الجزائر: البيروقراطية.. من نقمة الواقع إلى نعمة المواقع
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
تعتبر البيروقراطية من أكبر المشكلات التي يُنظر إليها بعين السُخط والتذمر، وذلك لما تحمله في سجلها الإداري من ممارساتٍ كثيرا ما عمّقت الهوّة بين المواطن والدولة، فالتريث والتدبير العقلاني الذي تتميز به مؤسسات الدولة تجنبا للمخاطرة، أو التسرع في اتخاذ القرارات، يُعد من أبرز مَوَاطن الاختلال أمام الممارسة الإدارية، والتي باتت رديفة لنتائج تعطيل مصالح الناس واستنزاف أوقاتهم، مقابل الحصول على خدمات وإجراءات إدارية، إلا أن هذه المفارقة حولت مفهوم البيروقراطية في عصرنا الحالي من سلطة المكتب في خدمة المواطن إلى استعمال السلطة في عرقلة مصالحه.
هذا المشهد، لا يستثني الجزائر من بين عشرات الدول التي تتطلع لنمو اقتصادي واجتماعي أفضل، أمام ما يوفره العالم اليوم من فرص استثمارية كبيرة قد تجعل من هذه البلدان دولا رائدة، ما لم يكن للبيروقراطية يدًا في المشهد، وإذ نحاول من خلال هذا المقال الاستقصائي أن نبين عن الأشواط الكبيرة التي قطعتها الإدارة الجزائرية في محاربة البيروقراطية بسلاح العصرنة والرقمنة، فإننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن بعض النقاط السوداء التي عايشها الجزائريون في فترات مختلفة، والتي منعت غالبية الشباب من تجسيد أفكارهم ومشاريعهم وأحيانا الدفع بالبعض الآخر نحو الإفلاس والتخلي عن طموحاتهم، فلا يجدون إلا طريق اليأس والهجرة نحو الخارج، وهو ما يؤكده تصريح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في هذا السياق، حيث أكد في حديث صحفي أن “العراقيل البيروقراطية حرمت أبناء الجزائر من تجسيد أعمالهم وتحقيق أحلامهم، ودفعت بالكثير منهم إلى الهجرة”.
رقمنةُ الإدارة.. مولودٌ لم يكن بحجم المخاض !رغم أن هذا الواقع فرض على السلطة في أكثر من مرة بذل مجهودات أكبر، من خلال محاولات تقريب الإدارة من المواطن، وخلق الثقة بينهما، عبر تبسيط الإجراءات الإدارية و تسهيل الخدمة العمومية، وصولا إلى استعمال ورقة الرقمنة، إلا أن ذلك ابتداءً لم يكن بالقدر الكافي أمام المرض المزمن الذي أصاب بعض المؤسسات الجزائرية، وبات لصيقا بأجهزتها وسلطة إدارتها المركزية، حيث يعتبر السيد عادل بلهادي وهو مهندس دولة في الإعلام الآلي بإحدى الدوائر الإدارية بالعاصمة، أن المجهودات الحالية للدولة في إطار رقمنة قطاع الإدارة ليست كافية، ولا يمكن أن تصل إلى المستوى المطلوب أمام هوة الثقة وخوف المواطن من بيروقراطية الإدارة، وذلك نظير تجاربه السابقة، ولهذا يرى السيد عادل أن الأمر يتطلب الكثير من الوقت لاسترجاع ثقة المواطن، كما يحتاج إلى تنشئة الجيل الصاعد عبر برامج دراسية رقمية حديثة تسايره في كافة مراحل التعليم.
في حين يعتقد زميله حازم أن استرجاع ثقة المواطن عن طريق تسهيل الخدمة العمومية لابد أن يرافَق بالشفافية في التسيير، واحترام رأي المواطن، بالإضافة إلى الثقة في إمكانيات الشباب وإدماجهم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.
كما يرى مسؤول بالدائرة الإدارية لبئر مراد رايس أن العراقيل الذهنية للمواطن والموظف على حد سواء، هي السبب الرئيس في فقدان هذه الثقة، وهي العراقيل التي تتسع دائرتها في الغالب إلى كافة موظفي المصالح الإدارية، رغم رتبهم ومكانتهم المهنية، ودليل ذلك حسب ذات المتحدث هي الطوابير التي لا تزال موجودة هنا وهناك، ولهذا وجب فرض الرقابة الفعلية والتحلي بالضمير المهني من طرف الموظف الجزائري.
وأمام حتمية التطور الرقمي، ومع تعميم استخدام الإنترنت والتكنولوجيات الحديثة في الجزائر، لجأت بعض المؤسسات التجارية والخدماتية، إلى استغلال التكنولوجيا الرقمية، من خلال تقديم خدماتها عبر النت، وهو ما لم يكن خفيا على المؤسسات الإدارية والحكومية على وجه الخصوص، حيث سارعت الإدارات العمومية وحتى المؤسسات الاقتصادية الربحية إلى تغيير إستراتيجيتها بالتوجه نحو البوابات والمنصات الإلكترونية، وتطوير التطبيقات الذكية الخاصة بها، موفرة بذلك جهدا إداريا كبيرا ومختصرة الطريق أمام زبائنها، إلا أن ذلك في البداية اصطدم برهان استرجاع ثقة المواطن المفقودة كما سبق وأن أوردناه، ولهذا يقول السيد حازم “للنهار أونلاين” في هذا الشأن، أن التطبيق الخاص بمؤسسة بريد الجزائر مثلا رغم أنه يوفر تسهيلات كبيرة في إجراء مختلف العمليات المالية ويمكّن من دفع وتسديد مستحقات الفواتير دون الحاجة إلى التنقل إلى مكاتب المؤسسات المعنية، ومن دون تسجيل أي سلبيات، إلا أن فئة من الشعب لم تعطي لنفسها فرصة الإطلاع على التطبيق واستغلال مزاياه، فرغم أن بعض الوزارات على غرار وزارتي العدل والداخلية سهلت استخراج بعض الوثائق الالكترونية، إلا أن طوابير الانتظار تأبى أن تفارق العديد من البلديات والمحاكم.
من جهته يؤكد السيد عادل بلهادي، أن هذه التطبيقات المتاحة تحتاج إلى المزيد من الوقت للحُكم عليها، مشيرا إلى أن مثل هذه التطبيقات تحتاج تحيّين دوري.
بالمقابل، ورغم الخطوات التي وصلت إليها الإدارة الجزائرية في رقمنة العديد من الخدمات والوثائق، في محاولة منها التقليل من كمية الأوراق والنُسخ المطلوبة في السابق، على غرار التوجه نحو اعتماد الوثائق البيومترية، من بطاقات الهوية، وجوازات السفر، وحتى الدفتر العائلي الرقمي الذي هو قيد التطوير، يُقّر مصدر مسؤول بالجماعات المحلية “للنهار أونلاين” سَعيَ بعض “الموظفين والمسؤولين” إلى عرقلة مجهودات الدولة لعصرنة قطاع الجماعات المحلية والتوجه نحو الإدارة الرقمية، وذلك لأسباب شخصية بحتة على غرار الحد من سلطتهم في التسيير إلى حد ما، وذلك ما تحاول السلطات الحد منه والقضاء عليه من خلال بوابة وزارة الداخلية والجماعات المحلية الموسومة بـ “اشكي” وهو جناح إلكتروني بموقع الداخلية، يمكن أي مواطن متواجد بأي نقطة على التراب الوطني من تقديم انشغاله أو شكواه أو حتى تقديم طعن على مستوى مصالحها.
من بين المشكلات التي فرضت نفسها في الواقع الجزائري أيضا، التفاوت الظاهر في رقمنة مؤسسات الدولة وغياب التنسيق فيما بينها، ما يعد مادة دسمة لتغذية شريان البيروقراطية، على غرار التفاوت المسجل على مستوى بعض القطاعات وأخرى، إذ أنه من غير المعقول أن تستخرج وثيقة عبر الأنترنت لتقديمها في إدارة جزائرية فتصطدم ببعض العراقيل لسبب واحد وهو أن هذه الأخيرة لم تتلقى أي تعليمة بشأن قبول هذا النوع من الوثائق المستخرجة عبر النت، بالمقابل تجدها لا تزال تعتمد على الوثائق الكلاسيكية الإستخراج من الإدارة الأصلية.
وفي هذا الإطار، دعا الباحث في الأنظمة الذكية الدكتور محمد شلولي، إلى ضرورة الإستثمار في البنى التحتية للمؤسسات والتسويق لهذه الأفكار الجديدة وتطبيقها على أرض الواقع من خلال توجيه الموارد البشرية نحو عمليات الرقمنة وتوفير برامج تدريب وتطوير، بالإضافة إلى توحيد المعايير اللازمة، من خلال وضع أجهزة تكنولوجية في متناول كافة المؤسسات، على غرار قارئ موحد للوثائق البيومترية، دون اللجوء إلى اعتماد نسخٍ طبق الأصل عن الوثائق الأصلية.
كما يؤكد السيد شلولي “للنهار أونلاين” أن التفاوت بين مؤسسات الدولة، ما هو إلا نتاج عدة عوامل على غرار التقنيات المستخدمة وكذا البنى التحتية لمؤسسات الدولة، دون إغفال العامل البشري، واليد العاملة ذات المهارات والقدرات اللازمة لاستغلال وتوظيف هذه التكنولوجيات، بالإضافة إلى التحديات وفرص التطبيق، وهنا يكمن دور الإرادة السياسية من خلال المراسيم والقوانين، التي تحدد تطبيق هذه التكنولوجيات الحديثة حسب ذات المتحدث.
