إيكونوميست: خطة رواندا المتهورة لإعادة رسم خريطة أفريقيا
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرا عن مآلات الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد استيلاء "حركة 23 مارس"، يوم الاثنين، على مدينة غوما عاصمة إقليم شمال كيفو شرقي البلاد.
واعتبر التقرير أن الاستيلاء على غوما يمثل تتويجا لأكثر من عامين من العنف المتجدد الذي تشنه هذه الحركة، مما يشي بمدى ضعف الدولة الكونغولية.
ووفق إيكونوميست، فلطالما كانت مدينة غوما ملاذا للفارين من جحيم العنف في أماكن أخرى من البلاد، التي تعد واحدة من أكثر مناطق العالم الغارقة في الدماء، حيث تتبارى أكثر من 100 جماعة مسلحة على الاستيلاء على الأراضي والنهب والنفوذ السياسي.
تطور مقلقووصفت المجلة التطور الأخير بأنه مؤشر مقلق ينبئ بأن رواندا، "راعية حركة 23 مارس"، ربما تتأهب لاستخدام قوتها في إعادة رسم خريطة المنطقة، وبذلك تخاطر بحرب أفريقية كارثية أخرى.
وتعود جذور الأحداث في غوما -بحسب التقرير- إلى عقود مضت، فبين عامي 1996 و2003، تصارعت رواندا وقوى إقليمية أخرى على الغنائم التي خلّفها نظام الرئيس موبوتو سيسي سيكو، الذي حكم الكونغو خلال الفترة من عام 1965 حتى عام 1997، وقام بتغيير اسمها إلى زائير.
وتزعم رواندا أن لها مصلحة في شرق الكونغو وهي استئصال فلول أولئك الذين فروا منها بعد ارتكابهم الإبادة الجماعية في عام 1994، وحماية التوتسي، القبيلة التي تعرضت لعمليات إبادة جماعية.
إعلان
أسباب أخرى
لكن المجلة تقول إن رواندا لطالما اتُّهمت بالاستعانة بوكلاء لها لأسباب أخرى أيضا، مثل نهب ثروات الكونغو المعدنية وجذب المنطقة إلى دائرة نفوذها.
وأفادت بأن أهم وكلاء رواندا في المنطقة هي حركة 23 مارس، التي أخذت اسمها من اتفاق سلام "في حالة احتضار" تم توقيعه في 23 مارس/آذار 2009، بين جماعة سابقة بقيادة التوتسي والحكومة الكونغولية. وفي عام 2012 استولت حركة 23 مارس على غوما لفترة وجيزة للمرة الأولى قبل أن تهزمها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
ثم عادت الجماعة المتمردة للظهور مرة أخرى في أواخر عام 2022 بعد محاولة الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، رئيس الكونغو الديمقراطية، إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بطرق كان من شأنها أن تؤدي إلى تهميش رواندا.
ارتكاب فظائعوتشير المجلة، في تقريرها، إلى أن فظائع عدة ارتكبت على مدار العامين الماضيين، من بينها الاغتصاب والقتل الجماعي، فيما كانت الحركة المتمردة تستولي على أراض في جميع أنحاء كيفو الشمالية.
وعلى الرغم من أن رواندا ظلت تنفي دعمها لحركة 23 مارس، فإن تقريرا للأمم المتحدة وجد في عام 2022 "أدلة قوية" تثبت مشاركة قوات رواندية في القتال إلى جانب الجماعة المسلحة، التي استخدمت صواريخ أرض-جو ومركبات مدرعة مما يدل على أنها أشبه بفرقة من الجيش الرواندي أكثر من كونها مليشيا سيئة السمعة، حسب قول المجلة البريطانية.
وتقول إيكونوميست إن سقوط غوما يؤكد على فشل الرئيس تشيسيكيدي، الذي تعهد عند توليه منصبه في عام 2019، بإحلال السلام والنظام في شرق الكونغو. وقد انهارت آخر محاولة لمحادثات السلام التي كانت تهدف إلى وقف تقدم حركة 23 مارس، والتي توسطت فيها أنغولا، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتصف المجلة الجيش الكونغولي بأنه فاسد وغير كفء، مشيرة إلى أن جنوده ظهروا بعد انهيار معظم خطوطهم الدفاعية، وهم يتجولون بسيارات الجيب في وسط المدينة بحثا عن مخرج.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات حرکة 23 مارس فی عام
إقرأ أيضاً:
مشاهد لحياة لاجئي الكونغو على الحدود وضفاف بحيرة كيفو
حدود الكونغو الديمقراطية- لا شيء يقطع الهدوء عند ضفاف بحيرة كيفو سوى صوت المعارك الآتي من خلف الحدود. تشكل البحيرة إحدى نقاط الحدود الطبيعية بين رواندا والكونغو الديمقراطية، وعند ضفافها يمكن بوضوح سماع صوت القصف المدفعي المتقطع خلال الليل أو ساعات النهار، وأحيانا أزيز زخات من الرصاص.
لم تمنع تلك الأصوات ولا الحرب -التي طال أمدها- أطفال وصبية غيسانغي من السباحة عند ضفاف البحيرة، ولا القوارب من مخر عبابها جيئة وذهابا، تنقل اللاجئين تارة وتأخذ الراغبين في التجوال في مياه البحيرة -التي ترتفع 1800 متر عن مستوى سطح البحر- تارة أخرى.
أطفال يسبحون في بحيرة كيفو برواندا مقابل الحدود مع الكونغو الديمقراطية (الجزيرة)ومن ضفاف البحيرة، نجتاز وسط مدينة غيسانغي الرواندية التي تحافظ على نمطها الهادئ وينتظم فيها كل شيء كالمعتاد، رغم ازدياد أعداد الوافدين إليها من وراء الحدود.
ويعلق على ذلك أمين عام وزارة شؤون الطوارئ في رواندا هابينشوتي فيليب عند سؤاله عن استعدادات البلاد لاستقبال اللاجئين على وقع المعارك في الجوار، فيقول "مع اشتداد القتال على الجانب الكونغولي من الحدود قرب مدينة غوما، رفعت رواندا من جاهزيتها لاستقبال اللاجئين الذين يحتمل أن يعبروا الحدود وتقديم المساعدة لهم"، ويضيف في حديث للجزيرة نت أن الوزارة "ليست لديها أرقام دقيقة بعد لأعداد اللاجئين الذين دخلوا أراضي رواندا أو الذين يتوقع أن يدخلوا".
مراسل الجزيرة نت يتحدث لسائق دراجة أجرة (الجزيرة)وعلى جنبات الطريق الرئيسي في المدينة الذي ينتهي بنقطة الحدود، ينتظر أصحاب المحال التجارية توافد زبائن محتملين، مع وجود اللاجئين من شرقي الكونغو، وكثير منهم من مدينة غوما تحديدا. نتحدث إلى سائق دراجة أجرة جان بومسن، الذي يعبر بلغة إنجليزية بسيطة عن نشاط الحركة التجارية في المدينة خلال الأيام القليلة الماضية.
مشاهد اللجوء مبنى نقطة الحدود الرواندية حيث يتم استقبال اللاجئين (الجزيرة)عند النقطة الحدودية، يصبح مشهد اللجوء أكثر وضوحا. بضع عشرات من الأمتار تفصل مدينة غيسانغي عن غوما الكونغولية مع كثير من الفوارق في وضع المدينتين.
عائلات كونغولية عبرت الحدود ضمن موجات لاجئين دخلوا رواندا (الجزيرة)في المبنى المخصص لاستقبال من يرغبون في الدخول إلى رواندا، وعند طرفه يمكن بوضوح رؤية الجانب الآخر، جمهورية الكونغو الديمقراطية. فالمدينتان الحدوديتان ليستا سوى امتداد طبيعي بعضهما بعضا.
