عربي21:
2025-04-24@08:10:52 GMT

القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

السياسة كما التاريخ، تصوغ دروسها على صخور التجارب القاسية، فعندما قدم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق هارولد ماكميلان نصيحته الشهيرة لخليفته قائلا: "ما لم تغزو أفغانستان، فأنت بخير حال"؛ كان يلخص درسا مريرا تعلمته الإمبراطورية البريطانية من محاولاتها المتكررة لإخضاع أفغانستان: هناك أماكن لا تُهزم مهما بلغت قوة الغزاة، وشعوب لا تنكسر رغم قسوة الاحتلال، لاحقا أصبحت هذه العبارة تُختصر إلى القاعدة الشهيرة: "لا تغزو أفغانستان"، قاعدة أولى في السياسة البريطانية.

واليوم فإن دروس غزة التي فرضتها بدماء أبنائها وصمود شعبها وعبقرية مقاومتها، تفرض قاعدة مشابهة في السياسة الإسرائيلية: لا تعبث مع غزة، فهذه البقعة الصغيرة المحاصرة منذ عقود أثبتت أنها أكبر من أن تُكسر، وأعند من أن تُروض، أثبتت أنها ليست قطعة صغيرة من الجغرافيا بل مقبرة للخطط والأحلام الإسرائيلية، إنها ليست مجرد مدينة بل فكرة، والفكرة لا تموت.

الكابوس الذي يتوارثه القادة

منذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل، كل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها، لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهم، غزة الشريط الصغير المحاصر، تحولت إلى امتحان قاسٍ لكل من حكم إسرائيل، وكأنها لعنة تورثها الأجيال من بن غوريون إلى نتنياهو. فإسحاق رابين الذي قاد الجيش الإسرائيلي في مراحل حساسة من تاريخ الاحتلال لم يجد أمامه سوى أن يتمنى غرق غزة في البحر، واصفا إياها بأنها عبء لا يمكن احتماله. وحتى أرئيل شارون، أقسى القادة الإسرائيليين وأكثرهم دموية والذي خاض كل حروب إسرائيل الكبرى، وقف عاجزا أمام غزة بعد أن أنهكته الانتفاضات المتلاحقة والمقاومة المسلحة، وقرر الانسحاب من القطاع عام 2005 متخليا عن كل أوهام السيطرة والتوسع. منذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل، كل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها، لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهملم يكن انسحابه رغبة في السلام، بل لأنه أدرك أن السيطرة على غزة تعني استنزافا دائما للموارد والجنود، شارون الذي كانت قبضته الحديدية تضرب في كل مكان اختار أن يختبئ من غزة خلف أسوار فاصلة، وكأنما يريد الهروب من مواجهة يعلم أنها لن تنتهي بانتصار، لكن الأسوار والجدران لم تحمِ إسرائيل من غزة، بل جعلتها تعيش في قلق دائم.

نتنياهو ومواجهة الكابوس ذاته

جاء بنيامين نتنياهو، أطول رؤساء الوزراء حكما في تاريخ إسرائيل، ليواجه الكابوس ذاته، حاول أن يطوق غزة بالحصار، أن يقتل روحها بسياسات التجويع والضغط، وأن ينهيها سياسيا عبر "صفقة القرن"، لكنه اصطدم بحقيقة أن غزة ليست مجرد أرض، بل هي فكرة، فكرة أن الشعوب الحرة لا تُهزم. وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 استيقظ على حدث سيغير مسار تاريخه: عملية "طوفان الأقصى"، كانت المقاومة في غزة تعد لهذه اللحظة كضربة قاصمة، ليس فقط للجيش الإسرائيلي، بل لنظام بأكمله اعتقد أنه يمتلك التفوق المطلق. بدأ الهجوم بإطلاق أكثر من 5000 صاروخ في ساعات قليلة، ما أدى إلى شلل كامل في مستوطنات غلاف غزة، تلته عمليات برية وبحرية وجوية نفذتها المقاومة بجرأة غير مسبوقة.

في ذلك اليوم أظهرت غزة للعالم مرة أخرى كيف يمكن لمعجزة عسكرية أن تحدث، فمقاوموها بأسلحة متواضعة اخترقوا تحصينات الاحتلال ومعدات التجسس والاستشعار الأكثر تقدما في العالم، والهجوم الذي استهدف عمق المستوطنات الإسرائيلية أدى إلى مقتل نحو 1200 مستوطن وجندي، وجرح الآلاف، وأسر نحو 240 إسرائيليا. أما الاقتصاد الإسرائيلي فقد تلقى ضربة قاسية مع خسائر بمليارات الدولارات نتيجة توقف الأنشطة التجارية وهروب المستثمرين.

كان "طوفان الأقصى" الضربة التي حطمت كل أوهام نتنياهو، فطيلة سنوات حكمه حاول التخلص من غزة عبر الحصار والتجويع وصفقة القرن، لكنه وجد نفسه أمام مقاومة استطاعت أن تدير المعركة بكفاءة عسكرية وعبقرية تخطيطية قلبت موازين القوة، ثم لم تنجح حرب الإبادة التي شنها نتنياهو على القطاع في تحقيق أي من أهدافه، سواء القضاء على المقاومة وإنهاء حكم حماس، أو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، أو استرداد الأسرى بالقوة العسكرية، أو استعادة الردع العسكري، أو تعزيز مكانته السياسية المترنحة، بل خرج من المعركة كمجرم حرب تطارده المحاكم الدولية، وصور المجازر الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين ودمرت المستشفيات والمدارس والمساجد جعلت العالم الذي كان يصفق لإسرائيل بوصفها "واحة الديمقراطية"؛ ربما يجلس بنيامين نتنياهو الآن وحيدا في مكتبه، محاطا بأعباء الفشل الذي ألقى بظلاله على مسيرته السياسية، هو القائد الذي حاول كسر غزة بكل ما أوتي من قوة، لكنه خرج من الصراع وهو مطارد بلعنات الضحايا وملاحقات العدالة الدوليةيرى إسرائيل بوجهها الحقيقي: دولة احتلال تتعمد ارتكاب الإبادة الجماعية، ونتنياهو الذي وقف في الكونغرس الأمريكي قائلا إن الحرب مع غزة هي صراع بين الحضارة والبربرية، أصبح اليوم رمزا للبربرية وعدم التحضر، في المقابل خرجت المقاومة أكثر قوة، وأصبح قائدها يحيى السنوار كجيفارا، رمزا عالميا للنضال وأيقونة للصمود، يتغنى به الأحرار في كل مكان.

مذكرات نتنياهو

ربما يجلس بنيامين نتنياهو الآن وحيدا في مكتبه، محاطا بأعباء الفشل الذي ألقى بظلاله على مسيرته السياسية، هو القائد الذي حاول كسر غزة بكل ما أوتي من قوة، لكنه خرج من الصراع وهو مطارد بلعنات الضحايا وملاحقات العدالة الدولية. وفي لحظة تأمل عميق قد يعود نتنياهو بذاكرته إلى القصة التي ذكرها في كتابه "مكان تحت الشمس" عن العجوز الفلسطيني من مخيم جباليا الذي سأله نتنياهو: "من أين أنت؟" فأجاب العجوز: "من المجدل"، استفسر نتنياهو مجددا: "هل تعتقد أنك ستعود إليها؟" فرد العجوز بثقة هادئة: "إن شاء الله يحل السلام ونعود إلى المجدل"، حينها رد نتنياهو بنبرة استعلائية قائلا: "إن شاء الله يحل السلام، ونحن نزور جباليا وأنتم تزورون المجدل"، لكن رد العجوز جاء حاسما: "نحن نعود إلى المجدل، وأنتم تعودون إلى بولندا".. ربما الآن وهو يسترجع هذا الحوار يدرك أن كلمات العجوز لم تكن مجرد أمنيات أو أحلام، بل كانت تعبيرا عن ثقة الفلسطينيين بحتمية العودة وعدالة قضيتهم وصلابة نفوسهم، الآن وهو يكتب خاتمة مسيرته السياسية ربما يضيف هذه القصة إلى دفتره كجزء من إرثه، لكنها هذه المرة تأتي مصحوبة بحكمة استخلصها من نار الفشل، كاتبا لمن يليه: "القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلية نتنياهو المقاومة الفلسطينيين إسرائيل فلسطين مقاومة غزة نتنياهو مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی السیاسة مع غزة

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يصر على إبادة غزة "ولو وقفت إسرائيل وحدها"

أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على مواصلة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة، وقال الأربعاء، إنه "إذا اضطررنا إلى الوقوف وحدنا فسنفعل".

 

جاء ذلك خلال كلمة بمراسم "إحياء ذكرى الهولوكوست" في متحف "ياد فاشيم" بالقدس، ألقاها نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

 

و"الهولوكوست" مصطلح استُخدم لوصف حملات حكومة ألمانيا النازية وبعض حلفائها بغرض اضطهاد وتصفية اليهود وأقليات أخرى في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945).

 

وقال نتنياهو: "تحدثتُ بشدة ضد جهات في المجتمع الدولي سعت إلى تقييدنا (لم يسمها). حذرونا من أنهم سيفرضون علينا حظرا على الأسلحة إذا دخلنا رفح (جنوبي غزة).. بل إنهم نفذوا هذا التهديد".

 

وادعى قائلا: "وقتها قلتُ لمحاورينا وحليفتنا الولايات المتحدة، لن تكون أيدينا مقيدة ولن يمنعنا أحد من الدفاع عن أنفسنا، وسندخل رفح لأن هذا شرط ضروري للنصر في الحرب".

 

وأردف: "إسرائيل ليست دولة تقبل الإملاءات، ولن تمنعنا أي دولة من تصفية الحسابات مع حماس، وإذا اضطررنا للوقوف وحدنا فسنفعل"، وفق ادعائه.

 

ويتمسك نتنياهو باستمرار حرب الإبادة على قطاع غزة بدعم أمريكي، والتي خلّفت منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر من 168 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

 

** نووي إيران

وزعم نتنياهو، أن إسرائيل إذا خسرت الصراع مع إيران "فستكون الدول الغربية هي التالية. سيحدث ذلك أسرع بكثير مما يظنون لكن إسرائيل لن تخسر، ولن تستسلم، ولن تخضع".

 

وادعى أن "النظام في إيران لا يهدد مستقبلنا فحسب، بل مصير المجتمع البشري، وهذا ما سيحدث إذا حصل على أسلحة نووية"، على حد قوله.

 

وتأتي تصريحات نتنياهو، في وقت تتواصل فيه مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج طهران النووي.

 

واستضافت مسقط أولى جولات محادثات إيران وواشنطن في 12 أبريل/نيسان الجاري، وصفها البيت الأبيض بأنها "إيجابية للغاية وبناءة"، بينما احتضنت العاصمة الإيطالية روما الجولة الثانية من مفاوضات البرنامج النووي في مقر إقامة السفير العماني.

 

** انقسامات إسرائيل

وخلال كلمته بمراسم "ذكرى الهولوكوست"، تطرق الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، للانقسامات الداخلية ببلاده، قائلا: "لن يغفر التاريخ لمن يتصرفون بعدم مسؤولية ويحاولون تفكيكنا من الداخل، ولمن يهدمون الأرض تحت دولتنا الرائعة، التي قامت من رماد المحرقة المروعة".

 

وتشهد إسرائيل انقسامات شديدة بين الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو والمعارضة وشريحة واسعة من الشارع الإسرائيلي على خلفية إجراءات حكومية مثيرة للجدل بما في ذلك إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (شاباك) رونين بار.

 

وخاطب هرتسوغ، الأسرى الإسرائيليين بقطاع غزة قائلا: "هناك احتمال أن يسمعنا بعضهم، لن تجد أمتنا أي عزاء أو سلوى حتى تعودوا جميعاً إلى دياركم".

 

وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

 

ومطلع مارس/ آذار 2025، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين "حماس" وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، والتزمت به الحركة الفلسطينية.

 

لكن نتنياهو تنصل من بدء مرحلته الثانية، واستأنف الإبادة الجماعية بالقطاع في 18 مارس الماضي، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية، وفق إعلام عبري.


مقالات مشابهة

  • نتنياهو يصر على إبادة غزة "ولو وقفت إسرائيل وحدها"
  • هذا هو البابا الفقير الذي تكرهه إسرائيل
  • محللان: غالانت متواطئ في الكذب وأدرك أن نتنياهو يشكل خطرا على إسرائيل
  • “يافا”.. التسمية التي أظهرت غيظ نتنياهو
  • هكذا علقت إسرائيل على الغارات الأميركية التي تشنها على اليمن 
  • الوزير السكاف لـ سانا: نتوجه بالشكر والتقدير لجميع الفرق في وزارة التنمية الإدارية، التي عملت بجدٍّ وتفانٍ لإنجاز هذا المشروع الوطني في وقت قياسي، كما نشكر مديريات التنمية الإدارية في الجهات العامة، التي كان لتعاونها الفعّال دور حاسم في توحيد الجهود وتحقي
  • ما هو “المصطلح” الذي يستخدمه “اليمنيون” ودفع “نتنياهو الى الجنون (فيديو) 
  • تنظيم القاعدة يتبنى الهجمات التي استهدفت جيش بنين
  • عاجل. نتنياهو: إسرائيل لن تشهد أي حرب أهلية
  • قصة الوادي الصغير 38