رقمنة العمل الجمعوي.. تجربة تستحق المشاركةمن التجارب الملهمة التي ارتأيت أن أشاركها معكم في هذا المقال، تجربة المجتمع المدني، ودور التكنولوجيا في الرفع من أسهم العمل الجمعوي، وكذا تنظيمه تنظيما يساعده على بلوغ غايات أسمى ودرجات أعلى في مساعدة الآخرين، بعيدا عن مظاهر البيروقراطية التي مست مسارات الأعمال الخيرية، ولهذا يؤكد السيد محمد كريبع بصفته ناشطا جمعويا على مستوى العاصمة أن استغلال التكنولوجيا من طرف الجمعيات في رقمنة أداءها، ساهم بشكل كبير في التسريع من وتيرة أعمالها، سيما على مستوى التنظيم والأداء، متخطية ذلك إلى فرض نوع من المساواة الاجتماعية بين الأشخاص العاديين والفقراء المستفيدين من الإعانات الخيرية، ومنه القضاء على العقدة الموجودة لدى الإنسان المحتاج، مضيفا أن بعض الجمعيات عمدت إلى رقمنة كسوة العيد كرقمنة نموذجية من خلال بطاقة رقمية تُقدّم في فضاء التسوق، أي المحتاج يتسوق لوحده ويختار ما يشاء وما عليه سوى دفع البطاقة التي تحتوي على بيانات الشخص والمبلغ المقدم له، وهي خطوة تسعى الكثير من الجمعيات إلى العمل بها في عملها الخيري.
البيروقراطية في الجزائر.. بعيون شات جي بي تيالحديث عن رقمنة الواقع لا يكتمل سوى باختبار هذا العالم الرقمي، وأخذ نظرة افتراضية عبر تقنية الذكاء الاصطناعي، ولهذا وضعنا التساؤل على منصة شات جي بي تي، لمعرفة النظرة الرقمية لواقع البيروقراطية في الجزائر، وكان جواب المنصة بالكاد يتوافق والرؤى المذكورة سالفا، نضعها بين أيديكم مع إجراء تعديلات لغوية بما يناسب أسلوب الكتابة على موقع النهار أونلاين.
“عندما نتحدث عن البيروقراطية في الجزائر، نعني النظام الإداري والمؤسسات الحكومية التي تتعامل مع المواطنين والشركات. تاريخيًا، كانت البيروقراطية تتميز في الجزائر بالتعقيد والتباطؤ في الإجراءات، أمام شبح الفساد والممارسات غير الفعّالة..
في الماضي، كانت الإدارة العمومية في الجزائر تتميز بالبيروقراطية الكلاسيكية، حيث كانت الإجراءات طويلة ومعقدة، وتتطلب العديد من التصاريح والمستندات الرسمية. كان الحصول على أي خدمة من الدولة مثل التصاريح والرخص يتطلب مسارات طويلة ومعقدة من مكتب إلى آخر، وهذا كان يستغرق وقتًا طويلاً ويتسبب في تأخيرات وتعثر في العملية الإدارية.
مع التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت والتحول الرقمي، بدأت الجزائر في العمل على تطوير التطبيقات الإلكترونية والمنصات الرقمية لتسهيل الإجراءات الإدارية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والشركات تم تطوير تطبيقات تهدف إلى تحويل الإجراءات الإدارية التقليدية إلى تجارب رقمية سلسة وسهلة الاستخدام”.
أما الحلول المقترحة لدى شات جي بي تي فتتلخص في زيادة الكفاءة وتبسيط العمليات الإدارية من خلال توفير بعض الحقوق الأساسية “على غرار حق الوصول إلى المعلومات، وحق تقديم الخدمات عبر الأنترنت، وحق تقليل الأوراق، حق متابعة الطلبات والتقدم، حق التواصل الإلكتروني، وحق تقديم الملاحظات وتقييم الخدمات، وكذا حق تدريب الموظفين بالإضافة إلى حق تسجيل العمليات الإدارية عن طريق التكنولوجيا وذلك من أجل التقليل من فرص التلاعب والفساد مع ضمان الشفافية في الخطوات المتبعة والمراحل اللازمة” على اعتبار أن هذه الحقوق ما هي إلا جزءً من المجهودات الواجب اتخاذها لتحقيق تجربة أكثر سلاسة وفعالية أمام المواطن والمؤسسات على حد سواء.
المصدر: النهار أونلاين
كلمات دلالية: مؤسسات الدولة بالإضافة إلى فی الجزائر على مستوى على غرار من خلال فی هذا أن هذه لم یکن إلا أن
إقرأ أيضاً:
ضبط 43 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة
تواصل الإدارة العامة للمرور، توجيه الحملات المرورية لتحقيق الانضباط وتطبيق قانون ولوائح المرور على قائدي السيارات وضبط المخالفين منهم.
وأسفرت جهود الإدارة العامة للمرور خلال 24 ساعة، عن ضبط 34422 مخالفة مرورية متنوعة، بينها المخالفات التالية:
1332 مخالفة السير دون تراخيص.
22 دراجة نارية مخالفة.
19933 مخالفة تجاوز السرعة المقررة.
1233 مخالفة التحدث في الهاتف المحمول أثناء القيادة.
مخالفة موقف عشوائي.
5 مخالفات شروط التراخيص.
وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وتواصل أجهزة وزارة الداخلية حملاتها لضبط المخالفات المرورية.