بنغازي- في الحروب، يواجه الناس -مكرهين- معادلة غير منصفة تتساوى فيها الحياة مع الموت. وفي رحلة محفوفة بالمخاطر، تسلحتْ امتنان عُمر (اسم مستعار) رفقة عائلتها وابنتها بإرادة البقاء وفرّت مرغمة جراء الحرب في السودان نحو ليبيا، قبل أن تكتشف أن فكرة المجيء لا تعدو كونها هاوية أخرى.

وبأمل -عرفت خيبته سلفا- بدأت رحلة امتنان عبر الصحراء الليبية، عانت فيها وعائلتها على مدار أسبوع من الجوع والعطش والحر، كما تعرضوا لحادث أدى إلى كسر كاحلها وإعاقة حركتها، وبعد معاناة مريرة وصلوا إلى مدينة الكفرة (جنوب شرق ليبيا) ولكن الرحلة لم تبدأ هنا.

وتقول امتنان إنه في يوم 15 أبريل/نيسان 2023، استفاقت وملايين السودانيين على دوي الرصاص كإشهار لحرب مستمرة حتى الآن.

اللاجئون في مدينة الكفرة يفترشون الأرض ويلتحفون بقطع الأقمشة البالية (الجزيرة)

وبسبب طبيعة عملها في مهنة الصحافة "تعرضت للتهديد المتكرر من قبل ارتكاز (نقاط عسكرية) تتبع لقوات الدعم السريع أمام شقتي، مما دفعني للعودة إلى مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور إلا أن الطريق كان مليئا بالمخاطر والمتاعب إذ تعرضنا للنهب المسلح، ونجونا بأرواحنا بفضل العناية الإلهية".

الفاشر لم تكن أكثر أمانا أو أقل ضراوة من غيرها -كما تقول امتنان- إذ واجهوا خطر الموت المحتمّ عديد المرات جراء الاشتباكات المسلحة والقصف الذي طال منزلها، وأصيبت على إثره ابنتها بإصابات طفيفة نتيجة تطاير الشظايا "وهنا أُرغمنا وقررنا التخلي غير مُخيرين عن كل ما نملكه والرحيل دون عودة" كما قالت.

ومن الفاشر تحركوا صوب مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ومكثوا فيها لمدة 5 أشهر، ومن ثمّ توجهوا نحو ولاية القضارف وبعدها إلى ولاية كسلا، قبل أن تضيق بهم سُبل الحياة ويغادروا الوطن مرغمين نحو ليبيا.

إعلان

ظروف إنسانية قاسية

قبل أن تأتي امتنان إلى ليبيا وتحديدا الكفرة، لم تكن على دراية بالعدد الكبير من اللاجئين الذين سبقوها في المعاناة وتقدر أعدادهم في عموم ليبيا بـ700 ألف لاجئ حسب الإحصاءات الأولية الصادرة عن مركز الهجرة غير الشرعية.

وأشار رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة في الحكومة الليبية إسماعيل العيضة -في حديثهِ للجزيرة نت- إلى أن الغالبية العُظمى تتركز في المناطق الجنوبية الشرقية ولاسيما مدينة الكفرة التي يوجد فيها حوالي 65 ألف لاجئ، يتقاسمون مع أهالي البلدية الخدمات الضعيفة والأوضاع الهشّة.

وأكد العيضة أن هؤلاء اللاجئين يعيشون أوضاعا إنسانية وصحية صعبة، لاسيما في فصلي الصيف الحار والشتاء القارس نظرا لطبيعة المدينة الصحراوية.  وأضاف "في فصل الصيف سجلت الأطقم الطبية ارتفاعا كبيرا في حالات لدغ العقارب وصلت إلى 1800 حالة، مما يعني أن العدد قفز للضعف مقارنة مع العام الماضي، إلا أن الوضع يزداد سوءا في فصل الشتاء مع وجود أكثر من 22 ألف طفل في مستشفى الكفرة يتلقون العلاج".

