"إعادة فتح طريق نتساريم هذا الصباح وإدخال عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال القطاع هي صور انتصار لحماس وجزء إضافي ومهين من الصفقة"، تصريح ايتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المستقيل في دولة الاحتلال، تعليقا على مشاهد عودة سكان غزة مرة ثانية إلى ديارهم في شمال القطاع تنفيذا لبنود الهدنة.
كان مشهد العودة رائعا في كافة تفاصيله، مخرسا لكافة الألسنة التي لطالما اتهمت الفلسطينيين على مدار ثلاثة أرباع قرن بأنهم باعوا أرضهم وتركوها، فإذا بمشهد العودة من جنوب القطاع إلى شماله مشيا على الأقدام يعيد رواية الصمود والثبات والتشبث بالأرض إلى سيرتها الأولى.
ما يصنعه الفلسطينيون هو شيء خارق للعادة وضد طبيعة الأمور في عالم بات الاستسلام فيه فضيلة وأصبح الخضوع فيها مَنْقَبة والانحناء الطوعي كأنه من طبائع الأمور، حتى أنك لا تكاد ترى ظهرا منتصبا فقد انحنت كل الظهور.
التفاصيل أكثر أهمية وتحتاج إلى تسليط الضوء عليها لأنها هي التي شكلت وتشكل المشهد الختامي الذي شاهدناه جميعا
قد يكون المشهد في مجمله بطوليا وملحميا ويحمل هزيمة كبيرة للمحتل ومن عاونوه، ونصرا عظيما للمقاومة وللشعب الفلسطيني في المقام الأول ولكل من انحاز لقضيته العادلة، لكن التفاصيل أكثر أهمية وتحتاج إلى تسليط الضوء عليها لأنها هي التي شكلت وتشكل المشهد الختامي الذي شاهدناه جميعا. وهنا أود أن استعرض بعضا من هذه التفاصيل:
1- شاهدت رجلا فلسطينيا يحمل فوق رأسه لوحا للطاقة الشمسية وهو يمشي على قدميه في طريق العودة لبيته في الشمال، هل هذا شخص أو شخصية يمكنها أن تفرط في الأرض وتهاجر مهما كانت الظروف والملابسات؟
2- مشهد السيارة المرسيدس التي تجر خلفها عدة مقطورات صغيرة وتحمل داخلها وفوق رأسها ما بقي من متاع وبشر متجهة صوب الشمال. وأكاد أسمع صوت السيارة وهي تشكو من كثرة الأحمال ولكنها تواصل رحلة العودة، وأكاد أرى الفرحة على وجه السيارة كما رأيتها على وجوه العائدين.
3- اللافتات المرفوعة على طول طريق العودة والتي ترحب بالعائدين وكأنهم عائدون من الحج إلى ديارهم مأجورين غير مأزورين؛ تعطيك فكرة عن الإدارة التي لم تنس أن تحيي جهاد شعبها ونضاله وصموده وعودته رغم الدمار والخراب الذي أحدثه العدو الصهيوني.
4- مشاهد العودة وهي تعرض على قناة الجزيرة في قلب الكيان الصهيوني، هذه المشاهد تنقل المعركة إلى قلب الكيان وتذكره بأن شعبا من هذا النوع لا يمكن هزيمته، ولا يمكن مساومته أيضا.
5- المسئولون العرب الذين تجرأ عليهم ترامب وأهانهم وطلب منهم استقبال الفلسطينيين مؤقتا أو بشكل دائم وهم يطالعون مشاهد العودة، أتخيل مشاعرهم وحجم الإلهام الذي يمكن أن تضيفه مشاهد العودة إليهم، إن هذه المشاهد قد تمنحهم إن أرادوا جرعة من الرجولة والممانعة التي تجعلهم يرفعون صوتهم بالقول "لا يا ترامب، لا نحن نريد ولا الفلسطينيون سيقبلون".
6- رغم الشتاء القارس وقلة الطعام وندرة الخيام وسوء الأحوال لم يسأل الفلسطينيون عن هذه الأمور، وكان سؤالهم الوحيد متى العودة وقد عادوا، وهذه التفصيلة تشرح لي ولك هذه النوعية من البشر القادرين على تجاوز الواقع والقفز فوقه لكي يحققوا حلمهم بالعودة السريعة، قبل أن يطول بهم الزمن ويتحول النزوح إلى لجوء كما حدث من قبل.
7- مشهد جنود المقاومة وهم يقفون على طول طريق العودة بملابسهم العسكرية لكي يقوموا بخدمة العائدين يحمل دلالة مهمة في تفاصيل العلاقة بين المقاومة والشعب، فلم تعد المقاومة والشعب شيئين مختلفين بل هما جسد واحد، إن غاب أحدهما حضر الآخر نيابة عن الثاني، فالمسألة وهذا ما يفهمه العدو بوضوح أن غزة كلها صارت مقاومة.
8- في المشهد الإعلامي البئيس؛ صرح إعلامي مصري كاره ومجاهر بعدائه لفلسطين والمقاومة ومؤيد لدولة الكيان اسمه ابراهيم عيسى، معلقا على مشاهد العودة قائلا: "السيسي هو من أعاد الفلسطينيين إلى غزة والشمال، شاء من شاء وأبى من أبى". وهذه تفصيله أخرى تبين لك ماذا فعلت المقاومة والشعب الفلسطيني بعقول من خذلوها وتآمروا عليها، حتى أنهم ينسبون فضل عودة الفلسطينين إلى الرجل الذي حاصرهم وتآمر عليهم.
يحلو للبعض أن يطرح سؤال الهزيمة والنصر في ساعة الفرحة بالعودة المظفرة، وفي الوقت الذي حسم فيه العدو أمره واعتبر أن صمود الفلسطينين كل هذه الأيام والليالي وعودة الفلسطينيين إلى دورهم وذويهم حتى ولو كانوا تحت الركام؛ هو عين الهزيمة والعار التي لحقت بالكيان، لكن بعض الانهزاميين العرب يرون عكس ما يراه الصهاينة ويتمنون لو أن دولة الاحتلال قد انتصرت
9- في أحد أهم مشاهد ما قبل العودة هو موضوع الإفراج عن المجندة (المدنية) أربيل يهود، والتي علم الاحتلال بوجودها ضمن الأسرى الأحياء ورهن بدء العودة بالإفراج عنها، لتتوقف قلوب العائدين العاشقين لبرهة قبل أن تتعامل المقاومة بسرعة وبطريقة نزعت من نتنياهو حجته في تعطيل العودة، وتم الاتفاق على الأفراج عن أربيل يهود مقابل الإفراج عن 30-50 فلسطينيا جديدا.
10- في تفصيلة مؤلمة، حين وصل بعض العائدين إلى منازلهم واكتشفوا غياب الأحبة والصحاب، ووجدوا وهم يرفعون الأنقاض جثث الشهداء تحت الركام، هذه المشاهد على قسوتها لكنها تحمل الشوق حتى إلى رفات الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل حماية الأوطان وضمان عودة المهاجرين.
11- في المشهد مجموعة من الأطفال والصبية في غزة يحملون الدفوف وينشدون الأغاني وقد بدا البؤس واضحا على الثياب وهم في طريق العودة، لكن الابتسامة لم تغب عن تلك الوجوه الشاحبة وخرجت الكلمات من أفواه الصغار عذبة نقية تعبر عن مشهد النصر الحقيقي.
12- المشهد الأخير وهو مشهد سيدة قطعت كل هذه المسافات مشيا وشوقا إلى بيتها الذي وجدته قد أصبح أثرا بعد عين ولم يبق منه سوى الرماد والركام، فإذا بها ترفع صوتها مرددة: لا حول ولا قوة إلا بالله.. حسبنا الله ونعم الوكيل. هذه تفصيلة تشرح لك كل ما جرى من قتل للأنفس وتخريب للديار ولمصالح العباد، ورغم كل ذلك فقد عادوا غير آسفين على أنهم قاوموا العدو وفرضوا عليه العودة على مأساويتها، وفرضوا علينا نحن جموع الشعوب العربية أن نحترمهم ونقدر جهادهم وتضحياتهم وأن نفعل ما في وسعنا لدعمهم.
يحلو للبعض أن يطرح سؤال الهزيمة والنصر في ساعة الفرحة بالعودة المظفرة، وفي الوقت الذي حسم فيه العدو أمره واعتبر أن صمود الفلسطينين كل هذه الأيام والليالي وعودة الفلسطينيين إلى دورهم وذويهم حتى ولو كانوا تحت الركام؛ هو عين الهزيمة والعار التي لحقت بالكيان، لكن بعض الانهزاميين العرب يرون عكس ما يراه الصهاينة ويتمنون لو أن دولة الاحتلال قد انتصرت، لذا فقد أقاموا سرادقات العويل والصراخ ولم يفضّوها رغم اعتراف العدو نفسه بالهزيمة كما صرح "بن غفير" أو حتى "جاك نيربا"، مستشار رئيس وزراء الاحتلال الأسبق في تصريح له: "الحرب حسمت لحماس على الأرض وتدير شئون القطاع".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال عودة الفلسطينيين احتلال فلسطين غزة عودة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مشاهد العودة طریق العودة
إقرأ أيضاً:
الخارجية الفلسطينية جرائم الهدم في الضفة نسخة متدحرجة من صورة الدمار الذي ارتكبه العدو في قطاع غزة
متابعات ـ يمانيون
أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية ، جرائم هدم المنازل والمنشآت ودور العبادة، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتجريف الأشجار والأراضي الزراعية، التي ترتكبها قوات العدو الصهيوني ، كما يحصل في القدس وجنين ومخيمها، وطولكرم ومخيميها، ومسافر يطا، والأغوار، وفي تقوع وغيرها.
كما أدانت الوزارة، في بيان اليوم الثلاثاء، حملات العدو المستمرة في توزيع المزيد من إخطارات الهدم كما هو حاصل في سلوان وقرية النعمان شرق بيت لحم وفروش بيت دجن شرق نابلس وغيرها.
واعتبرت الخارجية الفلسطينية جرائم الهدم في الضفة نسخة متدحرجة من صورة وحجم الدمار الهائل الذي ارتكبته قوات العدو في قطاع غزة، وهي جريمة تطهير عرقي بامتياز ترتقي إلى مستوى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وتهدف إلى ضرب مرتكزات الوجود الوطني والإنساني للشعب الفلسطيني على أرضه وفي وطنه، لدفعه بعدة أشكال إلى الهجرة بالقوة عنه.
وحمّلت حكومة العدو الصهيوني المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج استمرارها في ارتكاب تلك الجرائم، خاصة تداعياتها على ساحة الصراع والمنطقة برمتها، كما تحمل الوزارة المجتمع الدولي المسؤولية عن صمته تجاه جرائم الهدم والتهجير المركبة والمتداخلة.
وقالت الوزارة: إنها إذ تتابع جرائم الهدم مع الدول والمنظمات والمجالس الأممية المختصة، فإنها تطالب بتدخل دولي عاجل لوقفها وحماية شعبنا ولجم الاحتلال ومستعمريه، والشروع الفوري في ترتيبات دولية ملزمة لفتح مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض دولة فلسطين ضمن سقف زمني محدد، كما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.