حكايات يكتبها خيري حسن : مابين المسلماني وحسن حامد ومحمود عوض
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
"بصيصُ ضوءٍ بعد ليلٍ حالك الظلام"، بهذه العبارة البليغة، والقراءة السليمة، والرؤية المدهشة، لخص لنا حسن حامد - الإعلامي المصري الكبير صاحب الإنجازات الحقيقية في الإعلام المصري منذ بدايته كمذيع في إذاعة "الشرق الأوسط" في عصر الإذاعة الذهبية وحتى تأسيسه لقطاع القنوات المتخصصة وقناة النيل الدولية -ولقد قال هذه الجملة التي جاءت، وكأنها مرثية حزن طويلة لمرحلة- وصف فيها الإعلام- وأنا أضيف للإعلام (الصحافة والثقافة) وصف فيها ليلها بأنه (ليل حالك الظلام).
•••
وقبل أن يتربص بي - من يتربص بالمسلماني- وما يمثله المسلماني في هذه المرحلة -أرجو أن يكمل- هذا المتربص- معي القراءة ليس بهدف التبرير، والتخدير، والتصوير، ولكن بهدف أن نتخلى قليلًا عن نظرية (هو المسلماني أحسن مني في إيه؟) لأننا بهذا التخلي، والتجلي، والتحلي، سوف نساعد بعضنا البعض في إزاحة ذلك (الليل الحالك الظلام) الذي وصفه لنا حسن حامد (وبالمناسبة أنا لا أعرفه ولا يعرفني على المستوى الشخصي أو حتى المهني حيث لم أعمل معه في أي يوم تحت أي مظلة أو مؤسسة إعلامية).
•••
السؤال هنا: هل أنا أدافع عن المسلماني؟ بالطبع لا!! ..ولكنني أدافع عن الذي يدافع عنه الأستاذ حسن حامد.. أدافع عن (نهار) مصر الإعلامي، والصحفي، والثقافي الذي ننتظر بزوغه على وادينا الطيب، كما قال حسن حامد. إن أي إنسان موضوعي يهمه المشاهد، والمستمع، والقارئ، سيكون -أو يجب أن يكون- في صف (نهار) هذا الوطن العزيز علينا جميعًا.. ولا يهاجم التجربة ويهدمها بغرض الهجوم من أجل الهجوم، وبغرض الهدم بغرض الهدم..
ومن يفعل ذلك - أو بعض من يفعل ذلك- ربما يكون واقعًا تحت تأثير نظرية:
(هو المسلماني أحسن مني في إيه؟). وتلك هي المشكلة التي نعاني منها جميعًا في شتى مناحي حياتنا الإعلامية، والثقافية والصحافية.
•••
لقد رأيت أحمد المسلماني على المستوى الشخصي مرتين فقط. الأولى حضرها الكاتب الصحفي محسن عبدالعزيز رئيس القسم الثقافي بالأهرام - ويشهد على ذلك - وكذلك الزميل محمد شمروخ مدير تحرير الأهرام - ويشهد على ذلك - (وكان اللقاء بدعوة من محسن عبد العزيز أصلًا) في هذا اللقاء وجدت المسلماني مثقفًا، ومتحدثًا، والأهم من ذلك وجدته (مستمعًا) جيدًا.
•••
وفي هذه الجلسة أتاح لي وهو يدير اللقاء - هذا لم يكن ضمن برنامج الندوة- ولا يحدث كثيرًا من شخصيات أخرى مأخوذة بالنفخة الكذابة - أن أتحدث عن الشاعر زكي عمر باستفاضة ومحبة للشاعر الراحل الذي لم يكن يعرفه. وتفاعل وتحّمس لقضيته المغبون فيها حقه منذ السبعينيات!
ثم التقيت به صدفة في كافتيريا مدينة الإنتاج الإعلامي (كان قاعد بيذاكر حلقة من برنامجه) وفي غير ذلك لم أراه ولم يرني مرة أخرى.
•••
وكان انطباعي - ومازال - أنه لديه موهبة في الصحافة والإعلام تعطيه الحق في ذلك التواجد والحضور في ماسبيرو - على الأقل في هذه المرحلة - وهذا ليس كلامي ولكنه كلام الكاتب الصحفي محمود عوض (بالمناسبة أولى حلقات برنامج المسلماني على قناة دريم - الطبعة الأولى - ظهر فيها محمود عوض) الذي كان يراه صاحب موهبة (ممكن نختلف على مستوى الموهبة لكن لا نختلف على نفيها تمامًا - حيث ذكره - ضمن أسماء أخرى - كان يراهم من وجهة نظره أصحاب مواهب حقيقية في الصحافة المصرية في عصرها الحالي).
•••
ثم عدت قبل كتابة هذا المقال - أحب وصف مقال ولا أحب وصف "بوست" - إلى مذكرات الدكتور أحمد زويل - التي كانت في مكتبتي ولم أقرأها للأسف منذ سنوات - والتي حررها أحمد المسلماني عام 2005 فوجدت أسلوبه في الكتابة يدل على أنه يمتلك موهبة بالفعل.. وكذلك برنامجه الطبعة الأولى (نسخة قناة دريم) يؤكد على ذلك، حيث كان من أنجح برامج المحطة.
•••
وعندما جاء لمبنى الإذاعة والتليفزيون - كما ذكر حسن حامد - وهو خبير إعلامي له قيمته المهنية ومصداقيته التي لا خلاف عليها في الوسط الإعلامي - اتخذ المسلماني قرارات حصلت على إجماع وتأييد من الجميع - إلى أن انفرد باتخاذه قرارًا بتغيير اسم قناة النيل سينما - فتحرك ضده - وهذا أمر أصبح طبيعيًا في الوسط الصحفي والثقافي والإعلامي ورثناه منذ سنوات مضت - منْ هو متربص به، ويقف له بالرد، والصد، والهجوم الشامل، والماسح، والكاسح..
لذلك أرجو من الزميل أحمد المسلماني - استكمالًا لرجاء الأستاذ حسن حامد السابق - أن يتراجع بشكل أو بآخر عن تغيير اسم قناة النيل سينما (فلنجعل التغيير في المحتوى وليس في الاسم) حتى يستطيع - ويستطيع معه - كل شرفاء وأصلاء، ونبلاء، هذا الوطن في (كشح) ذلك الظلام الحالك الذي حذر منه حسن حامد، ولو ببصيص أمل كنّا نراه قريبًا.. ويراه غيرنا بعيدًا!
•••
إن فكرة ومبدأ وسياسة التراجع (وهذه ثقافة علينا أن نتعلمها من تجارب التاريخ) ليست من شيمة الضعفاء، ولكنها من شيم الأقوياء.. ولذلك أرجو منه - أي من المسلماني - إذا وصلته هذه الرسالة - أن يعود إلى كتاب أحمد زويل (عصر العلم) الذي حرره بنفسه - صفحة 259 - وفيها سوف يجد آخر جملة ختم بها أحمد زويل كلمته في حفل تسليمه جائزة نوبل في ستوكهولم يوم 10 ديسمبر 1999 نقلًا عن طه حسين والتي قال فيها:
"ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه".
ومعنى الرضا عن النفس هو أن الإنسان - سواء كان طالبًا أو أستاذًا - يرضى عن نفسه ولا يستمع إلى غيره بأكثر ما يستمع إلى نفسه، خاصة أن الاستماع للنفس كثيرًا وعدم الاستماع للغير إلا قليلًا سيجعلنا نستمر طويلًا وسط ذلك (الليل الحالك الظلام)..(ويتوه) منا بصيص النور.. وسط الطريق!
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
رمضان زمان.. حكايات على ضوء الفانوس| "أبنائي الأعزاء.. شكراً".. دراما إنسانية خلدها الزمن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قبل أن تتحول الشاشة إلى ساحة سباق محموم، كان رمضان زمان يأتي ومعه سحر خاص، حيث كانت المسلسلات جزءًا أصيلًا من طقوس الشهر الكريم، لا مجرد عروض تملأ الفراغ، كنا ننتظر دقات الساعة بعد الإفطار لنلتف حول التليفزيون، نتابع الحلقات بشغف، ونحفظ تترات المسلسلات عن ظهر قلب، كأنها نشيد مقدس يعلن بداية الحكاية.
من "ليالي الحلمية" إلى "بوابة الحلواني"، ومن "هند والدكتور نعمان" إلى "رحلة السيد أبو العلا البشري"، كانت الدراما تلمس قلوب المشاهدين، تحكي عنهم، تناقش همومهم، وتضيء واقعهم بصدق وبساطة. لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت انعكاسًا لأحلام واحتياجات جمهور كان يبحث عن الدفء، عن الفن الذي يشبهه، عن قضايا تُروى بعمق دون صخب.
رمضان زمان لم يكن مجرد موسم درامي، بل كان موعدًا مع الإبداع الأصيل، حيث اجتمع الكبار والصغار أمام الشاشة، ليشاهدوا فنًّا يحترم عقولهم، ويسافر بهم إلى عالم من المشاعر الحقيقية. واليوم، وسط زحام الإنتاجات الحديثة، يبقى الحنين لتلك الأيام حاضرًا، حيث كانت المسلسلات ليست مجرد أعمال درامية، بل ذكريات محفورة في الوجدان.
إذا كنت من عشاق الدراما العائلية التي تترك أثرًا عميقًا في القلوب، فلا بد أنك تتذكر مسلسل "أبنائي الأعزاء.. شكراً"، أحد أبرز الأعمال التي جسدت المشاعر الأسرية ببساطة وعفوية، هذا المسلسل لم يكن مجرد قصة تُحكى، بل كان مرآة تعكس واقع الكثير من العائلات المصرية والعربية وهى الأب الذي منح كل شيء ولم ينتظر شيئًا.
"أبنائي الأعزاء.. شكراً" ليس مجرد مسلسل، بل هو تجربة إنسانية عميقة جعلتنا نعيد التفكير في علاقاتنا الأسرية، ونتساءل: هل نحن نمنح آباءنا الحب والتقدير الذي يستحقونه، أم أننا مشغولون عنهم كما كان أبناء عبد الحميد؟
دارت أحداث المسلسل حول شخصية عبد الحميد، الرجل الطيب المكافح الذي أفنى حياته في تربية أبنائه الأربعة وضحى بالكثير من أجلهم. ورغم تفانيه، إلا أن الأبناء عندما كبروا وتغيرت اهتماماتهم وانشغلوا بحياتهم الخاصة، بدأ يشعر بالغربة بينهم. تتوالى الأحداث ليواجه عبد الحميد مواقف صعبة تجعله يدرك أن العطاء بلا مقابل قد لا يكون دائمًا محل تقدير، لكنه يظل متمسكًا بحبه لأبنائه دون انتظار الشكر أو العرفان.
المسلسل يعكس التحولات الاجتماعية وتأثيرها على الأسرة، كما يطرح تساؤلًا مهمًا و هو هل تربية الأبناء تعني فقط توفير الحياة الكريمة، أم أنها تمتد إلى بناء جسور المودة والتفاهم التي تمنع جحود الأبناء مستقبلاً؟
حقق "أبنائي الأعزاء.. شكراً" نجاحًا ضخمًا عند عرضه، وظل محفورًا في ذاكرة الجمهور كواحد من أكثر الأعمال تأثيرًا في الدراما المصرية. بساطة القصة وصدق الأداء جعلت المشاهدين يتفاعلون مع الأحداث وكأنها جزء من حياتهم، خاصة أن المسلسل حمل مواقف مؤثرة وعاطفية مست قلوب الجميع.
كما اشتهرت عبارة "شكراً" التي كان يرددها الأب عبد الحميد بمرارة كلما خذله أحد أبنائه، وأصبحت أيقونة ترددها الأجيال حتى اليوم عند الشعور بالجحود أو النكران.
المسلسل تأليف محمد جلال عبد القوي، وإخراج إبراهيم الشقنقيري، ومن بطولة الفنان الكوميدى الراحل عبد المنعم مدبولي.