اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
سألت الأخ الدكتور علي عبد الله الحسين من جامعة القرآن الكريم عن اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟ بالهاء مثل سيبويه وابن سيده أم بالهاء المؤنثة، فأجاب مشكورا بهذا الرد الضافي:
رحلة مع بلة السودانية
سألني بعض الأساتذة الأفاضل سؤالا علميا عن رسم آخر حرف في كلمة (بلة)، هل ترسم بالهاء أم بالتاء؟ ومن هنا بدأت الرحلة فاستعنت بسؤال بعض الزملاء عن أصل الكلمة واشتقاقها، فجاءتني إجابات متعددة منها: أنها قد تكون وفدت إلينا في السودان من كلمة (بلو) وهي من لهجة الهوسا أو الفولان في نيجريا، وأفادني البعض بأنها تعني عندهم (المعين)، وإن ( بلو) هو اسم الابن الأكبر لعثمان بن محمد فُودي الملقب بالفقيه أمير المؤمنين، شيخ الإسلام، المجاهد الذي تصدى لمشكلات بلاد الهوسا نصرة للإسلام.
المهم شعرت بالحاجة إلى معرفة أصل الكلمة، وهل لها صلة بنيجريا حقيقة، أم أنها من تراثنا السوداني ذي الجذور العربية والإسلامية. وبدات أتصفح بعض المواقع من خلال شبكة الانترنت، فوجدت أن لها ذكرا في التراث السوداني، وأن لها أصلا في اللغة العربية كما أن لها امتدادا في التاريخ الإسلامي.
بعض الاستعمالات السائدة في اللسان السوداني يستشهدون فيها بموقف لـ (بلة) صارت مضرب مثل، فيقولون: (يحلك الحلا بلة)، أو (يحلك الحلا بلة من القيد والمذلة).
وتنتشر تأويلات السودانيين وتفسيراتهم لـ(بلة) هذا، ويحكون عنه حكاوي لطيفة عن حله من القيد والمذلة. والكثيرون يتساءلون: من بلة هذا؟ ومن هو الذي حل بلة؟ وما هي المذلة التي ذل فيها بلة ثم انحل؟
وواحدة من حكاوي السودانيين نذكرها لطرافتها دون أن نقلل من قيمة غيرها من الحكاوي المنسوجة حول بلة، يقال إن بلة هذا عاش في عهد الخليفه عبدالله التعايشي، وكان رجلا معلوم السيرة معروفا بمقدرته على الكلام الجميل، ومعروفا لدى الخليفة، ولمكانته هذه طلب منه بعضهم أن يكلم الخليفة ليطلق سراح أحد المسجونين الكرام والمقربين من المهدي، فذهب بلة للخليفة في بيته فألفاه مستلقيا على (عنقريب) يلتف حوله حُماتُه وبعض المقربين، وكلهم جلوس على الأرض. يبدأ المشهد بدخول بلة على الخليفة، وهو يلقي عليه التحية ثم مباشرة يفاتحه في الموضوع.
وفجأة تغير وجه الخليفة وانتفض من رقدته وظهر الغضب على وجهه وخاطب من حوله في استنكار ورفض لما قاله بلة: “بلة قال شنو؟” وهي إشارة إلى أن بلة أدخل نفسه فيما لا تحمد عقباه، ولم يستطع أي من الحاضرين أن ينطق بكلمة لمهابة الخليفة وحساسية الموقف، ومرت لحظات والجميع واجم صامت إلا من نظرات حذرة وعيون شاخصة، وما قطع الوجوم والصمت إلا سؤال آخر من الخليفة توجه به إلى بلة ذاته: “قلت شنو يا بله؟” وأظهر بلة ثباتا وثقة تخفي ما بداخله من خوف العاقبة، ثم أجاب الخليفة قائلا: يا سيدي الخليفة، جيت أقول ليك أُمي بتسلم عليك. فانفجر الخليفة ضاحكا، وانحل بلة من موقف كاد يودي بحياته وأصبح موقفه هذا مثلا يقال لكل من قابلته مصيبة عويصة لا يعرف كيف يخرج منها.
