تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يقصد بالاتجاه الاجتماعي تلك الدراسات النقدية التي لا تقف عند حدود الظواهر الفنية التي يتمتع بها النص الأدبي، بل تمتد فتنظر في هذا النص من حيث موقف صاحبه من مشكلات مجتمعه وقضايا وطنه ومدى مشاركته في هذه المشكلات وتلك القضايا. لقد كان المشهد النقدي في مصر مع بداية الستينيات يزدحم بصور كثيرة ومتداخلة، غير أن الصورة التي كانت أكثر وضوحا وبروزا على الساحة الأدبية تمثلت في غلبة هذا الاتجاه النقدي وسيطرته على الكتابات النقدية في تلك المرحلة.

 

كانت البداية مع سلامة موسى ودعوته إلى ربط الأدب بالحياة في كتابيه "الأدب الإنجليزي"، "الأدب للشعب ". تبلورت هذه الأسس بشكل أكثر منهجية وتأثرا بمصادره الأولى المتمثلة في مذهب الواقعية الاشتراكية عند محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في كتابيهما الشهير "في الثقافة المصرية " الذي صدر في الخمسينيات. يبدأ هذا الاتجاه من الاعتقاد بأن علاقات الفن بالمجتمع مهمة وحيوية، وبأن هذه العلاقات يمكن أن تهمل على تنظيم استجابة المرء الجمالية للعمل الفني وتعميقه، وأن الفن لا يولد من فراغ، فهو ليس عملا شخصيا، ولكنه عمل مؤلف قائم في زمان ومكان معينين، ويستجيب لمجتمع هو فيه فرد مهم لأنه جزء واضح وبارز. وعلى هذا فالناقد الاجتماعي يهتم بتفهم البيئة الاجتماعية، وتفهم مدى استجابة الفنان لها والمسلك الذي يسلكه إزاءها.  من هنا تأتى أهمية كتاب "القصة القصيرة في مصر.. تحولات النقد والإبداع" للدكتور خالد عاشور والصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. 

ولقد كان المجتمع المصري في الخمسينيات  وبداية الستينيات يمر بتحولات مهمة بفعل ثورة يوليو وما أحدثته من تغييرات جوهرية على الصعيد السياسي متمثلا في ثورة يوليو وما أحدثته من تغييرات  جوهرية على الصعيد السياسي متمثلا في شكل الحكم والنظام الحاكم، والصعيد الاقتصادي متمثلا في الإصلاحات الاقتصادية التي فرضت على الصعيد الاجتماعي متمثلا في تبدل رقعة المجتمع المصري وبنائه الطبقي، وكان على القصة القصيرة أن تجسد هذه التحولات وتبرزها خاصة إذا عرفنا أن النقاد الاجتماعيين - كما يذكر أحمد كمال زكى –"تحولوا إلى القصة القصيرة تحديدا من بين بقية الأجناس الأدبية وفتحوا باب المناقشة في وضعها داخل المجتمع".

وتدلنا التطبيقات النقدية لنقاد هذا الاتجاه على صدق هذه المقولات إذ تحول رصد التغير الذي أصاب المجتمع خلال هذه المرحلة إلى مقياس نقدي بالغ الأهمية عند هؤلاء النقاد، فنجد مثلا غالى شكري يستهل دراسته عن مجموعة صبري موسى "حادث النصف متر " بتقريره أننا منذ عشر سنوات تقريبا نجتاز مرحلة دقيقة في تطور المجتمع، ومن أعماق هذه المرحلة العصبية يكتب الكاتب مجموعته ويرى الناقد أنها تعبير مأسوي حاد عن جيلنا الذي تمزقه مرحلة حضارية جديدة. ونجد ناقداَ أخر يثنى على مجموعة شكري عياد " طريق الجامعة " لأنك تستطيع أن تجد في كل قصة من قصص المجموعة صفة من صفات المجتمع أو ظاهرة اجتماعية أو خلقية. أو أن يأخذ ناقد على مجموعة قصصية أنها فشلت في رسم ملامح المجتمع الذي تتحدث عنه بحيث إنه إذا أراد دارس أن يدرس تلك الفترة التاريخية من حياة الشعب لن يستفيد شيئا! 

