لجريدة عمان:
2025-01-30@04:55:34 GMT

الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

في السنوات القادمة ستصبح إفريقيا أكثر أهمية مقارنة بأي وقت آخر في العصر الحديث، فخلال العقد المقبل من المتوقع أن ترتفع حصتها من سكان العالم إلى 21% من 13% في عام 2000 و9% في عام 1950 و11% في عام 1800، ومع تزايد شيخوخة سكان باقي العالم ستتحول إفريقيا إلى مصدر بالغ الأهمية للعمل، فأكثر من نصف الشباب الذين يلتحقون بالقوة العاملة العالمية في عام 2030 سيكونون أفارقة.

هذه فرصة عظيمة لأفقر القارات، لكن لكي تنتهزها بلدان القارة (54 بلدا) سيلزمها أن تفعل شيئًا استثنائيًا وهو التخلص من ماضيها ومن أرثوذكسية الدولة الكئيبة التي تُمسِك بخناق أجزاء كبيرة من العالم (تقصد الإيكونومست بأرثوذكسية الدولة الاعتقاد التقليدي بمركزية الدولة وهيمنتها على الاقتصاد والمجتمع والسياسة وجعل هذه الهيمنة أساسا للحكم وتنظيم الحياة - المترجم). سيلزم قادة إفريقيا تبني الأنشطة الإنتاجية الخاصة والنموَّ وحرية الأسواق. إنهم بحاجة إلى إطلاق ثورة رأسمالية.

إذا تابعتَ التطورات في إفريقيا من بعيد ستكون مدركًا لبعض متاعبها كالحرب المدمرة في السودان وبعض جوانبها المضيئة كالهوس العالمي بموسيقى «آفروبيتس» الإفريقية التي ارتفع معدل بثها عبر منصة «سبوتفاي» بنسبة 34% في عام 2024، وما يصعب استيعابه واقعُها الاقتصادي الصادم الذي وثقته الإيكونومست في تقرير خاص نشرته هذا الشهر وأسمته « فجوة إفريقيا»

التحولات التقنية والسياسية التي شهدتها أمريكا وأوروبا وآسيا في العقد الماضي لم تؤثر إلى حد بعيد على إفريقيا التي تخلفت كثيرا وراء الركب. فدخل الفرد في إفريقيا مقارنة بالدخل في باقي العالم هبط من الثلث في عام 2000 إلى الربع. وربما لن يكون نصيب الفرد من الإنتاج عام 2026 أعلى عن مستواه في عام 2015. إلى ذلك أداء عملاقين إفريقيين هما نيجيريا وجنوب إفريقيا بالغ السوء. بلدان قليلة فقط مثل ساحل العاج ورواندا تجنبت ذلك.

خلف هذه الأرقام يوجد سجل بائس لركود الإنتاجية. فالبلدان الإفريقية تشهد تحولا كبيرا بدون تنمية. فهي تمر عبر اضطرابات اجتماعية مع انتقال الناس من المزارع إلى المدن دون أن يترافق ذلك مع ثورات زراعية أو صناعية، وقطاع الخدمات، الذي يجد فيه المزيد من الأفارقة فرص عمل، أقل إنتاجا مقارنة بأي منطقة أخرى. وهو بالكاد أكثر إنتاجا في الوقت الحالي من عام 2010.

البنية التحتية الضعيفة لا تساعد على ذلك، وعلى الرغم من كل الحديث عن استخدام التقنية الرقمية والطاقة النظيفة لتحقيق قفزة إلى الأمام تفتقر إفريقيا إلى مستلزمات القرن العشرين الضرورية للازدهار في القرن الحادي والعشرين. فكثافة طُرُقِها ربما تراجعت، وأقل من 4% من الأراضي الزراعية مَرويَّة ويفتقر نصف الأفارقة تقريبا جنوب الصحراء إلى الكهرباء.

للمشكلة أيضا بُعدٌ آخر لا يحصل على تقديرٍ كافٍ. فإفريقيا «صحراء» من حيث توافر الشركات. في السنوات العشرين الماضية أنتجت البرازيل شركات تقنية مالية عملاقة وإندونيسيا نجوما تجارية وتحولت الهند إلى الحاضنة الأكثر حيوية لنمو الشركات في العالم. لكن ليست إفريقيا. فهي لديها أقل عدد من الشركات التي تصل إيراداتها على الأقل إلى بليون دولار مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم، ومنذ عام 2015 يبدو أن هذا العدد قد تقلص، المشكلة ليست في المخاطر ولكن في الأسواق المبعثرة والمعقدة التي أوجدتها كل هذه الحدود السياسية الكثيرة في القارة، فبورصات إفريقيا المُبَلْقَنة (المجزَّأة) ليست جاذبة للمستثمرين.

وتشكل إفريقيا 3% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم لكنها تجتذب أقل من 1% من رأسماله الخاص.

ما الذي يجب أن يفعله قادة إفريقيا؟ يمكن أن تكون نقطة البداية التخلي عن عقود من الأفكار الرديئة. تشمل هذه الأفكار تقليد أسوأ ما في رأسمالية الدولة الصينية التي تتضح نقائصها والركون إلى الإحساس بعدم جدوى الصناعة التحويلية في عصر الأتمتة ونسخ ولصق مقترحات تكنوقراط (خبراء) البنك الدولي.

النصائح الجادة التي يقدمها البليونيرات الأمريكيون عن السياسات الكلية من استخدامٍ للناموسيات (للوقاية من الملاريا) وإلى تصميم ألواح الخلايا الكهروضوئية مقبولة. لكنها ليست بديلًا لإيجاد ظروف تسمح للشركات الإفريقية بالازدهار والتوسع.

إلى ذلك، هنالك نمط خطير من التفكير التنموي الذي يوحي بأن النمو لا يمكنه التخفيف من الفقر أو أنه ليس مهما على الإطلاق طالما هناك جهود للحد من المرض وتغذية الأطفال والتلطيف من قسوة الطقس. في الحقيقة في كل الظروف تقريبًا النمو الأسرع هو السبيل الأفضل لخفض الفقر وضمان توفر موارد كافية للتعامل مع التغير المناخي.

لذلك يجب أن يتخذ القادة الأفارقة موقفا جادا تجاه التنمية. عليهم استلهام روح الثقة بالذات في التحديث والتي شوهدت في شرق آسيا في القرن العشرين وحاليا في الهند وأماكن أخرى.

هنالك بلدان إفريقية قليلة مثل بوتشوانا وإثيوبيا وموريتشوس التزمت في أوقات مختلفة بما أسماها الباحث ستيفان ديركون «صفقات التنمية». إنها اتفاق ضمني بين النخبة بأن السياسة تتعلق بزيادة حجم الاقتصاد وليس فقط النزاع حول اقتسام ما هو موجود. المطلوب المزيد من مثل هذه الصفقات النخبوية.

في الوقت ذاته على الحكومات بناء إجماع سياسي يحبذ النمو. والأمر الجيد وجود أصحاب مصلحة أقوياء حريصين على الدينامية الاقتصادية. فهناك جيل جديد من الأفارقة الذين ولدوا بعد عدة عقود من الاستقلال. إنهم أكثر اهتماما بمستقبلهم المهني من عهد الاستعمار.

تقليص «فجوة إفريقيا» يدعو إلى تبني مواقف اجتماعية جديدة تجاه النشاط الاقتصادي الخاص وريادة الأعمال مماثلة لتلك التي أطلقت النمو في الصين والهند. فبدلا من تقديس الوظائف الحكومية أو الشركات الصغيرة يمكن للأفارقة إنجاز الكثير مع المليارديرات الذين يركبون المخاطر باتخاذ قرارات استثمارية جريئة.

وتحتاج البلدان الإفريقية كل منها على حِدة إلى الكثير من البنى الأساسية من الموانئ والى الكهرباء وأيضًا المزيد من التنافس الحر والمدارس الراقية.

هناك مهمة أخرى ضرورية وهي التكامل بين الأسواق الإفريقية حتى تستطيع الشركات تحقيق أكبر قدر من اقتصاد الحجم الكبير واكتساب الحجم الذي يكفي لاجتذاب المستثمرين العالميين. هذا يعني المضي في تنفيذ خطط إيجاد مناطق لا تحتاج إلى تأشيرة سفر وتحقيق التكامل بين أسواق رأس المال وربط شبكات البيانات وأخيرا تحقيق حلم المنطقة التجارية الحرة لعموم إفريقيا.

عواقب استمرار الوضع في إفريقيا على ما هو عليه ستكون وخيمة.

فإذا اتسعت فجوة إفريقيا سيشكل الأفارقة كل فقراء العالم «المُعْدَمين» تقريبا بما في ذلك أولئك الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي. وتلك ستكون كارثة أخلاقية. كما ستهدد أيضا عبر تدفقات الهجرة والتقلب السياسي استقرارَ باقي العالم.

لكن ليس هنالك سبب لتصوير الأمر وكأنه كارثة والتخلي عن الأمل. فإذا كان في مقدور القارات الأخرى الازدهار سيكون ذلك ممكنًا أيضًا لإفريقيا. لقد حان الوقت لكي يكتشف قادتها الإحساس بالطموح والتفاؤل. إفريقيا لا تحتاج إلى إنقاذ. إنها أقل احتياجًا إلى النزعة الأبويَّة والرضا بالواقع والفساد وبحاجة إلى المزيد من الرأسمالية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المزید من فی عام

إقرأ أيضاً:

شاهد.. تفاصيل لقاء السيسي ورؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، رؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة المشاركين في المؤتمر الثامن الذي تنظمه المحكمة الدستورية العليا المصرية لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الأفريقية، وذلك بحضور المستشار بولس فهمي رئيس المحكمة الدستورية العليا وعدد من قضاة المحكمة.

وصرح السفير محمد الشناوي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس رحب بالحضور، وشدد على الأهمية التي توليها مصر لدعم وتعزيز دور السلطة القضائية في المجتمعات الأفريقية، مؤكداً على أن تنظيم هذا المؤتمر وانتظام عقد اجتماعاته يعكس وحدة الأهداف والمصير المشترك بين شعوب القارة، التي تمتاز بالالتزام بقيم الحق والعدل، والتطلع لتعزيز مبادئ سيادة القانون، واستقلال القضاء، واحترام الحقوق والحريات.

وأضاف السفير محمد الشناوي المتحدث الرسمي أن الرئيس أكد على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات القضائية في ضمان أمن واستقرار دول القارة، فضلاً عن دورها الحيوي في مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه الدول الأفريقية، لاسيما في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، مشددا على ضرورة تعزيز دور القانون والمؤسسات القضائية في التصدي للتحديات التي تهدد كيان الدول، مع أهمية العمل الجماعي لوضع قواعد دستورية إفريقية مشتركة لمواجهة تلك التحديات.

وأعرب الرئيس عن تقديره للدور الجوهري الذي تقوم به المحكمة الدستورية المصرية، مؤكداً على أن الدولة المصرية حريصة على استقلال القضاء، وتعزيز دوره ومكانته، إيماناً منها بأن العدل هو عماد المجتمع وضمانة للأمن والسلم فيه، وأن دستور مصر قد أكد على هذه الاستقلالية، وعلى حماية السلطة القضائية وحظر التدخل في شؤونها، وعلى إعلاء سيادة القانون وترسيخ قيم الحق والمساواة والإنصاف.

وذكر المتحدث الرسمي أن المستشار بولس فهمي قد أعرب عن شكره لرعاية الرئيس للمؤتمر، مثمناً حرص الرئيس المتواصل على ترسيخ استقلال القضاء، وتعظيم دور المحاكم الدستورية بوصفها ركيزة أساسية لإرساء دعائم الديمقراطية، فضلاً عن إسهامها في تعزيز مسيرة التنمية.

وفي هذا الإطار، أكد المشاركون تشرفهم بلقاء الرئيس، وثمّنوا الدور الذي يضطلع به المؤتمر كأحد السبل الفعالة لتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية في مجال القضاء الدستوري، معربين عن تقديرهم العميق للتاريخ العريق الذي تتمتع به مصر في هذا المجال، وحرصها على تبادل الخبرات النوعية مع الدول الأفريقية، والتأكيد على دور المحاكم الدستورية والعليا في الحفاظ على سيادة الدول وحماية مقدرات شعوبها خلال الظروف الاستثنائية.

مقالات مشابهة

  • القائد العسكري عصمت العبسي: لقد سقط صاحب صيدنايا صاحب المكابس التي قتل فيها أحبائنا ولم يكن هذا النصر لولا اعتصامنا ووقوفنا خلف القائد أحمد الشرع في لحظة إعلان المعركة.
  • الساحل الإفريقي .. الأكثر عنفًا في إفريقيا والعالم
  • شاهد.. تفاصيل لقاء السيسي ورؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة
  • رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة: أهملنا أفريقيا اقتصاديًا لمدة 28 عامًا
  • رسائل السيسي لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة
  • السيسي يستقبل رؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة
  • الرئيس السيسي يستقبل رؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة
  • الكسوف المستمر.. شمس يناير التي ما زالت تؤذي أعيّن السلطة في مصر
  • الإنتربول: اعتقال 37 شخصًا يشتبه بهم في قضايا إرهاب بمنطقة شرق إفريقيا