وهو ما أكدتهُ امتنان من واقعِ تجربتها، تقول "بعد رحلة مضنية وصلنا إلى مدينة الكفرة ومكثنا فيها 24 يوما، وبسبب وضعنا المادي وصعوبة استخراج الشهادة الصحية من مكاتب الهجرة التي كانت تكلف آنذاك 150 دينارا، ناهيك عن صفوف المنتظرين وهواجس الخوف من سلطات مكافحة الهجرة غير الشرعية، قررنا الذهاب للعاصمة طرابلس للتواصل مع مفوضية اللاجئين إلا أن الطريق للعاصمة كان أشبه بالمشي على الجمر، نظرا لتكلفة السفر المرتفعة والطريق الطويل الذي يزيد على 1600 كيلومتر".

ووصلوا إلى العاصمة طرابلس، وبعد محاولات عديدة تم تسجيلهم ضمن كشوفات اللاجئين الرسمية لدى مفوضية اللاجئين، إلا أن هذه الخطوة لم تغير من المعاناةِ شيئا، حسب امتنان.

الغالبية العُظمى من اللاجئين تتركز في المناطق الجنوبية الشرقية ولاسيما مدينة الكفرة (الجزيرة) أين يتركز اللاجئون؟

وبينما كشفتْ تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن وصولِ أكثر من 210 آلاف لاجئ منذ بدء الحرب في السودان، نفى العيضة صحة هذه الأرقام.

إعلان

ولفت إلى أن إحصاءات غرفة الطوارئ في وزارة الصحة بالحكومة الليبية أكثر دقة لأنها تقوم على الرصد والإحصاء والمتابعة الميدانية والوصول إلى المناطق البعيدة والنائية والمزارع، في حين تعتمد إحصاءات المفوضية -التي وصلت متأخرة للكفرة- على اللاجئين المسجلين حصرا لدى مركز الهجرة غير الشرعية في الكفرة أو المتحصلين على بطاقة نازح فقط.

وبحسب ما أفادت به تقديرات لجنة الطوارئ في وزارة الصحة بالحكومة الليبية للجزيرة نت، فإن اللاجئين يتوزعون بشكل أساسي في مدن: الكفرة وأجدابيا -التي تبعد عن الكفرة حوالي 864 كيلومترا- وفي مناطق الواحات (أوجلة وإجخرة) وبلدة تازربو، ومختلف مناطق شرقي البلاد مثل مدينتي البيضاء وبنغازي.

وبالنسبة للعملية التنظيمية لأوضاع اللاجئين، قال العيضة إن المراكز الصحية تباشر بإجراء الكشوفات الطبية الأساسية لدى وصولهم.

وعام 2024 سُجل في صفوف اللاجئين ما يزيد على 6 آلاف إصابة بأمراض معدية مثل الدرن والإيدز والملاريا، مما يشكل ضغطا وعبئا إضافيا على القطاع الصحي المنهك أساسا في ليبيا، كما يقول العيضة.

رغم المناشدات لتقديم الدعم فإن المنظمات الدولية أوفت بـ10% من التزامها منذ بدء موجة النزوح (الجزيرة) مبادرات محلية وتخاذل دولي

وعن المبادرات والدعم الحكومي، أفاد العيضة بأن الحكومة الليبية وجهتْ بمعاملة اللاجئ السوداني كمعاملة الليبي، إذ تلقى اللاجئون خدمات صحية متمثلة في الفحص وإصدار البطاقة الصحية نظرا لافتقار أغلب اللاجئين إلى أوراقٍ ثبوتية كجوازات السفر، فضلا عن تطعيم أكثر من 20 ألف طفل سوداني وإجراء عملية ولادة لـ850 سيدة سودانية.

وعن تخاذل وتراخي المجتمع الدولي، أكد العيضة أنّهُ ورغم مناشداتهم المستمرة للمنظمات الدولية لتقديم الدعم إلا أنها أوفت بـ10% من التزامها منذ بدء موجة النزوح، معربا عن أسفه لعدم إيفاء المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا تسيفاني خوري بوعودها.

