ما يزيد عن 100 ألف، وهذه حقيقة لا يُنكرها أحد، لكنَّنا، على ما نأسى له من حال أهلنا في غزة ودمار مدينتهم، نسأل هؤلاء أن يُخبروننا عن مدينة واحدة على مدار التاريخ، وقد تحررت دون دفع الثمن؛ فالأوطان لا تتحرر إلّا بالدماء والتضحيات. وبالمقياس المادي لعدد الشهداء والجرحى والدمار الهائل، نقول إنَّ غزة مهزومة، لكن بالمقياس السياسي والنفسي وبشهادة الفلسطينيين أنفسهم من مُستقلين وفصائل غير محسوبة على حماس؛ بل ومن مُحلِّلين إسرائيليين وغربيين، يؤكدون أن المقاومة انتصرت؛ لأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من اجتثاثها- كما كان يُخطط- ولم يستطع إزاحة حماس عن قيادتها للقطاع، كما صرح وزعم نتنياهو مرارًا وتكرارًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غزة وصنعاء تنتصران
أطلق خيالك وتفكر بأي نوع من العذاب أو الضيق في هذه الدنيا، أي الصور الآتية تستحق جائزة البوليتزر لأجمل لقطة تبهر المتفرجين : مجموعة رجال مذعورين يستخدمون مطرقة واحدة لتحريك كتلٍ إسمنتية تزن أطنانا لمحاولة انقاد الضحايا العالقين تحتها أم مجموعة من الأمهات المفزوعات بالقتل وهن يحملن جثامين أطفالهن المقطعة بين أيديهن؟ هل تعرفون معنى المجاعة حقا؟ هل تعرفون معنى وجود مائة وخمسين ألف جريح دون دواء ولا مستشفيات ولا أطباء؟ هل تريدون صفوفا من الأرامل بطول كيلو متر؟ هل تعرفون معنى البرد في الخيام بلا طعام ولا كهرباء ولا مقومات للحياة؟ هذه هي غزة في يوم القيامة، مدينة المقاومة في أعتاب القرن الجديد، حيث تخلى الكل عن غزة إلا من اختار البقــاء .
لأول مرة في التاريخ تُحاصر القضيةُ الفلسطينية وشعبها بهذا القدر من الإجرام ومحاولات الإذابة باستخدام الجريمة والمافيا السياسية والعسكرية، لأول مرة في التاريخ يجري اللعب في الأمن العالمي ويتحول الرؤساء إلى أفراد في عصابات عالمية أهدافها لا تتعدى جمع الثروات الفائقة ، لأول مرة تشن حرب يقتل فيها خمسون ألف فلسطيني ويتم فيها تدمير مدن كاملة بايعاز من شركات السلاح والطاقة الأمريكية ، لأول مرة تتحالف الرجعية العربية وتتكشف عن أصولها اليهودية في خدمة المشروع الذي عُيِنت لأجله، لأول مرة تُشهر الولايات المتحدة انحطاطها الحضاري بهذه الكمية وبهذه الوحشية لتكرس فكرة الوأد للقضية الفلسطينية واستدراجها نحو حفرة كبيرة من الساحة الخلفية للتاريخ حيث يمكن قتل الضحية وإخفاؤها وسط الليل دون شهود، لأول مرة في التاريخ تقف ثلة قليلة صاحبة الحق والشرعية في مواجهة أكبر تحالف عالمي من الصهيونية الأخلاقية والإبادة المصوت عليها بالموافقة الإجماعية .
غزة فلسطين محاصرة مجوعة، تتعرض للقتل اليومي وتحولت إلى جحيم أرضي ومثلها الضفة الغربية، لبنان حكومةً يتوسل السلطات الصهيونية والفرنسية للالتزام بالهدنة ويعد بأن يبقى مؤدبا ومسالما في الوقت الذي يتعرض فيه للقصف والضرب بعدما كان لبنان قبل بضعة أشهر يمتلك الفرصة لتغيير تاريخ المنطقة إلى الأبد، مجموعات عربية ذات أصول يهودية ثرية تعرض خدماتها الوفية للكيان الصهيوني لإغواء وتهديد مصر والسلطة والأردن وتعلن تشددها بأكثر من سموتريتش في ضرورة القضاء على المقاومة وكل معالم الوجه الإسلامي للمنطقة، اليمن أرض العروبة والبطولة يتعرض لغارات متواصلة بين القتل والتدمير ليس لحماية الكيان بقدر الاستيلاء الأمريكي على البحر الأحمر وإذلال أوروبا والعرب، سوريا دخلت النفق الصهيوني والمصير تشوبه ظلال مخيفة من الشكوك والتيه والتحول إلى قضية سورية جديدة عنوانها السويداء والقنيطرة والعلويين ومن يلعب على من ، المجرم المطلوب نتانياهو يصر في كل خطاب له على مصطلح تغيير وجه الشرق الأوسط ليقول لكل الكتلة العربية بأنكم مجرد عبيد في أرضنا وتاريخنا . كل هذه الإنجازات الإسرائيلية التي حدثت في لبنان وسوريا ليست إلا تمهيدا للوصول إلى ايران في التوقيت الصحيح والرسالة هنا لكل الإقليم المضطرب .
لقد تبين الآن أن المقولة الشهيرة ” حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل ” ليست وهما ولا مشروعا قادما، بل هي واقع قائم ولكننا مغفلون وغافلون، لا يوجد أي شيء يفسر هذه الحال التي وصلناها إلا هذه الفكرة، لقد تبين للتو بأن حدود هذا الكيان جاهزة ومجهزة ولا يلزمها سوى رفع علمها الرسمي فوق المحافظات الإسرائيلية المترامية الأطراف حول فلسطين، المحافظتان الوحيدتان اللتان ليستا خاضعتين لهذا الكيان هي غزة وصنعاء ولذلك تشتغل كل مملكة إسرائيل الكبرى لتركيع وضم هذه المحافظات، وضمن هذه الوضعية ومع استمرار عداد القتل داخل الأرض العربية بالتصاعد ترفض الكتل الصخرية العربية أن تستجيب للقوى التكتونية للتاريخ مما سيقود حتما إلى كسرها وتفتتها وانجرافها مع طوفان الأقصى العظيم الذي دفعت به المقاومة الفلسطينية لتحظى هذه الأمة بالفرصة للنهوض والصعود وكسر القيود .
لقد أصبح العالم العربي الساكت جثةً هامدة مثل كائن فضائي وقع بين أيدي رزمة من علماء التشريح الرأسماليين الذين يريدون معرفة ما بداخل كل عضو فيه لتقييم سعره وابتزاز خصائصه، تتحول مصر والأردن ولبنان وسوريا والباقي بلا استثناء إلى قطع غيار معروضة في متجر بيع الأعضاء الأمريكي بعد تقطيع الجسد وتفكيك أعضائه وعرض كل عورة للبيع والابتزاز، لقد أصبح السيد ويتكوف بمثابة المندوب السامي الأمريكي والفارغ عقلا، يتحرك عبر المنطقة ليشرف بنفسه على إذلال حكامها وتحويلهم إلى حرس لمشروع السيطرة الأمريكي ويهدد الأنظمة بالسقوط مع ورقة الإفلاس والبطالة والسخط عليهم .
إن ما يحدث ونراه ولم يعد يُصدق أصبح واقعا، وهنا سادتي لم يعد التحليل السياسي ولا الاقتصادي ولا العلمي ولا التاريخي كافيا لفهم واعتبار ما يحدث بالشكل الصحيح، هنا بالضبط تتدخل النصوص المقدسة المنزلة من السماء لتكشف الغيب وتطمئن القلوب وتريح العقل والنفس قبل أن نفقد عقولنا ونفوسنا من فرط وحشية المؤامرات، لم يكتف المجرمون بحملات صليبية صهيونية عسكرية على غزة ولا بحملات إعلامية أشد فتكا، بل اليوم يحاولون العبث داخل غزة بمحاولات رخيصة مكشوفة لكسر الحاضنة الشعبية للمقاومة والحفر من تحتها، أخطر تجليات هذه المؤامرات هو المظاهرة المفبركة ضد المقاومة التي جرى إعدادها جيدا لتسمم النفوس وتضع الجرح قرب الملح، هؤلاء الذين رتبوا مثل هذه المسرحية العبثية هم ما يسمى بالمقاومة الإسرائيلية، هم أنفسهم من يعبثوا بوعي شعوب العرب طيلة شهر رمضان بالمسابقات والمسلسلات، وهم أنفسهم من يقيم الأفراح والليالي الملاح ويصنعون هيئة إلغاء العقل بالفرفشة والأغاني والطرب واللهب، هم أنفسهم من يشكك في جدوى المقاومة ويشيطن عملية طوفان الأقصى تلبية لنداء كوهين وبنيامين، هؤلاء هم من يطعن ظهر المقاومة ويتهمونها بأنها من تسببت في خراب غزة ، هذه هي المقاومة الإسرائيلية التي رتبت المظاهرات التي تولاها بعض العملاء والسفهاء وتطالب بتنحية المقاومة، إنها الشيء الموازي لكل الجرائم العسكرية والسياسية التي تجري على أرض غزة واليمن ولبنان وسوريا .
لكننا نطمئن المقاومة والرجال الصابرين المجاهدين في غزة واليمن بأن علامات الشدة والبأس والضيق الشديد هي ذاتها علامات الفجر المتربص من الجهة الأخرى للبصيرة المقاتلة، يجب أن تصل القلوب الحناجر من الحصار والقصف والموت والجوع وعربدة العدو شمالا ويمينا، يجب أن تشتد الأزمة حتى الفيضان، يجب أن يغلق الرئيس المعبر ويعتقل كل من يذكر اسم فلسطين ويكون شريكا رسميا في خدمة المجرمين، يجب أن يتآمر الأعراب ويطلعوا بكل أموالهم للقضاء على المقاومة لأن الله مظهر لما في قلوبهم من كفر ونفاقٍ ومكر تزول منه الجبال، يجب أن يجتمع كل أولئك حتى يكون النصر جديرا باسمه، النص الخالد يعيد بعث نفسه من جديد، ويكرر نبوءته حيال المجاهدين عندما واجهوا النسخ القديمة في التاريخ من ترامب ونتانياهو وزعماء القبيلة، (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما)، نعم يا سادتي يجب أن يجتمع الشرق والغرب ضد المقاومة ويجب أن تصل الحبكة إلى ذروتها لكي ينصف الله الحق من الباطل وندخل مشارف معركة الخلاص، وسترون أن غزة ستكسر جبروت المستعمرة الأمريكية، وستشهدون بأنفسكم بأن اليمن العظيم الفقير المعدم الذي يتعرض كل يوم للموت والقصف هو من سيكسر جبروت إمبراطورية الشر الكبرى ويجعلهم أمثولة للزمان .
في داخل الفهم العميق لميكانيكا الكم القرآنية العجيبة هنالك قانون خارق يربض مبيتا داخل المنظومات اسمه ” أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ” وهذا القانون لا يمكن لكل علوم العساكر والسياسة والعلوم البحتة والتطبيقية ان تحكمه أو تفهمه لأنه خارج نطاق هذا العالم، هذا القانون هو سلاح نصر لا يقل عن فعلة قنبلة ذرية، ثمة قانون آخر في هذا العلم العجيب أشد خطورة يصف لكم كيف أن شيئا صغيرا يلقف ويستولي على تأثير شيء أضخم منه، تلك القاعدة هي ” فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ”، هذا هو بالضبط ما لقفته عصا السنوار الخالدة من الهجمة العظيمة على هذه الأمة ووضعته في مهب الريح، وهذا هو النهج الكوني الذي منحه الله للمستضعفين في الأرض وللفئة الصابرة الصالحة التي تضرب ضربتها فتلقف كل ما يؤفكون من جرائم ومؤامرات وحبائك، هذا هو ما تقوم به صواريخ اليمن المقدسة وصمود المقاومة الفلسطينية.
لقد صمدت أيها البطل خمسة عشر شهرا دون ان تنحني هامتك، خمسة عشر شهرا وفشلت أمريكا وفشل آل صهيون وفشل حكم العرب في مسح اسمك الخالد فوق غزة الخالدة، فهل ستحني هامتك بضع بعوضات تحلق قرب قدميك ؟
كاتب فلسطيني