والتراث السوداني مكتنز بأخوات بلة، وأخواتها أسماء لها اصولها في اللغة، فهم يسمون (البلولة)، وهي في اللغة من الثياب المبتلة، ويسمون: (بليل)، وهي في اللغة من البَلِيل مِنَ الرِّيَاحِ، وهي الرياح البَارِدَةُ مَعَ نَدىً، ويسمون الرجل (بَلَّال)، بفتح الباء وتشديد اللام، وإذا أنثت (بَلَّال) سميت به الأنثى فيقولون (بَلَّالة)، وأصولها من البَلَّة، ومن معانيها الغنى بعد الفقر، أو الرياح المبتلة، وكذلك من معانيها الخير، والعافية.
وبعض السودانيين يؤكد على أن اسمه (بَلَّال) بالتشديد.
وإن كانت للأسماء خصوصية فيمكن أن يقال إن التسمية بـ (بلة) من مفردات السودانيين، وكثير من الأسماء السودانية ينفردون بها فلا تراها إلا عندهم، وتقل عند غيرهم إن لم نقل تنعدم.
في عهد الرسالة روي إن العباس رضي الله عنه وهو صاحب السقاية في الحرم المكي الشريف كان يقول عن ماء زمزم: “لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حلّ وبل” أي: لا أحل ماء زمزم لمغتسل أن يغتسل به، فهو لمن يريد أن يشربه (حل وبِل)، ومعنى: (حل)، أي حلال، وأما (بل) التي هي محل الشاهد فهي تروى بكسر الباء كما تروى بفتحها، ومعناها أنها بللٌ لحرارة القلب أو حرارة الجسد من العطش، وقيل إن معناها في لغة حمير: مباح، وقيل: معناها شفاء من المرض.
وما رويته عن العباس رضي الله عنه روي كذلك عن ابنه عبدالله وروي عن عبد المطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المسمى بشيبة الحمد.
وتستبحر المصادر اللغوية في كلمة (بلة) فهي في اللغة من البل، يقال: بِلَّةُ و بَلَلُ وبِلالُ وبُلالَةُ: النُّدْوَةُ. ومنها يظهر معنى التسمية ببلال، فبِلال: الماء، وكلُّ ما يُبَلُّ به الحَلْقُ. ومن معاني بِلَّةُ: الخَيْرُ والرِزْقُ. والبلل: العافية.
وعلى هذا فالاستعمال السوداني له أصل وجذر في اللغة العربية مثله ومثل كثير من ألفاظ السودانيين التي أُخذت من العربية الفصيحة ثم سُودنت لتصبح صناعة سودانية مائة المائة لونا وطعما ورائحة.
ورد في منشور صفحة جمعية التراث والثقافة السودانية محاولة لتأصيل (البلال)، حيث جاء في الصفحة أن البلال اسم من أسماء (الخيش)، والخيش كما هو معروف في الزمان السابق أنه مصنوع من نبات القِنَّب، ومع تطور الحياة صار يصنع من المواد البلاستيكية، لعمل الأكياس والجوالات الكبيرة، وما جاء في الصفحة بنصه: “أصل التعبير مستوحي من الخيش المبلول والمستخدم لتليين السعف ليسهل ضفره، وهو الـمَعِين المعيشي الأول في الزمن البعيد القريب لسيدةٍ ترملت أو فقدت عائل أسرتها لأي سبب فكانت تقوم بضفر السَعَف، علي مختلف منتجاته وتسويقه, ومن هنا أتي اسم البلال: أي الخيش الذي يساعد في بل السعف ويوازيه (المترار) وهو آلة غزل القطن يدويا. وكثيرا ما ترد إحدي النساء علي أخرى أرادت ألاّ تخضع لإرادة أحد وشقت طريقها بنفسها، وهي خالية اليدين. فتردعها قائلة: مقوية راسك في شنو ..بلالك ولا مترارك ..أي إنك معتمدة علي الآخرين أو الهبات في إعاشتك.