إعلان

ولفت إلى أن الدعم الحالي ورغم محدوديته يأتي عن طريق الحكومة الليبية، في حين لم تحرك حكومة الوحدة ساكنا، مشددا على حاجة ليبيا والبلديات المتضررة إلى وقفةٍ جادة ودعم فعّال لمعالجة الأزمة المنسية.

ويصف المتحدث باسم بلدية الكفرة، عبد الله سليمان، الواقع المعيشي بالسيئ إذ يلجأ الوافدون إلى بناء هياكل بسيطة تشبه الخيام، ويفترشون الأرض ويلتحفون بقطع الأقمشة البالية، وهناك من يعيش في ظروف أكثر قساوة.

ولفت سليمان إلى استحالة إحصاء أعداد اللاجئين بدقة مرجعا السبب إلى الطبيعة العشوائية لدخولهم إلى مدينة الكفرة عبر عدة نقاط مفتوحة وليس فقط البوابة الرئيسية، مما يجعل الأعداد متغيرة باستمرار.

واعتبر أن التنسيق بين البلدية والمنظمات ضعيف للغاية، إذ تعمل الأخيرة بشكل منفرد دون تنسيق أو تواصل مع البلدية، لافتا إلى أن أبرز الاحتياجات الملحة تتمثل في سيارات لنقل القمامة المتكدسة نتيجة الأعداد الكبيرة ومضخات للمياه والمحولات الكهربائية والملابس والأغذية، إلى جانب تخصيص ميزانية طارئة تمكن المجلس البلدي من التعامل مع الحالات المستعجلة.

وبدوره أوضح وليد خالد منسق الإغاثة في الهلال الأحمر فرع الكفرة -للجزيرة نت- أن "الهلال" -وبالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي- وزع المعونات الغذائية على 11 ألفا و489 عائلة حتى الآن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مدینة الکفرة إلى مدینة إلا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

أكثر من 7000 عامل من مراكز الاحتيال في ميانمار ينتظرون العودة إلى أوطانهم بعد حملة إقليمية

فبراير 27, 2025آخر تحديث: فبراير 27, 2025

المستقلة/- أدت حملة جديدة على مراكز الاحتيال عبر الإنترنت إلى احتجاز أكثر من 7000 شخص من جميع أنحاء العالم في بلدة حدودية في ميانمار في انتظار إعادتهم إلى أوطانهم، ويقول أولئك الذين يساعدونهم إن العدد غير المسبوق يضغط على موارد تايلاند عبر الحدود ويؤدي إلى تأخيرات.

تأتي الحملة المنسقة بين تايلاند وميانمار والصين في أعقاب زيارة رئيسة الوزراء التايلاندية بايتونجتارن شيناواترا إلى بكين هذا الشهر، حيث أخبرت الزعيم الصيني شي جين بينج أن تايلاند ستتحرك ضد شبكات الاحتيال التي اجتذبت مئات الآلاف من الناس.

غالبًا ما يتم إغراؤهم بحجج كاذبة للعمل في مراكز الاحتيال في ميانمار وكمبوديا ولاوس، حيث يستغلون ماليًا الناس في جميع أنحاء العالم من خلاعلاقات غرامية كاذبة وعروض الاستثمار الوهمية ومخططات المقامرة غير القانونية.

يجد الكثيرون أنفسهم محاصرين في عبودية افتراضية.

ومن المتوقع أن يجتمع مسؤولون من تايلاند وميانمار والصين الأسبوع المقبل لمعالجة لوجستيات الحملة مع تزايد المخاوف بشأن أزمة إنسانية محتملة. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التايلاندية ثاناثيب ساوانجزانج لوكالة أسوشيتد برس إنهم يهدفون إلى وضع إرشادات لإعادة المهاجرين إلى أوطانهم لتجنب الارتباك.

وكجزء من حملة القمع التي تشنها تايلاند، قطعت أيضًا إمدادات الكهرباء والإنترنت والغاز عن عدة مناطق في ميانمار تستضيف مراكز احتيال على طول الحدود، مستشهدة بالأمن القومي.

وقالت إيمي ميلر، مديرة منظمة “أكت أوف ميرسي إنترناشيونال” في جنوب شرق آسيا ومقرها في ماي سوت بتايلاند على الحدود مع ميانمار، لوكالة أسوشيتد برس إنها لم تشهد إطلاق سراح مثل هذا العدد الضخم من الضحايا المحتملين للاتجار بالبشر.

وهي تعتقد أن السلطات التايلاندية تبذل قصارى جهدها، لكن المهمة شاقة.

وقالت: “إن القدرة على نقلهم إلى تايلاند ومعالجتهم وإيوائهم وإطعامهم ستكون مستحيلة بالنسبة لمعظم الحكومات. وهذا يتطلب من السفارات والحكومات المحلية لهؤلاء المواطنين تحمل المسؤولية عن مواطنيها. وهذا يتطلب حقًا نوعًا من الاستجابة العالمية”.

واعترف نائب رئيس الوزراء التايلاندي، فومتام ويشاي تشاي، يوم الثلاثاء بالمخاوف وقال إن الوكالات المعنية تعمل على الوضع بأسرع ما يمكن لتنسيق عمليات الإعادة.

وقال فومتام للصحفيين في بانكوك، في إشارة إلى سلطات ميانمار: “أنا قلق أيضًا من أنه إذا لم نسرع ​​في العملية، فستصبح مشكلة إذا لم يتمكنوا من التعامل معها والسماح لهم بالرحيل”.

تشمل القضايا اللوجستية التحقق من الهويات، مما أدى إلى تعقيد وإبطاء جهود إعادة البلدان، وفقًا لمصدر دبلوماسي مطلع بشكل مباشر على الوضع تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له التحدث إلى وسائل الإعلام حول هذه القضية.

أكثر من نصف السبعة آلاف المنتظرين صينيون، والبقية من مزيج من البلدان.

تم ترحيل أكثر من 600 صيني على مدى أربعة أيام الأسبوع الماضي. ونظرًا للعدد الكبير، تسمح تايلاند لبكين بالتعامل مع معظم عمليات المعالجة عند عودتهم إلى الصين. استأجرت الصين 16 رحلة جوية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، عبر نحو 260 شخصاً من 20 دولة، من إثيوبيا إلى البرازيل إلى الفلبين، من ميانمار إلى الحجز التايلاندي كجزء من الحملة. وقال مسؤولون تايلانديون إن أكثر من 100 شخص ما زالوا في تايلاند في انتظار إعادتهم إلى وطنهم.

تم تهريب العديد منهم إلى ميانمار عبر ماي سوت، التي أصبحت الآن مركزاً لجهود الإعادة الجماعية إلى الوطن.

وعلى الطريق إلى ماي سوت، عرضت نقاط التفتيش لافتات بالتايلاندية والإنجليزية والصينية تحذر التايلانديين والأجانب من خطر الاتجار بهم للعمل على طول حدود ميانمار. وقام الجنود يوم الأربعاء بتفتيش المركبات وطلبوا إثبات الهوية.

مقالات مشابهة

  • ضبط أكثر من 17 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع
  • مبادرة مناصرة اللاجئين السودانيين بمصر تعلن عن إطلاق حملتها سلة إفطار صائم
  • قوات الحدود تحبط محاولة تهريب أكثر من 22 كغم من المخدرات الى العراق
  • أكثر من 7000 عامل من مراكز الاحتيال في ميانمار ينتظرون العودة إلى أوطانهم بعد حملة إقليمية
  • هزة أرضية داخل الحدود العراقية جنوب شرق قضاء بدرة
  • ليبيا تعتمد على النفط أكثر من أي دولة إفريقية أخرى
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة الخليل وقرية في بيت لحم بالضفة الغربية
  • محافظ جنوب سيناء: قريبا وصول السكك الحديدية لـ مدينة طابا
  • الرئيس السوري والعاهل الأردني يبحثان أمن الحدود وعودة اللاجئين
  • أونروا: أكثر من 40 ألفا اضطروا إلى الفرار من منازلهم في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية