جامعة السلطان قابوس في عيون الأكاديميين المصريين
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
تحلّ عُمان هذا العام ضيفًا عزيزًا كريمًا على مصر باعتبارها «ضيف شرف» معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وقد أعدت وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية لهذه المناسبة برنامجًا ثقافيًّا حافلًا شارك فيه الكثير من الأساتذة المصريين والعُمانيين، ولقد تلقيت دعوة كريمة للمشاركة في فعاليات هذا البرنامج من وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية، ومن سعادة عبدالله الرحبي سفير سلطنة عُمان لدى جمهورية مصر العربية الذي بذل جهدًا كبيرًا في الإعداد لهذه الفعاليات والإشراف على كل تفاصيلها.
وعلى الرغم من اعتذاري عن المشاركة في ندوات عديدة بالمعرض (نظرًا لانشغالاتي العلمية)، إلا أنني لا أستطيع الاعتذار عن أية فعالية تخص عُمان تحديدًا (نظرًا لمكانتها العزيزة في نفسي مثلما هي في نفوس كل من عرفها أرضًا وشعبًا). دعم هذه الفعاليات وشارك في احتفالياتها معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام ووزير الإعلام السابق د.عبد المنعم الحسني ومعالي وزير الثقافة المصري د.أحمد هَنو، ووزير الثقافة الأسبق د.صابر عرب، فضلًا عن العديد من السفراء والمسؤولين والشخصيات العامة وكبار المثقفين.
عنوان الندوة التي دُعيت للمشاركة فيها - بصحبة أساتذة مرموقين من العاملين بجامعة السلطان قابوس منذ سنوات طويلة - هو: «عُمان في عيون الأكاديميين المصريين»؛ وقد ذكر أحد الأساتذة المشاركين أن عنوان الندوة كان أوْلَى أن يكون «جامعة السلطان قابوس في قلوب الأكاديميين المصريين»، باعتبار أن كل من عمل في هذه الجامعة قد ارتبط بها وجدانيًّا قبل أن يرتبط بها عقليًّا ومعرفيًّا، وهو محق في قوله؛ لأن أول ما يستولي عليك عندما تطأ أرض عُمان وتتعامل مع أهلها هو مشاعر التعلق والإعجاب بسحر طبيعتها الفريدة، وبأخلاق أهلها الرفيعة التي تتجلى أول ما تتجلى في الطيبة والتواضع وهدوء الطبع، وهذا ما عرفته وعايشته من واقع عملي بجامعة السلطان قابوس، ومن خلال خبرتي في التعامل مع المسؤولين والطلبة والمواطنين.
كنت من الجيل الأول الذي عمل بهذه الجامعة بصحبة رفاق من الأساتذة بكليتي الآداب والتربية، أذكر منهم على سبيل المثال (مع حفظ الألقاب): صابر عرب وأحمد درويش، وشاكر عبد الحميد وهاني مطاوع (رحمهما الله). كان العاملون بهيئة التدريس من العمانيين قلة قليلة، وكان أغلبهم من المصريين، ولم يكن هناك من الأجانب سوى أولئك الذين عملوا بقسم اللغة الإنجليزية خاصةً، بينما كانوا كثيرين في الكليات العملية.
وقد كان هذا الوضع طبيعيًا آنذاك، فقد كانت الجامعة في بدايات نشأتها؛ أما الآن فقد أصبحت الجامعة عامرة بكوادر علمية من العمانيين.
تمتاز جامعة السلطان قابوس ببنية أساسية قوية من حيث المباني السكنية والمنشآت الجامعية والمرافق التابعة، فضلًا عن الخدمات والوسائط التعليمية. توفر الجامعة للأساتذة والطلبة سكنًا مريحًا ولائقًا داخل الحرم الجامعي الواسع، وتوفر لهم وسائط المعرفة، فضلًا عن وسائل التعليم والتدريس المتنوعة.
أول ما لفت نظري هو أن قاعات الدروس كانت تضم الطلبة إلى جانب الطالبات، على العكس مما هو شائع في جامعات الخليج (على الأقل آنذاك)؛ وهذا يدل على أنه كانت هناك رؤية منفتحة مبكرة في فهم العملية التعليمية. ومما لفت نظري بمرور الوقت أن الطلبة العُمانيين نابهون ومتطلعون إلى المعرفة بشغف، وقد لمست ذلك أيضًا من خلال خبرتي التدريسية بالخليج عمومًا.
ولا شك في أن جامعة السلطان قابوس قد ازدهرت وتطورت بمرور السنين، حتى أصبحت تحتل مكانًا مرموقًا بين الجامعات العربية. ومع ذلك، فإن هذه الجامعة قد عانت مثلما عانت بعض الجامعات العربية من بعض التوجهات الضارة بالعملية التعليمية في مجملها. وسوف أكتفي هنا برصد مسألتين أساسيتين في هذا الصدد:
المسألة الأولى تتمثل في غلبة التوجه الإحصائي أو ما يُعرف بالمنهج الكمي quantitative method في عملية البحث والتدريس، وفي عملية التقييم أو قياس العملية التعليمية (أو ما يُعرَف باسم «الجودة»). وبذلك يتم إهمال ما يُعرَف بالمنهج الكيفي qualitative method الذي يهتم بمحتوى أو مضمون ما يتم تقييمه؛ لأن ما يُقاس ليس مجرد أعداد وأرقام وبنية شكلية لاستمارات يتم استيفاؤها. وفضلًا عن ذلك فإن المنهج الكمي في تدريس العلوم الإنسانية قد يكون غير كافٍ أحيانًا، بل إنه لا يكون ملائمًا لدراسة الظواهر التي تدرسها بعض العلوم الإنسانية.
