مفتي الجمهورية: الحوار والوحدة الإسلامية السبيل لعودة الأمة إلى ريادتها
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية إن هذه الأمة التي شرفنا الله تعالى بالانتساب إليها تواجه اليوم تحديًا كبيرًا لتحقيق وحدتها والمحافظة على كيانها، هذا التحدي يكمن في مواجهة الأفكار الدخيلة التي تسعى لتفتيت أوصالها وتمزيق صفوفها، فالاتحاد قوة، وهو السبيل لعودة الأمة إلى ريادتها ومكانتها التي فقدتها، وقد جاء رسولنا الكريم ﷺ ليقيم دعائم هذه الوحدة ويُفعل مبدأ الأخوة الإسلامية، حيث كانت الأخوة الإسلامية، متى خلصت النوايا وصفت، أشد وثوقًا من أخوة النسب والدنيا، وإذا تأملنا رحلة نبينا ﷺ من مكة إلى المدينة، نجد أنه أراد من خلالها إقامة دولة تصنع الحضارة وتنهض بالأمة.
وأضاف فضيلته خلال ندوة نظمها جَنَاح الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بعنوان «نحو حوار إسلامي إسلامي»، اليوم الثلاثاء، أنه من أجل هذه الأخوة الإسلامية عمدَ رسولنا ﷺ إلى ثلاث خطوات أساسية: إقامة العلاقة الإيجابية بين العبد وربه، وقد بدأ النبي ﷺ ببناء المسجد ليكون مكانًا لتجمع المسلمين وللارتقاء بهم ويعزز تماسكهم، والأمر الثاني: تفعيل مبدأ المؤاخاة بين المسلمين، حيث آخى ﷺ بين المهاجرين والأنصار، ومحا عصبيات الجاهلية، وأسّس علاقات قائمة على الحب والرحمة والتكافل، والأمر الثالث: تنظيم العلاقات الدولية، حيث عمل النبي ﷺ على صياغة وثيقة المدينة التي حددت الحقوق والواجبات بين سكانها من المسلمين وغيرهم، مما أسس لعلاقات قائمة على العدل واحترام العهود.
وأكد مفتي الجمهورية أن هذه الجهود النبوية تسعى لتحقيق مبدأ الأخوة الإنسانية، حيث شبه رسولنا الكريم ﷺ المؤمنين بالجسد الواحد والبنيان المرصوص، ومن هنا ندرك أهمية الوحدة في مواجهة التحديات العالمية. فالأمة الإسلامية، متى اجتمعت كلمتها واتحدت صفوفها، استطاعت أن تقف بثبات، كما كان الحال في العصور الأولى عندما امتد الإسلام في زمن وجيز من إسبانيا إلى الصين، لكن العصبية المقيتة والتعصب للمدارس الفكرية والعلمية اليوم يمثل أحد أبرز العوائق أمام تحقيق الوحدة المنشودة، والشريعة الإسلامية قد نبذت هذه العصبيات وحذرت منها، لأنها تؤدي إلى التنازع والتفرقة. يقول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، ويقول أيضًا: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وأشار فضيلته إلى أن المؤسسات الدينية والعلمية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، قد خطت خطوات إيجابية في مجال الحوار الإسلامي الإسلامي، وعليها دور كبير في هذا الشأن، ولعلنا بعد أسابيع قليلة نكون أمام الطرح الذي عرض في مؤتمر البحرين «حوار الشرق والغرب»، والذي قدّمه فضيلة مولانا الإمام الأكبر تحت رؤية الحوار الإسلامي، وهو حوار يجمع بين المدارس السنية والمدارس الشيعية وغيرها من أصحاب المذاهب الأخرى كالزيدية والإباضية وغيرهما.
وأضاف فضيلته أن النقطة الثانية هي أن هذه الخطوة لا بد أن تظهر في آثار عملية، وبالتالي يمكن القول بأن هذا المؤتمر قد يكون مقدمة لجملة من الآثار العملية، مثل إنشاء مراكز علمية تجمع بين المدارس الإسلامية على اختلاف توجهاتها، وطرح قضايا الخلاف والعمل على دراستها، ثم الخروج برأي موحّد. كما ينبغي ونحن نتحدث عن حوار إسلامي إسلامي ونسعى لإعلاء المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، أن نتجاوز تلك القضايا التي تؤدي إلى توسيع الفجوة بين المدارس الفكرية. وبالتالي، ينبغي التركيز على آلية تحقق الوحدة، بعيدًا عن القضايا العقدية التي فرّقت الأمة ومزّقت وحدتها.
وفي ختام حديثه، شدد فضيلة مفتي الجمهورية على أمر مهم، وهو احترام العقيدة واحترام ما عليه الآخر، مع عدم المساس بمكانة الأنبياء والصحابة وما يتعلق بأمهات المؤمنين، باعتبار ذلك من معتقد أهل السنة والجماعة، فلا يجوز التطاول عليهم أو التعرض لهم، لأن ذلك يؤذي مشاعر المؤمنين والمؤمنات. وأخيرًا، أرى أن لقاء كبار رجالات هذه المدارس قد يصحح الكثير من المفاهيم ويقرب البعيد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية نظير عياد الدكتور نظير عياد الوحدة الإسلامية شيخ الأزهر مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
بعض الأباء يمارسونه.. مفتي الجمهورية: العقوق لا يقتصر على الأبناء فقط
أكَّد الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم أن العلاقة بين الوالدين وأبنائهم يجب أن تُبنى على الاحترام المتبادل والشعور بالمسؤولية والوفاء بالحقوق والواجبات، محذرًا من خطورة العقوق الذي يُعد من كبائر الذنوب، ويؤدي إلى تفكُّك الأُسر وانعدام المودة داخل المجتمع.
وأوضح، خلال حديثه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج "اسأل المفتي" الذي يذاع على فضائية صدى البلد، أن الحديث عن عقوق الأبناء للآباء لا يجب أن يُغفل في المقابل العقوق الذي قد يمارسه بعض الآباء تجاه أبنائهم، مشيرًا إلى أنَّ هناك بعض الممارسات التي تؤدي إلى ظلم الأبناء، مثل: التمييز بينهم دون مبرر، أو حرمانهم من حقوقهم المشروعة كالميراث، أو الإهمال في تربيتهم وتوجيههم.
وأشار إلى أن العادات والتقاليد الخاطئة لعبت دورًا خطيرًا في تفكيك الروابط الأسرية، إذ قد تؤدي إلى حرمان البنت من الميراث أو التفضيل بين الأبناء دون سبب شرعي؛ مما يولِّد الغلظة والقسوة في النفوس، ويخلق بيئة غير مستقرة داخل الأسرة.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رفض الشهادة على تفضيل أحد الآباء لابن من أبنائه دون وجه حق، قائلًا: "اذهب فأشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور"، وهو دليل واضح على رفض الشريعة للظلم والتمييز غير المبرر داخل الأسرة.
وتطرَّق المفتي إلى تأثير الثقافات الدخيلة والاتجاهات الفكرية الحديثة التي لا تتناسب مع القيم الإسلامية، مشيرًا إلى أن بعض الأبناء يتأثرون بأفكار تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف؛ مما يدفعهم إلى التمرد على الأصول الشرعية وقطع صلة الرحم.
وأكَّد أن الإسلام لا يبرر بأي حال من الأحوال القطيعة بين الأبناء وآبائهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، موضحًا أن البر بالوالدين لا يسقط حتى وإن كان الأبوان مقصرين في بعض الأحيان.
وأشار المفتي إلى أن شعور الأبناء بعدم الاهتمام أو الإهمال العاطفي من قِبل والديهم قد يكون أحد أسباب العقوق، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية التي قد تدفع بعض الآباء إلى التخلي عن دورهم التربوي، مثل الزواج بامرأة أخرى وإهمال الأبناء من الزوجة الأولى؛ مما يؤدي إلى شعور هؤلاء الأبناء بالحرمان العاطفي والنفسي.
وضرب مثالًا بما حدث في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما جاءه رجل يشكو عقوق ابنه، لكن الابن كشف أن والده هو من قصر في حقه منذ صغره ولم يحسن تربيته ولم يختر له اسمًا حسنًا، فقال له عمر: "جئت تشكو إليَّ عقوق ابنك، وأنت الذي عققته أولًا!"، في إشارة واضحة إلى أن مسؤولية الوالدين لا تقتصر على الإنجاب فقط، بل تشمل التربية والتوجيه السليم بل وحتى اختيار الاسم الحسن.
وتحدَّث المفتي عن ظاهرة التقليد الأعمى وتأثيرها السلبي على الأبناء، موضحًا أنَّ الكثير من الشباب والفتيات ينقادون وراء الموضة والثقافات الدخيلة دون تفكير؛ مِمَّا قد يؤدي إلى تصادم بين الأجيال داخل الأسرة، مشددًا على ضرورة التمييز بين التقليد الإيجابي الذي يؤدي إلى التطور، والتقليد السلبي الذي يهدم القيم والأخلاق.
وشدَّد المفتي على أن برَّ الوالدين ليس مجرد عرف اجتماعي، بل هو عبادة وطاعة لله، مشيرًا إلى قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وأن إحسان الوالدين يمتد أثره إلى الحياة الدنيا والآخرة، حيث يترتب عليه البركة في الرزق والعمر والتوفيق في الحياة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من سرَّه أن يُمدَّ له في عمره، ويُزاد له في رزقه، فليَصِلْ رحمه».
ودعا مفتي الجمهورية الآباء والأبناء إلى الحفاظ على صلة الرحم، والالتزام بالقيم الإسلامية السمحة التي تدعو إلى الرحمة والمودة والعدل داخل الأسرة، محذرًا من خطورة التفكك الأسري وآثاره السلبية على المجتمع.
وأجاب الدكتور نظير عياد، عن مجموعة من الأسئلة التي وردت من المشاهدين حول قضايا فقهية متنوعة، حيث أكد أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر مباح وجائز شرعًا، موضحًا أن الاستعانة بالنبي عليه الصلاة والسلام أو بأي مقام أو عمل صالح للوصول إلى رضوان الله تعالى أمر لا حرج فيه.
وأضاف أن من دلائل المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم استحضاره في الأقوال والأفعال والتوجُّه إلى الله به، مستشهدًا بقول الله تعالى الذي قرن فيه اسمه باسم النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن هناك بعض الاتجاهات التي تشددت في هذا الأمر خوفًا من الوقوع في الشرك، إلا أن الأمر على خلاف ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى عصم هذه الأمة من الشرك.
وفيما يتعلق بالتوسل بالأولياء والصالحين، أوضح فضيلة المفتي أن الأصل فيه الجواز، ما دام القلب ينظر إليهم نظرة محبة وتوقير، ويرى أنهم سبيل يوصل إلى مرضاة الله دون أن يملكوا نفعًا أو ضرًّا بذواتهم، مشيرًا إلى أن محاولة حمل الناس على رأي بعينه في هذه المسألة فيه نوع من التشدد، حيث إن القاعدة الفقهية تقول: "لا يُنكر المختلف فيه، وإنما يُنكر المتفق عليه"، وبالتالي فإن لكل شخص الحق في الأخذ بأيٍّ من الآراء الفقهية التي يراها مناسبة، ما دام التوسل يتم في إطار المشروع الذي شرعه الله تعالى.
وحول سؤال عن الفدية في رمضان، أوضح المفتي أن من تلزمه النفقة هو المسؤول عن إخراج الفدية لمن يعولهم، مثل الأب تجاه أبنائه وزوجته، أما من يملك ذمَّة مالية مستقلة، فعليه إخراج الفدية بنفسه، مؤكدًا أن الفدية تختلف عن الكفارة في الأحكام الفقهية.
وبشأن فلسفة الميراث في الإسلام، فقد أكَّد المفتي أن توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية يقوم على العدالة المطلقة، مشيرًا إلى أن الإسلام لم يميز الرجل على المرأة بشكل مطلق، حيث توجد حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وأخرى ترث فيها أكثر منه، وأحيانًا ترث المرأة ولا يرث الرجل.
وأوضح أن الحالات التي يرث فيها الرجل أكثر من المرأة محدودة، وهي في إطار فلسفة توزيع الميراث وفقًا للاعتبارات العمرية والاجتماعية، حيث إن الرجل مطالب بالإنفاق على الأسرة والمهر وتجهيز البيت، بينما المرأة غير مطالبة بذلك؛ مما يحقق التوازن في الحقوق والواجبات.
وبشأن هبة ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء، أوضح المفتي أن الأَولى أن يقرأ الإنسان القرآن لنفسه، غير أن بعض العلماء أجازوا إهداء الثواب للآخرين، خاصة في حال الوفاة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن ينفع أخاه بعمل خير فليفعل». وأكد فضيلته أن قراءة القرآن الكريم ينبغي أن تكون عادة مستمرة لحفظ مكانته في القلب والبيت والعمل.
وأكد المفتي أهمية الالتزام بآداب قراءة القرآن الكريم وحفظ مكانته في حياة المسلمين، مشيرًا إلى أنه سيتناول المزيد من هذه القضايا في الحلقات المقبلة، داعيًا الله تعالى أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال.