تخبئة سلاح الوحدة الفلسطيني وقت عازته
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
جملة من التحديات الكبيرة على الساحة الفلسطينية، تحتاج إلى مواجهة جماعية من قبل الكل الفلسطيني، تحديات ناجمة عن متغيرات كثيرة في المنطقة، على رأسها الخطر الكبير الذي يهدد القضية الفلسطينية أرضا وشعبا، وتكشفها التسريبات والضغوط للخطط الإسرائيلية الأمريكية ومن أن "الرئيس ترامب سيمنح إسرائيل الفرصة لبناء مستوطنات جديدة في الضفة"، بحسب تصريحات رئيس مجلس مستوطنات بنيامين الإقليمي لجيروزاليم بوست والذي حضر حفل تنصيب ترامب، وكذلك الحديث عن أن "المسألة مؤاتية لضم الضفة الغربية لكن الأمر سيحتاج بعض الوقت".
معظم أركان الإدارة الأمريكية بزعامة ترامب، المعنيين بملف الشرق الأوسط والعلاقة مع إسرائيل، من مبعوثين وسفراء، بالإضافة للرئيس نفسه، كان لهم مواقف مخالفة لكل المفاهيم السائدة أو تلك التي يزعمها ترامب بأن عهده سيشهد وقفا للحروب، بينما يُستأنف تذخير آلة الحرب الإسرائيلية بقنابل 2000 رطل، مع فكرة توسيع التطبيع ودعم إسرائيل المطلق، ونزع شرعية المؤسسات الدولية ودعم إسرائيل لتجاهلها ومحاربتها وتهديدها بعقوبات لتأمين إفلات إسرائيل من العقاب، إلى شرعنة الاستيطان وحمايته، ثم ترويج ترامب لفكرة تهجير سكان غزة بالضغط على الأردن ومصر للقبول بالفكرة، وهي استجابة للطموحات الإسرائيلية الرامية لفرض سلام خاص يقوم على الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على المنطقة، انطلاقا من موازين قوة مختلة عربيا لصالح إسرائيل، بعد العدوان على غزة والذي تصدى له الشعب الفلسطيني ولمخططاته الهادفة لاقتلاعه من أرضه.
ومع التعقيدات الناتجة عن الوضع الداخلي الفلسطيني بعد وقف إطلاق النار على غزة، واشعالها في جنين وبقية مدن الضفة، بالتزامن مع خطط الاستيطان المتسارع، وعدوان المستوطنين، كشفت التقارير والمشاهد من الضفة الغربية المحتلة عن التطور المرعب للعدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى تصعيد ما كان في الأصل حملة قمع وحشية إلى هجوم أكثر دموية، وفي الوقت نفسه، تم انتهاك ما يسمى بوقف إطلاق النار في غزة بشكل متكرر، وتشكل مقاطع الفيديو التي تصور المدنيين وهم يتعرضون لإطلاق النار من قبل القناصة الإسرائيليين في وضح النهار في غزة، أو عمليات العدوان في مدن الضفة، دليلا مرعبا على أن الإرهاب الاسرائيلي لم يتوقف، بل تغير فقط.
الممارسات الإسرائيلية هي أعمال إرهابية مدروسة تهدف إلى إرسال رسالة واضحة بأن غزة، المدمرة والمدمرة إلى حد كبير، ليست هي المحور الرئيسي فقط لمشروع الإبادة الجماعية الإسرائيلي في الوقت الحالي، وهكذا، ومع انشغال العالم بوعد السلام الأمريكي الذي بشر به ترامب، صعّدت إسرائيل من عملياتها في الضفة الغربية المحتلة والقدس. وهنا نرى نمطا مختلفا، ولكنه مرعب بنفس القدر: زيادة الغارات والتفجيرات والاعتداءات المتواصلة على المدنيين في جنين ومخيمها وطولكرم وارتفاع وتيرة إرهاب المستوطنين، واستغلال إسرائيل لصفقة تبادل الأسرى للتنكيل بالفلسطينيين المحررين وبذويهم، هو أيضا مثال عن وحشية إسرائيلية مستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وعن سخرية مطلقة بوقف إطلاق النار وبالسلام المزعوم.
يتضح أن كل ما يحيط بالفلسطينيين قضية وشعب، يبعث على الخوف والحذر الشديد، ولأننا أمام إدارة أمريكية تعتبر الاستيطان وعدوان المستوطنين شرعي، وبأن التطبيع العربي مع إسرائيل الذي يدعمه ترامب ينطوي على عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في أرضه، يُطرح السؤال التالي: ما الذي بقي من مشروع الدولة الفلسطينية والسلام المزعوم؟ السؤال في ظاهره محايد وصحيح، غير أن تأمّل واقع من مسار مترابط للاحتلال في فترة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود مع المسار الفلسطيني، يكشف عن خلل وفشل فلسطيني وعربي بالتعامل مع هذه التحديات والتعقيدات.
فالرئيس ترامب على الرغم من سخافة ما يبدو عليه من طرح لأفكار التهجير بعد جرائم الإبادة الإسرائيلية، إلا أن الأمر ليس مجرد هذيانات مجنونة لرجل خارج عن نطاقه، بل إنها تعكس تجاهل الغرب الأوسع لإنسانية الفلسطينيين، فبدلا من مناقشة إعادة البناء أو العدالة، يتحول الحديث إلى تهجير سكان بالكامل، وكأن هذا أمر طبيعي أو أخلاقي. ويصبح تجاهل الغرب لحياة الفلسطينيين أكثر وضوحا عندما تتخيل اقتلاع أكثر من مليوني إنسان من ديارهم وإلقاءهم في الدول المجاورة، وتصويرهم على أنهم حفنة من الإرهابيين والخارجين عن القانون، بحسب النظرية الترامبية للتعامل مع أوضاعه الداخلية، وكأن لسان حاله يهم بإصدار أمر تنفيذي لسكان غزة لترحيلهم.
لقد أثبت الفلسطينيون مرارا وتكرارا أن قدرتهم على الصمود لا مثيل لها، وإن كفاحهم لا يقتصر على مقاومة الاحتلال فحسب، بل إنه يشمل أيضا مقاومة الاستعمار والإمبريالية وتطبيع التطهير العرقي، وهم يتمتعون بدعم ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، وهناك متضامنون مع فلسطين، مطالبين بالعدالة وإنهاء هذه الإبادة الجماعية ومقاومة سياسة الأبارتيد الصهيونية. وقد تعرض جيل كامل من الفلسطينيين لصدمة نفسية وواجهوا خطر الإبادة الكاملة على يد قوة احتلال غاشم، كل هذا في عهد بايدن الذي بتنا نتذكره باعتباره أحد أكثر الرؤساء وقاحة وعارا في تاريخ الولايات المتحدة بدعمه إبادة جماعية بلا خجل، والدفاع عنها بشكل صارخ وفاضح.
يثبت الرئيس ترامب وإدارته الجديدة، لإسرائيل وللعرب والفلسطينيين، بأن عهده مختلف عن سلفه بالشكل، أما في المضمون لديه مخططات تعمل على ترسيخ الطموحات الصهيونية، مثل تشديد التدابير الأمنية، أو حصار سكان غزة في سجن أكثر كابوسية، أو ترحيلهم، ليتاح بيع العقارات المطلة على بحر غزة للمستثمرين الأمريكيين، في ذات الوقت يغض الطرف ترامب عن قيام المستوطنين الأوروبيين والأمريكيين بتقسيم الضفة حتى لا يبقى ما يمكن أن تقوم عليه دولة فلسطينية.
أخيرا يُطرح السؤال: ماذا تبقّى للفلسطينيين ليقوموا بعمله؟ رغم أن الحاضر يبدو قاتما، نعتقد أن الفلسطينيين والعرب وصلوا إلى نقطة تحوّل، فقد بدأت أجزاء كبيرة من العالم تشعر بخيبة الأمل إزاء الغرب وما يسمى "نظامه القائم على القواعد". لقد تحوّل توازن القوى، وتضاءل نفوذ المؤسسات الدولية المعنية بالسلم الدولي، والمسألة منوطة اليوم فقط بما سيقدم عليه الفلسطينيون من خطوة تعتبر الأهم في تاريخهم المعاصر، من خلال اللجوء لسلاح وحدتهم الداخلية، وإشهاره في وجه كل المخططات ومواجهة التحديات وتصليب الموقف الفلسطيني يعتبر دعامة لكبح أي جموح نحو التطبيع والقفز عن حقوقهم، أما الاستمرار في تخبئة هذا السلاح وقت عازته فإنه يمثل انتحارا لحركة تحرر وطني ومقتل لقضية الشعب الفلسطيني.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الإسرائيلية ترامب غزة إسرائيل فلسطين غزة وحدة ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
تتسم المقاربة الإسرائيلية تجاه سوريا الجديدة بنهج عدائي شديد الوضوح، فقد نظرت القيادة الإسرائيلية إلى التحولات الجيوسياسية الناشئة كتهديد للأمن القومي الإسرائيلي، حيث شرعت منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد بشن سلسلة من الاعتداءات والغارات الجوية وقامت بتوغلات برية أسفرت عن ضم واحتلال مزيد من الأراضي السورية. وقد أعلنت إسرائيل دون لبس أو مواربة عن عدائها للقيادة السورية الجديدة، وكشفت عن رغبتها وعزمها على إبقاء سوريا دولة هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية. وعبّرت إسرائيل بجلاء عن قلقها وخوفها من تنامي النفوذ التركي المتصاعد، وأكدت على خوفها وخشيتها من عودة وإحياء الإسلام السياسي السني الذي بات يسيطر على دمشق، وأثره وتداعياته على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.
شكّل سقوط نظام آل الأسد الوحشي الطائفي في سوريا بعد عملية "ردع العدوان"، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، مفاجأة غير سارة للكيان الإسرائيلي، لكنه كان خبرا سعيدا لتركيا، ففي الوقت الذي تريد تركيا أن تكون سوريا الجديدة دولة ناجحة، ترغب إسرائيل بوجود دولة سورية جديدة فاشلة، ولذلك سارعت إسرائيل بالتزامن مع سقوط نظام الأسد، بشن سلسلة من الهجمات، ولم تكتف تل أبيب بالدخول إلى المنطقة العازلة، بل سيطرت على مرصد وقمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وشنت أكثر من 300 غارة جوية أدت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية التي تركها النظام السوري ومستودعات السلاح والصواريخ الإستراتيجية ومراكز البحث العلمي والتصنيع العسكري.
انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت
ورغم أن تركيا وإسرائيل استفادتا بشكل كبير من تفكك المحور الذي تقوده إيران، وخاصة في سوريا، لكن تركيا كانت الرابح الأكبر، بينما تضاربت المشاعر الإسرائيلية وأفضت إلى نشوة مؤقتة أعقبها قلق دائم، فالعداء بين إسرائيل وتركيا لا يقارن بالصراع الطويل والدموي بين إسرائيل وإيران ووكلائها، والتحديات التي تواجه العلاقات التركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد الأسد تشير إلى تشكل منعطف حاسم في الجغرافيا السياسية الإقليمية، الأمر الذي يغير بصورة جذرية الديناميكيات التي طبعت العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، والتي تأرجحت بين نسق من التحالفات البراغماتية والانقسامات الأيديولوجية، وقد أدى زوال عدوهما المشترك في سوريا إلى تحول في توازن القوى الإقليمي، وهو ما خلق تحديات جديدة وأخل بمرونة علاقاتهما الهشة.
إن انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت، فالدعم التركي العلني الذي يقدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأعداء إسرائيل وفي مقدمتهم حركة حماس، قد يتطور إلى آفاق بعيدة.
وبحسب تقرير لجنة "جاكوب ناجل" بشأن ميزانية الدفاع الإسرائيلية، الذي نُشر في السادس من كانون الثاني/ يناير 2025، فإن طموحات تركيا إلى "إعادة التاج العثماني إلى مجده السابق" تشكل تحديا أمنيا ملحا، وقد أوصت اللجنة في تقريرها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد. ونبهت اللجنة في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدا جديدا وكبيرا لأمن إسرائيل"، وقد يتطور إلى شيء "أكثر خطورة من التهديد الإيراني"، وفقا للجنة التي تم تشكيلها عام 2023، قبل بدء الحرب على غزة، لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة، ويترأس اللجنة يعقوب ناجل، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.
إن التهديد الذي تشكله تركيا لإسرائيل يشكل تحديا جديا كبيرا لأمن إسرائيل في ضوء التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، وهو تحد بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل، إذ يعد الجيش التركي أحد أكبر الجيوش وأكثرها قوة في الشرق الأوسط، ويتألف الجيش التركي من 425 ألف جندي نشط و380 ألف جندي احتياطي. ووفقا لمصادر أمنية، فإن النفوذ المتزايد لتركيا في سوريا كقوة مهيمنة يستلزم دراسة جدية لقدراتها العسكرية، وتشكل المليشيات العسكرية الموالية لتركيا في سوريا، مثل "الجيش الوطني السوري"، تهديدا محتملا لإسرائيل، وخاصة على طول الحدود السورية الإسرائيلية. ويمكن للرئيس أردوغان أيضا الاستفادة من مجموعات مثل هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع ضد إسرائيل.
وقد أعلن الجولاني، في السابق ذات مرة أنه "بعون الله، لن نصل إلى دمشق فحسب؛ بل إن القدس تنتظرنا". وكان أردوغان قد أصدر تهديدات مباشرة لإسرائيل، ففي 28 تموز/ يوليو 2024، صرح في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية بالقول: "كما دخلنا قره باغ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل".
إن السيناريو الإسرائيلي المفضل في سوريا هو التفتيت والتقسيم وخلق كيانات هشة ضعيفة على أسس عرقية ومذهبية، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعل من إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من خلال كيانها اليهودي العنصري. ففي سوريا تتحقق رؤيتها من خلال تأسيس دويلات هشة وضعيفة على أسس عرقية إثنية ومذهبية دينية، وهي ذات الرؤية الاستعمارية التقليدية، فأُمنية "إسرائيل" هي رؤية سوريا مقسمة إلى بضعة جيوب؛ الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب، والعلويون في الغرب.
وكانت وكالة رويترز كشفت نقلا عن أربعة مصادر مطلعة أن إسرائيل تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وأضافت المصادر أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن من سمتهم الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديدا لحدودها. ووفقا لرويترز، فقد ذكرت ثلاثة مصادر أميركية أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا كحليف للإدارة السورية الجديدة.
في هذا السياق أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 شباط/ فبراير الماضي تحذيرا أشبه بإعلان حرب للإدارة الجديدة في دمشق، إذ قال: "لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق"، وطالب بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل، وأكد نتنياهو على أن إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية" في المنطقة. وتزامنت هذه التصريحات مع سلسلة هجمات واستهدافات عسكرية شنتها إسرائيل في ريف دمشق وجنوبي سوريا، ولاحقا شنت إسرائيل سلسلة هجمات في 25 شباط/ فبراير الماضي على مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، كما توغلت برا في بلدات وقرى على الحدود الإدارية بين المحافظتين.
وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان إن الهجمات "جزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سوريا من السلاح، والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان".
وعقب حالة التوتر في الأول من آذار/ مارس 2025، جراء اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين دروز في ضاحية جرمانا قرب دمشق، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة تسعة آخرين بجروح، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للقوات الإسرائيلية "بالاستعداد للدفاع" عن مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وقال بيان صادر عن مكتب كاتس إن المدينة "تتعرض حاليا لهجوم من قبل قوات النظام السوري"، وقال كاتس: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز. إذا آذى النظام الدروز، فسوف نضربه". وأضاف: "نحن ملتزمون تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل ببذل كل ما في وسعنا لمنع إيذاء إخوانهم الدروز في سوريا، وسنتخذ كل الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامتهم".
تستند إسرائيل في سياساتها العدوانية في سوريا إلى دعم أمريكي عسكري وسياسي مطلق، فما تقرره القيادة الإسرائيلية كضرورة للحفاظ على أمنها القومي تصادق عليه الإدارة الأمريكية، وتعتبر واشنطن ممارسات إسرائيل العدوانية بداهة استراتيجية من باب حق الدفاع عن النفس، فالمستعمرة الاستيطانية الصهيونية حجر الزاوية الأساس في مشروع الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، والاشتراطات الأمريكية على القيادة السورية الجديدة هو الالتزام بأمن إسرائيل ومحاربة أي مجموعة أو كيانات تناهض إسرائيل، وهو ما عبرت عنه واشنطن بوضوح، فعندما التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، بوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في دمشق في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كانت مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاربة الجماعات التي تهدد أمن المستعمرة والتي تختزل بتسميتها بالإرهابية هي جوهر البحث والمداولة. فقد قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عقب اللقاء:سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر إن أبو محمد الجولاني التزم خلال الاجتماع في دمشق بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل في سوريا وتهديد الولايات المتحدة والدول المجاورة (إسرائيل)، فالولايات المتحدة على مدى عقود، ترتكز في مقاربتها للمنطقة على ضرورة مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وضمان أمن إسرائيل (الصهيوني).
خلاصة القول أن سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر يؤدي إلى تنامي النفوذ التركي المتصاعد، ويشير إلى عودة وإحياء الإسلام السياسي السني، الذي تخشى الولايات المتحدة من تداعيات انتشاره على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.
ولذلك لن تفلح تطمينات النظام الجديد في سوريا، وسوف يبقى تحت وطأة التصنيفات الأدائية السياسية للإرهاب، وسوف تبقى الإدارة الأمريكية مخلصة في تأمين وجود ومصالح الاستعمار الصهيوني في المنطقة، وتلبية المتطلبات الإسرائيلية الأمنية والسياسية. ومهما قولبت "هيئة تحرير الشام" من أيديولوجيتها وبعثت برسائل تطمينية للعالم ودول المنطقة، لن تحصل على الرضى والقبول الأمريكي الإسرائيلي، وسوف تبقى تحت وطأة الضغوطات والتخريب بذريعة "الإرهاب"، ولن ترضى الإدارة الأمريكية والإسرائيلية عن الحكم الجديد دون شرط الخضوع التام، ولذلك فإن أولوية سوريا الجديدة هي تعزيز روابط التحالف مع تركيا، والعمل بجد على تأسيس جيش موحد قوي، وإخضاع كافة النزعات الانفصالية. فالرد على الكيان الاستعماري الإسرائيلي يجب أن يكون داخليا أولا باتخاذ قرارات وإجراءات قانونية وعسكرية وسياسية حاسمة تجاه المكونات الانفصالية؛ بدءا بقوات سوريا الديمقراطية ثم الانعطاف إلى بقية الكيانات الموازية.
x.com/hasanabuhanya