إعلانتكتظ القاعة الداخلية بالمئات من الكونغوليين، يصطفون في طوابير بانتظار دورهم عند شباك العبور ولا يشتكون من أي تأخير، فالإجراءات سريعة. يقول أمين عام وزارة شؤون الطوارئ في رواندا هابينشوتي فيليب إن "جل ما على الوافدين القيام به هو التصريح عن اسمهم الكامل وأي معلومات يمكن أن يوفروها عن أنفسهم ويسمح لهم بالدخول فورا".
لاجئون كونغوليون ينتظرون دخول الأراضي الرواندية (الجزيرة)ويضيف أنه "عند الاستجابة لحالة طارئة وعندما يفر المدنيون هربا من القتال، لا يمكن أن نطلب منهم إبراز الأوراق الثبوتية فهم بالكاد نجوا بحياتهم".
مغادرة البعثاتووسط قاعة الدخول في المبنى الحدودي، ينتظر عشرات من موظفي بعثات المنظمات الدولية والإنسانية الأجانب لإتمام أوراقهم والدخول إلى رواندا.
كان عليهم المغادرة على عجل بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وانقطاع التيار الكهربائي عن مدينة غوما منذ 4 أيام على الأقل، بالإضافة إلى طلب حكوماتهم ومؤسساتهم منهم المغادرة.
بعثة "أطباء بلا حدود" تجلي موظفيها غير الأساسيين من غوما (الجزيرة)وتحدث أحد أفراد بعثة "أطباء بلا حدود" -فضل عدم ذكر اسمه- عن ارتفاع أعداد المصابين والجرحى في المستشفيات وأبدى خشيته من أن يزداد الوضع الإنساني سوء. وأفاد أحد أفراد بعثة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وهو كاميروني الجنسية، بأنه "طلب من الموظفين الذين يمكنهم العمل عن بعد مغادرة غوما"، وردا على سؤال عن أوضاع الطريق من مدينة غوما باتجاه نقطة الحدود مع رواندا، قال "الطريق سالكة بشكل مقبول" وإنه "لم يلحظ تدفقا كبيرا للنازحين نحو الحدود".
وكانت الأمم المتحدة قد بدأت، السبت الماضي، إجلاء موظفيها غير الأساسيين عبر طائرات تابعة لها، ويسمع صوتها في أثناء عملية الإقلاع من داخل الكونغو الديمقراطية.
شاحنات بضائع تجارية تجتاز نقطة الجمارك من الكونغو باتجاه رواندا (الجزيرة)وعند نقطة الحدود، سألنا سلمان كريم، وهو طالب رواندي يعيش في الجوار عن أوضاع المدينة في ظل موجة اللاجئين القادمين من الكونغو الديمقراطية، فيقول إن المدينة استقبلت كثيرا من العائلات الكونغولية وإنه يشعر بالأسى، لأن المدنيين اضطروا للفرار من ديارهم.
إعلان مصير اللاجئينقد يمثل اللاجئون عبئا على الدولة المضيفة، وعن ذلك يقول أمين عام وزارة شؤون الطوارئ الرواندية إن بلاده "لا تضع سقفا لعدد اللاجئين الذين يمكن أن تستقبلهم"، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل بمساعدة شركاء لها على مراقبة الأوضاع وتضع خططا للتكيف مع أي عدد قد يصل إلى أراضي الدولة.
خريطة الكونغو الديمقراطية (الجزيرة)وأضاف أن "الأولوية دوما تكون تأمين سكن لائق مؤقت للوافدين، ليصار بعدها إلى نقلهم إلى مناطق أخرى وتوفير الخدمات التي تحتاجها لا سيما العائلات لضمان انتظام أطفالهم في المدارس".
على خلاف طريق اللاجئين السالكة داخل رواندا الذي لا يختلف عن طريق قوافل السائحين الذين يمكن رؤيتهم في الطريق إلي الحدود، يبقى التحدي الذي يعيشه شرق الكونغو وحاجته إلى طريق مشابه نحو سلام ينهي أحد أطول صراعات القارة الأفريقية.