المسألة الثانية أكثر خصوصية، ولكنها لا تقل أهمية؛ لأنها تتعلق بخطورة تهميش مكانة الفلسفة وأهميتها بالنسبة للعلوم الإنسانية والعلوم العملية أيضًا.
حينما كنت أعمل بكلية الآداب، كان هناك قسمان تابعان لقسم الفلسفة، أحدهما بكلية الآداب والآخر بكلية التربية؛ ولكن بعد أن غادرت عُمان بسنوات عديدة تم إغلاق قسم الفلسفة، واقتصر حضور الفلسفة على القليل جدًا من مقررات الفلسفة. وهذا يعني أن الصورة الذهنية عن الفلسفة هي صورة سلبية تغفل ضرورة الفلسفة بالنسبة إلى العلوم الإنسانية كافةً، ويكفي القول هنا بأن مقرر مثل «علم الجمال» يُعد ضروريًّا لسائر الأقسام التي تدرس الآداب والفنون والنقد.
وعلى نفس النحو ينبغي أن ننظر إلى مقرر مثل «مناهج البحث الفلسفي» الذي يمتد تأثيره المباشر إلى سائر العلوم الإنسانية، وإلى مقرر مثل «التفكير الناقد» الذي ينبغي أن يدرسه كل طالب جامعي.
ولذلك فإن ضرورة الفلسفة تمتد أيضًا إلى كثير من العلوم العملية، ويتمثل ذلك في مقررات عديدة، من قبيل: «فلسفة البيئة» من حيث جمالياتها وأخلاقياتها، و«علم أخلاق الطب»، و«علم أخلاق المهنة» و«أخلاقيات التكنولوجيا»، و«علم جمال المعمار»، إلخ. ولذلك، فإني أتمنى من إدارة الجامعة والقائمين على العملية التعليمية إعادة النظر في أمر الفلسفة.
وأنا لا أقول ذلك كله إلا بدافع محبتي لهذه الجامعة التي أحمل لها ذكريات ومشاعرَ عميقة، ورغبةً مني في أن تواصل هذه الجامعة ازدهارها وتألقها بين الجامعات العربية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جامعة السلطان قابوس العملیة التعلیمیة العلوم الإنسانیة هذه الجامعة
إقرأ أيضاً:
جامعة صحار تعتزم تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي مع هولندا
مسقط- الرؤية
استلهمت جامعة صحار من الزيارة الرسمية التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى مملكة هولندا، تعزيز علاقاتها الأكاديمية والبحثية؛ حيث عزمت على توسيع تعاونها مع مؤسسات التعليم العالي والشركات الهولندية في مجالات التعليم، والبحث العلمي، والابتكار.
وأكد الدكتور حمدان بن سليمان الفزاري رئيس جامعة صحار، أن الجامعة مُلتزمة بتوسيع آفاق التعاون مع الشركاء في هولندا من أجل تقديم حلول مبتكرة وفعالة تسهم في دعم رؤية "عُمان 2040"، مشيرًا إلى أن الجامعة تسعى جاهدة لبناء مكانتها العالمية من خلال الشراكات الوطنية والدولية في مجالات التعليم النوعي، والبحث والابتكار، وخدمة المجتمع.
وتأتي هذه الخطة ضمن أهداف جامعة صحار الاستراتيجية، حيث تسعى إلى تعزيز حضورها العالمي وتوسيع شراكاتها الدولية بما يسهم في تحقيق رؤية الجامعة للتميز الأكاديمي وخدمة المجتمع. وقد بدأت علاقات التعاون مع الجانب الهولندي من خلال مشروع مشترك مع جامعة دلفت للتكنولوجيا وميناء صحار لدراسة إمكانية استخدام مياه البحر العميق في متطلبات التبريد الصناعي.
وفي مرحلة سابقة، تعاونت الجامعة مع شركة "Vibers" الهولندية لتطوير منتج ترويجي مبتكر باستخدام البلاستيك الحيوي، بهدف نشر الوعي البيئي حول أهمية استخدام المواد المستدامة. وتبنّى ميناء صحار هذا المنتج وأصبح قيد الاستخدام، مما شكّل خطوة ناجحة فتحت المجال أمام انضمام الجامعة إلى تحالف بحثي كبير يضم عددًا من الجامعات والشركات من عُمان وهولندا، ويعمل على تنفيذ مشاريع بحثية رائدة، أهمها مشروع "بلو هارفست" الهادف إلى إيجاد حلول مستدامة تعتمد على المواد الحيوية والطبيعية لمواجهة تحديات التغير المناخي.
وخلال هذا الأسبوع، وبالتعاون مع سفارة مملكة هولندا في مسقط، شاركت جامعة صحار في إطلاق تحالف علمي جديد تحت اسم "شبكة البحث والتعليم في مجالي الطاقة والمياه (RENEW)"، والذي يركّز على تطوير مشاريع بحثية ذات أولوية في مجالي الطاقة والمياه، مع التطلع إلى ابتكار تقنيات ومنهجيات جديدة تُسهم في حل مشكلات واقعية على أرض الواقع. كما يهدف هذا التحالف إلى نشر المعرفة وتعزيز الوعي بأفضل الممارسات المستدامة في إدارة الموارد المائية والطاقة، إلى جانب تمكين الجيل القادم بالمهارات والمعرفة اللازمة لمواجهة التحديات البيئية وتحقيق الابتكار المستدام.
وفي إطار هذه الجهود، تعتزم جامعة صحار تنظيم زيارة عمل إلى هولندا بمشاركة عدد من ممثلي القطاع الصناعي، لاستكشاف المزيد من فرص التعاون، خاصة مع شركة Bemo Rail BV وغيرها من الشركات الصناعية الهولندية.