يمانيون ـ تقرير

مع ثبوتِ هزيمتِها التأريخية في مواجهة اليمن وفشلها الفاضح في ردع جبهة الإسناد اليمنية لغزة، تتخبط الولايات المتحدة الأمريكية بين رغبتها الشديدة بالانتقام من الشعب اليمني للتغطية على تلك الهزيمة وذلك الفشل، بين انعدام الخيارات الفاعلة لتنفيذ هذه الرغبة، فبعد أن أثبتت القوات المسلحة مصداقيتها أمام قطاع الشحن، من خلال وقف العمليات البحرية على السفن غير المملوكة للعدو الصهيوني، وتجاوب العديد من مشغلي السفن مع ذلك، أبدت واشنطن اندفاعًا نحو محاولة تدويل مأزقها من خلال إظهار البحر الأحمر كمنطقة خطر مُستمرّ على الجميع، والدعوة إلى تشكيل تحالفات جديدة تتضمن دولًا إقليمية، في مسعى جديد للتحشيد ضد اليمن خلف قرار التصنيف الجديد، وهذه المرة لأغراضٍ انتقامية وسياسية معلَنة وواضحة لا تستطيع دعايات “حماية الملاحة” المزيفة إخفاءَها.

 

شركاتُ الشحن تثقُ بمصداقية صنعاء:

منذ أن كشفت وكالات الأنباء الدولية ومنصات الشحن البحري عن تلقي العديد من شركات الشحن رسائلَ من مركز تنسيق العمليات الإنسانية بصنعاء بشأن رفع العقوبات عن السفن غير المملوكة لكيان العدوّ (مع ربط رفع العقوبات عن سفن العدوّ باكتمال تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة) أبدى قطاع الشحن تجاوبًا مع تلك الرسائل ونقلت العديد من التقارير عن مسؤولين في الأمن البحري قولهم إن العديد من أصحاب السفن يعملون على ترتيب العودة إلى البحر الأحمر، وأن التباطؤ يعود إلى سببين: الأول هو الحرص على التأكّـد من صمود وقف إطلاق النار في غزة، والثاني هو الوقت اللازم للتخطيط للعودة لتجنب اضطراب سلاسل التوريد والازدحامات.

وقد أكّـدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية هذا الأسبوع أن العديد من مشغلي السفن [غير المملوكة للعدو بطبيعة الحال] يعتزمون العودةَ إلى البحر الأحمر بمُجَـرّد اكتمال المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي يفترَض أن تضمن انتهاءَ الحرب واكتمال تبادل الأسرى، وهو ما يعني إلى أن القسمَ الأول من مخاوف شركات الشحن يعودُ إلى عدم الثقة بالتزام العدوّ بالاتّفاق.

وأشَارَت الصحيفة إلى أن القسم الثاني من مخاوف مشغلي السفن يتعلق بتعقيد الترتيبات اللازمة لعودة الإبحار عبر البحر الأحمر من ناحية الازدحام والاضطراب المفاجئ لأسعار الشحن، وهو ما يعني أن المسألةَ مسألة وقت إذَا صمد اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفقًا لمديرِينَ تنفيذيين نقلت عنهم الصحيفة الأمريكية.

 

أمريكا تسعى لتشكيل تحالف “انتقامي” جديد ضد اليمن:

لكن الولايات المتحدة تحاول رسمَ واقع مختلف من خلال مواصلة حملة التضليل التي فشلت على مدى عام كامل في إقناع العالم بأن البحر الأحمر أصبح منطقة خطرة على التجارة الدولية وأن جميع السفن مستهدفة بلا استثناء، في محاولة لضرب مصداقية صنعاء التي أكّـدت الوقائع من التقارير أن شركات الشحن تثق فيها بشكل رئيسي، وقد ذكرت العديد من التقارير الغربية والبريطانية مؤخّرًا أن أصحاب السفن لا يعولون على التحَرّكات الأمريكية بل “ينتظرون إشارة” من صنعاء؛ مِن أجلِ العودة إلى البحر الأحمر، وقد جاءت تلك الإشارة بوضوح.

هذه المساعي الأمريكية التضليلية تأتي في محاولة لإبقاء المجال مفتوحًا أمام التحشيد الإقليمي والدولي ضد صنعاء، خُصُوصًا بعد قرار التصنيف الأخير لحركة “أنصار الله” والذي تعول واشنطن على استخدامه كغطاء ووسيلة لترغيب أَو ترهيب بعضِ الأنظمة المعادية لليمن؛ مِن أجلِ التصعيد ضد الشعب اليمني.

لكن دعاية “حماية حرية الملاحة” التي فشلت الولايات المتحدة في ترويجها خلال أكثر من عام، أثناء الهجمات اليمنية، تبدو اليوم أقلَّ قابليةً للترويج مما كانت، بل تطغى عليها الرغبةُ الانتقامية المعلَنة بوضوح من جانب الولايات المتحدة، والتي عبَّر عنها نص قرار التصنيف الذي أشَارَت مبرّراته بشكل صريح إلى أنه يأتي كمحاولة للانتقام من هزيمة البحرية الأمريكية وتحييد التهديد الذي أصبح يشكِّلُه اليمنُ على كيان العدوّ ومصالح الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة، وهو ما برهن -من غير قصد- على مصداقية الموقف المعلن لصنعاء بشأن اقتصار تهديد عمليات الإسناد البحرية وغيرها على كيان العدوّ والأطراف المعتدية على اليمن.

هذا أَيْـضًا ما أكّـده “معهد واشنطن لسياسَة الشرق الأدنى” المرتبط بالاستخبارات الأمريكية في تقرير جديد زعم فيه أن البحر الأحمر لا يزال منطقة خطرة، ولكنه في محاولته لتفسير ذلك الخطر قال إنه “حتى لو أَدَّى وقف إطلاق النار في غزة إلى انخفاض ملحوظ في الهجمات في البحر الأحمر، فلن يغير ذلك من طبيعة الحوثيين أَو عدائهم تجاه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و”إسرائيل”، وعلى الرغم من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية العديدة ضد اليمن، فَــإنَّهم لا يزالون يمتلكون ترسانة متطورة تشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار هجومية بعيدة المدى” وهو ما يعني أن الخطر الذي تحاول الولايات المتحدة الترويج لوجوده في البحر الأحمر مقتصر على الثلاثي الذي يمتلك توجّـهات عدائية أصلًا ضد اليمن، وليس خطرًا “دوليًّا”.

وفيما اقترح المعهد على الولايات المتحدة “وشركائها” تنسيقًا للحفاظ على وجود عسكري في البحر الأحمر وإنشاء “تحالفات جديدة تضم دول البحر الأحمر مثل مصر وإريتريا والمملكة العربية السعوديّة والسودان” فَــإنَّ عنوان “الحفاظ على أمن الممر البحري” الذي حاول وضعه لهذه الخطوات، لا يستقيم أبدًا مع المخاوف الخَاصَّة التي ذكرها؛ باعتبَارها “تهديدات” فمصر والسعوديّة والسودان وإرتيريا لا مصلحة لها في الانخراط ضمن تحالف هدفه الأَسَاسي -كما ذكر المعهد- هو تحييد التهديد الذي تشكله القوات المسلحة اليمنية على كيان العدوّ والهيمنة الأمريكية والبريطانية على البحر الأحمر وباب المندب، وليس من المنطقي أن تعتبر هذه الدول أن تصاعد القدرات العسكرية اليمنية وبقاءها تهديدٌ يقتضي أن تتحَرّك للتخلص منه.

ووفقًا لذلك، يتبين بشكل واضح أن محاولة التحشيد الإقليمي التي تمارسها الولايات المتحدة في المنطقة ضد صنعاء تأتي؛ بهَدفِ الانتقام من الهزيمة التأريخية التي منيت بها البحرية الأمريكية والبريطانية في تحييد الخطر اليمني الاستراتيجي على كيان العدوّ الصهيوني، وأن عناوين “حماية الملاحة” أَو “خطر اليمن على شركاء أمريكا” ليست سوى محاولات بائسة ومكشوفة لاستمالة بعض الأطراف التي تمتلك أصلًا توجّـها عدائيًّا مسبقًا ضد اليمن، أَو ابتزاز الأطراف الأُخرى التي لا تملك مثل هذا التوجّـه.

والحقيقة أن بروز التوجّـه الانتقامي والمخاوف الخَاصَّة لدى الولايات المتحدة بهذا الشكل، يمثل دليلًا مسبقًا على حتمية فشل مساعي التحشيد العدواني ضد اليمن، سواء على مستوى حجم التحشيد أَو على مستوى نتائجه، وهذا ما يؤكّـده أَيْـضًا واقعُ الفشل السابق والذريع لواشنطن في تحشيد حلفائها ضمن عملية ما سمى بـ “حارس الازدهار” قبل عام، حَيثُ انتهى الأمر بذلك التحالف مقتصرًا على الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى إن الاتّحاد الأُورُوبي لجأ إلى تشكيل عملية مستقلة حرص على توصيفها بـ”الدفاعية” لتجنب التورط في المعركة الأمريكية والبريطانية العدوانية، ولن يكون الواقع مختلفًا اليوم مع حديث الولايات المتحدة بصراحة عن رغبتها في الانتقام لهزيمتها المخزية أمام اليمن، وهي رغبةٌ تُسقِطُ دعاية “حماية الملاحة” التي ثبت فشلها مسبقًا.

المصدر: المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأمریکیة والبریطانیة وقف إطلاق النار فی غزة الولایات المتحدة على کیان العدو البحر الأحمر العدید من ضد الیمن وهو ما

إقرأ أيضاً:

السياسة الأمريكية تجاه السودان: من صراعات الماضي إلى حسابات الجمهوريين الباردة

شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان محطات متباينة عبر التاريخ، حيث تأرجحت بين الانخراط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، وكان السودان دائمًا في موقع حساس داخل الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا والشرق الأوسط. منذ استقلال السودان، تعاملت واشنطن معه وفق اعتبارات الحرب الباردة، فكانت تدعمه حين يكون في المعسكر الغربي، وتضغط عليه حين يميل نحو المعسكر الشرقي أو يتبنى سياسات معادية لمصالحها. خلال السبعينيات، دعمت إدارة نيكسون والرؤساء الجمهوريون الذين جاؤوا بعده نظام جعفر نميري، خاصة بعد أن طرد الأخير الخبراء السوفييت وتحول إلى التحالف مع الغرب، لكن هذا الدعم لم يكن بلا مقابل، فقد جاء مشروطًا بفتح السودان أمام المصالح الأمريكية، سواء في ملفات الاقتصاد أو الأمن الإقليمي.
مع وصول الإسلاميين إلى السلطة عام 1989 بقيادة عمر البشير، دخل السودان في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، خاصة بعد استضافته لأسامة بن لادن وجماعات إسلامية أخرى، وهو ما أدى إلى تصنيفه دولة راعية للإرهاب في 1993. العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن عزلت السودان دوليًا، لكنها في ذات الوقت لم تمنع النظام من بناء تحالفات بديلة مع الصين وروسيا وإيران، ما جعل السودان يتحول إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوى الكبرى. ومع اشتداد الحرب في جنوب السودان، لعبت الولايات المتحدة دورًا غير مباشر في دعم المتمردين، وهو ما قاد إلى اتفاق السلام في 2005 الذي مهّد لانفصال الجنوب عام 2011. غير أن واشنطن، ورغم دورها الحاسم في تقسيم السودان، لم تفِ بوعودها تجاه الخرطوم، إذ استمر الحصار الاقتصادي لسنوات طويلة بعد الانفصال، ما زاد من تعقيد المشهد الداخلي وأدى إلى أزمات اقتصادية وسياسية عميقة.
خلال فترة حكم دونالد ترامب، تغيرت الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان من المواجهة المباشرة إلى نهج "المقايضة"، حيث تم ربط أي انفتاح أمريكي بمدى استعداد السودان لتقديم تنازلات سياسية وأمنية، وكان أبرز الأمثلة على ذلك اشتراط واشنطن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 2020. هذا النهج عكس طبيعة السياسة الخارجية لإدارة ترامب التي قامت على البراغماتية المطلقة، بعيدًا عن أي التزامات أخلاقية أو ديمقراطية. هذه الواقعية الصارمة قد تعود مجددًا في حال وصول الجمهوريين إلى السلطة مرة أخرى، مما يعني أن تعامل الولايات المتحدة مع السودان سيكون محكومًا باعتبارات المصالح الجيوسياسية وليس بدعم التحول الديمقراطي.
من المرجح أن تعتمد الإدارة الجمهورية القادمة، سواء بقيادة ترامب أو أي بديل آخر، على سياسة المقايضة بدلًا من الدبلوماسية التقليدية. السودان قد يجد نفسه أمام معادلة واضحة: ماذا يمكنه أن يقدم مقابل الدعم الأمريكي؟ في ظل هذه البراغماتية، فإن القوى المدنية التي لا تمتلك أدوات ضغط حقيقية قد يتم تجاهلها، فيما يتم التركيز على الفاعلين العسكريين باعتبارهم الأقدر على فرض الاستقرار، حتى لو كان ذلك على حساب التحول الديمقراطي. كذلك فإن الإدارة الجمهورية قد تستخدم العقوبات بشكل انتقائي، فتضغط على قوات الدعم السريع باعتبارها مرتبطة بروسيا وفاغنر، بينما تغض الطرف عن الانتهاكات التي يرتكبها الجيش السوداني إذا كان ذلك يخدم المصالح الأمريكية في الإقليم.
التحالفات الإقليمية ستكون أيضًا محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان، إذ من المتوقع أن تتعامل واشنطن مع الملف السوداني عبر قنوات غير مباشرة، مثل مصر والإمارات، بدلًا من التدخل المباشر. هذه المقاربة قد تؤدي إلى صفقات سرية تعيد ترتيب الأوضاع بما يخدم القوى العسكرية المدعومة من هذه الدول، وهو ما سيجعل أي حل سياسي محتمل بعيدًا عن التوافق الوطني الحقيقي. في سياق أوسع، فإن السودان قد يتحول إلى ورقة ضغط في الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث قد تسعى واشنطن إلى منع موسكو من توسيع نفوذها في البحر الأحمر عبر قاعدة بورتسودان، كما قد تستخدم الأزمة السودانية للضغط على الصين التي تمتلك استثمارات ضخمة في البلاد.
المسألة الأكثر حساسية في العلاقة بين السودان والإدارة الجمهورية القادمة ستكون ملف إسرائيل، إذ أن واشنطن قد تربط أي دعم سياسي أو اقتصادي بمزيد من التنازلات السودانية تجاه تل أبيب، سواء من حيث التعاون الأمني أو الاقتصادي. ترامب، في ولايته الأولى، استخدم سياسة فرض التطبيع كشرط مسبق للدعم، ومن المرجح أن يعود إلى نفس الأسلوب إذا فاز بولاية ثانية. هذه السياسة قد تضع السودان في مأزق داخلي، حيث أن التطبيع ما زال ملفًا خلافيًا في الساحة السودانية، ما يعني أن أي ضغط أمريكي في هذا الاتجاه قد يفاقم التوترات الداخلية.
في النهاية، فإن مستقبل العلاقة بين السودان والولايات المتحدة في ظل الجمهوريين سيتحدد وفق معادلة المصالح البحتة، بعيدًا عن أي التزام بدعم الديمقراطية أو الاستقرار طويل الأمد. واشنطن قد تدعم حلًا عسكريًا سريعًا للأزمة السودانية إذا كان ذلك يخدم مصالحها الإقليمية، لكنها لن تلتزم بمساعدة السودان على بناء نظام سياسي مستدام. كما أن السودان قد يجد نفسه في قلب صراع بين القوى الكبرى، حيث تسعى واشنطن إلى احتوائه ضمن استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، مما قد يعقد الأزمة أكثر بدلًا من حلها. في ظل هذه التعقيدات، فإن السودان سيكون أمام خيارات صعبة، إما الخضوع للضغوط الخارجية وقبول حلول مفروضة، أو مواجهة سيناريو صراع طويل الأمد يعمّق أزماته السياسية والاقتصادية.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • غارة أمريكية تقتل مدنيين في اليمن.. والحوثيون يردون بتكثيف الهجمات البحرية
  • عاجل| الحربيات الأمريكية تتعرض لهجمات صاروخية في البحر الأحمر
  • السياسة الأمريكية تجاه السودان: من صراعات الماضي إلى حسابات الجمهوريين الباردة
  • الإمارات إذ ترى في الضربات الأمريكية فرصة لتعزيز نفوذها في اليمن
  • ترامب: الولايات المتحدة تعتزم شراء سفن كاسحة جليد من فنلندا
  • سفيرة الكويت لدى الولايات المتحدة تلتقي السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام
  • واشنطن بوست: حرب ترامب على الجامعات تضع الولايات المتحدة في خانة الاستبداد
  • ملاك السفن يستعدون للرسوم الأمريكية بتعديل عقود الشحن الصينية
  • الدعم الحوثي لغزة: بين المواجهة مع واشنطن ومعادلة الصراع الإقليمي
  • تعليق جديد من الولايات المتحدة على اعتقال إمام أوغلو