والتغني للبلال أي الولد الذي كبر وشد أزره، وقام مقام بلال والدته في إعالة أسرته، وبدأت بعده الإحساس بالراحة وإناخة ناقة الهم في إعاشة الأسرة، فهو هنا عمادها وسندها، أو تغنيه الحبيبة بذات المعنى، إذ أنه سيوفر لها مملكتها الخاصة وكينونة تزيدها عزة علي جمالها:
بلال انا وين انا يا بلالة
وهو البفك شبكي وحلالا
بلالي اسمعني ان صحت وندهت
وهو البشيلني كان في الهم حتلت
الليلة وين مقنع كاشفتي
امانة في وانا ما هملت”.
انتهى من صفحة الجمعية.
وتتناثر كلمة (بَلَّال) في العديد من ألحان الطرب التراثية السودانية سواء كانت باللغة العربية الفصحى أو العامية السودانية، واستعمالها في الطرب السوداني له عدة دلالات، فيستعمل خطابا للمحبوبة، ويستعمل للدلالة على الكرم والشجاعة، ويستعمل لغير ذلك من المعاني الكثيرة.
ومن ذلك مثلا ما في أغنية عائشة الفلاتية:(يا بلال تزورنى مرة يا حنان تزورني مرة) وهو خطاب للمحبوب.
ومما ورد في المدح ما يتغنى به العديد من المطربين:
البلال بلال يا بلالي انا
دخري الحوبه سار يا بلالي انا
يا تمساح راس بروس يا بلالي انا
ما بيمرق يكوس يا بلالي انا
ما قايم بروس يا بلالي انا
ما بياكل المكوس…
عثمان أبوزيد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
نص كلمة رئيس مجلس السيادة القائد العام للشعب السوداني بمناسبة عيد الفطر المبارك
قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان أنه لا تفاوض ولا مساومة مع من إنتهك حرمات الشعب السوداني مؤكدا مضي القوات المسلحة والقوات المساندة لها في معركتها للقضاء على التمرد ودحر مليشيا آل دقلو الإرهابية.وأوضح سيادته في كلمته التي وجهها اليوم للشعب السوداني بمناسبة عيدالفطر المبارك أن القوات المسلحة تقف على مسافة واحد من جميع المواطنين ولا تنحاز لأي جهة على حساب الآخرين. وناشد البرهان كل المواطنين المتواجدين في مناطق سيطرة التمرد لنفض أيديهم عن مساندة مشروع مليشيا آل دقلو الإستعماري وحماية أبناءهم من هذه المليشيا الإرهابية. وفيما يلي نصكلمة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي :_بسم الله الرحمن الرحيم(أذن للذيـن يقاتلـون بأنهـم ظلمــوا وإن الله علــى نصرهــم لقديـــر)الحمد لله رب العالمين والحمد لله مانح القوة والحمدلله واهب النصر الحمد لله الذي نصر شعب السودان وجند السودان الحمد لله الذي رفع عن كثير من أهل بلادي القهر والظُلم وأصلي وأسلم على سيدنا محمد المعلم والمتمم والملهم .*المواطنون الكرام*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم والوطن بخيرنسأل الله أن يتقبل شهداء بلادي الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن وفداءً لشعبه فهم أكرم منا جميعاً وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين وعوداً حميداً للأسرى والمفقودين .*المواطنـــون الكــــرام*تدخل هذه الحرب التي تعيشها بلادي والتي أشعلتها مليشيا آل دقلو ومعاونيها وداعميها عامها الثالث وقد فعلت بالوطن والمواطن أسوأ ما يمكن أن يحدث في الحروب ، إن الفظائع التي أرتكبت في حق شعبنا والمرارات التي أذاقها لهم هؤلاء المجرمون صورها وأصواتها وجراحها المتجددة تجعل الخيارات صفرية في التعامل مع هؤلاء المجرمين وداعميهم وأقول لهم بصوت الشعب النازح والمهجر والذي نهبت أمواله والمحاصر والأمهات الثكالى والأطفال الإيتام والشهداء إننا لن نغفر ولن نساوم ولن نفاوض ولن ننكص عن عهدنا مع الشهداء .*المواطنـــون الشرفـــاء*إن قواتكم المسلحة ، قوات الشعب المسلحة (ق.ش.م) قد تحقق في رحابها شعار شعب واحد جيش واحد بل أكثر فهي إستحقت ما أسماها به الرعيل الأول فهي من الشعب وإلى الشعب فهو من حملها فوق جراحاته وصبر عليها فوق أحزانه وقدم لها خيرة أبناءه فنهضت وأنتصرت بكم وأنتصرتم بها . الشكر لك شعب وأبناء السودان أين ما كنتم فأنتم الزاد وأنتم الوقود وأنتم أصحاب النصر وأهل الفضل والشكر من قبل ومن بعد لله رب العاملين و لن تكتمل فرحة النصر إلا بالقضاء على آخر متمرد في آخر بقعة في السودان.*الشعب السوداني الأبي*إن طريق السلام وإنهاء الحرب ما زال مشرعاً فمعاناة أهلنا في مناطق سيطرة المليشيا الإرهابية وحصارهم وتدميرهم وقتلهم خاصة في الفاشر وضرورة إشاعة السلام والطمأنينة في ربوع الوطن كل ذلك ممكن وطريقه واضح وهو أن تضع المليشيا المتمردة السلاح أو على الباغي ستدور الدوائر .*المواطنيــن الشرفــاء*أؤكد لكم أن قوات الشعب المسلحة تقف من جميع المواطنين المساندين لها والمدافعين عن السودان وعن الحق على مسافة واحدة ولا تفضيل ولا إنحياز لأي جهة على حساب الأخرين فحرب الكرامة ميزت الخبيث من الطيب والوطني من المأجور وهنا وجب تقديم التحية والتجله للمجموعات التي ساندت وقاتلت مع القوات النظامية بمختلف كياناتهم ومناطقهم وأخص هنا المقاتلين في شمال دارفور وكردفان على صبرهم وتحملهم الحصار فإننا قادمون وكذلك من بقية مناطق السودان ومن قبلهم شبعنا المعلم الصابر الصامد وإن طريق النصر واضح المعالم وخيار الشعب لن يوقفه إلا تطهير كامل السودان من مليشيا آل دقلو الإرهابية .كذلك وجب أن أقدم الشكر لأشقاء وأصدقاء السودان من الدول والمنظمات الذين عملوا مع الحكومة والشعب وساندوهم ودعموهم في تثبيت وحدة وأمن وإستقرار الدولة السودانية فما زال إعادة إعمار الدولة وبنيتها التحتية يحتاج إلى جهود إضافية ، وأكرر شكر وتقدير شعب السودان لكم أشقاء وأصدقاء بلادي .*المواطنين الإعزاء*أجدد عهد القوات المسلحة مع الشعب أن لا تراجع عن هزيمة وسحق مليشيا آل دقلو الإرهابية ورغم ذلك ظلت أبواب الوطن مفتوحة لكل من يحكم عقله ويتوب إلى الحق من الذين يحملون السلاح فالعفو عن الحق العام ومعالجة الأمر العسكري ما زال ممكناً ومتاحاً وهنا أناشد أهلنا في مناطق سيطرة التمرد برفع أيديهم عن مساندة مشروع آل دقلو الإستعماري وحماية أبناءهم من الذين سيوردونهم المهالك فالسودان الواحد الموحد أرضاً وشعباً أمانة تاريخية يجب عدم التفريط فيها .*ختاماً*أجدد التهئنة لكم شعب بلادي بعيد الفطر المبارك وأسال الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم ومجاهداتكم وأن يعود علينا وبلادنا في أفضل حال موحدة آمنة مطمئنة خالية من التمرد والإقتتال .الله أكبـــــــر نصــــــر مــــــن الله وفتـــــــــــح قريـــــــــــــــبالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهسونا إنضم لقناة النيلين على واتساب