يقول فؤاد دوارة: " ستظل الأعمال الأدبية من أخطر الوثائق التي يرجع إليها المؤرخ والباحث الاجتماعي حين يدرس عصراَ من العصور، وسيظل انفعال الأديب بعصره وقدرته على التعبير عن أزماته والمشاركة في دفعه إلى المزيد من التحرر والتقدم من بين الأسس المهمة التي نقيم بها إنتاج الأديب إلى جانب الأسس الجمالية المعروفة. 

ويعبر صبري حافظ عن الواقع الاجتماعي بتعبير آخر هو "الظروف الحضارية الذي تمثله وتعبر عنه، ومن هنا فإن الناقد يرجع ثراء مجموعة نجيب محفوظ  "دنيا الله " إلى فهم الكاتب للواقع الاجتماعي، ولحقيقة الصراعات الدائرة فيه ولتوعية التناقضات التي يتحرك من خلالها وعدد القضايا التي أثارتها المجموعة ".                                                                             

ولكن المتأمل في كتابات نقاد هذا الاتجاه يجد أن هناك "مجتمعا" بعينه يقصده هؤلاء النقاد ويعمدون إليه في مطالبة المبدعين بإبرازه وتجسيده وتقديم مشكلاته وأشواقه الكامنة، ذلك المجتمع هو مجتمع الطبقات الشعبية والفلاحين والمستويات الدنيا من الترتيب الطبقي للشعب، في مقابل البيئة الأرستقراطية الرأسمالية التي تقف على رأس هذا الترتيب. وهذه الفكرة ترديد صادق لأقوال أصحاب الواقعية الاشتراكية بأن دعوتهم تنجى الفن من مثل ما يعانيه في المجتمع الرأسمالي من الضياع والانفصال عن الجماهير وعدم الالتحام بالشعب لأن الرأسمالية تقيد الفن وتجعل منه فناَ شائهاَ مزعجاَ، ومن هنا جاء وصف سيد النساج لمحمد تيمور بأنه "متمرد على طبقته " لأنه حاول أن ينزع عن نفسه لباس الأرستقراطية "ليندمج في الطبقات الشعبية يدرس أفكارها ورغباتها ويتعرف عن قرب إلى نقائصها ليجعل من قصصه صورة صادقة للحياة". والنساج يثنى على تيمور وغيره من الأدباء أمثال صالح حماد وأحمد خيري سعيد الذين عبروا عن هذه الطبقات الكادحة، ولو تناول هؤلاء الكتاب البيئة الأرستقراطية فلكي يركزوا على عيوبها ويظهروا أمراضها ويكشفوا عن مساءها بهدف تبين ذلك التباين ذلك الفاضح بينهما وبين غيرها من الطبقات الشعبية الأخرى واستكناه عدم التوافق الاجتماعي الذي ساد العلاقات الاجتماعية فتره في البيئة المصرية. 

لم يقدر للنشاط الذى شهدته الحركة النقدية حول القصة القصيرة خلال السنوات الماضية أن يدوم طويلا، فقد أصيب بدءا من سنة 1974 تقريبا بحالة من الركود والضعف كادت تصل به إلى حد التوقف، وبدأ النقد القصصي، بل النقد الأدبي ، بل الحياة الأدبية وجه عام تعانى من أزمة استمرت لسنوات، كان من نتائجها السيئة على القصة أن أغفل مجهود جيل بأكمله من كتاب القصة هو الجيل الذى أطلق عليه:" "جيل السبعينات " ؛ فجاءت ملامحه غائمة إلى حد كبير، إذ كانت كتاباته تدور في فراغ نقدى ؛ فلم تعمل وراءها حركة نقدية تتابع وترصد وتستكشف الجديد والجيد، كما كان الحال مع جيل الستينيات.

هذا إلى أن جيل الستينيات نفسه لم يكن ملفه النقدي قد أغلق، أي لم ينته الكلام عنه فما زال هناك ما يقال عن تجربته التجديدية وثورته على القديم والأشكال التي اقتحمها وجدد في إطارها. إن الكتابات النقدية التي نشرت خلال تلك الفترة كانت تتسم بالسرعة دون العمق وبالتعريف دون التحليل إلى الحد الذي سجل تسميتها "دراسات " تسمية مجازية، فقد كانت أقرب إلى المتابعات والمراجعات السريعة أو العروض والتلخيصات للمجموعات القصصية. ومن تلك الشواهد ان الصحافة الأدبية خلال هذه المرحلة عبرت عن تلك الحالة من الركود كما فعلت مجلة القصة مثلا حين صدرت باب الدراسات والأبحاث بتعليق جاء فيه: "تفرد المجلة هذا المتسع من الصفحات أملا في أن تدفع بالنبض إلى الحركة النقدية بعد أن توقف الجدل حتى أصبح سمة هذه الفترة من الحياة الأدبية والمجلة ترحب بكل الآراء حتى ما يختلف معها ". 

وفى حوار المجلة مع الأديب فتحي سلامة، يتهم فيه النقد الأدبي بأنه يعمد إلى هدم اللغة العربية وآداب هذه اللغة، وأن هناك أزمة حقيقية في النقد الأدبي، وهو يدين الحركة النقدية لأنها لا تلتفت إلى أعماله ولا إلى الأعمال الجادة، وأن النقاد الكبار هم في الحقيقة مثل الماء الفاتر لا طعم ولا رائحة أو مثل البالونه المملؤة هواء. ولقد انعكست الأزمة التي أصابت الحركة النقدية حول القصة على القصة نفسها حتى ظن بعض المحللين أن الأزمة هي أزمة كتابة قصصية وهي في الأصل أزمة نقد في المقام الأول. ومن نماذج هذا الرأي ما كتبه الدكتور محمود على مكى تحت عنوان "أزمة الكتابة القصصية، لماذا ؟" قائلاَ: "وإذا قصرنا الحديث على وضع الكتابة القصصية عندنا في مصر الآن فإنه يبدو لى من تأمل هذا الوضع أن أسماء المؤلفين التي تملاْ الجو الأدبي في الوقت الحاضر هي نفسها التي كانت سائدة منذ عشرين أو ثلاثين سنه، ولا نرى من الأقلام الجديدة التي ظهرت على طول هذه العقود الأخيرة إلا قله لا تكاد تذكر، فهل معنى ذلك أن المواهب القصصية عندنا في طريقها إلى النضوب، وما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الذى يبدو مخالفا لطبيعة التطور ؟!!"

على أن "الواقع " يشهد بأن المواهب القصصية لم تكن في طريقها إلى النضوب، فقد كانت ذات وجود ملموس في أعمال جيل كامل لم يأخذ حقه من النقد كان من أبرزه: محمد المنسي قنديل، محمود عبد الوهاب، محمود الورداني، قاسم مسعد عليوة وغيرهم. وأكبر الظن أن المواهب الأخرى التي بدأت في الظهور بعد هذا الجيل كانت في حيرة بسبب غياب دور النقد، فلم تعرف هذه المواهب كيف تلتقط الخيط، ولا كيف تتمثل تجربة الجيل السابق عليها. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: شواطيء القصة القصيرة في مصر القصة القصیرة هذا الاتجاه فی مصر

إقرأ أيضاً:

على أحد شواطئ كينيا.. صلاة عيد الفطر تجمع الآلاف والدعاء لغزة حاضر

شهد شاطئ في مدينة كوالي الكينية مشهدا فريدا من نوعه يوم الأحد، حيث توافد آلاف المسلمين لأداء صلاة عيد الفطر على ضفاف المحيط الهندي، في احتفال مميز جمع بين الفرحة الروحية والتضامن الإنساني.

اعلان

واضطر المصلون لأداء الصلاة على الشاطئ بسبب عدم قدرة المسجد المجاور على استيعاب الأعداد الكبيرة المحتشدة.

وقال الإمام محمد حسن، خطيب مسجد نهر كونغو المجاور للشاطئ: "خرجت الأسر المسلمة بكل فرح للصلاة والاحتفال بهذه المناسبة العظيمة على شاطئنا الجميل".

هذا وتحوّلت مناسبة العيد إلى منصة للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، حيث خصص جزءاً للحديث عن معاناة سكان غزة.

وحثّ الإمام المصلين على "الدعاء لإحلال السلام ونشر المساعدات الإنسانية العاجلة للقطاع المحاصر".

Relatedهل أصبحت "غرف الغضب" في كينيا الحل الأمثل لتخفيف التوتر النفسي؟سقوط جسم فضائي غامض في كينيا ووكالة الفضاء تبحث عن إجابات.. ما القصة؟ "توقفوا عن قتلنا".. متظاهرون ضد قتل الإناث في كينيا يتعرضون للغاز المسيل للدموع على يد الشرطة

ويأتي عيد الفطر بعد نهاية شهر رمضان، حيث يتبادل المسلمون الزيارات والهدايا بعد إتمام فريضة الصيام. 

ويعتمد تحديد بداية العيد تقليديا على رؤية هلال شهر شوال، ما يؤدي إلى اختلاف توقيت الاحتفال به بين الدول الإسلامية اعتمادا على الموقع الجغرافي وتباين الرؤية الفلكية. 

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية عيد الفطر على وقع الانقسام بين الدول: مواعيد متعددة والجدل يحتدم عيد بلا بهجة.. غزة تحيي عيد الفطر تحت القصف وبين الدمار والجوع فرحة غائبة وموت مؤجّل... كيف يستقبل سكان غزة أجواء عيد الفطر؟ صوم شهر رمضانعيد الفطرمنوعاتكينيااعلاناخترنا لكيعرض الآنNext إيطاليا تغير قواعد مراكز إيواء المهاجرين في ألبانيا وتشدد قوانين الحصول على الجنسية يعرض الآنNext "لا أمزح".. ترامب يُشير مجددًا إلى احتمال ترشحه لولاية رئاسية ثالثة يعرض الآنNext أوكرانيا تحيي الذكرى الثالثة لتحرير بوتشا من الاحتلال الروسي يعرض الآنNext عشرات الآلاف يتوافدون إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة العيد وسط أجواء مشحونة بالحزن بفعل الحرب على غزة يعرض الآنNext قتيل و4 جرحى نتيجة الغارات الأمريكية على منطقة جدر شمالي صنعاء اعلانالاكثر قراءة إيران تهدد بقصف قاعدة "دييغو غارسيا" إذا تعرضت لأي هجوم غارات روسية بطائرات مسيرة تقتل شخصين وتصيب 35 آخرين في خاركيف حميدتي يعلن انسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم ويؤكد "سنعود إن شاء الله" الشرع يعلن تشكيل حكومة انتقالية" شاملة "وسط تحذيرات أمريكية من هجمات محتملة "نحن لا نخفيها".. نتنياهو يعلن استعداده لتنفيذ خطة ترامب ويتحدث عن المرحلة النهائية من الحرب على غزة اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الفطرصوم شهر رمضانإسرائيلروسيادونالد ترامبحركة حماسإيرانقوات الدعم السريع - السودانعبد الفتاح البرهان فولوديمير زيلينسكيقطاع غزةرمضانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • اتحاد القيصر للآداب والفنون يعلن نتائج مسابقة القصة القصيرة : الأردن وتونس يتصدران المركز الأول
  • رئيس هيئة الأركان: المرحلة القادمة ستشهد تحولات كبرى والأمم التي يتمسك أبناؤها بالقرآن الكريم هي أمم لا تُقهر
  • الفنان ماهر جرجس لـ "البوابة نيوز": النقد الجاد الذي يستند على الدراسة والعلم هام للحركة التشكيلية
  • شواطئ الإسكندرية تستقبل روادها في أول أيام عيد الفطر المبارك
  • على أحد شواطئ كينيا.. صلاة عيد الفطر تجمع الآلاف والدعاء لغزة حاضر
  • شواطئ وحدائق أم القيوين.. الوجهة المثالية
  • خلال عطلة عيد الفطر.. 4 شواطئ عامة للعائلات في دبي
  • بأكثر من 700 مليون ريال.. تدشين مشروعي زكاة الفطر والمساعدات النقدية في حجة
  • السادات: مصر تشهد تحولات استراتيجية ومشروعات قومية تغير وجه التنمية
  • العيد في العراق بين الماضي والحاضر: ما الذي طرأ على المجتمع