عُمان وقطر.. مُستقبل مُزدهر
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
مدرين المكتومية
انتابني شعورٌ عميقٌ بالسعادة والفرح والزهو والفخر، وأنا أتُابع على الهواء مُباشرة حفاوة الاستقبال الرسمي والشعبي لصاحب السُّمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة، الذي بدأ زيارة دولة إلى وطنه الثاني سلطنة عُمان، وكان حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في مقدمة مستقبلي سموه، في مشهد مهيب اتسم بالفخامة، بدءًا من الأعلام العُمانية والقطرية التي تُزيِّن الشوارع العامة والميادين، مرورًا بالموكب الأنيق الذي رافق سُّموه من المطار السلطاني الخاص وحتى قصر العلم العامر.
مراسم الاستقبال لم تقتصر فقط على الحفاوة الرسمية؛ بل رافقتها مراسم استقبال شعبية، تجلّت في الجموع التي وقفت على جانبي الطريق مُبتهجة بالمقدم الميمون لسُّمو الأمير. كما تابعتُ صدى الزيارة الكريمة على منصات التواصل الاجتماعي، فوجدتُ الآلاف من التغريدات المُرحبة والمُحتفية بالزيارة، وتصدر هاشتاج "عُمان تُرحب بأمير قطر" وهاشتاج "الشيخ تميم ضيف عُمان" منصة "إكس" ومنصة "إنستجرام"، وامتلأت الحسابات بمقاطع فيديو لمراسم الاستقبال، وكذلك عبَّر الكثيرون ممن زاروا قطر أو عاشوا فيها سابقًا، عن سعادتهم بالزيارة، ونشر البعض صورًا تحمل ذكريات جميلة عن قطر وشعبها الطيب الأصيل.
وإذا ما تحدثت عن العلاقات العُمانية القطرية، فلا أستطيع سوى القول إنها نموذج يدعو للفخر لما يجب أن تكون عليه العلاقات الأخوية بين أي بلدين يتشاركان التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات والتقاليد والأفكار والسمت الطيب، وهي علاقات راسخة ومتينة. وقد جاءت زيارة سمو أمير دولة قطر، إلى عُمان لتُجسِّد عُمق هذه العلاقات وتُعزز مسارات التَّعاون والشراكة في مختلف المجالات سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
وعلى مستوى المباحثات الرسمية، فقد عقد عاهلا البلدين- أعزهما الله- جلسة مباحثات رسمية تناولت أوجه التعاون المشترك وسُبل تعزيز العلاقات الثنائية؛ بما يخدم المصالح المشتركة. وركزت المباحثات على القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مع التأكيد على أهمية تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، خاصة وأنَّ منطقتنا تشهد منذ فترة طويلة تحديات وتحولات عميقة أثرت على مختلف الدول؛ الأمر الذي يستدعي التشاور والتنسيق والتباحث حولها بين الدول الفاعلة في المنطقة.
كما تطرقت المُباحثات إلى سبل تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية؛ حيث شدَّد الجانبان على أهمية بناء شراكات استراتيجية تستثمر في الموارد والقدرات التي يتمتع بها البلدان لتحقيق التنمية المُستدامة. وغني عن الذكر أنَّ البلدين يتشاركان في عدد من المشاريع الاستثمارية، كما إنَّ التبادل التجاري بينهما يعكس ما وصلت إليه العلاقات الاقتصادية من تقدم وازدهار.
وفي سياق هذه العلاقات الاقتصادية بين عُمان وقطر، نستطيع القول إنها شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، لا سيما في مجالات الطاقة، والبنية الأساسية، والسياحة، واللوجستيات.
أيضًا على المستوى الحكومي، نجد أن كلًا من مسقط والدوحة يحرصان على التعاون في العديد من المجالات، التي تدعم مسيرة العمل الحكومي وترتقي بأداء الجهاز الإداري للدولة في كلا البلدين، ومن ذلك المباحثات المستمرة حول تبادل الخبرات والمعارف في مجال صياغة السياسات وتوفير البيئة التشريعية المناسبة لجذب الاستثمارات.
أما على مستوى القطاع الخاص، فإن المؤسسات والشركات العُمانية والقطرية تمثل شريكًا أساسيًا في دفع عجلة التعاون الاقتصادي، ولطالما بحث الجانبان إنشاء منصات مشتركة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز التبادل التجاري الذي يشهد نموًا مطردًا، لا سيما فيما يتعلق بالواردات القطرية إلى عُمان.
وبصفة شخصية، تحدوني تطلعات عريضة كُلي أمل بأن تتحقق نتائج واعدة خاصة في مجال التكنولوجيا والابتكار، من خلال تعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي وتطوير البنية الأساسية التقنية وعلى رأسها الأمن الإلكتروني. كما يتطلع الشعبان الشقيقان إلى زيادة مشاريع الأمن الغذائي، عبر إطلاق مشاريع زراعية وصناعية مشتركة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي. أما في قطاعي السياحة والثقافة، فإنني أعتقدُ أنَّ التعاون في تنشيط القطاع السياحي يمكن تحقيقه من خلال تسهيل حركة السياح بين البلدين، وإطلاق برامج ثقافية مشتركة تعزز الروابط بين الشعبين. فضلًا عن التعاون في مجال الطاقة المتجددة من خلال استثمار القدرات الطبيعية في البلدين لتطوير مشاريع طاقة نظيفة ومستدامة.
وأخيرًا.. إن العلاقات العُمانية القطرية مثالٌ مُفعمٌ بالنماء والازدهار، ونموذج أصيل للعلاقات الخليجية المثمرة التي تستند على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وروح الإخاء والتفاهم، سعيًا لخدمة مصالح البلدين وتحقيقًا للاستقرار في المنطقة والعالم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل تؤسّس زيارة عراقجي لطالبان مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين؟
طهران- زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أفغانستان اليوم، لأول مرة منذ عودة طالبان إلى السلطة.
وكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في تدوينة على منصة "إكس"، أن زيارة الدكتور عراقجي إلى كابل اليوم تأتي في إطار سياسة الجوار، وفي سياق المهمة الأساسية لوزارة الخارجية في متابعة المصالح الوطنية، من خلال التفاعل والتفكير المشترك حول القضايا والمخاوف المشتركة.
وأضاف أن هذه الزيارة قد تمثل نقطة تحول في استغلال الروابط العميقة بين الشعبين لتعزيز المصالح المتبادلة للبلدين.
رئيس حكومة طالبان الملا محمد حسن آخوند (يمين ) يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال زيارة الأخير لكابل، يوم 26 يناير 2025 (رويترز) فصل جديد
عندما نُشرت أخبار حول احتمال زيارة عراقجي في وسائل الإعلام، قبل بضعة أيام، وصف مستشار وزارة خارجية طالبان ذاكر جلالي هذه الزيارة بأنها "بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين". وأكد أن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة بين أفغانستان وإيران تمثل فرصة لتعزيز التعاون الثنائي.
يُذكر أن آخر زيارة قام بها وزير خارجية إيراني إلى كابل كانت بواسطة وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف في مايو/أيار 2017، خلال فترة حكم الجمهورية في أفغانستان. وخلال السنوات الثلاث الماضية، زار وزير خارجية طالبان إيران عدة مرات، لكن هذه هي أول زيارة لوزير خارجية إيراني إلى أفغانستان في عهد طالبان.
إعلانومنذ تولي طالبان السلطة في أفغانستان، شهدت العلاقات بين إيران وحكومة طالبان مستوى من التقارب، حيث سلّمت إيران، في 26 فبراير/شباط 2023، رسميا مقر السفارة الأفغانية في طهران إلى ممثلين من حركة طالبان.
ومع ذلك، لم تعترف إيران رسميا بحكومة طالبان حتى الآن، وتعتبر مسألة الاعتراف قضية إقليمية ودولية تتطلب تنسيقًا مع المجتمع الدولي.
إيران تسلم مئات من السجناء الأفغان لديها لحكومة طالبان (وكالة التلفزيون الرسمي الإيراني)الملفات المشتركة
تجمع إيران وأفغانستان العديد من الملفات المشتركة ذات الطابع السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني ومن أبرزها:
قضية اللاجئين والمهاجرين الأفغان، إذ تستضيف إيران ملايين اللاجئين الأفغان منذ عقود، وتسعى لتنظيم وجودهم بما يتوافق مع مصالحها الوطنية ويخفف الضغط الاقتصادي. المياه وتقاسم الموارد المائية: ويمثل ملف نهر هيرمند (هيلمند) واحدة من القضايا الحساسة بين البلدين. حيث تعتمد إيران على هذا النهر لتلبية احتياجاتها المائية في المناطق الشرقية، بينما تتهم حكومة طالبان بعرقلة تدفق المياه أو استغلالها بشكل يتعارض مع الاتفاقيات السابقة. التجارة والترانزيت: تشمل العلاقات التجارية بين البلدين العديد من السلع، إضافة إلى ملف الترانزيت الذي يتضمن استخدام ميناء تشابهار الإيراني كنقطة عبور للصادرات الأفغانية. ويحمل هذا الملف أهمية اقتصادية كبيرة للطرفين. الحدود والأمن الحدودي: تشهد الحدود الطويلة المشتركة تحديات مرتبطة بالتهريب والجماعات المسلحة وتسلل الإرهابيين. وتعمل إيران وحكومة طالبان على ضبط الحدود لمنع النشاطات غير القانونية، بما في ذلك تهريب المخدرات. ملف الإرهاب العابر للحدود: يشكل ظهور تنظيمات مثل "داعش-خراسان" في أفغانستان تهديدا أمنيا مشتركا لإيران وطالبان. الطاقة والتعاون الاقتصادي: توفر إيران الوقود والكهرباء لبعض المناطق الأفغانية، وهناك محاولات لتعزيز التعاون في مجال الطاقة والاستثمار، خاصة مع حاجة أفغانستان للبنية التحتية. القضايا الثقافية واللغوية: تبذل طهران جهودا لضمان ممارسة الأفغان الناطقين بالفارسية حقوقهم الثقافية واللغوية، كما تهتم بقضية "الهزاره" وهم الأفغان الشيعة وتعتني بحريتهم في ممارسة طقوسهم الدينية. الاعتراف بحكومة طالبان: ويعتبر هذا الملف سياسيا بالأساس، حيث تسعى إيران لتحقيق توازن بين دعم الاستقرار في أفغانستان والتعامل مع حكومة طالبان، دون اتخاذ خطوات منفردة قد تؤثر على علاقاتها الإقليمية والدولية.???? وزير الخارجية الايراني السيد عباس عراقجي يلتقي رئيس وزراء حكومة طالبان بافغانستان ملا محمد حسن اخوند. pic.twitter.com/WFATfg5LXF
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) January 26, 2025
إعلان قضايا جيوسياسيةوفي تحليل لهذه الخطوة، رأى الدبلوماسي الإيراني السابق في أفغانستان محسن روحي صفت، أن الدافع الأهم لهذه الزيارة هو سياسة حسن الجوار بين البلدين، حيث كان من الضروري أن يطّلع وزير الخارجية بشكل مباشر على القضايا الثنائية.
وأوضح، الدبلوماسي، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الزيارة أقل أهمية على الصعيد الدولي، وتركز بالأساس على القضايا الثنائية وسعي الطرفين لفهم بعضهما سياسات بعض بشكل صحيح.
وأضاف، المتحدث ذاته، أن النقاش وتبادل وجهات النظر بين البلدين جرى حول القضايا المشتركة، ويسعى إلى توسيع هذه العلاقات أكثر من ذي قبل بما يحقق مصالح شعبي أفغانستان وإيران.
واعتبر روحي صفت قضية الاعتراف بحكومة طالبان قضية إقليمية ودولية، مضيفا أن إيران ستتصرف ضمن هذا الإطار ولن تتحرك بشكل منفرد.
تعاون استخباراتي
من جانبها، تشير الباحثة السياسية عفيفة عابدي إلى أن إيران وأفغانستان تربطهما متطلبات ثقافية وحضارية وجغرافية وسياسية وأمنية في علاقاتهما الثنائية والإقليمية، وأي حكومة تتولى السلطة في أفغانستان، فمن مصلحة كلا البلدين، أن تكون العلاقات الثنائية قائمة معها على حسن الجوار والتعاون الوثيق.
وترى في حديثها للجزيرة نت أن هذه الزيارة تحظى بأهمية خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية، حيث زاد مجددا تهديد التحركات الإرهابية لتنظيم داعش، وبالتالي، فإن التعاون الاستخباراتي والأمني بين إيران وأفغانستان في هذا الشأن يُعد أمرا بالغ الأهمية، وفق الباحثة.
ومن جهة أخرى، توضح الباحثة أن تصاعد التوتر في العلاقات بين أفغانستان وباكستان يُثير قلق إيران، إذ تعتبر إيران تحقيق الاستقرار والأمن لدى جيرانها الشرقيين أمرا ذا أهمية كبيرة.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تعتقد الباحثة أن إيران انتهجت مقاربة واقعية في مفاوضاتها مع طالبان، سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، وذلك من أجل:
إعلان المساعدة في ضمان حقوق جميع القوميات الأفغانية، وتلبية متطلبات التعاون الثنائي. مساعدة طالبان، بصفتها ممثلة لشريحة كبيرة من الأفغان، في تحقيق انتقال ديمقراطي وإرساء الاستقرار والأمن، فضلا عن تحقيق الرفاه الاقتصادي وضمان الحقوق لشعب أفغانستان.